بعد مقتل أربعة مواطنين مصريين بالخارج في حوادث ودول متفرقة في أقل من شهر تساءل المصريين .. هل ما حدث تجاه مواطنينا بالخارج يعود إلى تراجع دور مصر الخارجي والإقليمي ؟ أم أن ذلك لا يتعدى كونه مجرد حوادث عادية ، لكنها تزامنت في وقت قريب ، مما جعلنا نتصور أن ذلك مخطط ضد المصريين العاملين بالخارج ؟ وبعيد عن تلك التساؤلات فإننا نتساءل في رقبة من أرواح هؤلاء الأبرياء ؟ وما الذي جعل الحوادث الأربعة تتشابه في بشاعتها ضد القتلى ؟ والذين يمكننا أن نصفهم ب " شهداء " ، لأنهم قتلوا في عملهم بالخارج أي في غربة ، دون ذنب جنوه ، ودون التعدي على حقوق أحد من أهالي تلك الدول التي قتلوا فيها ، وكيف يمكن لوزارة الخارجية منع تكرار مثل تلك الحوادث الهمجية ، التي يرى البعض أنها انتقام من اسم مصر وليس من مجرد مواطن مصري ، وكيف يمكن للمصريين العاملين الآن بالخارج أن يؤمنوا على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم في بلاد من الممكن أن يلقوا فيها حتفهم في أي وقت ؟ كانت أولى حوادث القتل التي تعرض لها المصريون بالخارج وأكثرها بشاعة في التنفيذ هي حادثة مقتل الشاب المصري محمد سليم مسلم والذي قتل على أيدي مئات الأهالي من قرية كترمايا اللبنانية ، وكان ذلك على مرأى من رجال الشرطة هناك والذين لم يتدخلوا لحماية الشاب المتهم في قضية قتل أربعة من اللبنانيين ، ولم تثبت التهمة عليه بعد ، ونفذت الجريمة النكراء أثناء قيادة الشرطة للشاب المصري لتمثيل الجريمة التي ارتكبها على حد زعم السلطات اللبنانية فقام الأهالي باختطافه من أيدي الشرطة وقاموا بقتله وسحله ثم علقوه من رقبته على عامود إنارة والتفوا حوله مهللين بانتقامهم منه وصوروه بهواتفهم المحمولة والتقطوا صوراً تذكارية بجانب جثته المعلقة ، وقد أثارت تلك الجريمة البشعة الرؤى العام المصري الذي اعتبرها أهانه لمصر حكومة وشعباً فكان من الأولى أن يحاكم مسلم في حال ثبوت التهمة عليه بدلا من تلك الوحشية التي تعاملوا بها معه. وفى وقت قريب من حادث لبنان الوحشي وقبل وصول جثة القتيل وصلتنا أنباء عن مقتل مهندس مصري يعمل في نيجيرياً على أيدي مسلحين مجهولين ، وجاءت الجريمة أيضاً في منتهى البشاعة والوحشية ، حيث قام المسلحون بنصب كمين للمهندس سامي بركات فى منطقة تدعى دلتا النيجر .. أما الحادث الثالث فقد وقع في دولة الكويت العربية " الشقيقة " وبالتحديد فى منطقة تسمى الجهراء ، حيث أوردت تقارير صحفية كويتية خبر وصول شاب مصرى مقيم بالكويت إلى إحدى المستشفيات هناك ليلفظ أنفاسه الأخيرة قبل سؤاله أو التحقيق معه حول ما حدث ، وقد كشفت تحريات الأمن الكويتي عن قيام ثلاثة سوريين ووالدهم بالاعتداء على الشاب المصري الذي يعمل مديراً لأحد المطاعم هناك ، اثر خلاف نشب بينهم حول مكان يقوم المجني عليه بركن سيارته فيه فانهالوا عليه بالسواطير حتى فارق الحياة.. أما الحادثة الرابعة فكانت في اليونان حيث تلقت السفارة المصرية بأثينا خبراً من السلطات اليونانية يفيد بعثور الأخيرة على جثة شاب مصرى مقطعة وملقاة في ثلاث حقائب بجوار أحد صناديق جمع القمامة ، وقد دلت التحريات أن الجثة لشاب مصرى يدعى أشرف عبد الحفيظ يعمل مقاول كهربائي ويقيم في محافظة كاليثيا منذ ما يزيد عن 13 عام . وجاءت الحوادث الأربع فى أقل من شهر لترفع من حدة الغضب الشعبي نظراً لتقارب المدة التى وقعت فيها الحوادث ، الأمر الذى دعا الرأى العام للتفكير فى أن هناك شيء ما مدبر ضد المصريين العملين بالخارج ، خاصة أن العمالة المصرية بالخارج تعد واحدة من مصادر الدخل القومى المهمة والتى تعتمد عليها الدولة بشكل كبير إلى جانب قناة السويس والسياحة ، كما أن عمل المصريين بالخارج يحسن من دخول هؤلاء العاملين أنفسهم ، والأمر الذى أصاب الرأى العام بالصدمة والدهشة هو ذلك الرد الذى رآه البعض لا يتناسب مع حجم الجرائم المرتكبة من جانب الخارجية المصرية والسفارات المختلفة بالدول التى وقعت فيها تلك الجرائم ، بالإضافة إلى عدم اكتفاء القتلة بارتكاب جريمتهم بل يقومون بالتمثيل بالجثث ، وهو الأمر الذى نهت عنه الأديان السماوية وكذلك الأعراف والقوانين الدولية.. والمشاهد لتلك الحوادث البشعة التى تعرض لها المصريون وكثير غيرهم من قبل من تعرضوا لمثل تلك الإهانات ، والتي ربما لم تصل فى كثير من الأحيان إلى حد القتل والتمثيل بالجثث ، ولا يمكن أن ننسى ما تعرض له المصريون فى ليبيا أو السعودية ، يرى أن هناك رابط بينها وبين ما تعرض له الجمهور المصرى فى أحداث مباراة المنتخب مع نظيره الجزائرى فى تصفيات كأس العالم 2010 فى السودان ، وبعدها الاعتداء على آلاف المصريين العاملين بالجزائر وترويع وتهديد بعضهم بالقتل ، الأمر الذى يراه مراقبون قد استفحل تجاه مصر من جانب الدول العربية التى كثيراً ما دافعت مصر عن حقوقها ووقفت إلى جوارها فى أزماتها ، والأمر الكارثي هو ضعيف الرد على تلك الحوادث من جانب الحكومة متمثلة فى وزارة الخارجية وسفارات الدول ، واكتفائها بعبارات الشجب والإدانة والاستنكار التى اعتادت آذاننا على سماعها. ويرى البعض أن ردود الأفعال الرسمية من جانب الحكومة المصرية والتى تعتمد على مجرد الشجب والإدانة ترجع إلى عجزها عن اتخاذ إجراءات قوية ضد مرتكبى الجرائم ضد مصريين أو حتى اتخاذ إجراءات لملاحقة هؤلاء المجرمين ، أو البلاد التى يقطنونها ، بحجة ضبط النفس وعدم التسرع فى اتخاذ الإجراءات المناسبة ، ويكون الاستنكار لمجرد تهدئة الشعب الغاضب ، الأمر الذى يلقى بظلاله على مستقبل المصريين العملين بالخارج والذين تتجاوز أعدادهم الملايين ، كما أثارت تلك الحوادث مخاوف الرأى العام من عودة ظاهرة " النعوش الطائرة " التى جاءت من العراق قبل خمسة عشر عاماً وراح ضحيتها الآلاف من الأبرياء ، ومارست الحكومة وقتها هوايتها بالتزام الهدوء وضبط النفس. وحول هذا الموضوع حدثنا السفير عبد الله الأشعل وزير الخارجية الأسبق مؤكداً أن أى دولة خارجية تتعامل مع مواطني أى دولة أخرى يعيشون على أرضها تبعاً لعدة عوامل منها سلوك المواطن نفسه ، ومدى التزامه بالقوانين التى تسير بها تلك الدولة ، والأهم هو ثقل الدولة التى يحمل ذلك المواطن جنسيتها ، وهذا هو الأمر المهم فالمواطن المصرى لا يتم احترامه فى مصر فهل تحترمه دوله خارجية سواء كانت عربية أم أجنبية .. مستطرداً لا أعتقد ذلك. وأضاف وزير الخارجية الأسبق أن حادث مقتل المواطنة المصرية مروة الشربينى فى ألمانيا كون صورة عن الشخصية المصرية بالقياس إلى ردة الفعل التى واجهت بها الحكومة المصرية ذلك الحادث ، فكما ذكرت الأشخاص يعاملون على حسب دولهم ، فمثل هذا الحادث لا يمكن أن يرتكب ضد مواطن أمريكي أو اسرائيلى أو حتى مواطن سعودي ، لأن تلك الحكومات لا يمكن أن تصمت تجاه التعدى على مواطنيها كما فعلت الحكومة المصرية. وعن دور السفارات ورعايتها لمصالح المواطنين بالخارج قال الأشعل : إن السفارات تبذل ما فى وسعها لحماية المصريين العاملين بالخارج ورعاية مصالحهم لكن الذى لا يعرفه الكثيرون هو أن السفارات تتحرك طبقاً للتعليمات التى تتلقاها من وزارة الخارجية والتى يتمثل رأيها فى رأى الدولة أو الحكومة . ومن جانبها رفضت الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس التعميم فيما يتعرض له المصريون العاملون بالخارج من اهانات أو حوادث مختلفة مؤكدة أن لكل حادثة ظروفها الخاصة ، وربما التقارب فى الوقت بن وقوع تلك الحوادث هو الذى جعلنا نشعر بالمزيد من المرارة والخوف على المصريين العاملين بالخارج وعلى مستقبل العمالة بالبلدان المختلفة .. مشيرة إلى أن الشخصية المصرية حدث بها تغيير كبير فى الآونة الأخيرة ، ولم يعد المواطن المصرى هو ذلك الشخص الذى كنا نثنى على التزامه وطبعه المسالم الهادىء والذى يتعامل بالعقل والحكمة فى كافة تصرفاته ، وأصبح الكثير من المصريين يتعاملون بالعنف والقسوة سواء فى الفعل أو رد الفعل ، ولم يعد كثير منا يتحكمون فى أعصابهم كما كانت الشخصية المصرية منذ سنوات . وأضافت : من المفروض على المصريين العاملين بالخارج أن يتعاملوا فى الدول الخارجية التى يزورونها سواء للعمل أو الدراسة ، أو غيرها من الأمور التى تستدعى العيش فى بلاد خارج مصر لفترات معينة بشكل أكثر حيطة وحذر وألا يخرجوا عن الأعراف أو القيم السائدة فى تلك المجتمعات ،حتى يحافظوا على أرواحهم وممتلكاتهم ، حيث إن مواطنى تلك البلاد يشعرون أن كل من يفد إلى بلادهم قد يأخذ من نصيبهم فى العمل والحياة وفى خيرات البلاد ، فى الوقت الذى يعانون هم من البطالة وضعف العائد المادى أو أمور أخرى قد تجعلهم غير مستقرين نفسياً . وانتقدت الدكتورة سامية خضر ما تقوم به برامج " التوك شو " التى تقدمها القنوات الفضائية والتى تثير الموضوعات والحوادث التى يتعرض لها المصريون سواء بالخارج أو بالداخل ، وتعرضها بطريقة مثيرة تؤدى إلى غضب الشارع المصرى تجاه كل ما يحدث .. متسائلة ألا يعلم مقدموا تلك البرامج أن جميع بلدان العالم تحدث بها حوادث القتل والاغتصاب والسرقة ؟ ففى انجلترا لا تستطيع السير فى الشارع مساءاً ، وفى أمريكا كذلك ، وفى فرنسا يقولون لك " لا تأخذ آخر عربة فى المترو " وهكذا فى العديد من بلدان العالم ، فلو قامت كل دولة بمقاطعة دولة أخرى تعرض أحد مواطنيها بالقتل أو الاهانة بها فلنقل " على الدنيا السلام ".