يقترب عمره من 50 سنة، يسرح بالخضار والفاكهة فى عزبة الدكتور ومنطقة الطابية والمعمورة، من الشغل للبيت ومن البيت للشغل، هكذا يصف «سمير» نفسه، فليس له ناقة ولا جمل ولا علاقة بأهل العزبة، رغم أنه مولود فيها، كما أنه «راجل مش بتاع مشاكل»، إلا أن آثار الطلقات النارية التى أصبحت العلامة المميزة للعمارات السكنية بالعزبة، دفعته إلى الابتعاد قليلاً، على الأقل للحفاظ على أسرته المكونة من 12 فرداً، فهو أب ل «11» ولداً وبنتاً هم زينته فى الحياة الدنيا: «لما حصل ضرب النار فى البلد هاجرت عند نسايبى فى مكان اسمه (الطرح).. عرفت إن فيه مشكلة حاصلة بين عيلة أبوليلة وعيلة البلوانى، لكن وأنا مالى بالحاجات دى.. فى يوم كنت راجع من الشغل، قابلت واحد من العزبة اسمه الشيخ عادل عبدالعليم قال لى إنى لازم أسيب البلد يومين عشان ضرب النار والجيش اللى هيدخل البلد ويلم العاطل فى الباطل ومكنتش أعرف إن ده كمين معمول ليّا عشان بعد كده عيلة أبوليلة تستولى على ممتلكاتى». عندما عاد «سمير» وأسرته إلى عزبة الدكتور وجدوا أن عائلة أبوليلة قد سيطرت على معظم مداخل ومخارج البلد، فكل من يريد الذهاب إلى بيته كان عليه أن يدفع: «قالوا لى إحنا عارفين إنك ملكش دعوة بالمشكلة بس لو عاوز ترجع لبيتك هتدفع 10 آلاف جنيه.. يا إما كده.. يا إما متهوّبش ناحية البلد تانى».. استسلم الرجل الخمسينى إلى واقع أمره المرير، واصطحب أسرته تاركاً كل ما يملك داخل منزله، اللهم إلا خُفّى حنين، طرق على جميع الأبواب من أجل إيوائهم، لكن «مين هيستحمل أسرة فيها 11 بنى آدم».. داخل مركز «بدر» بمحافظة البحيرة وجد ضالته، تجارته أصابها الكساد، أهل الخير هم عائله الوحيد، قبع لمدة عام ونصف العام، وسمع الرجل النحيل بأن الصلح قد تم فى البلد بين أطراف المشكلة، فهرول إلى محل ميلاده لعل هذا يكون الأمل الذى يعيد له حياته من جديد، إلا أنه اكتشف أن «الصلح وهم»، وما زالت «أبو ليلة» مُسيطرة على مقاليد الأمور. مغلوب على أمره، ينفث دخان سيجارته محلية الصُنع، ومعها همومه وآلامه، أكثر من عام مرّ عليه، ولا يملك أى مهنة يسترزق منها: «اشتغلت أنا ومراتى فى الأراضى.. كنا بنشيل الرتش والردم.. عشان بس نعرف نعيش.. البلطجية بهدلونا.. واستولوا على كل حاجة.. لا شرطة ولا جيش نافعين.. نشيل سلاح ونموّت نفسينا عشان نرتاح». العزبة التى ترعرع فيها «سمير» أصبحت رمزاً للخوف والإذلال والانكسار: «لو أنا راكب ميكروباص وعديت على البلد بخبّى وشّى.. بخاف إن واحد فيهم يلمحنى.. عيال أبوليلة كلهم مبرشمين وبتوع مخدرات.. لو حد عرفنى ممكن ينزّلنى ويبهدلنى».. الشقة التى يقطن فيها «سمير» حالياً فى إحدى المناطق البعيدة عن «عزبة الدكتور» لكن الأقدار تشاء أن يكتشف وجود أحد جيرانه من عائلة «أبوليلة»: «كنت قاعد بشرب سيجارة فى الشارع، ولقيت ناس بتروسيكلات شايلين سلاح داخلين عند واحد من جيرانى، لما سألت قالوا لى دول من عيلة أبوليلة».. ظل الرجل الخمسينى طوال الليل مستيقظاً لم يغمض له جفن، لم يعرف ماذا يفعل، فكلما يهرب من عائلة أبوليلة تشاء الأقدار أن تعيده إليهم: «أنا كل اللى خايف عليه عيالى.. ونفسى أرجع بلدى تانى».