أحمد الزند، قاتل العدالة الأول فى مصر، وجه الدعوة لأعضاء السلطة القضائية "للوقوف دقيقة حدادا يوم 30/6 فى نادى القضاة حزنا على انهيار العدالة".. هذا الزند الذى نعلم تاريخه المشين زمن مبارك.. هذا الزند الذى دافع عن بلطجة من وكلاء النيابة، ضد النائب العام وحصاره فى مكتبه وتهديده بالسلاح.. هذا الزند الذى دافع عن توريث القضاء لأبناء المسشارين بصفته "زحف مقدس".. هذا الزند الذى أعلن أنه لن يلتزم بقوانين أول برلمان منتخب فى تاريخ مصر الحديث.. هذا الزند الذى يظن أن على "راسه ريشة"، ولن يمتثل أمام النائب العام، مثله مثل أى مواطن آخر، للتحقيق معه بشأن الجرائم المتهم بها، وأحرج المجلس الأعلى للقضاء، حتى رضخ الأخير إلى تعيين أحد زملاء الزند من "القضاء الشامخ" لإجراء تحقيق نعلم كيف سينتهى.. هذا الزند الذى وصف القضاة كذبا بأنهم "خلفاء الله فى الأرض"، تماما مثل اليهود الذين يعتبرون أنفسهم "شعب الله المختار".. حيث اختار الله بنى إسرائيل لتعمير الأرض وأرسل فيهم الأنبياء لإصلاح الناس، لكنهم بدلا من أن يحملوا المسئولية كما أراد الله، استغلوا اختيار الله لهم للاستعلاء على البشر، والاستكبار فى الأرض. وكذلك يفعل القضاة الفاسدون المسيسون.. يستغلون مكانتهم الخاصة ومسئولية نشر العدل بين الناس للاستعلاء على البشر وظلمهم، واستغلال الحصانة لارتكاب الجرائم وهم آمنون من الحساب والعقاب. هذا الزند وأمثاله يأتون اليوم للوقوف حدادا على العدالة التى قتلوها. غير أن المشكلة فى حقيقتها تكمن فى مجلس قضاء يضع اعتبارات الزمالة فوق اعتبارات العدالة، فيرفض رفع الحصانة عن القضاة الفاسدين المسيسين، أو عن القضاة المزورين فى انتخابات 2005 و2010، ويرفض حتى توجيه اللوم لمن يمارسون السياسة على الفضائيات وفى النادى، فينحازون إلى فريق سياسى ضد فريق آخر، حتى انهارت ثقة الناس فى نزاهتهم وفى هيبتهم وفى منظومة العدالة بأسرها.. هذه العدالة التى غدروا بها كما غدروا بالبرلمان، ثم يمشون الآن فى جنازتها. أما التعايش السلمى بين المصريين، فلا يوجد ما يهدده مثل التطرف العلمانى، وبالذات تطرف من يصفون أنفسهم ب"مبدعين ومثقفين". كنت دائما أتساءل لماذا لا يوجد أديب أو روائى أو شاعر واحد فى أوساط العلمانيين يتسم بالاعتدال فى آرائه وألفاظه. وتأكد لى تطرف هذه الطائفة وتدنى مستواها الأخلاقى مما قام به جماعة من الهمج مؤخرا من اقتحام لوزارة الثقافة واحتلال مكتب وزيرها. تصور ماذا كان سيحدث لو قام الإسلاميون بارتكاب هذا الفعل الهمجى نفسه ضد أى من الوزارات التى يرأسها علمانى. وكنت حتى وقت قريب أنظر للشاعر فاروق جويدة كاستثناء معتدل وموضوعى ونزيه لا يتكرر فى هذا الصنف من البشر. ولكن يا لخيبة الأمل؛ فمنذ شهور، وجويدة يخوض فى مستنقع التطرف ويزداد تطرفا يوما بعد يوم.. منذ أن وصف عضوية البرلمان ب"المكسب الرخيص"، حتى وصل إلى حد اتهام الإسلاميين بقتل المعارضين وتكفير المجتمع. لاحظوا معى ما جاء فى عموده بالأهرام (25/6): "كل التيارات الإسلامية التى ظهرت فى الساحة منذ قيام الثورة كان شيوخها يتسابقون فى الدعوة إلى الدولة الإسلامية حتى وصل الأمر إلى استخدام السلاح وقتل المعارضين وتكفير المجتمع كله". جويدة يتهم "كل التيارات الإسلامية" بالقتل والتكفير؟ فهل يخدم ذلك قضية التعايش بين الإسلامى والعلمانى؟ أم أنها دعوة مستترة لإبادة واستئصال "القتلة التكفيريين"؟ بل وصلت الجرأة بجويدة إلى درجة اتهام وزارة المالية والرئاسة بإهدار المال العام، عندما كتب (24/6): "لم أهتم كثيرا بالحشود البشرية فى مظاهرة رابعة العدوية لأننى أعرف من أين جاءت وكيف جاءت ومن تحمل نفقات انتقالها من محافظات وقرى مصر ومن الذى دفع الفاتورة وهل هى وزارة المالية أم مؤسسة الرئاسة". ثم يعمد للترويج لأكاذيب سيد على ومصطفى بكرى وصحيفة مجدى الجلاد الذين حوروا كلمة د. البلتاجى فى المليونية -والتى هاجم فيها الناصريين وسخر منهم- ليزعموا أنه هاجم الجيش.. حيث كتب جويدة مروجا للأكذوبة "هجوم بغيض وحاقد على جيش مصر وسخرية مرة من نكسة 67 وشماتة واضحة من زعامات لا تقدر المسئولية الوطنية وقدسية الأدوار والدماء الطاهرة التى سالت فى انتصار 73". لقد اعتذر سيد على عن اتهامه للبلتاجى بالهجوم على الجيش، ولكن لن يعتذر جويدة لأنه سقط للأسف فى مستنقع التطرف العلمانى. وفى المثال الأخير الدال على تطرف جويدة، كتب عن فضائية (مصر25): "وقعت القناة الوليدة فى مستنقع كبير من الضحالة والأكاذيب التى لا تليق بوسيلة إعلامية ترفع راية الإسلام. كيف يطلق أحد المذيعين فيها على المثقفين المصريين المعتصمين فى وزارة الثقافة بأنهم شيوعيون كفار.. وكيف أعطى هذا المذيع لنفسه الحق فى تكفير عشرات المثقفين وهم أكثر منه إيمانا وتمسكا بدينهم". إذا كان ما ذكره جويدة، عن تكفير أحد المذيعين للهمج الذين يحتلون مكتب الوزير، صحيح، فهو قطعا مرفوض.. لأننا لا ينبغى أن نرد على التطرف العلمانى بتطرف مقابل. نحن أفضل منهم أخلاقيا وأعلى منهم بإيماننا، ولا ينبغى أن نسمح لهم باستدراجنا إلى مستواهم الأخلاقى. ولكن ما لفت نظرى هو أولا هجومه الحاد على الفضائية على خلفية خطيئة واحدة، وهو ما لا يمكن مقارنته بخطايا وجرائم الفضائيات العلمانية التى يسكت عنها جويدة.. وثانيا حديثه عن احتلال مكتب الوزير وكأنه عمل احتجاجى مشروع وليس انتهاكا صارخا للقانون. مثال آخر لأحد كبار الصحفيين العلمانيين، مكرم محمد أحمد الذى يبدو أنه أصبح ثوريا ونحن لا نعلم؛ حيث كتب: "لماذا تصر جماعة الإخوان على أن تأخذ البلاد إلى حافة صراع أهلى مدمر وتبعث برسائل تخويف وتهديد إلى جموع غاضبة تتصدرها أجيال جديدة، يعرفون جيدا أنها لن تعلن راية الاستسلام، ولن تتخاذل عن تقديم التضحية بالنفس دفاعا عن ثورتها المغدورة والمسروقة". حقا إذا لم تستحِ فاصنع وقل ما شئت.. مكرم، الذى كان كاتب مبارك الأول، يكتب عن الثورة المغدورة والمسروقة! حقا هزلت كما هزلت مع وقوف الزند حدادا على العدالة المغدورة. ولا يمكن الحديث عن التعايش دون ذكر مأساة قتل أربعة من المسلمين الشيعة مؤخرا فى جريمة همجية تبرز مدى خطورة الفضائيات المتطرفة التى لا تتوقف عن تكفير إخواننا الشيعة المسلمين الموحدين. إن سب الصحابة وأمهات المؤمنين جريمة يجب أن يعاقب عليها القانون، ولكنها لا تخرج من الملة، كما أن من يفعل ذلك فى صفوف الشيعة هم قلة متطرفة. وفى كل جماعة سنجد المتطرفين والوسطيين. وأحد أبرز العقبات التى تواجه الوسطية الإسلامية فى مصر (الإخوان والوسط والبناء والتنمية) هو التطرف من الناحيتين العلمانية والسلفية. ولهذا لم أستغرب عندما نشأ تحالف موضوعى مؤخرا بين طرفى التطرف فى مصر، واللذان يمثلهما جبهة الإجرام وحزب النور. فالعدو الأكبر للتطرف هو الوسطية.. ولهذا كان طبيعيا أن يتحالف المتطرفون معا للخلاص من الوسطيين. كما لم أستغرب عندما تحولت صحيفة (المصريون) المتطرفة فى كراهيتها لإخواننا الشيعة، إلى ما يشبه المتحدث الرسمى باسم جبهة الإجرام. وهكذا تستمر الثورة فى الفرز والتمييز بين الخبيث المتطرف والطيب الوسطى.