عندما تصبح الحياة السياسية مجرد حرفة مقصورة علي من يمتلكون ثروات شخصية خرافية تصريحات معينة أدلي بها دونالد ترامب، المرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة الامريكية، دفعت أخطر التيارات داخل الولاياتالمتحدة وأكثرها تطرفاً للتعبئة والاحتشاد والإعلان عن موقفها العدائي للسلام والاستقرار في العالم. فقد وصف ترامب الغزو الامريكي للعراق بأنه »خطأ»، واتهم الرئيس السابق جورج بوش بأنه كذب لكي يجر بلاده إلي الحرب. وقال ترامب إنه يفضل عدم التدخل في شئون الدول الأخري، وخاصة في الشرق الأوسط، وندد بسياسة أمريكا الساعية إلي »تغيير أنظمة الحكم»، واعتبر ان حلف الاطلنطي »عفي عليه الزمن»، وأوضح انه لا يريد حرباً مع روسيا بل التحالف معها ضد داعش. وبصرف النظر عن مدي جدية ترامب وصدقه والتزامه الحقيقي بهذه المواقف، فقد سارع »المحافظون الجدد»، الذين يشكلون النواة الصلبة للحزب الجمهوري، إلي إعلان وقوفهم إلي جانب مرشحة الحزب الديمقراطي المنافس هيلاري كلينتون! وهذا يدل علي أن هناك سياسات تتجاوز الأحزاب وتعلو عليها.. فما يبقي هو ما يخدم مصالح الفئات العليا التي تحتكر السياسة والحكم والثروة. ثمة ارتياح لدي المحافظين الجدد تجاه مواقف هيلاري التي تؤكد علي أهمية استخدام القوة العسكرية للحفاظ علي مكانة الولاياتالمتحدة في العالم وتصعيد التوتر مع روسيا والتهديد بحرب ضدها، وتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، وممارسة سياسة التدخل في شئون الدول الاخري وتوسيع التدخل الامريكي في سوريا. والحقيقة أن هيلاري كانت نصيرة للحروب علي الدوام، فقد صوتت في الكونجرس إلي جانب غزو العراق، وتولت الاشراف علي غزو ليبيا مما أدي إلي تحولها إلي ملاذ لتنظيم داعش. ولاشك أن هيلاري -كرئيسة- ستكون تقليدية تماما، فهي تتخذ موقفا ازاء العالم ودور أمريكا في الساحة الدولية.. يرجع في الأصل إلي زمن الحرب الباردة، كما انها تتعهد بالاصغاء إلي جنرالات امريكا، وتقسم علي ان تكون متشددة مع خصوم واشنطن وعلي ان تستعرض العضلات، ولا تستبعد التدخل العسكري في أي مكان للبرهنة علي ان امريكا مازالت تقود العالم! وهذا هو السبب في تأييد اكثر عناصر الحزب الجمهوري تطرفا لهيلاري، وعلي رأسهم جورج بوش ومستشار الأمن القومي الأسبق برنت سكوكرونت وروبرت كاجان، أحد مؤسسي مشروع القرن الأمريكي الجديد، وغيرهما ممن يتوقعون ان تكون هيلاري من الصقور. وربما ينذر فوز دونالد ترامب بالرئاسة بأخطار يصعب التنبؤ بها، ولكن الأخطار الناجمة عن إعادة تقوية وتعزيز سلطة ومواقع مفكري المحافظين الجدد لاتقل فداحة. والمشكلة تكمن في نظام الحزبين اللذين تهيمن عليهما الشركات الكبري. ويقول البروفيسور »لورنس ليسيج»، الاستاذ بجامعة هارفارد الامريكية، في كتابه »الجمهورية المفقودة»: انه »ما لم تغير الولاياتالمتحدة بطريقة جذرية الطريقة التي يجري بها تمويل الحملات السياسية، فان الديمقراطية الامريكية سوف تندثر، فقد اصبحت الحياة السياسية مجرد حرفة مقصورة علي هؤلاء الذين يمتلكون ثروات شخصية خرافية من أمثال ترامب وهيلاري أو يملكون القدرة علي دفع رجال المال والاعمال لفتح خزائنهم، مع كل ما يتطلبه ذلك من مساومات ومجاملات وما يعقب ظهور النتائج من »رد الجميل» في شكل خدمات وامتيازات ومحاباة وتأمين مصالح هؤلاء الذين ساهموا في تمويل المعركة الانتخابية لمرشحهم المفضل. كلمة السر: المال السياسي