دعوة لم الشمل وتوحيد الصف ومحاولة إعادة بناء الجسور التي كانت منصوبة بين أبناء الوطن، هي في الواقع دعوة حق يراد بها باطل! هي في جانب من جوانبها تنتمي للكوميديا السوداء، شأنها شأن الدعوة العبيطة التي اطلقها القيادي الاخواني محمد البلتاجي للاحتفال بمليونية الورود في ميدان التحرير، حيث يتبادل المنتصرون والمهزمون الورود وهم يبتسمون في سعادة!! وهي في جانب من جوانبها أيضاً أوهام ولايصدقها أحد، فهل يعقل أن ندعو إلي لم الشمل ورأب الانقسام والحوار بين مختلف القوي السياسية وفي الوقت نفسه يقوم النائب العام بانتداب قضاة للتحقيق في بلاغات قدمها منتمون للجماعة، تتهم رموزاً وطنية كبري مثل البرادعي وحمدين صباحي بالتآمر لقلب نظام الحكم والخيانة؟! وهل يعقل ان تستمر مهزلة تعيين النائب العام علي هذا النحو دون أن يتدخل الرئيس أو حزب الحرية والعدالة لنزع فتيل الأزمة وإعادة بناء الثقة مع القضاء؟! وهل يعقل ألا يتنازل الرئيس والحكومة والحزب قيد أنملة ويعترفون بفشل إدارتهم للبلاد وتفاقم الأزمة الاقتصادية كل يوم بل كل ساعة؟! غير أن المثير للدهشة في كل هذا الجنون انه إعادة وتكرار لكل أساليب وطرق حكم حسني مبارك ونظامه، أي لإصرار علي المضي في القرارات التي يتخذها الرئيس وحكومته، والضرب عرض الحائط بكل مطالب المعارضين، مع الجار بالصباح حول ضرورة الحوار وأهمية الحوار وحلاوة الحوار! لن يستطيع الرئيس - لو أراد- أن يستعيد الثقة إلا بالانسلاخ عن جماعته، لأن المصريين الذين انتخبوه، سواء عن قناعة به شخصيا أو كرهاً في شفيق وخوفا من عودة الثورة المضادة، لم ينتخبوه باعتباره عضوا قياديا في الاخوان المسلمين. أخشي ما أخشاه ان الرئيس لن يستطيع الانسلاخ عن الجماعة، أظن ان هذا واضح تمام الوضوح.. ولكن علي الأقل يمكن اتخاذ عدد من الاجراءات التي تخفف الاحتقان بعد موقعة الاتحادية، عندما جرؤت الجماعة علي الاعتداء علي المعتصمين السلميين، وعذبت البعض علي أسوار وبوابات القصر الجمهوري. من الجنون أن يستمر الرئيس في الحديث عن تضاعف السياحة وزيادة الاستثمارات وارتفاع الاحتياطي وتحقيق مشروع النهضة، بينما الرئيس نفسه أول من يعلم ان الأرقام وضرورية والطبخة حمضانة.. يارب احفظ بلادنا.