القضية الرئيسية التي تهمنا -هنا في مصر- عند تحليل ظاهرة »إعصار» دونالد ترامب هي تأكيده في حملته الانتخابية علي إنهاء الدعم الامريكي للمنظمات المسلحة التي تحاول اسقاط الدولة السورية، ومعارضته إشعال حرب عالمية ثالثة مع روسيا، التي تريد محاربة تنظيم داعش، بل انه يدعو إلي تعاون امريكي- روسي للقضاء علي الارهاب، ويري ان كلاً من الرئيس الامريكي الحالي باراك أوباما ووزيرة خارجيته السابقة هيلاري كيلنتون هماالمؤسسان الحقيقيان لتنظيم داعش. كذلك مايهمنا هو إعلان ترامب انه لن يتورط في حروب في الخارج تكلف امريكا كثيرا، ولن يرسل جيوشا للقتال هنا وهناك، وأن عدوه الأكبر هو الارهاب والتطرف الديني، وان حلف الاطلنطي »عفي عليه الزمن» بعد ان زال خطر »التهديد السوفيتي» منذ وقت طويل، وانه لن يتدخل في الشئون الداخلية للدول الأخري، وان السياسة الامريكية في السنوات الماضية تسببت في تقويض الاستقرار واشاعة الفوضي في الشرق الأوسط، وان المسئولين في بلاده كذبوا علي الشعب الامريكي عندما زعموا أن هناك أسلحة دمار شامل في العراق، ولم يكن يصح ان تذهب امريكا إلي العراق، كما يعلن ترامب انه يرفض ان تلعب امريكا دور الشرطي العالمي. وهذه التصريحات والمواقف المعلنة، التي تكررت في حملة ترامب الانتخابية لم يسبق لسياسي امريكي يتطلع إلي الرئاسة ان صرح بها من قبل. وترجمة هذه التصريحات تعني ان يسود الهدوء العلاقات الدولية، ويبتعد شبح الحروب بل انها تعني التمرد علي المؤسسة السياسية الفاسدة -كما يسميها ترام- التي تهيمن علي كل شيء في الولاياتالمتحدة. وهذه نقطة تحول- أو انقلاب- في السياسة الامريكية تجاه العالم. وهذا هو السبب في أن جميع الشركات والبنوك العملاقة والمجمع الصناعي العسكري والبنتاجون والمخابرات الامريكية وجميع وسائل الاعلام وأربع رؤساء امريكيين سابقين، وأكبر وأخطر قيادات الحزب الجمهوري -الذي ينتمي اليه ترامب- اعلنوا الحرب علي صاحب هذه التصريحات. ويبدو ان هناك صراعاً يجري وراء الكواليس في الوقت الحاضر، لأن مستشار ترامب لشئون الأمن القومي حذر أوباما من اتخاذ مواقف مناقضة لمواقف الرئيس المنتخب أو اصدار قرارات مهمة تتعلق بالسياسة الخارجية خلال الفترة المتبقية له في البيت الابيض. الواضح أن السبب في هذا التحذير ان دعاة الحروب والمحافظين الجدد وأجهزة »الدولة العميقة» وانصار الهيمنة الامريكية المنفردة والمطلقة علي العالم، وزبانية التدخل الامريكي في أي مكان من الدنيا.. يتحركون جميعا الآن للضغط علي ترامب لكي يتراجع عما سبق ان تعهد به، وهم علي استعداد لأن يفعلوا أي شيء لمنع تحويل أفكاره إلي سياسة رسمية.. ذلك ان سياسة ترامب الجديدة تعني الاعلان الرسمي عن نهاية عالم القطب الواحد، كما تعني ان نخبة »وول ستريت» -حي المال والاعمال في نيويورك- لم تعد قادرة علي »انتاج» الرؤساء وتسويقهم بنجاح مستمر ومضمون كما كان الحال منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كلمة السر: التحرر من ضغوط مراكز الضغط