من القضايا التي أثارت الحساسية عند بعض الدول العربية علي الثورة الإيرانية عقب اشتعالها عام1979 تمسكها برفع شعار تصدير الثورة, وكأنها سلعة قابلة للتصدير... أي العمل علي أن تكون صورة المجتمعات المختلفة مشابهة لإيران التي يتمسك نظامها الحاكم بالإمامة التي تفرض سلطة رجال الدين ونفوذهم فوق رؤساء الدولة. وبرغم هذا الأسلوب الذي استجد علي الحياة السياسية في منطقة الشرق الأوسط... فإن بعض القادة الذين تولوا الحكم في إيران كانوا من دعاة السلم وتحسين العلاقات ومنهم محمد خاتمي الرئيس الإيراني الذي اختاره الشعب لأنه يمثل الاعتدال والبعد عن التطرف. وأذكر أن مصر قد زارها وفد من الصحفيين الإيرانيين في بداية الثورة, كما استقبلت الرياض عام1997 أكبر وفد تجاري إيراني يضم350 من رجال الأعمال... كما أذكر أن إيران قد أوفدت السفير خسرو شاهي رئيسا لمكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة, وهو رئيس لجمعية الصداقة المصرية الإيرانية... وقد استضافته اللجنة المصرية للتضامن في لقاء في فبراير2003 قال فيه عندما أثير الحديث عن تصدير الثورة إنه شخصيا لا يؤمن بفرض نظام علي شعب, وأنه يقوم بتصدير الثورة من القاهرة إلي طهران حيث أرسل مؤخرا إلي بلاده كتبا مصرية تبلغ قيمتها نصف مليون من الدولارات. وقد استضافت طهران أيضا ندوات عربية إيرانية تحت رعاية مركز الدراسات السياسية الدولية التابع لوزارة الخارجية الإيرانية, وهي الندوة التي كانت تستهدف تشكيل منظمة غير حكومية للصداقة العربية الإيرانية, تضم شبكة من المنظمات الوطنية في العالم العربي وإيران... وهي الندوة التي كان لي حظ المشاركة فيها. وأتيحت لنا فرصة لقاء الرئيس خاتمي الذي كان أول من دعا الي حوار الحضارات أمام الأممالمتحدة عملا علي تقريب الفوارق بين الشعوب.... وتفاديا للصدام الفكري بينها. وبرغم أن الخلافات الداخلية قد أدت إلي إبعاد خاتمي عن الرئاسة, واستبداله بمحمود أحمدي نجاد فإن خاتمي مازال يدلي بتصريحات تدعو إلي التسامح والديمقراطية والبعد عن الدعاية الصاخبة المبالغ فيها لتحركات المسئولين.. ويعمل علي نشر الثقافة الإنسانية, وكسر الجمود الذي يحاول البعض فرضه علي العقول الإيرانية.. كما يتضح في الحديث الذي قدمته الأهرام يوم27 مايو الحالي... والذي يؤكد فيه أن لا حل لقضايا المنطقة بدون مصر مع تقدير جهودها الإقليمية... ومع ذلك فإن أسلوب الرئيس محمود أحمدي نجاد يختلف في مضمونه وجوهره عن أسلوب الرئيس محمد خاتمي الذي أصبح اليوم محسوبا علي قوي المعارضة التي تضم فئات مختلفة منها مجاهدو خلق الذين تطاردهم إيران خارج الحدود.. وهو أم يشير إلي أن فكر تصدير الثورة أمر لم يغب عن خاطر المتطرفين الإيرانيين الذين يمكن أن يجلبوا لشعوبهم وشعوب المنطقة حالة من الاحتقان والتوتر التي لا تؤدي إلي الاستقرار والسلام... والتي تقوم علي أساس خاطيء وبعيد عن الصواب... لأن الثورات ليست سلعا تباع, وإنما هي حالة تعتنقها الشعوب لحماية استقلالها وإقامة ديمقراطية وعدالة اجتماعية.. وأخيرا... فإنه إذا كان تصدير الثورات قد أصبح شعارا لم يتحقق خلال الأعوام الثلاثين الماضية... فعلينا أن نبذل جهودا مشتركة بين المفكرين والنشيطين العرب والإيرانيين للتغلب علي التناقضات الهامشية.... ومحاولة تصدير السلام والعلاقات الطيبة بين شعوب المنطقة.