وزير التعليم يبحث مع مدير مكتب التربية العربي لدول الخليج تعزيز التعاون التربوي    جامعة حلوان تستقبل وفد «مستقبل الأرض بأفريقيا» و«البحوث الوطنية» (تفاصيل)    محافظ قنا يبحث مع نواب مجلسي الشيوخ والنواب ملفات التنمية وتعزيز التعاون المشترك    التعليم العالي:مصر والجزائر تتعاونان في الأبحاث البترولية والتنمية المستدامة    وزير الاتصالات: إتاحة 180 خدمة حكومية عبر منصة مصر الرقمية    اختتام فعاليات مؤتمر تنظيم الاتصالات لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بالقاهرة    أخبار الكويت اليوم.. وزير الدفاع: تدشين الاستراتيجية الدفاعية 2025 - 2030    لدخول السوق الرئيسي.. بدء اكتتاب زيادة رأسمال بريمير هيلثكير في البورصة    أوكرانيا تتهم موسكو بانتهاك الهدنة الروسية أكثر من 700 مرة    تقرير: ضغوط أمريكية على المنظمات الإنسانية لدعم خطة المساعدات الإسرائيلية بشأن غزة    قائد نيوكاسل يطالب بالدعم الجماهيري أمام تشيلسي    بيسيرو يخرج عن صمته: "الزمالك رقم 6 في مصر"    رغم اهتمام الهلال السعودي.. ماركو سيلفا سعيد في فولهام    نيوم يدخل على خط المنافسة لضم سعود عبد الحميد.. والاتحاد يتصدر السباق    السجن 13 عاما لمتهم بترويع شاب بكلاب شرسة والتعدي عليه في الإسكندرية    إقبال متوسط على شواطئ الإسكندرية للهروب من ارتفاع درجات الحرارة الشديدة    موعد بداية ذي الحجة 1446.. متى تحل وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025 في مصر؟    سهير رمزي تتصدر "التريند".. ما علاقة ياسمين صبري؟    لكل عريس وعروسة.. 10 نصائح من سماح عبد الفتاح تجعل حياتكم الزوجية سعيدة    «لو صاحبك من الأبراج دي أوعى تحكيله سرك».. أبراج لا تعرف كتم الاسرار    "محمد الفاتح".. دراما تاريخية تُعيد أمجاد الفتوحات على الشاشة التركية    جامعة كفر الشيخ تطلق قافلة طبية توعوية شاملة لقرية الرصيف    وزارة الصحة تنظم مؤتمرا عالميا لتشخيص وعلاج الربو الشعبى ومكافحة التدخين    مصر أكتوبر: نثمن تحرك الحكومة لمعالجة الإيجار القديم    16 أستاذ جامعيا يتقدمون لرئاسة جامعة بني سويف    غموض حول اختفاء فتاة ببنها.. والأسرة تناشد الأمن مساعدتها في العودة    الفنان محمد عبد السيد يعلن وفاة والده    بيتر ميمي يروج ل"المشروع X" ويعلق: "مختلف جدًا"    في 11 ثانية.. فقط من يتمتع برؤية حادة يعثر على القلم المخفي    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    أزعجتهم خلال علاقة محرمة.. سيدة وعشيقها يقتلان رضيعة في الهرم    رفع درجة الاستعداد بمدارس البحيرة استعدادا لاستقبال امتحانات الفصل الدراسي الثاني    مطار مرسى مطروح الدولي يستقبل أولى رحلات الشارتر من التشيك    تصاعد دخان أسود من الفاتيكان في اليوم الثاني لمجمع الكرادلة المغلق |فيديو    كرة يد - الاتحاد يكرم باستور علي هامش مواجهة مصر الودية ضد البرازيل    الهلال السعودي يرصد 160 مليون يورو لضم ثنائي ليفربول    الكرملين: الحوار بين روسيا والولايات المتحدة مستمر    عضو بالنواب: مصر تتحرك بثبات ومسؤولية لرفع المعاناة عن الفلسطينيين    وزير قطاع الأعمال يبحث مع سفير إندونيسيا فرص التعاون الاقتصادي والاستثماري    محافظ الفيوم يتابع أنشطة فرع الثقافة في أبريل    محافظ مطروح يتفقد تصميمات الرامبات لتيسير التعامل مع طلبات ذوي الهمم    بغرض السرقة.. الإعدام شنقًا للمتهمين بقتل شاب في قنا    انخفاض عمليات البحث على "جوجل" عبر متصفح سفارى لأول مرة لهذا السبب    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    أطعمة فائقة التصنيع مرتبطة بزيادة الإصابة بباركنسون    مراكب وورد ومسيرات طلابية في احتفالات العيد القومي لمحافظة دمياط    خالد بيبو: كولر ظلم لاعبين في الأهلي وكان يحلم بالمونديال    اختناق 4 أشخاص في حريق بمكبس كراتين خردة بسوهاج    وزير الصحة يستقبل نقيب التمريض لبحث تطوير التدريب المهني وتعميم الأدلة الاسترشادية    أمين الفتوى يكشف عن 3 حالات لا يجوز فيها الزواج: ظلم وحرام شرعًا    ميدو يفجّرها: شخص داخل الزمالك يحارب لجنة الخطيط.. وإمام عاشور الأهم وصفقة زيزو للأهلي لم تكن مفاجأة    الإسماعيلي ضد إنبي.. الدراويش على حافة الهاوية بعد السقوط في مراكز الهبوط    موعد إجازة المولد النبوي الشريف لعام 2025 في مصر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 8-5-2025 في محافظة قنا    الكرملين: محادثات بوتين وشي جين بينج في موسكو ستكون مطولة ومتعددة الصيغ    الجيش الباكستاني يعلن إسقاط 12 طائرة تجسس هندية    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    اليوم.. «محامين المنيا» تعلن الإضراب عن محاكم الاستئناف رفضًا لرسوم التقاضي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان يمثل عقبة رئيسية لنفوذ واشنطن في المنطقة:
نشر في الشعب يوم 16 - 06 - 2007


نقولا ناصر

لا يمكن ان يكون الاعلان عن انشاء قيادة افريقيا (افريكوم) الامريكية العسكرية الجديدة الا الاطار الاستراتيجي المنطقي لتفسير مسلسل العقوبات السياسية والاقتصادية التي تهدد واشنطن بتصعيدها وتدويلها ضد السودان بذريعة الأزمة الانسانية المتفاقمة في اقليم دارفور التي تضخمها دون سند حد وصفها ب ابادة جماعية تحمل مسؤوليتها للحكومة السودانية حصرا وتخلي ساحة المتمردين منها وفي الوقت نفسه تتنصل هي من مسؤولية دعم وتحريض المتمردين علي تسعير أوارها، فقط لان السودان ما زال يمثل عقبة رئيسية لا نفوذ لواشنطن فيها او عليها في قلب مسرح عمليات افريكوم في الشمال العربي للقارة السوداء وفي العصب العربي للقرن الافريقي علي الجناح الجنوبي الغربي للقيادة المركزية الامريكية التي يمثل المشرق العربي قلب مسرح عملياتها.
ان واشنطن التي وجدت في العراق مفتاح نجاح استراتيجيتها التي تحميها القيادة المركزية في شمال المنطقة النفطية الحيوية لمصالحها في الخليج (العربي او الفارسي لا فرق طالما لا تراه واشنطن ولا تريده غير ان يكون امريكيا) تمارس الآن ذات التكتيكات السياسية والعسكرية التي تشير الي انها وجدت في السودان عراقها الافريقي الذي يمثل مفتاح نجاح استراتيجيتها التي ستحميها افريكوم في جنوب غرب المنطقة نفسها.
لذلك كان السودان مستهدفا من الادارات الامريكية المتعاقبة فالرئيس الديمقراطي السابق بيل كلينتون امر في سنة 1998 بالضربة الجوية التي زعم انها دمرت مصنعا ل الاسلحة الكيماوية السودانية كانت واشنطن تعرف تماما انه لم يكن كذلك. وفي الوقت الحاضر يجمع الحزبان الديمقراطي المعارض والجمهوري الحاكم علي التدخل العسكري في السودان لاهداف امبريالية لكن بذرائع انسانية اوضحها جان بريكمونت في كتابه الامبريالية الانسانية التي يدعي الغرب باسمها انه ملزم اخلاقيا بالتدخل العسكري لحماية الحقوق السياسية والمدنية لشعوب العالم كما حدث في يوغوسلافيا السابقة ويحدث الآن في العراق وافغانستان وكما يحضر حاليا للسودان وربما ايضا للبنان وايران.
ويتضح الاجماع الامريكي في البيان الذي اصدره في الخامس من الشهر الجاري مرشح للرئاسة عن الديمقراطيين العام المقبل ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ جوزيف بايدن الذي دعا الي اقامة منطقة للحظر الجوي بالقوة وفرض عقوبات دولية... وايجاد قوات لمهمة حفظ سلام واذا اقتضت الضرورة ارسال قوات امريكية علي الارض في دارفور وقد كررت دعوته منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.
وتسرع الولايات المتحدة الامريكية حاليا جهودها لاحكام الاطواق الدولية حول الحكومة السودانية بسبب أزمة دارفور تمهيدا لاضفاء شرعية الامم المتحدة علي العقوبات التي تفرضها ادارتها علي السودان لكي تحول هذه العقوبات الي حصار دولي لاسباب لا علاقة لها بالمجتمع الدولي ولا بنوعية النظام الحاكم في الخرطوم او في غيرها لكن لها كل العلاقة بخطط واشنطن الاستراتيجية للقارة الافريقية ذات الصلة الوثيقة باستراتيجيتها في الشرق الاوسط.
واحدث مثال علي استغلال واشنطن لارفع الهيئات الدولية لخدمة استراتيجيتها كان استثمارها لقمة الثُمانية الصناعية في برلين بالمانيا الاسبوع الماضي عندما حث الرئيس جورج دبليو. بوش نظراءه علي اتخاذ اجراءات اقوي ضد السودان، وقد وجد في الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خير عون له، اذ وجه هذا الاخير دعوة الي عقد مؤتمر وزاري دولي حول دارفور في باريس يوم 25 حزيران (يونيو) الجاري تشارك فيه دول لها مصالح حيوية في السودان لكن لها ايضا تفسيرات مختلفة لأزمة دارفور ورؤية مغايرة لحل أزمتها مثل مصر وقطر والصين.
ولا يمكن ادراج الدعوة الفرنسية الا في اطار التحرك الامريكي حيث تتقاطع خطة واشنطن لانشاء قيادة افريقيا العسكرية السياسية مع رؤية ساركوزي لانشاء شراكة اوروبية افريقية متوسطية عسكرية واقتصادية لمكافحة الارهاب والهجرة غير الشرعية والتنمية. اما الدعوة الفرنسية لمشاركة مصر وقطر والصين في مؤتمر باريس فتهدف الي تحييد معارضتها للرؤية الامريكية الفرنسية البريطانية لأزمة دارفور واحتواء هذه المعارضة بتحويلها الي صوت اقلية في مؤتمر دولي امريكي القيادة لا يمكن الا ان يكتسب شرعية اكثر مصداقية من المشاركة المصرية والقطرية والصينية فيه حتي لو كان لهذه المشاركة صوت معارض لقراراته وتوصياته المتوقعة سلفا.
ومن المقرر في اطار التحرك الامريكي المتسارع ان يقوم وفد من مجلس الامن الدولي بلقاء الرئيس السوداني عمر البشير في الخرطوم في 17 الجاري ومن المقرر كذلك ان يلتقي ممثلون للامم المتحدة والاتحاد الافريقي والحكومة السودانية في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا، مقر الاتحاد الافريقي، هذا الاسبوع والهدف المعلن للقاءين واحد وهو اقناع الحكومة السودانية بالموافقة علي نشر قوة مشتركة من الامم المتحدة والاتحاد الافريقي في دارفور، تطبيقا لقرار مجلس الامن رقم 1706 الصادر في 31 آب (اغسطس) 2006، مهمتها الاسمية حفظ السلام لكن الخرطوم ترفضها كقوة ذات مهمة عسكرية تنتهك سيادة السودان وتستشهد علي ذلك بتكليفها فرض منطقة للحظر الجوي فوق اقليم دارفور يجمد سيادة الحكم المركزي عليه ويحوله الي مثيل لمنطقة الحظر الجوي التي فرضتها واشنطن علي شمال العراق منذ عام 1991 لتتحول بعد ذلك الي قاعدة ضد الحكم المركزي في بغداد استُخدمت في سنة 2003 لغزو العراق ثم احتلاله.
ان الاتحاد الافريقي بخاصة والدبلوماسية الدولية بعامة ما تزال متمسكة بعدم تغيير الحدود السياسية التي ورثتها القارة السوداء من عهود الاستعمار الاوروبي وهي حذرة من حركات التمرد التي تنطوي علي مخاطر انفصالية وقد اكد ذلك دنيس دلومو السكرتير التنفيذي للجنة الاجهزة الامنية في افريقيا السيسا التي اختتمت يومين من الاجتماعات في الخرطوم الخميس الماضي بالتوافق علي ما قال دلومو انه احد اهم البنود في وثيقة التأسيس وهو الاعتراف بشرعية الانظمة الحاكمة والمنتخبة في افريقيا، في تعارض مباشر مع الدعم الامريكي لكل حركات التمرد السودانية ذات النزعات او الاهداف الانفصالية المعلنة او المستترة والتي نجحت حكومة البشير في نزع فتيلها الواحدة تلو الاخري بالرغم من الاثمان البشرية والاقتصادية الفادحة التي نجمت عنها وهي علي الارجح ستنجح ايضا في تخطي أزمة دارفور.
وواشنطن، المدركة تماما لاصرار الخرطوم علي رفضها وعلي تمسكها بسيادتها، لم تترك مجالا للشك في ان لقاءي الخرطوم واديس ابابا ليسا الا تكتيكا دبلوماسيا لاقناع المجتمع الدولي بان واشنطن قد استنفدت كل الوسائل الدبلوماسية قبل ان تلجأ الي مجلس الامن الدولي لاستصدار قرار يلزم الحكومة السودانية قهرا بقبول ما لم تقبل به طوعا، وربما تنجح في اسناد هذا القرار الي الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة لتخويل واشنطن فرض القرار بالقوة العسكرية لتبرير تدخلها في السودان. ويوم الخميس الماضي وجه المندوب الامريكي في مجلس الامن زلماي خليل زاد، سفير واشنطن السابق في بغداد، تحذيرا الي الخرطوم بانه يجب عليها ان تقبل بسرعة بالقوة الافريقية الاممية المشتركة وبمنطقة الحظر الجوي والا ستواجه عقوبات من الامم المتحدة بموجب قرار تشترك في اعداد مشروعه امريكا وبريطانيا وفرنسا وتستعد لتقديمه الي مجلس الامن. وكان بوش قد هدد تكرارا، مثلما فعل في السابع من الشهر الماضي، بالعمل في دارفور بمعزل عن الامم المتحدة اذا لم تتحرك الهيئة الدولية.
غير ان المجتمع الدولي ما زال يرفض استخدام القوة المُسلحة لحل الأزمة، لانه لا يوجد حل عسكري للصراع في دارفور كما قالت قمة الثمانية الصناعية في بيانها يوم الجمعة الماضي وتتفق معها في ذلك روسيا والصين وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي وحركة عدم الانحياز والاتحاد الافريقي، لكن بوش مع ذلك نجح في انتزاع نداء من قادة الثماني يحث السودان ومتمردي دارفور معا علي قبول بعثة السلام الدولية لحل الأزمة الانسانية في الاقليم والا فانهم سوف يؤيدون اتخاذ اجراء مناسب في مجلس الامن الدولي كما جاء في بيانهم.

أزمة انسانية ام ابادة جماعية !

ومن الواضح ان لغة بيان الثماني ولهجته اختلفتا عن لهجة الوعيد والتهديد الامريكية ولغتها العسكرية ولفت النظر ايضا الاختلاف في المُصطلحات المستخدمة لتوصيف الأزمة اذ استخدم البيان عبارة الأزمة الانسانية لوصف ما يحدث في دارفور وخلا من مصطلحات الابادة الجماعية و الجرائم ضد الانسانية و التطهير العرقي التي يرددها بوش واركان ادارته. وكان الامين العام السابق للامم المتحدة كوفي عنان ووزير الخارجية الامريكي السابق كولن باول اثر زيارتيهما لدارفور قد قالا ان هناك كارثة انسانية في الاقليم لكن ليس هناك دليل كاف لوصفها ب الابادة الجماعية وهو الوصف الذي ترفضه ايضا الامم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية والعديد من هيئات الاغاثة العاملة في الاقليم.
ان جوقة الدعاية الاسرائيلية التي تحث واشنطن علي التدخل العسكري في السودان وتروج لها المسوغات لذلك وشبكة المنظمات الانسانية التي يتصدرها في اسرائيل تومي لبيد رئيس مجلس ادارة هيئة ذكري شهداء وابطال الهولوكوست وفي امريكا منظمتا الخدمات العالمية الامريكية اليهودية و متحف ذكري الهولوكوست الامريكي تسوغ الاتهام الذي وجهه وزير الخارجية السوداني لاسرائيل بتغذية التمرد في دارفور لكنها لا تسوغ بقاء اكثر من 300 لاجئ انساني دارفوري في السجون الاسرائيلية حتي الآن لفترة مكٌنتهم من تعلم اللغة العبرية لبث شكواهم بها لوسائل الاعلام المحلية.
صحيح ان هناك أزمة انسانية وانتهاكات مروعة لحقوق الانسان وسفك دماء قادت جميعها الي تشريد مئات الآلاف من اللاجئين في الاقليم السوداني المنكوب، لكن كما اوضح نداء الثماني الصناعية فان المتمردين المتشجعين بالتحريض الامريكي يتحملون مسؤولية عن ذلك ايضا، غير ان المبالغة الامريكية حد اتهام الخرطوم بالابادة الجماعية له هدف لا يمكن الخطأ فيه، اذ طبقا لميثاق الامم المتحدة فان تقرير وجود مثل هذه الابادة في بلد ما يقتضي التدخل المسلح.
والمبالغة الامريكية لا تقتصر علي تضخيم الويلات الانسانية للحرب وعلي تحميل الخرطوم وحدها المسؤولية عنها بل تعمم ايضا لتضلل الرأي العام العالمي بالقول ان النزاع عرقي بين العرب والافارقة متجاهلة حقيقة ان حركة التمرد الافريقية الرئيسية بقيادة مني اركو ميناوي كانت الطرف الآخر الموقع علي اتفاق سلام دارفور مع الحكومة السودانية في ابوجا يوم 5 ايار (مايو) 2006، كما تعمم النزاع المحصور في ثلاث وحدات ادارية لتدعي شموله ما يزيد علي خمسين وحدة ينتظم فيها الاقليم. والجدير بالذكر ان هذا النزاع متكرر بين القبائل علي اختلاف اعراقها في الاقليم الذي تقدر مساحته بخمس مساحة السودان لكن واشنطن استغلت اندلاعه هذه المرة لخدمة مخططاتها الاقليمية، ففي سنة 1989 قاد نزاع عنيف بين الفور وبين العرب الي مصالحة في الفاشر عاصمة الاقليم وفي عام 2001 انهت اتفاقية سلام نزاعا آخر بين العرب والمساليت الموزعين بين دارفور وبين تشاد.
لقد اصاب اندلاع التمرد في اقليم دارفور في شباط (فبراير) 2003 السودانيين بالصدمة لانه اولا تزامن مع انتهاء الحرب الاهلية في الجنوب ولم يُمهلهم فرصة لتنفس الصعداء والتقاط الانفاس للبناء علي السلام الذي تحقق، ولانه ثانيا هدد بتغليب العصبية القبلية الجاهلية بنفخ الامريكيين في رمادها علي التآخي الاسلامي بين القبائل العربية والافريقية في اقليم كان بوابة رئيسية لنشر الدين الحنيف بالدعوة السلمية لا بالفتح في القارة السوداء، هذا الاقليم الذي اخذ اسمه من قبيلة فور المسلمة الافريقية لا العربية.

عسكرة سياسة واشنطن الافريقية

كما تزامنت الأزمة الاقتصادية في الاقليم مع عسكرة السياسة الخارجية الامريكية في افريقيا وتوحيد القيادات العسكرية المتعددة المشرفة عليها حاليا بانشاء قيادة افريقيا (افريكوم) التي اُُعلن عنها في شباط (فبراير) الماضي كاحدث القيادات العسكرية الامريكية، لتطلق في الاول من الشهر الجاري من مقرها المؤقت في شتوتغارت بالمانيا موقعا لها علي شبكة الانترنت. وسوف تبدأ افريكوم عملياتها جزئيا في تشرين الاول (اكتوبر) المقبل باشراف القيادة الاوروبية حتي تستقل لتباشر مهمات عملياتية كاملة في الشهر نفسه بعد انتهاء السنة المالية الامريكية لعام 2008.
والسودان في الوقت الحاضر يقع في مسرح عمليات القيادة المركزية الامريكية وهو ايضا ضمن عمليات القوة المشتركة في جيبوتي، بينما تتبع تشاد المُجاورة للقيادة الاوروبية التي كان مسرح عملياتها يشمل كل البر الافريقي باستثناء مصر والسودان واريتريا والصومال وجيبوتي واثيوبيا وكينيا وهذه جميعها واقعة الآن في مسرح عمليات القيادة المركزية واللافت للنظر ان مصر ستظل ضمن عمليات هذه القيادة وقد استثنتها واشنطن من تفويض افريكوم. اما الجُزر الافريقية في المحيط الهندي قبالة سواحل القارة مثل مدغشقر وسيشل فتقع في مسرح عمليات قيادة الباسيفيكي (الهادئ) . اما الآن فسوف توحد افريكوم كل العمليات العسكرية في القارة باستثناء مصر ومحيطها من الجزر.
ومن المعروف ان لواشنطن تسهيلات عسكرية واسعة ممنوحة للبنتاغون في القارة وتنسيق استخباراتي متسع بحجة مكافحة الارهاب ومراكز استخبارات عسكرية ثابتة ضمن اسوار سفاراتها او خارج هذه الاسوار ويشمل ذلك دولا عربية هامة من اقصي المغرب العربي الي اقصاه. ومنذ تشرين الاول (اُكتوبر) 2002 تتخذ قوة المهمات المشتركة الموحدة للقرن الافريقي من معسكر ليمونير في جيبوتي قاعدة لها ومن هذه القاعدة يقدم المستشارون العسكريون الامريكيون استشاراتهم ومعوناتهم لبعثة الاتحاد الافريقي في السودان. ويشمل نطاق عمليات هذه القاعدة عشر دول قام قائد القوة الاميرال جيمس هارت بزيارتها جميعها باستثناء السودان واريتريا والصومال.
لكن واشنطن لم تعد تكتفي بكل ذلك، بل تريد من الافارقة استضافة مقر لقيادة افريكوم وتريد قواعد عسكرية والهدف الاول مُعلن اما الثاني الخاص بالقواعد فان ما رشح عنه لوسائل الاعلام ما يزال بحاجة الي تأكيد، لكن بالرغم من هذا التحفظ فان من المؤكد ان اي مقر لقيادة افريكوم لن يكون سوي قاعدة عسكرية امريكية كبري. وبينما عرض المغرب استضافة هذه القيادة وعرضت ليسوتو استعدادا مماثلا فان الجزائر وليبيا وجنوب افريقيا تتصدر معارضة افريقية واسعة لها، طبقا لتقرير خدمات ابحاث الكونغرس الشهر الماضي. وفي اطار الصداقة الفرنسية التي اعلن الرئيس ساركوزي ان واشنطن يمكنها الاعتماد عليها بدأ يبرز اسم تشاد حيث لفرنسا نفوذ تاريخي علي الحدود الغربية للسودان وعلي تماس مباشر مع اقليم دارفور وأزمته كمرشحة لاستضافة القيادة الجديدة التي ستكون رديفا ل القيادة المركزية للشرق الاوسط المكلفة بالحماية العسكرية ل المصالح الحيوية الامريكية في المنطقة العربية.
والبعد التنموي الذي تحاول واشنطن منحه لافريكوم في خطوة غير تقليدية ولا معهودة في القيادات العسكرية العالمية الاخري يتضح من اشراك وزارات الخارجية والزراعة والتجارة والصحة ووكالات مثل ال يو اس ايد في قيادتها، غير ان هذا البعد لا يزيد علي كونه فاتحا لشهية الافارقة للقبول بشراء تلك المشاريع، في انسجام كامل مع السياسات الغربية بعامة لبيع الدول او المناطق المستهدفة مشاريع عسكرية او سياسية استراتيجية برشوتها بمعونات مشروطة اصبح المانحون مهرة في توجيهها نحو الحاجات الماسة ل الممنوحين . وربما تكون الأزمة المالية الخانقة التي ترتهن حاليا سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية ل كرم اولئك المانحين خير مثال علي هذه السياسة التي كان احدث مثال لها هو تعهد قمة الثماني الصناعية الاخيرة ب 60 مليار دولار لافريقيا عشية اطلاق مشاريع امريكية وفرنسية مماثلة.
ان الاهداف الاقتصادية الاستراتيجية الامريكية في القارة السوداء التي تقتضي توفير مثل هذه الحماية العسكرية لم تعد خافية علي القادة الافارقة. فالقارة تمتلك 99% من الكروم في العالم و85% من البلاتين و70% من التنتلايت و68% من الكوبالت و54% من الذهب وفيها احتياطيات هامة من الغاز والنفط ومخزون كبير من الالماس وصخور الالمنيوم والاخشاب وارض زراعية شاسعة لم تستغل بعد. وبالمقارنة مع عام 2004 سجل نمو الاستثمار الخارجي المباشر في القارة زيادة بنسبة 78% ليبلغ 38.8 مليار دولار امريكي عام 2006، اكثر من 50% منها استثمارات نفطية.
وعدا عن موقع السودان الاستراتيجي كمفترق طرق بين البحر الاحمر والقرن الافريقي وافريقيا الوسطي والمغرب العربي لتأمين الوصول الي هذه الثروات فان له اهمية في حد ذاته نظرا لمخزونه الخاص من النفط واليورانيوم ناهيك عن امكانياته الزراعية الضخمة.
فهل من المستغرب في ضوء ما تقدم ان يتم تعيين السفيرة سيندي كورفيل كاول مبعوثة متفرغة للولايات المتحدة لدي الاتحاد الافريقي منذ حوالي اربع سنوات لتصبح في كانون الاول (ديسمبر) الماضي اول دبلوماسي غير افريقي معتمد لدي المنظمة التي تضم 53 دولة في مقرها بأديس ابابا؟
ان المواقف العربية المتضاربة المؤيدة او المعارضة او الموافقة بصمتها علي افريكوم دليل علي انهيار الحد الادني للتضامن العربي الذي ما زال افتقاده لرؤية استراتيجية موحدة يحُول دون تطوير جامعة الدول العربية الي نظام اقليمي فاعل قادر من ناحية علي حماية اعضائه ومن ناحية اُخري علي منع اقامة انظمة اقليمية معادية بديلة لا هدف لها سوي تعميق الفصل الاستراتيجي بين مغرب الوطن العربي وبين مشرقه من جهة والتآكل التدريجي للهوية العربية الاسلامية لهذا الوطن، العصب الحيوي الرئيسي لوحدته، باستيعابها ضمن منظومات شرق اوسطية او متوسطية او افريقية اوسع من جهة اُخري.
لقد اعقب انشاء القيادة المركزية عام 1983 نشوب ثلاث حروب في مسرح عملياتها الملتهب حتي الآن خصوصا في العراق وافغانستان، وليس هناك ما يضمن ان يكون انشاء افريكوم نذيرا بشؤم اقل في ضوء احتلال الصومال والتصعيد الامريكي ضد السودان والتضخيم الامريكي المريب لدور القاعدة في مسرح عمليات القيادة الجديدة.
كاتب عربي من فلسطين
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.