بمناسبة عيد تحرير سيناء.. الرئيس السيسي يلقي كلمة هامة للمصريين    احتجاجات طلابية في مدارس وجامعات أمريكا تندد بالعدوان الإسرائيلي على غزة    سعر صرف الدولار مقابل الجنيه اليوم 25 أبريل 2024    طريقة تغيير الساعة بنظام التوقيت الصيفي (بعد إلغاء الشتوي خلال ساعات)    أسعار السمك تتراجع 50% .. بورسعيد تواجه جشع التجار بالمقاطعة    وزير النقل يشهد توقيع عقد تنفيذ البنية الفوقية لمحطة الحاويات «تحيا مصر 1» بميناء دمياط    قطع المياه عن سكان هذه المناطق بالقاهرة لمدة 6 ساعات.. اعرف المواعيد    عيد تحرير سيناء.. جهود إقامة التنمية العمرانية لأهالي أرض الفيروز ومدن القناة    قيادي في حماس: إذا قامت دولة فلسطين مستقلة سيتم حل كتائب القسام    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    لأول مرة .. أمريكا تعلن عن إرسالها صواريخ بعيدة المدى لأوكرانيا    في حماية الاحتلال.. مستوطنون يقتحمون باحات المسجد الأقصى    تفاصيل اجتماع أمين صندوق الزمالك مع جوميز قبل السفر إلى غانا    متى تنتهي الموجة الحارة؟.. الأرصاد تكشف حالة الطقس ودرجة الحرارة اليوم وغدًا (الأمطار ستعود)    بسبب ماس كهربائي.. نشوب حريق بحوش في سوهاج    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق مصنع بالوراق    شاب يُنهي حياته شنقًا على جذع نخلة بسوهاج    معلق بالسقف.. دفن جثة عامل عثر عليه مشنوقا داخل شقته بأوسيم    كيفية الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الافتاء توضحها    6 كلمات توقفك عن المعصية فورا .. علي جمعة يوضحها    حكم الحج بدون تصريح بعد أن تخلف من العمرة.. أمين الفتوى يجيب    وزير الصحة يهنئ الرئيس السيسي بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    «الاتحاد الدولي للمستشفيات» يستقبل رئيس هيئة الرعاية الصحية في زيارة لأكبر مستشفيات سويسرا.. صور    علماء بريطانيون: أكثر من نصف سكان العالم قد يكونون عرضة لخطر الإصابة بالأمراض التي ينقلها البعوض    اليوم، الأهلي يختتم استعداداته لمواجهة مازيمبي    إزالة 7 حالات بناء مخالف على أرض زراعية بمدينة أرمنت في الأقصر    «الأهرام»: سيناء تستعد لتصبح واحدة من أكبر قلاع التنمية في مصر    «الجمهورية»: الرئيس السيسي عبر بسيناء عبورا جديدا    إعلام فلسطيني: شهيد في غارة لجيش الاحتلال غرب رفح الفلسطينية    عائشة بن أحمد تتالق في أحدث ظهور عبر إنستجرام    مستشار سابق بالخارجية الأمريكية: هناك موافقة أمريكية على دخول القوات الإسرائيلية لرفح    أحمد جمال سعيد حديث السوشيال ميديا بعد انفصاله عن سارة قمر    الأكثر مشاهدة على WATCH IT    الشرطة الأمريكية تعتقل عددًا من الطلاب المؤيدين لفلسطين بجامعة كاليفورنيا.. فيديو    هل ترك جنش مودرن فيوتشر غضبًا من قرار استبعاده؟.. هيثم عرابي يوضح    بسبب روسيا والصين.. الأمم المتحدة تفشل في منع سباق التسلح النووي    بالصور.. نجوم الفن يشاركون في تكريم «القومي للمسرح» للراحل أشرف عبد الغفور    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    تطور مثير في جريمة الطفلة جانيت بمدينة نصر والطب الشرعي كلمة السر    ميدو يطالب بالتصدي لتزوير أعمار لاعبي قطاع الناشئين    أبو رجيلة: فوجئت بتكريم الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    لتفانيه في العمل.. تكريم مأمور مركز سمالوط بالمنيا    أول تعليق من رئيس نادي المنصورة بعد الصعود لدوري المحترفين    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    عماد النحاس يكشف توقعه لمباراة الأهلي ومازيمبي    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    تجربة بكين .. تعبئة السوق بالسيارات الكهربائية الرخيصة وإنهاء الاستيراد    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نذائر نكبة عربية ومقترح للحل
نشر في الشعب يوم 27 - 08 - 2006

سيناريو ضرب إيران وإصلاح المنظومة المصرية (1/3)
* * * * * * * * * *
أولا: التاريخ يعيد نفسه. من يلعب دور الشريف حسين في سايكس بيكو الثانية ؟؟؟.
من المؤكد أن التاريخ يعيد نفسه كثيرا بمفاهيمه المجردة ونادرا ما يكون بقيمه المادية الخالصة، والأخيرة (وليست كل المقولة) هي ما ينطبق عليها قول "ماركس" التي يستشهد بها بعض المثقفين: "حينما يبدو كما لو كان التاريخ يعيد نفسه، فإن المرة الأولي تكون حقيقية والثانية تكون حماقة". فالأحداث التاريخية تتكرر كثيرا في أنماط أقرب إلي "قوالب" قد يتغير شكلها الخارجي ولكنها تتقارب في مضمونها الجوهري. فالقالب الدرامي لمقتل "هابيل" علي يد "قابيل" تكرر مئات الألوف بل ملايين المرات في أحداث التاريخ ومكوناته، وقالب أحداث الغزو العثماني لمصر المملوكية تكرر ألوف قبلها ومئات بعدها. قابيل وهابيل وسليم الأول وقنصوه الغوري هم قيم مادية (Values) تتغير ولكن القالب التاريخي يتكرر.
العلماء هم من يأخذون "موزايكو" الأحداث المتناثرة ويدرسون كيفية تكوين "صورة" ما، ثم من مجموعة الصور كيفية تكوين "المشهد"، ومن المشاهد كيفية تكوين "السيناريو" وهو الذي يشكل مع مقدماته وتفاعله ونهاياته ما يحدث في التاريخ، أو قل التاريخ ذاته. إنها عملية إدراك "الجزيئات" ثم تركيبها في السياق والاتساق لتكوين "المكون الأكبر".
أمتنا العربية الآن تعيش نفس إرهاصات أحداث "سايكس بيكو" ما بعد الحرب العالمية الأولي. فما هو الذي سيتم تقسيمه وإعادة تشكيله، ومن هو الذي سيقوم بالتقسيم، ومن هو الذي سيلعب دور الشريف "حسين" وأولاده ؟؟؟. إنه سؤال ليس في صورة استفهام (!)، فالكل تقريبا يعرف الجواب ويدرك المراد، وهو (أي السؤال) ليس عبثيا بل يأتي لشحذ التفكر وحث التدبر بغية إيجاد التماثل وقياس التناظر بين ما حدث في الماضي ونتائجه الكارثية وبين ما يحدث في الحاضر وعواقبه المستقبلية.
المثير في الأمر أننا لم نعد نحتاج إلي جهد كبير لتجميع "موزايكو" الأحداث وتجميعها وصولا إلي السيناريو المتوقع كما كان يحدث قديما، ويعود الأمر في ذلك لأسباب ثلاث، أولهم ثورة الاتصالات ونضج الإعلام الفضائى وتعاظم ثقافة الإنترنت، والثاني هو "فجور" الكيان الإمبراطوري الجديد الذي يجاهر بعقيدته (الدينية والفكرية) وبنواياه (إستراتيجياته) وبخططه ومخططاته، بل ويتمادي في الإفصاح عن تطبيقاته وتكتيكاته في أعمال مرحلية ومشروعات جزئية، فلم نعد نحتاج إلي ثورة بلشفية أخري لتفضح مؤامرة "سايكس بيكو" الثانية. أما السبب الثالث فهو في تسارع وتيرة الأحداث وتقارب وقوعها ومن ثم لا يكتمل زوال أثار السابقة حتى تأتينا اللاحقة، وفي وضوح التتابع والتسلسل الذي يبدو "ممنهجا" منظما وكأننا أمام سيناريو أحد أفلام الرعب والإثارة ثلاثية الأبعاد في قاعات السينما أو علي الفضائيات.
* * * * * * * * * * * * *
ثانيا: انتهاك العقل وعودة الإدراك.
ويبقي السؤال .. لماذا لم ندرك حقائق ما ينتظرنا رغم هذا الطوفان من الدلائل الواضحة والمشاهد الفاضحة ؟؟؟. هل وصل بنا هذا المدي من اختلال في الإدراك لمرض في العقل وانتهاك ؟؟. الإجابة وبدون تفاصيل لأننا تعرضنا إليها كثيرا هي "نعم" - لقد تم اختراق عقولنا بتشويه رموزنا وتسفيه المبادئ والثوابت وإفقادنا الهوية وتأجيج الصراعات بين الانتماءات الوطنية والقومية والأممية، أما الأخطر فهو ما جاء من رد أسباب قوتنا (من عقيدتنا) في نحورنا وجعلها سلاحا علينا لا لنا. جعلوا "العقيدة" سياجا وأشواكا تحمي الولاة والسلاطين حتى لو كانوا بمقياس "السياسة" (من نتائج إدارة الصراعات وحل النزاعات وخير العباد وسلامة البلاد) غير موفقين أو غير صائبين أو غير قادرين أو غير مؤهلين.
من رحمة الله عز وجل أن النكبات قبلما تحصد الرؤوس وتذل النفوس تسبقها أزمات، والأزمات تسبقها نذائر، والنذائر تحتاج لمن يوصفها ويصنفها ومن ثم يفسرها ليَعلم ويُعلم البسطاء وأنصاف الجهلاء مآلها ومثواها وعواقبها ومنتهاها. قد ينجح المدلسون في علاجات شكلية وإصلاحات وهمية، تماما كأسلوب استخدام "الأسبرين" في أمراض الحمي، فقد يشفي المريض بلطف من الله وأمره فإن مات فقضاء الله وقدره، ناسين هؤلاء مدعىّ الجبرية أن القدر هو ما ليس من فعل البشر، وأن النتائج الربانية لا تعفي من الأخذ بالأسباب كمسئولية، ولذا جاء الحساب من ثواب وعقاب.
قد يصلح "الأسبرين" في علاج الصداع والآم الأسنان ولكن لا يصلح في حال أورام السرطان ؟؟؟، عندما تستفحل الأورام ويسوء الحال فلا علاج ولا دواء إلا الاستئصال.
نزعم أن "الوعي" والإدراك العربي قد عاد جديا بعد سقوط العراق في العام 2003. الوعي بمدى هشاشة وزيف النظم الحالية، وفي سقوط نظرية "المستبد العادل" هذا إن كان عادلا، وفي النفاق الكهنوتي في استخدام الآية الكريمة "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم" وهي مقولة حق يراد بها باطل مادام "الوالى" قد أتى زيفا وزورا وقهرا، وفي إدراك أن الشعوب فقط هي التي تدفع الثمن دائما من أمنها وسلامة بلادها. وفي إدراك أن العقيدة والهوية هما المستهدفان ثم يأتي بعدهما موارد البلاد وشعوبها. أما الأهم فهو الوعى والإدراك معا بأن أمن وسلامة أولادنا وأحفادنا ومستقبل أجيالنا يجب أن تبدأ "تكلفته" من الآن وإلا أبتلينا بمعاناتهم وآلامهم ولعانتهم في كل زمان (!).
* * * * * * * * * *
ثالثا: مصر في أزمة وهي الحل الوحيد للنكبة :
أمتنا العربية علي شفير فناء، هذه حقيقة واقعية وليست مبالغة لفظية أو عبارة مجازية، وخاصة بعدما اتضحت النوايا الصهيوأمريكية في ضرب إيران الإسلامية وإتمام إعداد المخططات العملياتية (Operational) وتحديد وقت التنفيذ (سيتم عرض سيناريو الحرب تفصيلا). إنقاذ الأمة العربية لن يتأتي إلا بإنقاذ كبشها و"رمانة ميزانها"، وهي "مصرنا المحروسة" التي تم اختطافها أولا منذ السادس عشر من أكتوبر 1973 (!!) – وليعد المؤرخون والمهتمون بالتدقيق والتفصيل إلي ماذا حدث في ذاك اليوم المشئوم، من المصادر العربية (هيكل والشاذلي) ومن وثائق وأرشيف الدول الكبري (تحقيقات الجزيرة الفضائية) ومن الموسوعات العالمية ومن (وللأسف) الوثائق الإسرائيلية، وليعودوا (وهو الأهم) إلي الواقع المادي الملموس والناتج المحسوس (!) بالقياس الكمي والتقدير النوعي مسترشدين بمرجع قياسى حاكم فإن لم يكن فبالمقارنة الثنائية مع نماذج محلية أو إقليمية أو عالمية. قد نختلف أو نتفق علي تاريخ الاختطاف، فالبعض يرجعه إلي فجر السابع من أكتوبر 1973 والبعض يرجعه إلي تاريخ زيارة القدس 1977 والبعض يرجعه إلي تاريخ معاهدة السلام 1978 والبعض يرجعه إلي العام 1991 (المشاركة في حرب تحرير الكويت وإعطاء الشرعية للقوات الأنجلوأمريكية)، المهم هو الاتفاق علي الاختطاف ذاته بغض النظر عن ميقاته (وهو الأمر الذي أشار إليه "هيكل" في حديث له منذ أيام).
"مصرنا المحروسة" يبتليها الله عز وجل بكوارث متتالية كنذائر تحذيرية لنكبات مستقبلية لعل أهلها يبصرون ويتبصرون ويستبصرون، فإن ظلوا علي غيهم يعمهون فهم الفاسقون ولأنفسهم يظلمون. "مصرنا المحروسة" ابتلاها الله بأكثر من مائة ألف ضحية في الربع قرن الأخير ما بين قتيل وجريح ومعتقل وأضعافهم من اليتامى والثكالى، في حوادث إهمال وفساد وسائل المواصلات فقط. حوادث المواصلات وحدها دون غيرها وفي الممارسات الأمنية لقانون الطوارئ المسلط علي الرقاب منذ ربع قرن من الزمان (من 20 إلي 25 ألف معتقلا سياسيا). ابتليت مصر بحوالي 27 ألف مصابا في السنوات الست الأولي من الألفية الثالثة في حوادث القطارات وحدها وهي وسيلة الفقراء (6 آلاف قتيلا و21 ألف جريحا) ويضاف إليهم ألف قتيلا في فاجعة غرق العبارة مصرية الأخيرة منذ أقل من العام ليرتفع رقم الضحايا إلي 28 ألف مصابا (7 آلاف قتيلا و21 ألف جريحا) أي سبعة أضعاف الخسائر اللبنانية في جولة الصراع العربية الإسرائيلية السادسة.
مائة ألف مصابا عدا ملايين الجائعين وعشرات الملايين من المرضي نفسيا وعضويا ومن العاطلين المعطلين ومن المحرومين عاطفيا (أهل العنوسة) ومن المقهورين كمدا وغمدا من طوفان الفساد الذي عم البلاد، ومن آلاف الموتى الأحياء أو الأحياء الموتى الذين انتهكت حرماتهم وشرفهم وحرماتهن وشرفهن في سلخانات المنظومة الأمنية، وهذا بإغفال مئات المليارات المنهوبة نقدا وعينا من موارد البلاد والملكية العامة للعباد (وهي قد فاقت التريليون).
خسائر مصر من المال والأفراد في ربع قرن من السلام تعادل أضعاف خسائرها في أربعة حروب وعبر ستة عقود. هذا عن النواحي المادية بدون حسابات خسائر سياسية أخري قد لا يهتم بها المواطن البسيط مثل تدني مكانة مصر الإقليمية والعالمية وتداعياتها.
* * * * * * * * * *
رابعا: وما هو الحل ؟؟ ...
قبل الحديث عن الحل وتفصيلاته يجب أولا إدراك طبيعة الحالة الراهنة وضرورة التحدث عن السمات الضرورية لهذا الحل. بالنسبة للحالة الراهنة فهي قد تجاوزت صفة الأهمية والخطورة إلي حافة الكارثية وهو الأمر الذي يجعلها ومن المؤكد "نقطة تحول" (Turning Point) إلي الأسوأ في مصير الأمة ككل. أما بالنسبة للحل ذاته فيجب أن تتسم سماته بالآتي:
1 – الحل يجب أن يكون مصريا، فهذا وقبل أن يكون واجبا (عقائديا وقوميا) فهو ضرورة لأننا أول المستهدفين، ونحن شئنا أم أبينا أصحاب الريادة وأهل القيادة. ودور مصر إن لم يكن بالعمل والمشاركة بالإيجاب لصالح الأمة فعلى الأقل لا يكون بالمشاركة ضدها.
2 – الحل يجب أن يتناسب مع طبيعة بنائية المنظومة المصرية التي تُختزل إداراتها بحكم موروثاتها في قمة رأسها، وأي إصلاح بعيدا عن الرأس سيكون كاللهو والرقص ونوعا من الترقيع وضربا من التسكين.
3 - الحل يجب أن يكون سلميا، فالدماء تجلب دماء والعنف قرين البلاء.
4 – الحل يجب أن يحظى بأغلبية الوطنين الثقاة وهم معروفين كجماعات وشخصيات وتيارات وأن يأتي أولا عن قناعة نخبوية وسياسية ومؤسسية. وثانيا عن إجماع شعبي يجاهر فيه ويطالب به. وثالثا عن قناعة السلطة الحالية والعمل به في سلام. ورابعا إن لم يتحقق ثالثا يكون الحل في التظاهرات والاعتصام وصولا إلي العصيان المدني العام.
ولا يمكن أن يتم ذلك إلا ببلورة الموقف العام الناشئ عن مجموعات من المحددات في المشهد الخارجي (العربي والعالمي) التي تتناثر مفرداته، وفي المشهد المصري الداخلي الذى يتم التدليس علي حقائقه ومكوناته، وتمحيص هذا كله واستيعاب مدي خطورته وتأثيره، فإن تم هذا ولاقي الإجماع فهذا هو نصف الطريق إلي الحل.
وللحديث بقية ... يلي توصيف المشهد الخارجي وسيناريو الحرب القادمة (ضرب إيران).
هشام الناصر
الخميس 24 أغسطس 2006
[email protected]
http://www.maktoobblog.com/Alnasser_Hesham

نذائر نكبة عربية ومقترح للحل
سيناريو ضرب إيران وإصلاح المنظومة المصرية (2/3)
* * * * * * * * * *
خامسا: المشهد الخارجى (القومى والعالمي) - وسيناريو ضرب إيران:
لبلورة الموقف العام الناشئ عن مجموعات من المحددات في المشهد الخارجي (العربي والعالمي) التي تتناثر مفرداته وتتداخل معطياته ولاستيعاب مدي خطورته وتأثيره فإنه يجب الإدراك والتفهم للنقاط الآتية:
1 – القراءة الصحيحة للصراع الحادث الآن بين المحور الأمريكي الإسرائيلي العربي الموالي وبين المحور الإيراني السوري الفلسطيني اللبناني (حزب الله) تؤكد حتمية حدوث ضربة قادمة وشيكة من المتوقع لها أن تكون قبيل نوفمبر 2006 (موعد الانتخابات التشريعية في الولايات المتحدة لانتخاب أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ)، أو قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام 2008 (والاحتمال الأول أقرب). تلك الضربة ستكون في الأغلب بواسطة إسرائيل (!!) – ويلاحظ التصريحات الإسرائيلية الأخيرة التي تؤكد علي ضرورة تحركها بشكل منفرد تجاه الملف النووى الإيراني. ولا يخفي على المحللين والمراقبين مناورة أو قل خدعة تسليح إسرائيل بمئات القذائف الذكية عالية التدمير (وهي تمثل الجيل الجديد الذي يجمع بين خصائص الأسلحة التقليدية والنووية وتم استخدام القليل منها في العراق وخاصة في معارك المطار الشهيرة) – تلك الأسلحة التي تم تبرير شحنها إلي إسرائيل تحت غطاء قتال حزب الله في لبنان ولم يتم استخدام إلا القليل منها كتجارب عملية. يضاف علي ذلك امتلاك إسرائيل لمنظومة غواصات نووية ألمانية يقدر عددها بثلاثة (مؤكدة) واثنتين في الطرق كتعاقد جديد (إن لم يكن قد تم تسليمها بالفعل ويجيء إعلان التعاقد لأغراض داخلية المانية)، وهي غواصات عالية التقنية قادرة علي حمل صواريخ بالستية ورؤوس نووية ومخطط لها أن تكون دعما قويا إضافيا إلى منظومة الطيران الإسرائيلي المتوقع له مسار طيران (إسرائيل – الأردن – العراق – إيران).
مصادر الهجوم المتوقعة علي إيران ستكون من ثلاث هم: ضربات جوية بحشد كبير واستعمال مكثف للإعاقة الإلكترونية. واستخدام الصواريخ البالستية شديدة الدقة عالية التدمير من مجموعة الغواصات الإسرائيلية الألمانية الصنع المتواجدة بمسرح العمليات القريب. وأخيرا مجموعات عمل موجودة بالفعل منذ شهور ومجموعات أخري تم استقطابها. ومن الجدير بالذكر أن تفجيرات المفاعل العراقي قد جاءت بتزامن من داخله (عملاء ويقال أنهم من الفنيين الفرنسيين) ومن خارجه (قصف جوى بطائرات إسرائيلية).
عندما تحدثنا سابقا عن هزيمة إسرائيل (أو عدم فوزها) أمام "حزب الله" فقد كان هذا طبقا لمعيار تحقيق الأهداف وفرض الإرادة عليه. أما بالنسبة للصراع الأمريكي-إسرائيلي مع إيران فقد نجحوا في تحييد جزء كبير من منظومة الردع الإيراني المتمثل في صواريخ "حزب الله" الذي كان يهدد الشمال الإسرائيلي ويقوم بعمل استخباراتي واستطلاعات.
السيناريو المخطط له لضرب إيران سيتم تصويره علي كونه إسرائيليا-إيرانيا بمساعدة أمريكية (غير مباشرة) لإسرائيل ويهدف إلي أحداث أضرار كبيرة بالمشروع النووي الإيراني وتدمير بنيته العسكرية ويكون قادرا علي تحمل إسرائيل للضربة الإيرانية المضادة (من المتبقي من قواذف الصواريخ) عن طريق اعتراضها بمنظومة صواريخ أرض جو (نسبة كفاءة الاعتراض قد تصل إلي 75 أو 80%)، وباستخدام مكثف لطائرات الاعتراض (Interceptors) بصواريخ جو جو، وبمعونة منظومة كشف راداري وتوجيه أمريكية عالية التقدم (نظام "أواكس" مدعوم باتصالات الأقمار الصناعية وبمنظومة حاسبات عملاقة للتوجيه). وفارق كبير بين اعتراض صواريخ بالستية (ذات زمن اعتراض كاف لبعد المسافة وكبر الحجم) وبين اعتراض صواريخ "حزب الله" صغيرة العيار بزمن اعتراض قليل. وستبدو الولايات المتحدة بعيدة عن الاشتراك الفعلي المباشر أمام الرأي العام العالمي وهو الأمر الذي يعطيها المبرر الأخلاقي أمام المجتمع الدولي والأمريكي في ضرب إيران بالسلاح النووي التكتيكي إن قامت بالاعتداء علي قواتها في العراق أو في الخليج (!!).
الضربة النووية التكتيكية تعفي الولايات المتحدة من مهام ومجهودات أعمال حشد القوات والعتاد في مسرح العمليات المتوقع علي النحو الذي رأيناه في أعمال الجنرال "نورمان شوارتسكوف" في العام 1991 وفى أعمال الجنرال "تومي فرانكس" في العام 2003. وأي رد انتقامي إيراني بالمتبقي من قدراته (أو المخبأ منها) ضد القوات الأمريكية فى المنطقة سيواجه بمزيد من الضربات النووية الأمريكية. ولا ننسي التهديد الأمريكي الصريح إلي نظلم "صدام حسين" فى العام 1991 بضرب "بغداد" بالقنابل النووية فى حال استخدامه أسلحة كيماوية أو بيولوجية – وبالقطع فإن القيادات الأمريكية لم تكن تمزح أو تطنطن (!!).
2 – هذا السيناريو الجنوني سيتم في مناخ رضاء تام غير ممانع أو استسلام خانع من "الترويكا العربية"، وهو سيناريو قابل للتصديق لعوامل عديدة منها أنها فرصة المقامرة الأخيرة لليمين الأمريكي المحافظ في تحقيق أهدافه (الدينية العقائدية – المشروع الإمبراطوري – المصالح الشخصية) قبل الدخول في مجهول الكونجرس الجديد. ومنها الشخصية السيكوباتية والنزعة لإمبراطورية وادعاء الوحي السماوي الملهم (Inspiration of diving guidance) للرئيس الأمريكي "بوش الابن" علي غرار الرئيس الأسبق "ويليام ماكينلي" في نهايات القرن 19 وبدايات العشرين. ومنها الخط الأحمر الذي وضعته إدارة بوش (تحدث عنه "سيمور هيرش") في رفض وصول إيران إلي مستوي معين من التخصيب وهو ما يبدو أنه تحقق وستعلن عنه إيران قريبا، ومنها التحريض الإسرائيلي المتكرر باعتبار وجود "إيران" ومشروعها النووى يهدد "بقاء" الكيان الإسرائيلي ذاته.
والخلاصة .. إن ضربت إيران وخرجت من معادلة القوي في المشرق العربي فستقع "سوريا" تلقائيا وسيتم تحقيق مشروع "الفاتيكان الإسلامي" كهدف إستراتيجي، أما "مصر" فهي الجائزة الكبري التي ستكون تماما تحت الاحتلال الإسرائيلي (بفرض الإرادة) وستكون أكبر "مستودع بشري" في مشروع الشرق الأوسط الجديد ونقطة الانطلاق الكبري لإسرائيل إلي المشرق العربي وإفريقيا وسيتم حل القضية الفلسطينية بمنحة أرض قد تصل إلي مدينة "العريش" (قدرها بعض المحللين بحوالي 1500 كم مربع)، وسيتحقق حلم إسرائيل الأكبر من الفرات (سوريا) إلي النيل (مصر) ومن الأرز (لبنان) إلي النخيل (خيبر بالسعودية).
وبغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا على الكيان الإيراني وخصائصه وطموحاته الإقليمية والأممية، وعما إذا كنا نشارك في محور العداء له أو في الحوار معه لإيجاد نقاط التلاقي للصالح المرسل العام، فلنا جميعا أن نغمض أعيننا ونتخيل فراغ الساحة الإقليمية من القوة الإيرانية التى تعيق حاليا تحقيق المشروع الأمريكي والمشروع الإسرائيلي ومن ثم نتصور ما هو مستقبل المنطقة ومستقبلنا الذى سيكون حينذاك ؟؟.
3 – (يمكن إدراج هذه النقطة الخاصة بمنظومة "الأمن القومي المصري" ضمن المشهد الداخلي ولكن يتم ذكرها هنا لعلاقتها التفاعلية مع البيئة الخارجية). الحقيقة المراد توضيحها هى انهيار منظومة الأمن القومي المصري في حدها الجنوبي (منابع النيل ومساره) وفي حدها الشرقي (نزع سلاح سيناء وعدم وجود خط دفاع محدد، ووجود اتفاقية تغل يد القوات المسلحة المصرية في تخطيط وإعداد مسرح عملياتها الرئيسي في الشرق). أما الأخطر والأهم فهو اختلال منظومة الدولة ذاتها (باعتبارها مجموعة من المكونات الوظيفية من أفراد ومؤسسات وتجمعات تتفاعل فيما بينها لأداء مهامها لتحقيق هدف قومي يحقق الأمن والبقاء – ويتم هذا تحت إدارة وسيطرة تمثلها السلطة) – فهناك عدم وجود رؤيا واضحة أو مشروع قومي محدد لمنظومة الدولة، وهناك ضعف ووهن في مكونات المنظومة من مؤسسات وأفراد، وهناك بوادر وظواهر في ضعف الانتماء، وهناك ضعف في الإدارة والسيطرة، وهناك قصور في تفاعل المنظومة مع البيئة الخارجية (العربية والإسلامية والدولية) أي في السياسة الخارجية، وهناك أعراض أمراض اجتماعية تهدد بتفسخ نسيج المجتمع وانحلاله وانحداره، وهناك غيرها وغيرها مما يحتاج لضعف المقال لذكرها.
4 – كافة المقدمات والمتغيرات الحادثة في المحيط العربي والدولي تشير إلى أن "مصر" الآن تشارك في محور يلعب دور "الشريف حسين" في الثورة العربية الكبري. لا يحتاج المرء كثيرا لإدراك مدي انصياع الإدارة المصرية التام للأجندة الأمريكية. ظهر هذا جليا في المساعدة في عملية استنزاف القوتين العسكريتين العراقية الإيرانية في حرب الثمان سنوات لصالح إسرائيل. وظهر أيضا في المشاركة المصرية العسكرية الكبيرة (2 فرقة عسكرية) في حرب العراق في العام 1991، وفي دورها الفعال في حرب احتلاله في العام 2003، وفي معاداة النظام الإيراني والتصويت ضده في المحافل الدولية، وفي الهجوم علي الشيعة العراقيين والطعن في ولائهم الوطني، وفي الموقف المتخاذل ضد حزب الله في جولة الحرب العربية الإسرائيلية السادسة. يضاف علي هذا ما جاء صراحة في أخبار وتحليلات سياسية منها ما جاء في مقال الدكتور "سعد الدين إبراهيم" في أحدي مقالاته كالآتي: "وقد سمعت تفصيلات عن هذا المولود الجديد (يقصد الشرق الأوسط الكبير – وهو بالمناسبة أطروحة إسرائيلية عرضها "شيمون بيريز" في كتابه عام 1993) من مسئولين أمريكيين كبار، في اليوم التالي لزيارة وفد رسمي مصري رفيع المستوى لواشنطون، قبيل أيام من انفجار الحرب الإسرائيلية عل لبنان. وكانت قد سبقت هذه الزيارة المصرية زيارات لوفدين أحدهما أردني والآخر سعودي لنفس العاصمة الأمريكية. وكان الحديث في واشنطون هو عن محور إقليمي رباعي جديد، يتكون من مصر والسعودية والأردن وإسرائيل، وتدعمه الولايات المتحدة وذلك لمناهضة محور الشر الإرهابي الذي يتكون من إيران وسوريا وحزب الله وحماس".
أعمال الإدارة المصرية التى تؤكد انطوائها التام بين دفتى الأجندة الأمريكية ظهرت بوضوح في مواقف عديدة منها: تقديمها التسهيلات العسكرية للقوات الأمريكية على الأراضي المصرية وإدراجها "مصر" ضمن خطة الانتشار الإستراتيجي للجيش الأمريكى (وهذا معلن ومعروف رغم إدعاءات السلطة المصرية). وفي الدعم المصري للقوات الأمريكية (اللوجيستي والإستخباراتي). وظهرت في الضغوط علي السلطات الفلسطينية للقبول بالطلبات الإسرائيلية. ولا يجب أن ننسى المسئولية الأخلاقية والسياسية المصرية في حادثة اغتيال "ياسر عرافات" ، فالرجل قد أعلن عجزه التام عن الاستمرار واستسلامه وإبداء رغبته في التنحى والتقاعد وتسليم المسئولية والقيادة لغيره بسبب التعنت الإسرائيلي والضغط الأمريكى لتقديم المزيد من التنازلات وهو ما لم يكن يستطيعه أو يقدر عليه. وقد تناول الأستاذ "هيكل" هذه الموضوع وذكر رسائل "عرافات" إليه بخصوصها – ومن المؤكد أن تلك الرسائل قد وصلت إلى القيادة السياسية والأمنية في مصر أيضا، ولا يمكن إنكارها كما تم إنكار عدد 92 اتصالا بين الرئيس الأسبق "السادات" وبين الإدارة الأمريكية منذ فجر السابع من أكتوبر 1973 حتي الرابع والعشرين.
ولا يجب أن ننسى أيضا الدور المصري في تمزيق السودان. ومنها المساهمة الفاعلة في انسلاخ الجنوب السوداني بدعم "جارنج" والتخلي عن الخرطوم العربي تحت دعاوي البرجماتية السياسية وحماية المصالح المائية، وهو الأمر الذي وضح جليا في تفعيل قنوات الاتصال مع الجنوب المتمرد والمساهمة مع الفريق الأمريكي الإسرائيلي في أعمال الدعم اللوجيستي والفني لها، ثم أخيرا الدور المصرى في الضغط علي الحكومة السودانية والمساهمة في بلورة اتفاقية "ابوجا" التي قد تؤدى إلي انسلاخ الغرب السوداني كما أنسلخ جنوبه أو كاد. فعن أي دور مصري عروبي يتحدثون ويتقولون ويدعون !!!؟؟؟
5 – قراءة الأخطار الإقليمية الحادثة والتي أبسطها هو مشروع قناة البحرين (بين البحر الميت والبحر الأحمر) الذى يجرى على قدم وساق الآن، وهو الأمر الذى سيقضي بالتبعية علي قناة السويس أحد أهم مواردنا الحيوية. وهناك مشروع "الفاتيكان الإسلامي" الذي سبق وأسهبنا الحديث عنه. وهناك مشروع تسوية (أو تلفيف – حسب تعبير "هيكل") المشكلة الفلسطينية بمبدأ تبادل الأراضي وعلي حساب مصر والأردن.
أعمال التحليل فيما يتعلق بالمخاطر والأمن القومي لا تعرف التفاؤل ولا التشاؤم، والمبدأ العام والأسلوب الذي نفضله هو ما جاء علي لسان المشير "الجمسي" في قوله: "نحن العسكر نتوقع الأسوأ ونأمل في الأفضل". والحرب والسياسة مترابطان وفي علاقة الجزء من الكل، هكذا قال المؤرخ الألمانى العسكرى "فون كلاوزفيتش" وأقره رجالات الساسة النظريين والعمليين.
والمخاطر لا تحسب بصغر أو كبر احتمال وقوع الخطر بل بقيمة الشيء المهدد بالإصابة (والأخوة الدارسون لنظرية الاحتمالات والنتائج المتوقعة، في علوم الرياضيات وفي الإدارة العلمية للصراعات، يعلمون ذلك جيدا).
وللحديث بقية ... يلي توصيف المشهد المصري الداخلي واستعراض الحل المقترح.
هشام الناصر
الخميس 24 أغسطس 2006
[email protected]
http://www.maktoobblog.com/Alnasser_Hesham

نذائر نكبة عربية ومقترح للحل
سيناريو ضرب إيران وإصلاح المنظومة المصرية (3/3)
سادسا: المشهد المصري وحقائقه – رجال خارج النظام :
لبلورة الموقف العام الناشئ عن مجموعات من المحددات في المشهد المصري الداخلي الذى يتم التدليس علي حقائقه ومكوناته ولاستيعاب مدي خطورته وتأثيره (بجانب ما سبق عرضه بخصوص المشهد الخارجي) فإنه يجب الإدراك والتفهم للنقاط الآتية:
1 – القناعة التامة بحقيقة وصحة قاعدة "أن من فشلت سياسته بطلت بالتبعية رئاسته". ويكفي البلاد سياسات غير ناجحة طوال نيف وربع قرن من الزمان.
2 – إدراك حقيقة أن المشكلة ليست فقط في "المال" بل أساسا في سمات الرجال. في التأهيل والكفاءة والمقدرة الإدارية وفي توافر الجانب الأخلاقي والضمير الإنساني البعيد عن ثقافة "النيوليبراليين" الجدد الذين استخفوا بالعامل الأخلاقي في العقيدة "الليبرالية" التقليدية. فكم من مئات إن لم يكن ألوف أو عشرات الألوف من المشروعات التي توافر لها المال واسيئ إداراتها أو نهبت ميزانيتها وراح رأس مالها علي بدلات وسفريات ودراسات وهمية وغيرها. ولذا فأن قرار الحكومة المصرية الأخير بتخصيص حوالى المليار ونصف المليار جنيه مصريا لإصلاح قطاع السكة الحديد لن يكون ذا بال ولن يصلح الفاسدين والمفسدين وما أفسدوه، وهو ما جاء إلا في سياق ثقافة العلاج بالأسبرين ومصيره كغيره هو الفشل المهين.
3 – إدراك خصائص الممارسة السياسية التي تقوم بها مجموعات النيوليبراليين الجدد المدعومة من الفئة الأولجاركية (المالية المنتفعة) وهي أشبه ما تكوين بدسائس ومؤامرات بلاط الملوك والقياصرة. ظهر هذا جليا في تناول ملف المشكلة القبطية والمساعدة في ضرب الكنيسة الأرثوذوكسية من داخلها (ولا نريد الإسهاب في هذا الموضوع الآن). وظهر هذا في استغلال أزمة كارثة قطار قليوب (أكثر من 200 قتيلا وجريحا) في إضفاء الشرعية وانتزاع القبول علي مخططات خصخصة السكة الحديد المصرية، وفي النجاح التقريبي في ضرب الحكومة الحالية لصالح فئة محددة ومعروفة تطمح إلي تولي مقاليد السلطة التنفيذية بدون منازع أو مقاوم. إنها حسن إدارة الأزمات بتعريفها "كفرصة للأحسن أو للأسوأ"، مع فارق بسيط هو أن هذا الأحسن أو الأسوأ هو للصالح الشخصي والفئوي وليس للمنفعة العامة (!!).
وقد أثير مؤخرا تصريحات رأس السلطة المصرية برفض فكرة خصخصة مرفق "لسكة الحديد" الحيوى والهام، ولكن منذ متى تحققت الوعود والتصريحات ؟؟؟. هل تحقق الوعد بعدم تولى الرئاسة لأكثر من فترة ؟؟؟. هل تم التطبيق الفعلى للمقولة الأثيرة "بأن الكفن ليس له جيوب"؟؟. هل تم إصلاح دستوري حقيقي (وكارثة تعديل المادة 76 مازالت عالقة في الأذهان) ؟؟. هل تم إلغاء قانون الطوارئ ؟؟. هل تم إطلاق حريات الصحافة ومنع الحبس في قضايا النشر؟؟. هل أعطيت السلطة القضائية استقلالها ؟؟. هل حافظنا علي هويتنا وعروبتنا وعقيدتنا وأمننا الوطني ؟؟. هل حققنا أمننا الغذائى والعلاجى والإجتماعى والتعليمى والثقافى ؟؟؟. هل بتنا نشعر بالأمان والولاء والاطمئنان في بلادنا أم أصبحنا غرباء في ديارنا ؟؟؟. وألف سؤال وألف "هل" تؤكدان عدم المصداقية (!).
4 – إدراك العلاقة الإرتباطية بين نتائج إدارة السلطة المصرية في "الألفية الثالثة" وبين الحالة الصحية للسيد رئيس البلاد وبين توقيت تصعيد "نجله" وتسلمه العديد من الملفات الحيوية بدون أي شرعية دستورية وقيامه بتجارب علي البلاد (باستخدام أسلوب المحاولة والخطأ) والاستعانة بالأصدقاء والمقربين لا بالأكفاء المؤهلين، ويكفينا نتائج أداءهم وأعمالهم بدون الخوض في كفاءتهم وتأهيلهم أو في ذممهم المالية فهي حتى وإن عظمت لمن الأمور الثانوية (!). فالخباز (الفران) الذي جاءنا أكل نصف خبزنا وحرق النصف الآخر (!).
5 – التأكيد بأن المعارضة للسلطة الحالية لا تنفى تقديرها لجهود وأعمال السيد اللواء "حسني مبارك" السابقة كقائد للكلية الجوية وكقائد القوات الجوية الذي أجاد إداراتها رغم قصورها ومحدودية إمكانياتها (بشهادة الفريق الشاذلي) وأدي المطلوب منه في حدود هذا المتاح من إمكانيات. والتأكيد في نفس الوقت أن ما فعله قد أتي في سياق أداء مهامه الوظيفية ولا يعطيه الحق في شرعية خالدة مخلدة أو في التغاضي عن نتائج سياسات غير جيدة وغير ناجحة، وكفانا وإياه ربع قرن من سياسات غير مثمرة وممارسات أتسمت بسمات لم يأت بها أشد المحتلين الاستعماريين وحشية (ذكري الأربعاء الأسود في مايو 2005، وتزوير الانتخابات وما صاحبها من دموية مفرطة، وضرب وإهانة رجال القضاة والتأثير علي سير العدالة واختطاف المعارضين السلميين وهتك الأعراض وغيرها وغير غيرها).
6 – الكل يعلم في الداخل والخارج، والقاصى والدانى، أن شرعية السلطة ومؤسساتها القائمة علي الانتخاب هي شرعية مطعون فيها لقيامها على الغش والتزوير والتحايل والتدليس وعلي إساءة استخدام مؤسسات الدولة وإمكانياتها لصالح فئة معينة تتدعى الحزبية السياسية، وعلى الاستخدام المفرط لقوة الجهاز الأمنى الذي يصل إلى درجة "‘إرهاب الدولة". ومن ثم فأن أى حديث عن "شرعية دستورية" للنظام الحالي استنادا علي ممارسات زائفة يسقط بالحقائق الواقعية وبشهادة النخبة والجمهور وإعلان إرادتهم التصحيحية لتقييم الأمور.
7 – إدراك مدي تغلغل الكيان الإسرائيلي في نسيج المجتمع المصري وهو لم يكتف باستباحة سيناء (7% من مساحة مصر) ونزع سلاحها ومنع أى مشروعات تهدد كيانه بتجمع "ديموجرافى" مصري بل ويحاول الآن نشر لغته وبسط ثقافته والسعي لإنشاء جامعة عبرية وامتلاك مناطق حاكمة رمزية (مبني الجامعة الأمريكية في ميدان التحرير – أرض حديقة الحيوان في ميدان الجيزة) ونجاحه في استقطاب بعض المحسوبين علي النخبة والإعلام المصري واستمالة البسطاء والفقراء والناقمين والمغيبين للهجرة إلي بلاد اللذة والجنس والزواج بصاحبات الجنسية الإسرائيلية وإنجاب أجيال علي المدى القريب تكون مزدوجة الجنسية (مصرية – إسرائيلية). وهذا كله يواجه بسلبية وبعدم مقاومة فاعلة من جانب السلطة الحالية – بل ويتم التدليس عليها وإخفائها.
8 – التأكيد علي سلامة مؤسستنا العسكرية، والتي نعتناها في مقال سابق بأنها "درع الأمة وضميرها"، فالأكثرية من العسكر المصريين من قادة وضباط وأفراد هم من الوطنيين الخالصين ومن المحافظين الملتزمين، لم تلوثهم ريح الفساد واختراقات الانحلال الغربي. ظهر هذا جليا في حفل إفطار القوات المسلحة في رمضان الماضي مع رئيس الدولة، حيث كانت عقيلات كبار الضباط ملتزمات محجبات (والحمد لله).
9 – انهيار منظومة الأمن القومي المصري – علي النحو السابق ذكره في المشهد الخارجي.
10 – التأكيد بأنه لا توجد علاقة بين غياب السلطة الحالية وبين سلامة وسلاسة سير وتيرة الدولة النظامية أو علاقاتها الخارجية، فالمنظومة البيروقراطية للدولة المصرية (المنشأة منذ أيام "محمد علي") لقادرة علي تسيير الأمور الداخلية في أي فترة انتقال محتملة.
11 - التأكيد التام علي وطنية ونزاهة وكفاءة العديد من رجالات مصر المحروسة ورموزها من خارج النظام، فمصر لم تعقم بعد قيادات وكفاءات. فالسيد "عمرو موسي" (كمثال) غني عن التعريف وهو معروف عالميا وإقليميا باعتباره "رمزا عربيا" سياسيا يحظي بقبول عريض في الشارع المصري والقومى العربي، إضافة إلي مهاراته التفاوضية وإجادته لقواعد اللعبة السياسية الجديدة التي يجيد إداراتها بقواعد "علوم الصراعات"، وكذلك سماته الجدية وشخصيته المُهابة (بالنسبة لإسرائيل علي الأقل) ومهارته في اللعب علي المتناقضات الدولية (وتلك نقطة هامة فعلتها "المانيا" في فترة الحرب الباردة فأصبحت "المانيا").
وهناك شخصية المشير "أبو غزالة" صاحب مشروعات تحديث وآلية النظم في القوات المسلحة وهو صاحب مشروع تطوير منظومة الصواريخ الغير مرئية بالتعاون مع الأرجنتين (التي أجهضتها أمريكا) ، إضافة إلي مكانته المتميزة في قلوب ضباط المؤسسة العسكرية بالخصوص والنخبة المصرية والمواطن المصري بالعموم.
وهناك التيار الإسلامي الذي يحظي بشعبية جماهيرية لا ينكرها أحد، وبمقدرة تنظيمية عالية وبمصداقية أخلاقية ووطنية لا يشكك فيها عاقل، وخاصة الأجيال الجديدة التي أثبت تنورها وتفتحها وعصرية تناولها لأمور الدولة المدنية السياسية بعيدا عن جمود الكهنوتية. ويضاف علي هذا هو القبول الدولي (الأمريكي والغربي) من قطاعات فكرية وسياسية كبيرة في الاستعداد بقبول الإسلاميين المعتدلين في إدارة النظم العربية لدرء خطر ومخاطر ما يسمونه "الإسلام الأصولي المتشدد". وهناك أمثلة من شخصيات إسلامية عديدة منهم كمثال دكتور "عصام العريان" و دكتور "أبو الفتوح"، وهما نقابيان بارزان ومن الناشطين السياسيين المعروفين. والأول حصل علي 48% في استفتاء الرئاسة المصرية الذى أجرته قناة الجزيرة الفضائية فى العام 2005 (مقابل 18% للسيد حسنى مبارك)، والثاني شاهدناه بين الركام والقتلى والجرحى في لبنان منذ أيام.
* * * * * * * * * * * * * * *
سابعا: والآن ماهو الحل المقترح ؟؟
ولذا فإن الحل الذى نراه وباختصار هو المناداة بالسيد "عمرو موسي" (وهو غني عن التعريف والبيان) رئيسا مؤقتا للبلاد وتعيين نائبين أثنين أولهما المشير "أبو غزالة" نائبا أولا ورئيسا للوزراء (مع إغفال الأقدمية للصالح العام) ويكون مسئولا مباشرا عن الأعمال الثقيلة (المؤسسة العسكرية والإنتاج الحربي والصناعة وإعادة التربية العسكرية إلي المدارس والجامعات كمثال)، والنائب الثاني من كوادر شباب الإخوان (العريان أو أبو الفتوح كمثال) ويكون مسئولا عن الشئون الداخلية والأعمال الاجتماعية وأن تتم بأسم الدولة لا بأسم الإخوان. والمهم أن يتم إعادة النظر في قانون استقلال القضاء والجامعات وفي قوانين الممارسات السياسية، وإصلاح الحياة الحزبية بحيث يبدأ بإلغاء كافة الأحزاب الورقية والمعينة ولا يسمح بتكوين حزب سياسي إلا بإيفاء شرط وحيد وهو حصوله علي موافقة عدد ممن يحق لهم الانتخاب تقدر بنسبة عضو واحد بحد أدني من مجموع المؤسستين التشريعيتين (لشعب والشورى). وتحسب بمقدار عدد واحد مقسوم علي مجموع عدد أعضاء مجلس الشعب (444 ، بدون المعينين) وعدد أعضاء مجلس الشوري (132 ، بإلغاء سلطة الرئاسة في تعين الثلث) مضروبا في عدد الذين يحق لهم التصويت – (أي حوالي 60 ألفا بفرض أن عدد أصوات الناخبين هو 35 مليون ناخب).
وكما سبق القول فأن هذا الحل يجب أن يحظى بأغلبية الوطنين الثقاة وهم معروفين كجماعات وشخصيات وتيارات وأن يأتي أولا عن قناعة نخبوية وسياسية ومؤسسية. وثانيا عن إجماع شعبي يجاهر فيه ويطالب به. وثالثا عن قناعة السلطة الحالية والعمل به في سلام. ورابعا إن لم يتحقق ثالثا يكون الحل في التظاهرات والاعتصام وصولا إلي العصيان المدني العام.
وأخيرا .. اللهم بلغت .. اللهم فأشهد - ولعل يكون في حديثنا بقية (!!) . . . . . . . .
هشام الناصر
الخميس 24 أغسطس 2006
[email protected]
http://www.maktoobblog.com/Alnasser_Hesham


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.