تحولت مصر في سبع سنوات عجاف إلى دولة فاشلة، بعد أن حولها انقلاب 2013 إلى دولة فاشية، وهي توشك على نضوب مياه نيلها ودماء أحرارها، ويؤكد خبراء ومراقبون أنه إذا استمر الأمر على هذا المنوال فإن ملايين المصريين سيموتون في أحشاء البحر الأبيض والبحر الأحمر، هاربين في هجرات جماعية إلى أوروبا والخليج، أو تائهين في صحراء ليبيا والسودان ؛بحثا عن قطعة خبز أو شربة ماء. وتعطي الحالة الاقتصادية والاجتماعية لغالبية المصريين صورة قاتمة من خلال استمرار تدني مستوى السكن والمعيشة واتساع نطاقه. وإذا كانت أرقام سلطات الانقلاب الخادعة تتحدث عن أن ثلثهم يعيشون في حالة فقر، فإن النسبة الفعلية أكبر من ذلك بكثير، لاسيما وأن هناك مؤشرات تفيد بتراجع أعداد المنتمين إلى الطبقة الوسطى على ضوء تآكل القوة الشرائية ،وارتفاع الأسعار وتقليص الدعم لعدد من السلع الأساسية. وزاد الطين بِلة العودة غير الطوعية لأكثر من 1.5 مليون مصري كانوا يعملون في ليبيا ودول الخليج بأجور متوسطة وعالية لقسم كبير منهم. تقشف وتآمر ومما لا شك فيه أن أزمة كورونا زادت من سوء الوضع في ظل استمرار حكومة الانقلاب ببرامج التقشف التي تآمرت بشأنها مع صندوق النقد الدولي. وفيما يتعلق بتردي مستوى السكن فإن السكن العشوائي غير الصحي ما يزال ملاذ الغالبية ؛لتأمين مأوى رغم خطط عصابة الانقلاب بالاستيلاء على أحياء الفقراء وهدم منازلهم ؛لبناء مدن جديدة خاضعة لبيزنس العسكر. ويعكس هذا التردي الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في عدة محافظات انطلاقا من مدن الدلتا بسبب قيام سلطات الانقلاب بهدم منازل غير مسجلة رسميا وتهديدها بهدم المزيد في حال لم يدفع أصحابها مبالغ مالية كمخالفات مزعومة مقابل الموافقة على بقاء بيوتهم دون هدم. وإذا كان سلوك سلطات الانقلاب إزاء السكن العشوائي هوالسبب المباشر للاحتجاجات، فإن أصوات المحتجين عكست أيضا التذمر والإحباط من الأوضاع المعيشية التي تزداد صعوبة تحت وطأة القمع والفقر. مقابل ذلك يستمر السفاح عبد الفتاح السيسي وعصابته العسكرية في التركيز على بناء وتجهيز مشاريع ضخمة تلتهم عشرات مليارات الدولارات بجدوى غالبا ما تكون متدنية. ومن المعروف أن هذه المشاريع تُشكّل في نفس الوقت أرضا خصبة لصرف مليارات أخرى من المال العام في غير مكانها ،وضياع قسم منها في أقبية الفساد والرشاوي داخل مصر وخارجها. كما أن مشاريع من هذا النوع وعلى رأسها مشروع العاصمة الإدارية الجديدة خلال مرحلة البناء تحتاج إلى كثافة في رأس مال وليس إلى كثافة في العمالة. ومما يعنيه ذلك أن تأثيرها محدود على صعيد حل مشكلة البطالة ،وتحسين مستوى معيشة الناس، لاسيما وأن التحكم بإدارة مواردها ومردودها يبقى في أيدي المستثمرين العسكريين والدوليين والشركات المنفذة وحفنة من رجال الأعمال الفسدة ،أمثال هشام طلعت مصطفى ،ونجيب ساويرس. وتُظهر تجربة جميع الدول أن الأرباح والتعويضات والتجاوزات التي يقوم بها هؤلاء تَحِدُ من التأثير الإيجابي للمشاريع في الاقتصاد ،وتجعل مساهمتها في الدورة الاقتصادية التي تطال غالبية الناس معدومة. نور العيون وفي الثلاثين من يونيو 2020 ترقب المصريون إبصار "دولة تانية" وفق وعد السفاح السيسي، الذي تعهد مرارا بالرخاء لأهل مصر، الذين وصفهم ب"نور العيون" في أعقاب انقلاب 30 يونيو 2013، التي استغلها الجيش لإطاحة بالرئيس المنتخب الشهيد محمد مرسي في الثالث من يوليو من ذلك العام. بَيْدَ أن الواقع كشف أن مصر تحولت فعليا إلى دولة أخرى في سبع سنوات ،أضحى فيها أكثر من نصف الشعب فقراء يعيشون على المساعدات، وصعدت الديون إلى مستويات غير مسبوقة لتلاحق أجيالا عدة مقبلة، بينما يدعو السفاح السيسي المواطنين إلى أن يفخروا بإنجازات على رأسها الجسور، في بلد لم يعد يبصر، إلا بعين واحدة. ومرت سبع سنوات على ذكرى انقلاب 30 يونيو ، شهدت مصر خلالها وعودا متكررة من السفاح السيسي بالرغد والاستقرار، فبعد أن كان عام 2015 هو عام الرخاء الموعود، تأخر الوعد إلى 2016 مع مطالبات بالصبر، ثم تأجل إلى 2017، وبعده إلى 2018 ثم 2019، حتى جاء الوعد الأخير قبل شهور بأن تصبح مصر بنهاية يونيو 2020، "حاجة تانية خالص"، قائلا :"سنقدم دولة بشكل مختلف خالص غير اللي أنتم موجودين فيها، بجهد الدولة والحكومة والناس، وجهد ولاد مصر". أضف إلى ذلك أنه مع تصاعد مخاوف المصريين من مخاطر سد النهضة الإثيوبي إثر تأزم المفاوضات وإعلان أديس أبابا إصرارها على الملء الثاني لخزان السد، دشن نشطاء وسما لمهاجمة السفاح السيسي والدعوة لإسقاطه. وجاء هاشتاج (#السيسي_خربها_مستني_إيه) في صدارة التداول المصري لموقع تويتر، حيث قال مغردون إن :"السفاح السيسي هو المتسبب في تفاقم في أزمة سد النهضة"، خاصة بعدما كشف رئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلي ماريام "أن اتفاقية إعلان المبادئ الخاصة بسد النهضة التي وقعها السفاح السيسي عام 2015، نصت على حق إثيوبيا في الملء الأول والثاني للسد، وأن عسكر الانقلاب أبرموا الاتفاقية وهم يعلمون ذلك وموافقون عليها". بينما دأب السفاح السيسي على تحميل غيره نتائج فشل سياسات حكومته السياسية والاقتصادية، وما صاحب ذلك من ارتفاع الديون المصرية الداخلية والخارجية ووصولها لمعدلات غير مسبوقة، أبرز تلك الحجج المتكررة على لسان السفاح السيسي وإعلامه هي: قوى الشر، وثورة يناير، وجماعة الإخوان، وأخيرا التركة الثقيلة التي ورثتها مصر من الحكومات المُتعاقبة منذ عام 1952. لكن تلك الحجج تكشف عن التناقض في حديث السفاح السيسي، فهو ينتقد الأنظمة العسكرية السابقة ؛لعدم بناء دولة ومؤسسات قوية، وفي الوقت نفسه يلوم ثورة 25 يناير 2011 التي كانت سببا بشكل ما في استيلائه على السلطة، ويقول :"إنها تسببت في انهيار الدولة ومؤسساتها".