رغم فض اعتصام ميدان النهضة بنجاح بعد أن استمر شهراً ونصف الشهر مازالت التداعيات تكشف والآثار تتابع الخسائر التي طالت الأخضر واليابس في هذه المنطقة الحيوية ودمرت جانباً مهماً من تاريخ التنوير في مصر.. لم تعد الخسائر مجرد أرقام ترصدها أجهزة الدولة لتحديد حجم الاعتماد المطلوب لإعادة الوجهة الحضارية لميدان نهضة مصر أحد أهم الميادين في مصر الواقع أمام الباب الرئيسي لجامعة القاهرة العريقة وتحيط به ثلاث مداخل هي مدخل الدقي وكوبري الجامعة ومدخل الجيزة ويتوسطه تمثال نهضة مصر الذي نحته الفنان العظيم محمود مختار عام 1920 اختار لها فتاة مصرية فلاحة تقف بجوار تمثال أبي الهول واضعة يدها اليمني علي رأسه في إشارة إلي أن مصر تنظر إلي مستقبلها ويعد هذا التمثال رمزاً لمصر الحديثة ويعكس الأحداث السياسية التي مرت بمصر في الفترة التي طالبت فيها بالاستقلال.. وللأسف قام أنصار الرئيس المعزول بتشويه التمثال.. وكتابة العديد من العبارات المسيئة للقوات المسلحة وجهاز الشرطة ولصق الصور علي جسم التمثال والسور المحيط به إلي جانب اعتلاء التمثال لفترات طويلة من بعض المعتصمين وإلحاق العديد من الأضرار بجسم التمثال الجرانيتي. الدكتور علي عبدالرحمن محافظ الجيزة يقول: التكلفة التي رصدتها المحافظة بشكل أولي لإعادة تأهيل ميدان وتمثال النهضة وترميم الأسوار المطلة علي الميدان بلغت 25 مليون جنيه. حرق مبني الهندسة الأثري ومن داخل المبني الرئيسي لإدارة كلية الهندسة والذي يتميز بطابع معماري وإنشائي وتاريخي احترق الدور الثالث فيه بالكامل وأتت النيران علي كل محتوياته.. الدكتور علي جبر وكيل الكلية يوضح أن المبني الأثري أنشئ عام 1902 ونقلت إليه المهندسخانة التي أنشأها محمد علي باشا عام 1816 بعد أن انضمت إلي الجامعة المصرية تحت اسمها الحالي "كلية الهندسة" عام 1935 وتضرر هذا المبني أثناء فض اعتصام النهضة عندما لجأ بعض المعتصمين إلي الاحتماء بالكلية واعتلاء الدور الثالث الذي يقع علي مساحة 900 متر مربع احترقت بالكامل ولم يتبق سوي 10 أعمدة تحمل السقف العلوي وأوضح أن الحريق ليس عشوائياً بدليل احتراق الدور بشكل متساو بجميع أركانه. المراكز البحثية لم تسلم مشيراً إلي أن النيران التهمت أيضاً خمسة مراكز بحثية كانت همزة الوصل بين كلية الهندسة والمجتمع المدني تعمل علي تقديم الاستشارات الهندسية للجهات الحكومية والمؤسسات الصناعية كما احترقت أجهزة متخصصة مثل ليزر قياس حرارة الأجسام وأجهزة قياس الرطوبة ومحطات رصد ماسحية باليزر إلي جانب احتراق مبني إدارات الشئون القانونية والمالية والدراسات العليا بل استغل البلطجية أحداث فض الاعتصام لسرقة أجهزة الحاسب الآلي بالمكاتب الإدارية وأجهزة "داتا شو" خاصة بالمراكز والقاعات البحثية وشاشات عرض وخزينة مستندات وماكينات تصوير مستندات وأجهزة لاب توب حتي محتويات مكتب العميد والمكاتب الإدارية الموجودة بالمبني لم تسلم من السرقة ومن حسن الحظ أن إدارة الكلية فطنت مبكراً لحدوث أعمال عنف فقامت بنسخ المستندات الهامة المتعلقة بنتائج الطلاب والدراسات العليا والمراكز البحثية ونقلها لمكان آمن بعيداً عن مبني الجامعة. الخسائر 14 مليوناً أوضح أن الدكتور شريف مراد عميد كلية الهندسة شكل لجنة من المهندسين الاستشاريين لدراسة الوضع الحالي للمبني للتأكد من سلامته إنشائياً وإعداد تصور عام لكيفية ترميم الدور المحترق وبدأت بالفعل إزالة الأنقاض التي خلفها الحريق علي أن تنتهي كافة أعمال الترميم قبل بداية العام الدراسي الجديد وتقوم لجنة أخري بعمل حصر للتلفيات والمسروقات من مبني الإدارة التي قدرها الخبراء في تقرير مبدئي بحوالي 14 مليون جنيه وفجر وكيل الكلية مفاجأة عندما صرح بأن كاميرات المراقبة الموجودة بالبهو الرئيسي تمكنت من رصد العناصر المخربة التي اقتحمت مبني الكلية خلال الأحداث مؤكداً أن إدارة الكلية قامت بتفريغ محتويات الكاميرا خلال 30 يوماً وإرسالها إلي جهات التحقيق لاتخاذ اللازم قانونياً. استهداف التاريخ أما حديقة الأورمان ذات الشهرة العالمية وكانت شاهداً علي ما ارتكبه مؤيدو الرئيس المعزول من تخريب لثرواتها النادرة بعد احتلال مساحة كبيرة منها ونصب الخيام وبناء دورات مياه وإتلاف وسرقة الكثير من الشتلات النباتية النادرة كما أن المهندس عمرو ربيع رئيس الإدارة المركزية للتشجير والبيئة أضاف أن جميع مرافق الحديقة من مباني وشبكة الري لم تسلم من الخسائر.. بعضها دمرت بالكامل وشبكة إضاءة أصبحت لا وجود لها.. الأسوار الحديدية نزعوها واستخدموها لغلق الطريق ومن أهم الأضرار التي لحقت بالحديقة "المعشبة" التي تحتوي علي آلاف العينات التاريخية والنادرة والمخطوطات الأصلية التي يمتد تاريخها إلي عهد الملك فاروق وسرقة 500 أنبوبة بها عينات لنباتات طبية نادرة الوجود وإتلاف دولابين للملك فاروق أيضاً بهما مخطوطات أثرية تصف نباتات ليس لها شتلات بالعالم مكتوبة ومرسومة بخط اليد من أكثر من قرن إلي جانب إتلاف آلاف العينات التي تم إنجازها بمجهود متواصل لعشرات السنوات لمهندسي الوزارة والعاملين بالمعشبة والتي يستحيل إعادة بعضها لندرتها مضيفاً أن بعض العاملين بالمعشبة لهم عينات أنابيب نباتية محفوظ عليها أسماء العاملين وبعد علمهم بما حدث أصبح تأثرهم شخصياً لما حدث من استهداف لتاريخ الحياة النباتية في مصر واعتداء علي مخطوطات تعتبر جزءاً من تاريخ مصر المعاصر. مشيراً إلي أن الدكتور أيمن فريد أبوحديد وزير الزراعة دعا لتشكيل لجنة مجتمعية تضم كبار المختصين بالحدائق النباتية في مصر ومنظمات المجتمع المدني وأساتذة الجامعة والمهتمين بالحدائق التراثية ومركز توثيق التراث لإنقاذ حديقة الأورمان أحد أهم الحدائق التاريخية وخاطب الوزير منظمات دولية مختصة مثل اليونسكو والجمعيات المهتمة بالنباتات والزهور وكانت النتائج مشجعة والبعض أبدي الاستعداد للمساهمة في توفير جزء من النباتات التاريخية وإهداء الحديقة شتلات منها. مشيراً إلي أن الخسائر التي تكبدتها الحديقة تجاوزت 54 مليون جنيه. روح انتقامية التقينا مع الدكتور سيد حسين مدير حديقة الأورمان الذي اصطحب عدسة "الجمهورية" لترصد الحالة المتردية التي آلت لها الحديقة التاريخية التي أسسها الخديوي إسماعيل عام 1875م بعد زيادة غابات بولونيابفرنسا واصطحابه لخبير فرنسي لينقلها علي مساحة 27 فداناً بالأورمان.. يقول الحديقة تنقسم إلي أربع حدائق هي حديقة الصبار والنباتات الشوكية وتعد من أهم الحدائق في الشرق الأوسط لاحتوائها علي أنواع نادرة غير موجودة بالكثير من دول العالم إلي جانب جلب العديد من فرنسا وهولندا وانجلترا في أوائل القرن الحالي إلي جانب حديقة الورد علي مساحة فدانين وبها أكثر من 108 من أنواع النباتات النادرة وحديقة عصفور الجنة وزهرة اللوتس أقدم زهرة عرفتها البشرية وحديقة النخيل والتي تحتوي علي 330 صنفاً من أجمل أصناف النخيل وأندرها مثل نوع "ذيل السمكة" وهذه الأنواع النادرة والتاريخية لا تقدر بثمن وما حدث من تلفيات بالنباتات والأشجار الموجودة بالحديقة تعد جريمة ضد التاريخ وقال لا يعقل أن يتم تدمير أشجار البامبو التي وصلت أعمارها لأكثر من 80 سنة ولها أطوال تعد من النوادر حول العالم لاستخدامها كوقود لإعداد الطعام وأوتاد لنصب الخيام وشوم والتعدي علي العاملين والغفر في حالة محاولة منعهم والأدهي من ذلك تحطيم دورات مياه الحديقة ومبني الكافيتريا والمعشبة أثناء فض الاعتصام بعد أن قام المعتصمون بتحطيم الحمامات التي أقاموها داخل أسوار الحديقة مما يعكس الروح الانتقامية لديهم.