رئيس جامعة دمنهور يستقبل لجنة الأعلى للجامعات الأهلية لمتابعة جاهزية الجامعة    ارتفاع سعر جرام الذهب اليوم في الصاغة، عيار 21 وصل لهذا المستوى    مفاجأة لجميع موظفي الحكومة خلال الأسبوع الجاري    محافظة الجيزة: إزالة العوائق بمحيط مدرسة ترسا الجديدة بالطالبية    الولايات المتحدة تمنح إسرائيل الضوء الأخضر لفرض السيادة على الضفة الغربية    "الفاشر تحت الحصار".. هجمات دامية وتفاقم إنساني في دارفور(فيديو)    الجيش الإسرائيلي: تم إجلاء أكثر من 550 ألفا من سكان مدينة غزة    فيريرا يلقي محاضرة فنية بالفيديو على لاعبي الزمالك قبل مواجهة الجونة    السجل الذهبي.. برشلونة الأكثر تتويجًا بكأس العالم للأندية لكرة اليد وماجدبورج الثاني    العرب بلا ذهب للمرة الأولى منذ 10 سنوات في مونديال ألعاب القوى    حالة الطقس غدًا الإثنين 22-9 - 2025 بوادي النطرون    "الشؤون الدينية" تُعلن التسجيل لرخصة التطويف بالمسجد الحرام    أحمد العوضي يبدأ التحضير لأحدث أفلامه "البوب"    ابنة الوزير في مسلسل لن أعيش في جلباب أبي تتصدر التريند.. لهذا السبب    بفستان مثير.. مي سليم تخطف الأنظار في أحدث ظهور    هل الكسوف والخسوف غضب من الله؟ الأزهر للفتوى يجيب    دار الإفتاء: زواج الأخ من زوجة أخيه جائز بشرط    وكيل صحة الدقهلية يتفقد مستشفى المنزلة ويوجّه بحزمة إجراءات عاجلة    محافظ المنيا ورئيس هيئة الرعاية الصحية يبحثان تطبيق التأمين الصحي الشامل وتطوير الخدمات الطبية    بالمستند.. اكاديمية المعلم تقرر مد فترة التدريبات وحجز اداء الاختبارات امام اامعلمين للحصول علي شهادة الصلاحية    رسميًا.. اللواء أشرف نصار رئيساً لنادى البنك الأهلي والسرسي نائبًا    عبير صبري زوجة خالد الصاوي في زمالك بولاق.. وجلسة تصوير تضعها فى صدارة التريندات    سيد رجب ورياض الخولي يقدمان العزاء في شقيقة أحمد صيام    «فادي فريد يقود الهجوم».. الظهور الأول لتامر مصطفى لقيادة الاتحاد السكندري في مواجهة زد بالدوري (صور)    وزير العمل: جهود مكثفة لمواجهة شركات التوظيف الوهمية وحماية الشباب    عضو مركز الأزهر: ثلاثة أوقات تُكره فيها صلاة النفل بلا سبب    ايتيدا تفتح باب التقدم للشركات الناشئة للمشاركة في Web Summit 2025 بمدينة لشبونة    دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة يناير 2026    موانع التطعيمات المقررة للتلاميذ داخل المدارس    ثلاثة عوامل خطرة تزيد من احتمال الإصابة بمرض الكبد الدهني القاتل    موعد صلاة العشاء ليوم الأحد .. ومن صالح الدعاء بعد ختم الصلاة    العراق يشغل أول محطة لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية جنوبي بغداد    شريهان أشرف تقدّم خطوات مكياج دافئ وهادئ لخريف 2025 في «ست ستات» على DMC    في واقعة الإسورة الأثرية.. النيابة توصي بمنع دخول حقائب مرممي الآثار وتفتيشهم عند الخروج وتركيب كاميرات مراقبة    تفاصيل انفجار خط غاز بحر مويس في بنها بسبب خطأ سائق حفار.. فيديو وصور    تنفيذ قرارات إغلاق لعدد من المحلات المخالفة جنوب الغردقة    تأجيل محاكمة 11 متهما بقضية "خلية حلوان" لجلسة 2 نوفمبر المقبل    مصرع 3 عناصر إجرامية في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن بالبحيرة    أدعية الصباح اليوم.. طاقة روحانية وسكينة في النفوس    السودان.. مقتل مسئول حكومي شمال دارفور ونزوح 7500 شخص بالفاشر    135 مخالفة زيادة أجرة وخطوط سير خلال حملة بمواقف الفيوم "صور"    إعلامي: كارلوس كيروش سيكون مديرا فنيا للأهلي ولكن بشرط    الرئيس السيسي يوجه برد مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب    محافظ المنوفية: 550 مليون جنيه استثمارات لتطوير التعليم بالمحافظة    العالم يشهد اليوم كسوفًا جزئيًا في الشمس.. هل تظهر في مصر؟    البيت الأبيض يحدد صفقة «تيك توك» التي تمنح أمريكا السيطرة على الخوارزمية    غياب لامين يامال.. قائمة برشلونة لمباراة خيتافي في الدوري الإسباني    4 أفلام في 2025.. مصطفى غريب يحصد جائزة أفضل ممثل كوميدي من «دير جيست»    فوز السكة الحديد وبروكسي.. نتائج مباريات الأحد في الدور التمهيدي لكأس مصر    سعر الذهب في مصر يقفز بنحو 8 أضعاف في 9 سنوات (انفوجرافيك)    مدينة الدواء "جيبتو فارما".. أمان دوائي لمصر واستثمار في صحة المواطن| فيديو    أستراليا تعلن اعترافها رسميًا بدولة فلسطين    البورصة المصرية تخسر 11.3 مليار جنيه في ختام تعاملات الأحد    وكيل «تعليم بورسعيد» يشهد أول طابور صباحي بالعام الدراسي الجديد (فيديو)    انطلاق برنامج "بالعبرى الصريح" مع هند الضاوي على القاهرة والناس    تنورة وعروض فنية.. مدارس دمياط تستقبل العام الدراسي الجديد.. ولجنة وزارية تتفقد مدارس المحافظة (فيديو)    توزيع البلالين والأعلام على التلاميذ يتصدر مشهد أول يوم دراسة ببني سويف    رغم العراقيل الإسرائيلية.. قوافل "زاد العزة" تواصل طريقها من مصر إلى غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتحار .. هرباً من كوابيس الواقع
الانتحار .. هرباً من كوابيس الواقع
نشر في أخبار الأدب يوم 13 - 06 - 2010

photo:Hassanzadeh منذ أيام فوجئ المارة علي كوبري قصرالنيل أحد أهم أرصفة الحب بالقاهرة, بشاب ينتحر شنقاً. ربط حبلاً بأحد أعمدة الكوبري ولف طرفه حول رقبته ثم طوح بنفسه في الهواء كاتباً نهاية مأساوية لنفسه. المنظر كان بشعاً بالدماء التي تغرق ملابسه. وجدوا في جيبه ثمانية عشر جنيهاً ونصف، ورسالة إلي حبيبته مني يخبرها فيها بأنه انتحر لأنه عجز عن توفير نفقات الزواج منها ثم طالبها أن تذكره. المتابعات الصحفية حول الحادث أضافت قصة صغيرة إلي السابقة. أنه كان متزوجاً من سيدة ميسورة تكبره بأحد عشر عاماً. كان يطمح في تكوين أسرة علي الرغم من رفض الأسرة لهذه الزيجة التي تعني أنه فقد بوصلة الذكورة الشرقية التي ترفض إنفاق المرأة علي رجل، ثم اكتشف أنها لا تنجب فطلقها وأحب مني، وهنا أطل الواقع القاسي ليكتب النهاية السوداء السابقة!
الانتحار أصبح خبراً عادياً في الجرائد خلال الفترة الأخيرة. الأخبار انتقلت من صفحات الحوادث الداخلية إلي الأولي نظراً لغرابتها وميلودراميتها، ولأسباب تتعلق بالواقع القاسي الذي يضغط علي البشر الآن. شاب يلقي نفسه تحت عجلات قطار المترو المخيفة، صبي في الإعدادية يرفض مدرسه السماح له بالذهاب إلي الحمام أثناء الحصة فينتظر قليلاً قبل أن يصعد إلي طابق علوي ويلقي بنفسه، فتاة تنهي حياتها لتخلّص والدها من مصروفات كليتها "السياحة والفنادق"، ورجل ينتحر في المسجد مختاراً بيت الله -الذي نهي تماماً عن هذا الفعل- مكاناً للموت.. ففي الكتاب المقدّس إذا أقدم شخص علي الانتحار، فإنّه لم يفعل سوي أنه قد قصر رحلته إلي بحيرة النار. يذكر الكتاب المقدس أربعة أشخاص أقدموا علي الانتحار: شاول (صموئيل الأولي 4:31)، أخيتوفل (صموئيل الثانية 23:17)، زمري (الملوك الأول 18:16)، ويهوذا (متي 5:27). هؤلاء الرجال كانوا رجالاً أشراراً وخطاة.
الأديان تري الانتحار اغتصاباً لأفعال الله. ,الكتاب المقدس يعتبر أن الانتحار مساو للقتل، فالله وحده هو الذي يقرر كيف ومتي يموت الشخص. أن تأخذ هذه السلطة في يدك هو تجديف علي الله وفقا لتعاليم الدين. والانتحار خطيئة حيث لا توجد ظروف يمكنها تبرير ذلك الفعل وبصفة خاصة للمسيحي. المسيحي مدعو أن يحيا حياته لله. وقرار متي يموت هو في يد الله وحده.
وفي القرآن "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً" (النساء: 29).
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحسّاه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً و من تردي من جبل فقتل نفسه فهو يتردي في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً".
كل هذا الإرث الروحي يجعل الانتحار فعلاً صعباً في مثل مجتمعنا، فما الذي حدث، وهل أصبح الواقع القاسي أكبر من الوازع الديني؟
تقول الدكتورة عزة عزت إنّ الواقع الضاغط، والصعب، أصبح أكبر من الوازع الديني، خاصة أنّ هذا الوازع يرتبط بتديّن شكلاني، لا يهتم سوي بالحجاب، والنقاب، واللحية: "لقد حدثت تحولات في الشخصية المصرية، أصبحت تميل إلي المظهرية عن التدين الحقيقي"!
تضيف: "أنتم لا تستطيعون تخيّل مدي ضغط الواقع علي الشباب الآن، مفهوم الفقر نفسه اختلف، كان الشاب يرتدي (جاكت) أو حذاء مقطوعاً، ولكن كان يحدوه الأمل في أن يكون شيئاً بعد تخرجه في الجامعة، كان يفكر في أنه سيحصل مثلاً علي 17 جنيهاً، والفتاة التي يرتبط بها ستحصل علي نفس المبلغ، ويمكن للمجموع أن يضمن بداية ما، أما في اللحظة الحاضرة فالشاب يكون يائساً تماماً، وقد شعرت بدهشة عظيمة حينما استمعت إلي شاب يحدّث فتاة في الجامعة عن طموحه بعد التخرج، فقد وجدته يؤكد لها أنه سيشتري (توك توك) وسيعمل عليه"!
الدكتورة عزة أشارت إلي أنّ لحظة الانتحار هي لحظة جنون، ويسيطر فيها اليأس التام علي الشخص، وحتي وإن بدا لنا سبب يأسه تافهاً، أو غير معقول: "الحياة تساوي الموت بالنسبة لكثيرين الآن، والطالب الجامعي مثلاً يعرف أنه سيتخرج وينضم إلي طابور طويل من العاطلين، ويكون مستعداً للتخلص من نفسه فوراً لو أنّ لحظة الجنون واليأس سيطرت عليه تماماً"!
لا تري الدكتورة عزة أنّ غرابة قصص الانتحار تشكل ظاهرة: "أنا أعلم أن الأمور ستسوء بشكل أقوي مما هي عليه الآن، وقد كنت أرصد دائماً التحولات في الواقع والشخصية المصرية، وتردي الواقع كان يشير دائماً إلي ما يحدث الآن، وأعتقد أن مصر مقبلة علي مرحلة من الظلام التام، إلا لو حدث تغيير حقيقي علي جميع المستويات"!
ولكن لماذا يقدم صبي علي الانتحار لسبب بسيط مثل رفض المدرس السماح له بالذهاب إلي الحمام؟ تقول: "في الانتحار ينبغي دراسة كل حالة علي حدة، ومن المؤكد أن لحظة الانتحار أو الجنون بالنسبة إلي كل شخص تمثل القشة التي قسمت ظهر البعير، ربما يكون هذا الطالب فقيراً، يحقد علي زملائه، ربما يقارن بين عالمه الصعب، وتلك العوالم التي يري أنها أكثر جمالاً لكنه لا يستطيع الالتحاق بها"!
التاريخ والأدب لا يعدمان قصص الانتحار..
عادت كليوباترا إلي الإسكندرية بعد خسارتها، وخافت أن يتم أسرها مثلما حدث مع أختها كليوباترا السادسة، وقررت الانتحار عن طريق لدغة أفعي الأصلة السامة. لم تكن تريد أن تمشي في شوارع روما كأسيرة مكبلة بالحديد في مواكب النصر الرومانية الخاصة بأكتافيوس!
أما أنّا كارنينا فقد ألقت بنفسها تحت عجلات القطار لتتخلص من ألمها العاطفي، يعلّق ميلان كونديرا: "حتي لو كان فرونسكي لا يزال يحبها، فإنها تخاف حبه، ترهقها وتهيجها علي نحو مرضي غيرتها، تشعر أنها في فخ، أجل، كل هذا واضح، لكن هل يضمر المرء الانتحار عندما يقع في فخ؟ كثير من الناس يعتادون العيش في فخ"!_
يتفق معظم علماء الاجتماع علي أن الانتحار له مرجعية واقعية، وتشير الدكتورة هناء الجوهري إلي أنّ إميل دور كايم أرجع ظاهرة الانتحار إلي الضغوط الاجتماعية، وتقول: "حتي نفهم الأمر بشكل صحيح نقول إنّ هذه الضغوط تكون في منتهي التناقض أحياناً، فقد تأتي بسبب الفقر المدقع، أو الرّفاهية الكبيرة، الانتحار لدينا يتمّ بسبب مشاكل الفقر، وفي السويد بسبب الرفاهية"..
وتضيف: "لا شك لديّ في أن المنتحر لديه خلل نفسي، يساعده علي التخلّص من نفسه خاصة في ظل تحلل الوازع الديني في المجتمع المصري الآن"!
تشير الدكتورة هناء إلي أنه لا توجد إحصائيات دقيقة لحوادث الانتحار: "ولكن أنا متأكدة من ازديادها وغرابتها في الآونة الأخيرة، وأظن أنها ستستمرّ في الازدياد.. مع تحوّل السطو المسلّح في الشوارع إلي ظاهرة، وهو ما يعني أننا مقبلون علي كارثة"!
هذا عن رأي علماء الاجتماع فماذا عن علماء النفس؟
يقول الدكتور فيصل يونس إن حوادث الانتحار التي تقع بالمجتمع المصري لا تشير إلي ظاهرة إذا نظرنا إلي تعداد السكان الذي يبلغ 80 مليوناً، فالظاهرة يتم قياسها بنسب مئوية: "ورغم هذا فإن تلك الحوادث في احتياج إلي دراسة، وهي تعكس حالة من الاضطراب يعانيها المجتمع، والمنتحر عموماً يعاني حالة اكتئاب حادة، وللأسف لا يوجد لدينا حصر بالمكتئبين، هناك تقصير شديد في هذا الصدد، وأيضاً في حصر الأمراض النفسية التي يعانيها السكان بشكل عام، وهو ما يعني أننا لن نعرف أبداً متي ستقع محاولات الانتحار حتي يمكن تلافيها"!
وقال: "في الدول الإسكندنافية يحدث الانتحار بسبب معاناة الأشخاص من الوحدة، أما في مجتمعنا فهناك أسباب أخري للمعاناة، منها الفقر الشديد، والجهل والبطالة، والانهيار الاقتصادي، ولكن كلها أسباب مباشرة، أما السبب الخفي فهو أن المنتحر يكون لديه استعداد للانتحار، فمثلاً نحن جميعاً نعاني من حالة الانهيار الاقتصادي، ولكننا لا نُقدم جميعاً علي الانتحار"!
رغم اختلاف كلام يونس عن سابقه إلا أنّ هناك أمراً بديهياً لا يمكن الجدال فيه، وهو أن الواقع أصبح كابوساً.. وهناك من يفضل الانتحار هرباً من ذلك الكابوس!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.