كثيرون يسمعون عن الغزو الفرنسى لدولة مالى فى غرب إفريقيا المجاورة للجزائر، ولا يعرفون أن غالبية سكانها مسلمون، ويقرءون فى الأخبار فقط أن الغرب المتحضر غزا مالى لإنقاذها من "المتطرفين أو المتمردين الإسلاميين" الوحشين من أنصار تنظيم القاعدة(!)، وكأن الغرب أصبح جمعية خيرية ينفق أمواله –رغم أن خزائنه فارغة ويعانى أزمة مالية طاحنة- من أجل إنقاذ المسلمين فى مالى من التطرف!. ودون أن أدخل فى متاهات التحليل السياسى أقول: إن هذا الغزو الذى تسبب فى مقتل عشرات المسلمين الأبرياء الذين قصفتهم الطائرات الفرنسية، ليس سوى تدخل من أجل المصالح الاستعمارية الغربية الفرنسية والأمريكية، سواء لجهة تأمين مناطق النفط والموارد المعدنية فى إفريقيا، أو لجهة منع تمدد الصحوة الإسلامية (الربيع العربى) ناحية الغرب (مالى ودارفور وغيرها)، والاستمرار فى خلق حاجز أو كماشة تعزل ما يمكن أن نسميه (الإسلام العربى) فى الشمال والشرق عن (الإسلام الإفريقى) فى الغرب والجنوب. منذ أن أعلن فى جمهورية مالى عن اكتشاف كميات معتبرة من الذهب الأسود شمال البلاد، والبلاد تعانى من صراعات داخلية - بنكهة خارجية، وتزايد المطامع الغربية فى نفط المنطقة الممتد من الجزائر، ومنذ أن بدأت الصحوة العربية فى تونس ثم مصر ثم ليبيا وسوريا، وتمددها لدول عربية أخرى، وهناك حالة من القلق الأمريكى والغربى من تضرر المصالح الغربية فى المنطقة، وخصوصا القارة الإفريقية التى شهدت ثلاثا من تجارب الصحوة هذه فى الشمال الإفريقى، خاصة مع انتشار قوات أفريكوم الأمريكية فى القارة الإفريقية؛ لنهب مواردها، وحماية طرق نقل هذه الموارد، ومنها 12 قاعدة جوية صغيرة أقامها الجيش الأمريكى فى إفريقيا منذ عام 2007، للقيام بعمليات مراقبة الحركات الإسلامية هناك كى لا تضر المصالح الغربية، حسب ما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، فى يونيو 2012. فمنطقة شمال إفريقيا تعد موردا مهما لفرنسا والدول الغربية من اليورانيوم عالى التخصيب ، والنفط، و20% من بترول أمريكا يأتى من الشمال الإفريقى، كما أن المنطقة غنية بالغاز والذهب واللؤلؤ والكوبالت الذى يستخدم فى صناعة الطائرات (وكان هو سبب تدخلهم فى دارفور السودانية أيضا لأن المنطقة غنية به). وهذا هو سبب تسرع فرنسا فى التدخل العسكرى المريب فى مالى، رغم أن الاتفاق مع الدول الإفريقية كان مساعدة القوة الإفريقية عسكريا ولوجستيا فقط. فرنسا والغرب يخشون أن تحُول التنظيمات الجهادية الإسلامية فى شمال مالى بينها وبين الحصول على هذه الموارد، التى تعد مالى غنية بها، ويخشون حرمان الغرب من هذه الموارد الهائلة، فضلا عن أن وجود هذه الموارد تحت أيدى التنظيمات الإسلامية المسلحة هناك يسمح لهم بشراء السلاح وتدشين دولة إسلامية جهادية هناك، وهو ما يعده الغرب خطا أحمر، وسبق له أن سعى لإفشال تجارب سابقة مشابهة عندما تدخل فى أفغانستان والصومال لنفس الغرض، وهو منع إقامة الإسلاميين المنتمين لفكر القاعدة من إقامة دولة إسلامية تهدد المصالح الأمريكية فى المنطقة. والأمر ليس قاصرا فقط على فرنسا، ولكنه يخدم المصالح الأمريكية، ولهذا سارعت واشنطن لتلبية طلب فرنسا توفير جسر جوى لنقل قواتها إلى مالى؛ لأن الهدف والمصلحة واحدة.. إذ تسعى أمريكا منذ 2007م ليكون لها موطن قدم فى هذه المنطقة التى طرحها البنتاجون من قبل لتكون مقر القيادة العسكرية الأمريكية بإفريقيا "أفريكوم" (AFRICOM)!.