نائب محافظ شمال سيناء يتفقد قرية الطويل بمركز العريش    الدولار ب50.1 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 18-6-2025    إنفوجراف: الحكومة تحسم الجدل وتطرح مشروع قانون شامل لإعادة تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر    إيران: بدأت نهاية إسرائيل وفرضنا سيطرة كاملة على أجوائها    جيش الاحتلال يعلن قصف مجمعا لتطوير الصواريخ شرق طهران    الحرس الثوري يدعو الإسرائيليين لإخلاء منطقة بتل أبيب    ترامب يختتم اجتماعه بفريق الأمن القومي الأمريكي وسط تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران    إعلام إيرانى: هجوم قرب مركز للقوات الخاصة الإيرانية شرقى طهران    مؤتمر جوارديولا: كرة القدم ازدهرت في شمال إفريقيا وأعلم أين خطورة الوداد.. وهذا موقف جريليتش    "تذكروا العشرة".. أول رد فعل من حسين الشحات بعد مباراة إنتر ميامي في كأس العالم للأندية    لسوء الأحوال الجوية.. تأجيل مباراة صنداونز وأولسان في كأس العالم للأندية (صور)    خاص| محافظ القاهرة: حالتا وفاة و4 مصابين جراء انهيار عقار في السيدة زينب    «هديله 500 جنيه مصروف بس يطلع عايش».. مأساة أب فقد نجله تحت عقار السيدة زينب المنهار    التفاصيل الكاملة لاختبارات القدرات لطلاب الثانوية، الأعلى للجامعات يستحدث إجراءات جديدة، 6 كليات تشترط اجتياز الاختبارات، خطوات التسجيل وموعد التقديم    سعر الجمبري والكابوريا والأسماك في الأسواق اليوم الأربعاء 18 يونيو 2025    ريفر بليت ينتصر على أوراوا ريدز بثلاثية في كأس العالم للأندية 2025    القاهرة الإخبارية: استهداف قاعدة ميرون الجوية شمال إسرائيل    المستشار محمود فوزي نافيا شائعات وسط البلد: قانون الإيجار القديم يعالج مشكلة مزمنة ولن يُترك أحد بلا مأوى    نتيجة الصف الثالث الإعدادي 2025 بالغربية تقترب من الظهور رسميًا.. الموعد الرسمي    عاجل.. اللقطات الأولى لعقار السيدة زينب المنهار    وفاة سيدة وإصابة شخصين بسبب انهيار منزل فى السيدة زينب    مينا مسعود: السقا نمبر وان في الأكشن بالنسبة لي مش توم كروز (فيديو)    غادة عبدالرازق راقصة كباريه في فيلم «أحمد وأحمد» بطولة السقا وفهمي (فيديو)    أطفال الغربية تتوافد لقصر ثقافة الطفل بطنطا للمشاركة في الأنشطة الصيفية    نجوم الزمالك يشعلون حفل زفاف ناصر منسي بالشرقية ورقص الأسطورة يخطف الأنظار (فيديو)    محمود سعد يعود ببرنامج «باب الخلق».. أولى الحلقات 22 يونيو    إعلام إسرائيلى: صفارات الإنذار تدوى فى منطقة البحر الميت    معدن أساسي للوظائف الحيوية.. 7 أطعمة غنية بالماغنسيوم    الكشف المبكر ضروري لتفادي التليف.. ما علامات الكبد الدهني؟    التضامن الاجتماعي: إجراء 2491 عملية قلب مجانية للأولى بالرعاية بالغربية    طريقة عمل الآيس كوفي، بمكونات اقتصادية واحلى من الجاهز    كأس العالم للأندية 2025| باتشوكا يواجه سالزبورج بصافرة عربية    صافرات إنذار وانفجارات تدوي في تل أبيب بعد إطلاق صواريخ إيرانية على إسرائيل    جاكلين عازر تهنئ الأنبا إيلاريون بمناسبة تجليسه أسقفا لإيبارشية البحيرة    أعمال الموسيقار بليغ حمدي بأوبرا الإسكندرية.. الخميس    لاعب الهلال السعودي يقلل من غياب مبابي عن اللقاء المرتقب    سعر الفراخ البلدي والبيضاء وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الأربعاء 18 يونيو 2025    الشيخ أحمد البهى يحذر من شر التريند: قسّم الناس بسبب حب الظهور (فيديو)    إيران تعلن التصدي لهجوم جوي إسرائيلي فوق مناطق متفرقة    أول رد من إمام عاشور بعد أنباء رحيله عن بعثة الأهلي    نجم سموحة: الأهلي شرف مصر في كأس العالم للأندية وكان قادرًا على الفوز أمام إنتر ميامي    أسعار الزيت والسلع الأساسية اليوم في أسواق دمياط    الجبنة والبطيخ.. استشاري يكشف أسوأ العادات الغذائية للمصريين في الصيف    أخبار 24 ساعة.. مجانا برقم الجلوس.. اعرف نتيجة الشهادة الإعدادية بالقاهرة    علي الحجار يؤجل طرح ألبومه الجديد.. اعرف السبب    رسميًا.. فتح باب التقديم الإلكتروني للصف الأول الابتدائي الأزهري (رابط التقديم وQR Code)    الأبيدى: الإمامان الشافعى والجوزى بكيا من ذنوبهما.. فماذا نقول نحن؟    الغرفة التجارية تعرض فرص الاستثمار ببورسعيد على الاتحاد الأوروبى و11 دولة    النفط يقفز 4% عند إغلاق تعاملات الثلاثاء بدعم من مخاوف ضربة أمريكية لإيران    العدل يترأس لجنة لاختبار المتقدمين للالتحاق بدورات تدريبية بمركز سقارة    «الربيع يُخالف جميع التوقعات» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الأربعاء    تعليم الغربية: 30 يونيو آخر موعد للتقديم فى رياض الأطفال والصف الأول    اللواء نصر سالم: الحرب الحديثة تغيرت أدواتها لكن يبقى العقل هو السيد    فضل صيام رأس السنة الهجرية 2025.. الإفتاء توضح الحكم والدعاء المستحب لبداية العام الجديد    جامعة دمياط تتقدم في تصنيف US News العالمي للعام الثاني على التوالي    الشيخ خالد الجندي يروي قصة بليغة عن مصير من ينسى الدين: "الموت لا ينتظر أحدًا"    محافظ الأقصر يوجه بصيانة صالة الألعاب المغطاة بإسنا (صور)    أمين الفتوى يكشف عن شروط صحة وقبول الصلاة: بدونها تكون باطلة (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتحار .. هرباً من كوابيس الواقع
الانتحار .. هرباً من كوابيس الواقع
نشر في أخبار الأدب يوم 13 - 06 - 2010

photo:Hassanzadeh منذ أيام فوجئ المارة علي كوبري قصرالنيل أحد أهم أرصفة الحب بالقاهرة, بشاب ينتحر شنقاً. ربط حبلاً بأحد أعمدة الكوبري ولف طرفه حول رقبته ثم طوح بنفسه في الهواء كاتباً نهاية مأساوية لنفسه. المنظر كان بشعاً بالدماء التي تغرق ملابسه. وجدوا في جيبه ثمانية عشر جنيهاً ونصف، ورسالة إلي حبيبته مني يخبرها فيها بأنه انتحر لأنه عجز عن توفير نفقات الزواج منها ثم طالبها أن تذكره. المتابعات الصحفية حول الحادث أضافت قصة صغيرة إلي السابقة. أنه كان متزوجاً من سيدة ميسورة تكبره بأحد عشر عاماً. كان يطمح في تكوين أسرة علي الرغم من رفض الأسرة لهذه الزيجة التي تعني أنه فقد بوصلة الذكورة الشرقية التي ترفض إنفاق المرأة علي رجل، ثم اكتشف أنها لا تنجب فطلقها وأحب مني، وهنا أطل الواقع القاسي ليكتب النهاية السوداء السابقة!
الانتحار أصبح خبراً عادياً في الجرائد خلال الفترة الأخيرة. الأخبار انتقلت من صفحات الحوادث الداخلية إلي الأولي نظراً لغرابتها وميلودراميتها، ولأسباب تتعلق بالواقع القاسي الذي يضغط علي البشر الآن. شاب يلقي نفسه تحت عجلات قطار المترو المخيفة، صبي في الإعدادية يرفض مدرسه السماح له بالذهاب إلي الحمام أثناء الحصة فينتظر قليلاً قبل أن يصعد إلي طابق علوي ويلقي بنفسه، فتاة تنهي حياتها لتخلّص والدها من مصروفات كليتها "السياحة والفنادق"، ورجل ينتحر في المسجد مختاراً بيت الله -الذي نهي تماماً عن هذا الفعل- مكاناً للموت.. ففي الكتاب المقدّس إذا أقدم شخص علي الانتحار، فإنّه لم يفعل سوي أنه قد قصر رحلته إلي بحيرة النار. يذكر الكتاب المقدس أربعة أشخاص أقدموا علي الانتحار: شاول (صموئيل الأولي 4:31)، أخيتوفل (صموئيل الثانية 23:17)، زمري (الملوك الأول 18:16)، ويهوذا (متي 5:27). هؤلاء الرجال كانوا رجالاً أشراراً وخطاة.
الأديان تري الانتحار اغتصاباً لأفعال الله. ,الكتاب المقدس يعتبر أن الانتحار مساو للقتل، فالله وحده هو الذي يقرر كيف ومتي يموت الشخص. أن تأخذ هذه السلطة في يدك هو تجديف علي الله وفقا لتعاليم الدين. والانتحار خطيئة حيث لا توجد ظروف يمكنها تبرير ذلك الفعل وبصفة خاصة للمسيحي. المسيحي مدعو أن يحيا حياته لله. وقرار متي يموت هو في يد الله وحده.
وفي القرآن "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً" (النساء: 29).
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحسّاه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً و من تردي من جبل فقتل نفسه فهو يتردي في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً".
كل هذا الإرث الروحي يجعل الانتحار فعلاً صعباً في مثل مجتمعنا، فما الذي حدث، وهل أصبح الواقع القاسي أكبر من الوازع الديني؟
تقول الدكتورة عزة عزت إنّ الواقع الضاغط، والصعب، أصبح أكبر من الوازع الديني، خاصة أنّ هذا الوازع يرتبط بتديّن شكلاني، لا يهتم سوي بالحجاب، والنقاب، واللحية: "لقد حدثت تحولات في الشخصية المصرية، أصبحت تميل إلي المظهرية عن التدين الحقيقي"!
تضيف: "أنتم لا تستطيعون تخيّل مدي ضغط الواقع علي الشباب الآن، مفهوم الفقر نفسه اختلف، كان الشاب يرتدي (جاكت) أو حذاء مقطوعاً، ولكن كان يحدوه الأمل في أن يكون شيئاً بعد تخرجه في الجامعة، كان يفكر في أنه سيحصل مثلاً علي 17 جنيهاً، والفتاة التي يرتبط بها ستحصل علي نفس المبلغ، ويمكن للمجموع أن يضمن بداية ما، أما في اللحظة الحاضرة فالشاب يكون يائساً تماماً، وقد شعرت بدهشة عظيمة حينما استمعت إلي شاب يحدّث فتاة في الجامعة عن طموحه بعد التخرج، فقد وجدته يؤكد لها أنه سيشتري (توك توك) وسيعمل عليه"!
الدكتورة عزة أشارت إلي أنّ لحظة الانتحار هي لحظة جنون، ويسيطر فيها اليأس التام علي الشخص، وحتي وإن بدا لنا سبب يأسه تافهاً، أو غير معقول: "الحياة تساوي الموت بالنسبة لكثيرين الآن، والطالب الجامعي مثلاً يعرف أنه سيتخرج وينضم إلي طابور طويل من العاطلين، ويكون مستعداً للتخلص من نفسه فوراً لو أنّ لحظة الجنون واليأس سيطرت عليه تماماً"!
لا تري الدكتورة عزة أنّ غرابة قصص الانتحار تشكل ظاهرة: "أنا أعلم أن الأمور ستسوء بشكل أقوي مما هي عليه الآن، وقد كنت أرصد دائماً التحولات في الواقع والشخصية المصرية، وتردي الواقع كان يشير دائماً إلي ما يحدث الآن، وأعتقد أن مصر مقبلة علي مرحلة من الظلام التام، إلا لو حدث تغيير حقيقي علي جميع المستويات"!
ولكن لماذا يقدم صبي علي الانتحار لسبب بسيط مثل رفض المدرس السماح له بالذهاب إلي الحمام؟ تقول: "في الانتحار ينبغي دراسة كل حالة علي حدة، ومن المؤكد أن لحظة الانتحار أو الجنون بالنسبة إلي كل شخص تمثل القشة التي قسمت ظهر البعير، ربما يكون هذا الطالب فقيراً، يحقد علي زملائه، ربما يقارن بين عالمه الصعب، وتلك العوالم التي يري أنها أكثر جمالاً لكنه لا يستطيع الالتحاق بها"!
التاريخ والأدب لا يعدمان قصص الانتحار..
عادت كليوباترا إلي الإسكندرية بعد خسارتها، وخافت أن يتم أسرها مثلما حدث مع أختها كليوباترا السادسة، وقررت الانتحار عن طريق لدغة أفعي الأصلة السامة. لم تكن تريد أن تمشي في شوارع روما كأسيرة مكبلة بالحديد في مواكب النصر الرومانية الخاصة بأكتافيوس!
أما أنّا كارنينا فقد ألقت بنفسها تحت عجلات القطار لتتخلص من ألمها العاطفي، يعلّق ميلان كونديرا: "حتي لو كان فرونسكي لا يزال يحبها، فإنها تخاف حبه، ترهقها وتهيجها علي نحو مرضي غيرتها، تشعر أنها في فخ، أجل، كل هذا واضح، لكن هل يضمر المرء الانتحار عندما يقع في فخ؟ كثير من الناس يعتادون العيش في فخ"!_
يتفق معظم علماء الاجتماع علي أن الانتحار له مرجعية واقعية، وتشير الدكتورة هناء الجوهري إلي أنّ إميل دور كايم أرجع ظاهرة الانتحار إلي الضغوط الاجتماعية، وتقول: "حتي نفهم الأمر بشكل صحيح نقول إنّ هذه الضغوط تكون في منتهي التناقض أحياناً، فقد تأتي بسبب الفقر المدقع، أو الرّفاهية الكبيرة، الانتحار لدينا يتمّ بسبب مشاكل الفقر، وفي السويد بسبب الرفاهية"..
وتضيف: "لا شك لديّ في أن المنتحر لديه خلل نفسي، يساعده علي التخلّص من نفسه خاصة في ظل تحلل الوازع الديني في المجتمع المصري الآن"!
تشير الدكتورة هناء إلي أنه لا توجد إحصائيات دقيقة لحوادث الانتحار: "ولكن أنا متأكدة من ازديادها وغرابتها في الآونة الأخيرة، وأظن أنها ستستمرّ في الازدياد.. مع تحوّل السطو المسلّح في الشوارع إلي ظاهرة، وهو ما يعني أننا مقبلون علي كارثة"!
هذا عن رأي علماء الاجتماع فماذا عن علماء النفس؟
يقول الدكتور فيصل يونس إن حوادث الانتحار التي تقع بالمجتمع المصري لا تشير إلي ظاهرة إذا نظرنا إلي تعداد السكان الذي يبلغ 80 مليوناً، فالظاهرة يتم قياسها بنسب مئوية: "ورغم هذا فإن تلك الحوادث في احتياج إلي دراسة، وهي تعكس حالة من الاضطراب يعانيها المجتمع، والمنتحر عموماً يعاني حالة اكتئاب حادة، وللأسف لا يوجد لدينا حصر بالمكتئبين، هناك تقصير شديد في هذا الصدد، وأيضاً في حصر الأمراض النفسية التي يعانيها السكان بشكل عام، وهو ما يعني أننا لن نعرف أبداً متي ستقع محاولات الانتحار حتي يمكن تلافيها"!
وقال: "في الدول الإسكندنافية يحدث الانتحار بسبب معاناة الأشخاص من الوحدة، أما في مجتمعنا فهناك أسباب أخري للمعاناة، منها الفقر الشديد، والجهل والبطالة، والانهيار الاقتصادي، ولكن كلها أسباب مباشرة، أما السبب الخفي فهو أن المنتحر يكون لديه استعداد للانتحار، فمثلاً نحن جميعاً نعاني من حالة الانهيار الاقتصادي، ولكننا لا نُقدم جميعاً علي الانتحار"!
رغم اختلاف كلام يونس عن سابقه إلا أنّ هناك أمراً بديهياً لا يمكن الجدال فيه، وهو أن الواقع أصبح كابوساً.. وهناك من يفضل الانتحار هرباً من ذلك الكابوس!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.