تصدير الثورة في إيران، قابله مفهوم آخر في السودان هو إقامة الأممية الإسلامية، صحيح أن المفهومين يختلفان من حيث المفردات اللغوية، والفاصل الزمني، فتصدير الثورة الإيرانية بدأ عام 1980، وأممية الدكتور حسن الترابي الإسلامية من السودان انطلقت عام 1990، كما أن التصدير الإيراني استهدف نشر الأفكار الشيعية بالأساس عبر السفارات والمراكز الثقافية والحسينيات، في حين أن أممية السودان اعتمدت علي رعاية التنظيمات والأحزاب الدينية السنية. وكما استغلت إيران الجغرافيا للانتشار الشيعي، دشن الترابي مؤتمرا سنويا للحركات الدينية في العالم العربي وأفريقيا، للنفاذ عبر الجغرافيا أيضا لإقامة إمبراطورية أو أممية إسلامية يقودها الترابي، الذي لم يصدر الثورة، لكن الجبهة القومية الإسلامية التي استولت علي الحكم في السودان احتوت التنظيمات الأكثر تشددا والجماعات الإرهابية مثل القاعدة والجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد المصري. في حين استطاعت إيران الحفاظ علي خطة تصدير الثورة طوال ثلاثين عاما استنادا إلي اقتصاد إيراني كان قويا وعائدات نفطية جبارة، لم يستطع السودان بموارده المحدودة، وبالحرب الأهلية التي اندلعت في الجنوب والشرق وانضمت لها المعارضة السودانية الشمالية الصمود ماليا وسياسيا. يضاف إلي ذلك أنه خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي، لم يكن الغرب قد اتخذ قرارا استراتيجيا بإسقاط النظام الحاكم في إيران، بل كان يري في وجوده عدة مصالح منها، وجود دولة دينية في المنطقة تقف سدا منيعا أمام الشيوعية والأفكار الاشتراكية، وتمدد النفوذ السوفيتي باتجاه الخليج العربي من ناحية.. كما ان الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت من عام 1980 إلي 1988، كانت كفيلة من المنظور الغربي بتحطيم أهم قوتين إقليميتين في المنطقة.. أو بمعني آخر لا توجد مصلحة في التدخل المباشر، لذلك اكتفي الغرب بتمرير الأسلحة للبلدين المتحاربين، وإذكاء نار الحرب بينهما لإضعافهما واستمرار مصانع السلاح الغربية في الدوران وتعظيم الاقتصاديات الغربية. لكن الحالة السودانية مثلت خطورة بالغة علي المصالح الأمريكية في شرق ووسط أفريقيا، خاصة في ظل مشروع القرن الأفريقي الكبير الذي تبنته إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، وهو حزام أفريقي يفصل بين الشمال الأفريقي العربي، ووسط وجنوب أفريقيا السوداء، وبدا واضحا ان السودان المفترض منه الانضمام لهذا الحزام الأفريقي يحدث اختراقا كبيرا في المشروع لذا تدخل الغرب بشدة لإنهاء أممية الترابي، وإشعال الحرب الأهلية للوصول إما إلي سودان أفريقي أو تقسيمه بين شمال عربي ينضم للشمال الأفريقي.. وجنوب يكمل الحزام الأسود في منتصف القارة. ليس بعيدا عن ذلك أيضا أن تسخين الخليج، عبر الحرب العراقية الإيرانية، ثم عاصفة الصحراء 1991، ثم إسقاط الرئيس العراقي 2003، كان يستدعي تهدئة منطقة أخري غنية بالنفط وهي جنوب السودان.. لذلك سقطت أممية الترابي.. فيما لا تزال الثورة الإيرانية تُصَدَّر للخارج، لأن المصالح الغربية من الوجود الإيراني لا تزال حتي هذه اللحظة أكبر من القضاء علي حكم آيات الله.