من ساعة ماعرفت أمى أنى عيانة بالسرطان بتعيط عليه رغم انى بضحك عليها وبعمل كأن مافيش حاجة بتوجعني الناس بتخاف من العدوى وبتهرب مني.. نفسى أعيش ادعولي المسؤولون تركوا الأهالي يغرقون في مياه الصرف الصحي ومياه الشرب الملوثة "آية الله" طفلة لا تتجاوز التاسعة من عمرها نشأت في عزبة "العسيلي" التي أطلق عليها المسؤولون "العزبة المنسية" بعد أن أسقطوها من خريطة تطوير العشوائيات لسنوات طويلة، وتركوا الأهالي ومنازلهم يغرقون في مياه الصرف الصحي ومياه الشرب الملوثة. وجدنا "آية " تسير في الطرقات الضيقة وهي حزينة يائسة، ومن الوهلة الأولى علمنا سر حزنها وها هي تروي قصتها وهي تحاول اخفاء دموعها وكأنها فجأة أصبحت سيدة عجوز مرت بتجارب مريرة. وعندما سألناها عن أحالها قالت: "أبويا شغال نقاش وأمي قاعدة في البيت علشان تاخد بالها مني أنا واخواتي البنات، هم أصغر مني بس الحمد لله مش عيانين زيي، أنا كمان كنت سليمة زيهم لغاية السنة اللي فاتت، بعد شهر رمضان على طول لاقيت بطني بتوجعنى اوى وسخنت وامي وأبويا لفوا بية على المستوصفات، وماحدش عرف أنا عندى ايه، لغاية لما دكتور صغير طلب من أمي تحاليل وطلع عندي سرطان في الدم". وأضافت آية: "أمي من ساعتها بتعيط عليه رغم انى بضحك عليها وبعمل كأن مافيش حاجة بتوجعنى". وتكمل أية والحيرة فى عينيها قائلة: "لما أمى سألت الدكتور بتاع معهد الأورام عن سبب مرضى، قالها الميه اللى بتشربها مش نضيفة، طب نجيب ميه نضيفة منين وماسورة مية الشرب الوحيدة هنا فيها فتحة كبيرة وكمان موجودة جوة الرشاح، يعنى طول عمرنا هانشرب ميه فيها مجاري، ولما أمى طلبت من أبويا نعزل من هنا علشان أخف اتخانق معاها وقالها فيه عيال زيها كتير هنا، وأهلهم ما سابوش العزبة وساب البيت كام شهر". وعن تضحية أمها قالت آية: "أمي بتتعب أوى معايا كل مانروح المعهد بنقعد بالساعات على مايجى عليه الدور والممرضات بيشتموها كل لما تسألهم عن دورى وأنا بتعب اوى لما باخد الجلسة بتاعتى وبقعد أرجع (أتقيأ)". وفشلت أيه فى إخفاء دموعها وقالت والكلمات تكاد تكون غير مفهومة: "اللى بيوجعنى أكتر ان شعرى وقع والايشارب بيوجع راسى ولما بمشى فى الشارع الناس بتخاف تقرب منى لتبقى زى". ولم تستطع آية الله أن تكمل قصتها لعدم قدرتها على التحكم في دموعها الغزيرة وهى تقول: "هو انا غلطت فى حاجة علشان يجيلى المرض ده والناس تخاف منى بالشكل ده ادعولى انا عايزة أعيش!!".