مصطفى الفقي: الصراع العربي الإسرائيلي استهلك من العسكرية والدبلوماسية المصرية جهدا كبيرا    من أمام مكتب (UN) بالمعادي.. اعتقال 16 ناشطا طالبوا بحماية نساء فلسطين والسودان    تعيين أحمد بدرة مساعدًا لرئيس حزب العدل لتنمية الصعيد    الأزهر يجري تعديلات في مواعيد امتحانات صفوف النقل بالمرحلة الثانوية    التموين: احتياطيات السلع الأساسية تكفي ل 6 أشهر.. والسكر ب 27 جنيها في المبادرة    الارتفاع يسيطر.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 24 إبريل 2024 بالمصانع والأسواق    بعد 3 أيام من المقاطعة.. مفاجأة بشأن أسعار السمك في بورسعيد    "رويترز": الاحتلال يصعد ضرباته في أنحاء غزة ويأمر بإجلاء جديد في الشمال    لازاريني: 160 مقار ل "الأونروا" بقطاع غزة دُمرت بشكل كامل    عمرو خليل: إسرائيل لم تحقق أي شيء يذكر بعد 200 يوما على حربها في غزة    ضابط بالجيش الأمريكي: حكومتنا لا تمتلك قلب أو ضمير.. وغزة تعيش إبادة جماعية    أبو مسلم: عودة المصابين ستزيد قوة الأهلي أمام مازيمبي    موعد مباراة مانشستر يونايتد وشيفيلد في الدوري الإنجليزي والقناة الناقلة    نصار يكشف كواليس مفاوضات الأهلي مع أبو جبل    تضرب مصر خلال ساعات.. الأرصاد تحذر من ذروة الموجة الخماسينية الساخنة    أداة جديدة للذكاء الاصطناعي تحول الصور والمقاطع الصوتية إلى وجه ناطق    القبض على المتهمين بإشعال منزل بأسيوط بعد شائعة بناءه كنيسة دون ترخيص    العثور على جثة شاب طافية على سطح نهر النيل في قنا    غدا، محاكمة المتهمين بقتل طبيب بالتجمع بعد استدراجه لإقامة علاقة غير مشروعة    محمد شرارة بين «كورساكوف وعبد الوهاب» فى «شهرزاد بالعربي»    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    ‏هل الطلاق الشفهي يقع.. أزهري يجيب    رغم فوائدها.. تناول الخضروات يكون مضرا في هذه الحالات    استشهاد 4 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على مخيم النصيرات وسط غزة    لا بديل ولا غنى عنه للشعب الفلسطيني.. بوريل يشيد بتقرير الأمم المتحدة حول الأونروا    بينهم نتنياهو.. مخاوف إسرائيلية من صدور قرارات اعتقال لمسؤولين بدولة الاحتلال    بعد انخفاضه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 24 أبريل 2024 (آخر تحديث)    بحث الملفات القديمة وفرصة أكبر للمخالفين.. مميزات قانون التصالح الجديد قبل تطبيقه    الفرح تحول لحزن في البحيرة وكفر الشيخ.. وفاة صديقة الزوجة وإصابة العروسين أثناء «الزفة»    عاجل - درجات الحرارة ستصل ل 40..متنزلش من البيت    تنخفض 360 جنيهًا بالصاغة.. أسعار الذهب في مصر اليوم الأربعاء 24 إبريل 2024    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    المتحدة تطلق أكبر تجارب أداء لاكتشاف الوجوه الجديدة من الشباب بقيادة المخرج عمرو سلامة    «رب ضارة نافعة»..أحمد عبد العزيز يلتقي بشاب انفعل عليه في عزاء شيرين سيف النصر    عصام زكريا: الصوت الفلسطيني حاضر في المهرجانات المصرية    تأهل 3 مصريين لنصف نهائي بطولة الجونة الدولية للإسكواش    شقيق العامري فاروق: الأهلي سيعلن قريبًا عن التمثال الخاص بالراحل    رئيس البنك الأهلي: نريد العدالة في توزيع حقوق بث المباريات    قد تشكل تهديدًا للبشرية.. اكتشاف بكتيريا جديدة على متن محطة الفضاء الدولية    طريقة عمل الجبنة القديمة في المنزل.. اعرفي سر الطعم    كم مرة يمكن إعادة استخدام زجاجة المياه البلاستيكية؟.. تساعد على نمو البكتيريا    واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأمريكية بعد هجومين جديدين    تعرف علي موعد تطبيق زيادة الأجور في القطاع الخاص 2024    حظك اليوم برج الدلو الأربعاء 24-4-2024 مهنيا وعاطفيا.. الماضي يطاردك    أول تعليق من نيللي كريم بعد طرح بوستر فيلم «السرب» (تفاصيل)    السياحة توضح حقيقة إلغاء حفل طليق كيم كارداشيان في الأهرامات (فيديو)    الخطيب يفتح ملف صفقات الأهلي الصيفية    بعد تأهل العين.. موعد نهائي دوري أبطال آسيا 2024    مع ارتفاع درجات الحرارة.. دعاء الحر للاستعاذة من جهنم (ردده الآن)    محافظ الغربية: ضبط طن رنجة غير صالحة للاستخدام الآدمي وتحرير 43 محضر صحي    قيادي بالشعب الجمهوري: ذكرى تحرير سيناء درس قوي في مفهوم الوطنية والانتماء    رئيس هيئة الاستعلامات: الكرة الآن في ملعب واشنطن لإيقاف اجتياح رفح    تراجع جديد لأسعار الذهب العالمي    عاجل- هؤلاء ممنوعون من النزول..نصائح هامة لمواجهة موجة الحر الشديدة    بالصور.. تسريب مياه داخل إحدى السفن بغاطس البحر المتوسط في بورسعيد    افتتاح الملتقى العلمي الثاني حول العلوم التطبيقية الحديثة ودورها في التنمية    الإفتاء: لا يحق للزوج أو الزوجة التفتيش فى الموبايل الخاص    دعاء في جوف الليل: اللهم اجمع على الهدى أمرنا وألّف بين قلوبنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجنود المجهولون فى الثورة المصرية
أطفال التحرير يروون حكاياتهم من تحت خط النار
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 30 - 07 - 2013

مصطفى: لما كنت باضرب العسكرى بالطوب كان بيصعب عليا وباحس إنه أخويا.. بس أنا محتاج أعيش محمد: جيكا وكريستى كانوا أصحابى ومش همشى غير لما أجيب حقهم
حسام: نفسى أمى تعرف إنى بحبها وفاكرها بس هى اللى نسيتنى
إسلام: الدنيا علمتنى إن صاحبى هو دراعى وقرشى
فى قلب الميدان تجمعوا, صاروا جزءًا من هيئته وثورته, جزءًا من تاريخه وحكاياته ومحطات فرحه وألمه, تجدهم وقت الاشتباكات فى الصفوف الأولى يتقدمونها بحماس ليس كما يشاع عنهم أنهم يتقاضون مبالغ مالية ليثيروا الشغب.. بل أن مشاركتهم فى أى فعاليات حتى ولو كانت اشتباكات تشعرهم أنهم جزء من هذا البلد, نسيج من أهله وناسه وقضاياه, وجودهم تحت خط النار يجعلهم يشعرون أن لهم دورًا وأنهم قد يكون لوجودهم معنى وقيمة, وربما موتهم يصنع لهم حياة.. هم من اختاروا الزج بأنفسهم فى الاشتباكات طواعية بعد أن أجبرتهم ظروف حياتهم على البقاء فى شوارع مصر, والعيش فوق أرض ميدان التحرير يبحثون عن أهل, عن وطن, عن هوية..
كان موعدنا قبل الإفطار بساعات.. جلسوا حول مائدة كبرى وضعت أمام الباب الرئيسى لمجمع التحرير, شاهدتهم عن بعد يصفقون ويغنون بينما اقتربت منهم بخطواتى ولسان حالى يقول: «ضحكتهم حلوة أوى ووشوشهم بريئة, امتى يبقى لهم حياة عادية زيهم زى البنى آدمين الطبيعيين؟.. حياة يستحقونها».
يمتلئ الميدان حولهم تارة بالتظاهرات والاعتصامات والخيام والمنصات وكثيرًا بالاشتباكات الدامية, وينفض تارةً أخرى, يأتيهم نهار ويروح آخر, يظلهم مساء ليل بستار ظلمته, صيف بشمس نهار شديدة الحرارة والقسوة, وشتاء قارس بأمطار وصقيع ووحشة.. وهم على هذه الأرض اليابسة يعيشون, فكيف يقضون ليلهم ونهارهم فى شوارع مصر المحروسة بل فى قلب ميدان يشكل ويرسم أحداثها وتاريخها؟..
من وسط هؤلاء الأطفال الكثيرون المتراصون حول مائدة التحرير هتف مصطفى مشيرًا لى:
- أنا الأول والنبى يا طنط, عاوز أتكلم معاكى, عندى حاجات كتير عاوز أحكيها, مش الجورنال ده هيروح كل حتة فى مصر؟
- آه يا مصطفى, بتسأل ليه؟
- أصل عاوز الناس كلها تقرا اللى هقوله.
- ماشى يا عم, قول لى بقى, عندك كام سنة وفى مدرسة ولا لأ؟!
- عندى 14 سنة, فى أولى إعدادى, بس خلاص مش هكمل دراسة, أصلهم مبيعرفوش يعلموا كويس, عندى خمس اخوات, أربع اخوات من أبويا بس, أصل أبويا وأمى مطلقين, أبويا كان بيضرب أمى على طول ويمنعها تروح لأهلها, كنت لما أشوف كده أعيط وبقيت مخنوق فابتديت أخرج أروح الحسين، بس كنت بارجع البيت تانى وأمشى وقت الخناقة بس, كنت باحس ان الدنيا بتضلم فى وشى, ومكنتش باعرف أتصرف إزاى. ولما أبويا طلق أمى اتجوزت واحد تانى كل ما اروح عندها جوزها يضربنى, أما أبويا بقى مش عاوز يصرف عليا رجعت تانى للحسين ولقيتنى باقعد هناك مروق دماغى طول النهار، بس بدأت أجوع فاضطريت أشحت فلوس من الناس وبقيت أشترى مناديل وفوانيس وأبيعها وآخد الفلوس أشترى بيها هدوم.
- امتى نزلت التحرير, وعايش إزاى هنا؟
- نزلت يوم 25 يناير مع كريم صاحبى, لما شفنا الثورة فى التليفزيون قال لى تعالى نروح مع الناس فى التحرير, من يومها وأنا عايش هنا ومارجعتش البيت تانى زى ما كنت باعمل.
- طيب أمك وأبوك محدش منهم سأل عليك؟
- أول مرة سبت فيها البيت كان عندى 11 سنة, كنت بانزل طول اليوم وارجع تانى، مكنش حد بيسألنى كنت فين ولا عملت إيه طول النهار لحد ما ابتديت أبات بره البيت، وشوية شوية بقيت ما ارجعش، وهما نسيونى, أمى دلوقتى اتجوزت غير أبويا وخلفت 4 عيال, وأبويا معرفش عنه حاجة من يوم ما نزلت الميدان, لو عاوزنى كان سأل عنى.
- مفكرتش تروح تزورها, محستش انها وحشتك؟
- فكرت ورحت بس لما باشوفها مع اخواتى من جوزها التانى بازعل منها وبزعل على نفسى, اشمعنى هما عايشين معاها وأنا لأ, جوزها كمان بيعايرنى بالأكل وبيضربنى, مبقتش عاوز أروح هناك, هنا أحسن..
- إيه أهم الأحداث اللى حضرتها فى التحرير؟
- يااااه.. كتير أوى, ده أنا حاضر من ثورة 25 يناير لحد النهاردة, شفت حاجات كتير أوى, حضرت أحداث محمد محمود وقصر النيل والقصر العينى, وشفت مصابين وشهدا كتير, لما كانت الشرطة بتضرب فى المتظاهرين الأول كنت أقف أبص كويس عليهم عشان لو حد من المتظاهرين وقع أجرى على عربية الإسعاف أناديها لإن الناس ببتبقى مشغولة فى اللى بيحصل وأنا باجرى أسرع منهم, بعد كده بقيت أرمى طوب ومولوتوف معاهم على العساكر, بس والله كانوا بيصعبوا عليا, كنت حاسس ان العسكرى اللى واقف قدامى ده أخويا وبرضه كنت بخاف منهم ومن الظباط.
- اتقبض عليك قبل كده؟
- أيوه, اتمسكت مرة واحدة كانوا بيضربونى بالشوم ويكهربونى بالعصاية اللى بتكهرب.
- ما خفتش وانت واقف قدام الخرطوش والرصاص؟
- ساعات كنت أحس بالخوف، بس ساعات تانية لأ ماكنتش اخاف.
- طيب ليه وقفت مع المتظاهرين وأخدت صفهم ودافعت عنهم وبقيت تضرب العساكر؟
- أصلهم كانوا عاوزين عيش, مش عاوزين حد جعان ولا حد يبهدل اى مصرى حتى لو كان مسئول كبير, عاوزين البلد تبقى حلوة، لازم أقف معاهم, أنا كمان عاوز بلدى تبقى كويسة مفيهاش فقر ولا بهدلة.
- عايش هنا ازاى؟
- أول مانزلت كانوا العيال اللى فى الشارع بيبلطجوا عليا عشان ياخدوا منى فلوسى, كانوا بيعورونى بأمواس يطلعوها من بقهم ويضربونى, بس دلوقتى بقيت اتعامل معاهم, بنام هنا, تحت المنصة أو فى الجامع, لما بجوع اما بشحت فلوس أو بطلب أكل من المحلات.
- بتشرب سجاير أو بتشم كُلَّة أو بتاخد أى نوع من المخدرات؟
- باشرب سجاير بس بقالى 3 سنين.
- علبة فى اليوم واللا أكتر؟
)ضحك مصطفى ضحكة عالية بينما قال مستنكرًا(:
- علبة؟! أنا باشرب سجاير فرط اسمها «ليلى مراد»
ليلى مراد هو الاسم الذى يطلقه أطفال الميدان على سجاير ال«إل.إم»
- تعرف إيه عن ربنا يا مصطفى؟
- أعرف القرآن, آه والله ده انا حافظ الفاتحة والفلق والكافرون والفيل, وكام سورة تانى وكنت باصلى, بس دلوقتى لأ, لكن ساعات باصلى لما حد يقول لى.
- «ساعات بيصلى لما حد يقول له, طيب مصطفى لو كان عايش فى بيت أهل يقولوا صلى وصوم واتعلم مش كان ممكن يبقى مواطن صالح يخدم دينه وبلده, أهه مصطفى بيستجيب للنصيحة من الناس الأغراب, يعنى خامة صالحة لبنى آدم كويس.. مصطفى فيه منه كتير ضيّعهم أهلهم وسبناهم احنا كمان يكملوا فى طريق الضياع».
- نفسك فى إيه يا مصطفى, عاوز حياتك تبقى إزاى؟
- نفسى فى بنطلون بدل المقطّع اللى انا لابسه ده, أصل كان عندى واحد تانى بس اتسرق منى وأنا باستحمى فى البحر بتاع قصر النيل «يقصد نهر النيل بمنطقة قصر النيل».
.. فى هذه الأثناء حلقت طائرات تابعة للشرطة فوق سماء الميدان فإذا بالأطفال يهللون ويشيرون لها بعلامات الترحيب, يصفقون ويرسلون لها قبلات فى الهواء.. تذكرت كلمة مصطفى عن إحساسه بأن العسكرى الواقف أمامه والذى يلقى عليه الطوب هو أخوه, لكن مصطفى وأمثاله يبحثون عن «العيش» ذلك المصطلح الذى يعنى الحياة الكريمة أكثر من كونه يعنى «الخبز»، وكان مصطفى ورفاقه يرون أن هذا العسكرى هو من يحرمهم منه «ربما تبدلت الأحوال والأماكن اليوم بعد ثورة 30 يونية التى أعادت إلى الصف الوطنى لُحمته, ثوارًا ومؤسسات جيش وشرطة وقضاء وإعلامًا, اللهم اهدِ عصاة رابعة»..
- «أبلة أبلة.. الجورنال ده بيروح دمياط؟» هكذا سألنى, فأجبت: بيروح دمياط، بتسأل ليه؟
- أصلى عاوز أمى تشوفه، مش إنتى هتصورينا يا أبلة؟
- هصوَّرك يا سيدى, بس انت عاوز أمك تشوفه ليه؟
- عاوز أقول لها: بحبك يا أمى وحشتينى, بس انتى اللى نسيتينى وأنا عمرى ما انساكى..
«اسمه حسام صلاح عبد العظيم» لما سألته عندك كام سنة قال:
- والله العظيم ما أعرف, بس أنا من دمياط, من الشهابية, أبويا كان شغال سباك, هو مطلق أمى, وكل واحد فيهم عايش فى حتة, كان بيعلّقنى فى السقف ويضربنى, أخويا بقى «شمحطى» بلطجى يعنى, هو اللى علّمنى شرب السجاير, بيشيل امواس فى بقه لو حد كلمه يعوّره, كل ما اروح لأمى ترجعنى تانى لأبويا, أصلها عايشة عند اخواتها وهما مش طايقين حد مننا, ولما أرجع لأبويا يضربنى بسبب ومن غير سبب, فى مرة عملت حادثة أنا وأخويا بالموتوسيكل, ودخلت المستشفى, كنت باكل رز ولحمة وجبنة «نستول»، نفسى ارجع المستشفى تانى عشان آكل لحمة ورز.
- بتعمل إيه فى التحرير يا حسام؟
- لما طفشت من أبويا جيت التحرير، كنت الأول باشتغل مع نجار فى بلدنا، لكن هنا بقيت أعمل شاى, النصبة اللى فى الصينية هناك دى.
- يعنى مبسوط هنا؟
«صغير آخر يدعى محمد كان يجلس بجوار حسام سارع بالرد قائلًا: مبسوط, هو فيه حد يبقى مبسوط فى الميدان, بس هنروح فين؟» قال حسام:
- كل ما اشتغل مع حد ينصب عليا وميدنيش فلوس بعد ما اتعب, خمس شغلانات كلهم ضحكوا عليا, شاى وآيس كريم وتين شوكى وبقالة, لحد ما رسيت على نصبة شاى فى التحرير وأدينى باسترزق, بس الميدان بيبقى أحلى وهو فيه مليونية, بيقى ونس ولمة.
- أكتر حاجة فرحتك فى حياتك إيه يا حسام؟
- لما شربت خمرة, آه والله, واحد شربنى خمرة فى راس البر ساعتها اتسطلت وكنت عامل دماغ ومبفكرش فى حاجة، ففرحت أوى, ونفسى أشرب خمرة تانى.
- انت متعرفش ان الخمرة حرام وربنا ممكن يوديك النار بسببها؟
- عارف بس أصل حكاية ان الواحد ميفكرش ومايشلش هم دى بتبقى حلوة أوى, طب خلاص مش هشرب تانى عشان ما ارحش النار, بس نفسى فى سيجارة بانجو, أنا بطلته والله بس حاسس إن نفسى فيها..
** ملاحظة.. «حسام لا يتعدى عمره 12 أو 13 سنة»
أنا وجيكا
جيكا كان صاحبى أوى, وكريستى وعم عمرو كمان, دول أبطال, مشفتش حد زيهم جدعان بجد, كل حاجة حلوة جيكا كان بيعملها، كنت بحبه أوى، ولسه بحبه، وبافطر كل يوم على المائدة بتاعته اللى بتتعمل فى شارع محمد محمود.
«اسمه أسامة محسن على, عمره 13 سنة, خرج من المدرسة من سنة ستة ابتدائى لإنه سقط, بيقول إن حياتهم كانت كويسة لحد ما المعاش بتاع أبوه انقطع, من يومها بدأت المشاكل فى البيت وأبوه بقى يضربه هو وإخواته وأمه لحد ما ساب البيت ومشى, بعد ما أبوه قاله عاوز تمشى امشى, فمشى, بيقول ان محدش بيسأل عنه ولا بيدوّر عليه, ولما اخواته بيوحشوه ويروح يسلم عليهم يزهق من خناقات البيت ومشاكله ويمشى تانى, لحد ما استقر بيه الحال فى الميدان, شارك فى ثورة 30 يونية, وقعد فى وسط الناس, هو كمان كان بيرسم علم مصر على وشوش العيال فى التحرير, بيقول انه بيبقى مبسوط أوى وهو بيرسم علم مصر, فى الشارع اتعلم يشرب سجاير وبانجو وحشيش وترامادول و«صراصير» -نوع برشام مخدر- بس الحق يتقال لا عمره شرب خمرة ولا شم كُلَّة.. أسامة بيحلم يجمع حاجات يشتغل بيها سمكرى ولما يكبر يبقى عنده دكان, يلقط حاجة من هنا ويجيب حاجة من ده وده عشان يقدر فى الآخر يشتغل الشغلانة اللى اتعلمها ويعرفها, اللى بيزعله أوى ويخليه يعيط لما يجوع ويطلب فلوس من حد والحد ده يشتمه ويقوله روحوا شوفولكوا شغلانة تعملوها, أصله نفسه يشوفله شغلانة بجد بش مش عارف, أسامة بيقضى وقته مع أصحابه فى التحرير ما بين ضحكة على نكته أو كلمة أو حركة يعملها حد فيهم, وما بين خناقة على لقمة أو لما حد يشتمه بالأب أو الأم.. ساعات يتلموا جنب القهوة عشان يسمعوا أغنية أو يشوفوا فيلم فى التليفزيون بيحاولوا ما يعملوش مشاكل مع بعض عشان القهوجى ما يخدش باله منهم ويضربهم ويمشيهم..
أما محمد على محمد, فعمره 14 سنة, سألنى: هو انتى مش هتتكلمى عن جيكا؟!
- انت تعرف جيكا؟
- أيوه طبعًا, كان صاحبى هو وكريستى وأحمد بتاع الألتراس, قبل ما يموت كنا قاعدين مع بعض وقال لى أنا هموت على إيد واحد إخوانى لابس لبس أمن مركزى, ويومها بالليل مات, مشيت ورا جنازته لغاية الدفن, لحد النهارده المكان الوحيد اللى بارتاح فيه هو شارع محمد محمود, المكان اللى دايمًا كنت باقعد فيه مع جيكا, جيكا ده بطل, مكنش حد بيعرف يعمل زيه هو وكريستى وأحمد, ماتوا وهما بيدافعوا عن الميدان عشان كده هنفضل احنا كمان ندافع عن الميدان زيهم, لسه باحس إنى باشوفه وإنه بيبقى معايا لما باقعد آكل على المائدة اللى معمولة باسمه فى شارع محمد محمود, احنا بقى لازم نحقق حلمهم.
- وإيه حلمهم يا محمد؟
- إننا نجيب حقهم الأول من اللى قتلوهم, لازم نجيب حق عمرو وإسلام وكل الشهدا, أنا مش عاوز صلح مع الإخوان اللى قتلوهم, ولو عملوا صلح هفضل أشتمهم لحد ما أموت.
- انت عارف ثورة يناير حصلت ليه؟
- الثورة قامت عشان مبارك كان حرامى, بس مشى مبارك جه الإرهابى, عشان كده لسه قاعدين فى التحرير ومكملين.
- انت عارف إن مرسى مشى خلاص من الحكم؟
- مشى بس الإخوان اللى تبعه مش عاوزين يمشوا واحنا بقى مش هنسكت لحد, لإننا مش هنسيب حق اصحابنا اللى ماتوا.
- انت كنت فين أيام ثورة يناير؟
- كنت بالعب كورة فى حتة كده بين صفط اللبن وأبو قتاده, ولقيت الشرطة والناس بيضربوا فى بعض، جت لى طلقة فى دراعى، ولما رحت مستشفى بولاق معرفوش يعملولى عملية ومشونى عشان كان فيه ضرب نار على المستشفى, وفضلت ألف على المستشفيات لحد ما دخلت مستشفى قعدت فيها أكتر من شهر, لما خرجت قلت أروح التحرير أشوف إيه اللى بيحصل ولما جيت اتعلمت ما خافش من كتر الحاجات اللى شفتها هنا, خصوصًا لما الناس كانت بتموت أو تنصاب قدامى, الأول كان جسمى يتخشب وأترعب، لكن لما بقيت أتعامل مع الناس المعتصمين وشفت فيهم رجالة بجد زى جيكا وكريستى وأحمد اتمنيت أبقى زيهم مخفش, يااااااااه.. جابر جيكا وحشنى أوى.
«أحسن حاجة فى حياتى دلوقتى إنى قاعد فى الميدان وبصراحة مش عاوز أسيبه» قالها محمد السيد مسعد الزراع, عمره 15 سنة, من محافظة دمياط, كان فى المدرسة وخرج من سنة رابعة ابتدائى لما أبوه وأمه انفصلوا عن بعض.. البيت بقى عامل زى الخرابة, أبويا وأخويا كانوا بيضربونى, فى الأول كنت باسيب البيت وارجع تانى لكن آخر مرة سبته فيها لما أخويا مسكنى وضربنى قدام صحابى، ساعتها قررت مارجعش تانى, دلوقتى ببيع شاى وآكل وأشرب وساعات حد يحن عليا بفلوس, ليا أصحاب كتير معرفش أساميهم, بس أسوأ حاجة لما حد يشتمنى بالأب والأم, من كام يوم حصل اشتباكات عند كوبرى 6 أكتوبر, جرينا على هناك لما سمعنا إن الإخوان والثوار بيضربوا فى بعض, وقفنا نضرب مع الثوار بالطوب واللى يقع كنا نلحقه ونساعده وننادى له الإسعاف, بس لما جُم يقتحموا التحرير بعدها قتلوا عم عمرو, أنا زعلان أوى عليه, صعب أوى إن حد بتحبيه يموت كده قدام عينك ومتقدريش تعملى له حاجة, واحنا هنا لقينا ناس بنعيش معاهم كأنهم أهلنا بيحنوا علينا بس لما بيمشوا بنبقى زعلانين لإننا بنحس إننا خلاص مالناش حد فى الدنيا.
.. بينما كنت أتحدث مع الأطفال جاءت إلينا سيدة تحمل فوق كتفها طفلًا, وتمسك بيدها طفلة أخرى, سألت الأطفال بلهفة:
- ماشفتوش يا ولاد ولدين واحد اسمه أدهم عنده 11 سنة والتانى اسمه نادر وعنده 8 سنين, سابوا البيت يوم 30 يونية ومرجعوش تانى..
سألتها:
- أول مرة يسيبوا البيت؟
- خرجوا مرة قبل كده قعدوا 25 يوم بس دورت عليهم ورجعوا تانى.
- أبوهم فين؟
- مطلقين أنا وهو, وعايشة مع ولادى فى بيت أهلى, أخويا بيضربهم ومبقدرش أحوشه عنهم, وده اللى زعلهم وخلاهم يسيبوا البيت كل مرة, وأبوهم ميعرفش عننا حاجة بقاله سنة, يوم ما خرجوا كل واحد طلب منى جنيه وقالوا رايحين النت مرجعوش تانى, أول مرة قالولى راحوا جمعية فى الملك الصالح بتاعة أطفال رحت هناك سألت لقيتهم كانوا هناك فعلًا ومشيوا, وبعد فترة لقيتهم فى التحرير, نادر كان فى إيده جرح، واحد كان ضاربه بإزازه فتح له إيده, كتفتهم وضربتهم عشان ميهربوش تانى، بس لما خالهم ضربهم من كام يوم هربوا تانى.. والنبى يا ولاد لو حد شافهم يقولهم إن أمكم هتموت من غيركم..
الواد أبو وش بشوش ده اسمه «إسلام عماد» عنده 13 سنة, قالى إنه فى سنة ستة ابتدائى بس ضحك أوى لما سألته إنت فى مدرسة إيه, قال عشان اسم مدرسته يضحك, ولما قال اسمها طلع على اسم صحابى جليل فأوضحت له معنى الاسم وقيمته, ووعدنى بأنه لن يخجل من اسمها مرة أخرى خصوصًا أنه قد فهم الآن.. هذا هو ما يحتاجونه ببساطة, أن نستوعب طفولتهم ونسعى لتوعيتهم, سألت نفسى: هل استيعاب تلك الزهور أمر كثير على وطن بحجم مصر؟!
قال إسلام:
- أبويا شغال نقاش, متجوز أربعة, بس أنا كبرت لقيتنى بأقول لستى أم أبويا «يا امه»، مكنتش اعرف إنها ستى مش أمى لحد ما ابتديت أفهم بعد كده إن أمى سابتنى وأنا صغير وراحت اتجوزت بعد ما أبويا اتجوز عليها, وستى هى اللى ربتنى, مشفتش أمى خالص, كان نفسى أشوفها أنا حتى معرفش شكلها إيه «بكى إسلام وتوقف للحظات عن الكلام بعد أن اختنق صوته بالدموع».
- مين أصحابك يا إسلام؟
- ما صاحبتش فى البلد دى غير اتنين.. دراعى وقرشى, ماليش حد تانى.
- انت بتشتغل؟
- بارسم علم مصر على وش العيال الصغيرة لما بيبقى فيه مظاهرات فى التحرير وآخد اللى فيه النصيب, لكن كل ما أروح أشتغل عند حد فى محل يطلب منى شهادة ميلاد أو ضامن, وأنا معنديش شهادة ميلاد ولا أى ورق, ومين بقى اللى هيضمن واحد زيى ميعرفوش؟ على فكرة أنا بحب علم مصر أوى, لما باشوف الطيارات بتاعة الجيش بترسمه فى السما فوق الميدان بافرح أوى, بس لما بلاقى نفسى لوحدى فى وسط الناس الكتير اللى بتبقى موجودة باتخنق بالعياط, ساعات لما تبقى هدومى نضيفة أطلع أغنى على المنصة أغانى لمصر أصلى حافظ أغانى كتير عن الثورة, وساعات أطلب من المسئول عن المنصة إنى أهتف لمصر فى الميكروفون, بس ده لما أبقى لابس هدوم نضيفة، غير كده باقعد فى حالى.
«بعد كلام إسلام أضع نقطة.. إسلام وهو طفل مفيش منه خوف ولسه الناس ممكن تتعاطف معاه مش لاقى حد يشغله ولا يضمنه, سنتين تلاتة وإسلام يبقى شاب بس لا معاه أوراق ولا ليه ضامن, تفتكروا ممكن يعيش إزاى واللا يتصرف إزاى, يعمل إيه عشان ياكل ويتجوز ويبقى له أسرة وحياة؟.. تبقى أسئلة بلا إجابة عن إسلام والآلاف مثله يعيشون بيننا على أرض هذا الوطن»
- قل لى يا إسلام, الشرطة قبضت عليك قبل كده؟
- آه, اتمسكت فى أحداث محمد محمود, كان الميدان فاضى من غير خيام والأمن المركزى جرى ورانا والضابط مسكنى وضربنى, باحس والعساكر بيضربونا إن معندهمش قلب, الواحد منهم يمسك الواحد مننا ويضربه بغباء, يهبده فى الحديد يرجع له تانى, اتعورت فى راسى أهه «وفتش فى شعر رأسه ليكشف لى جرحه» يومها سلمونا لجمعية فى مدينة السلام قعدنا فيها 3 أيام وقالولنا: امشوا بقى, فرجعنا الميدان تانى..
- نفسك حياتك تبقى إزاى؟
- لما باقعد تحت فى محطة المترو وأشوف العيال ماشية مع أهلها والواد ماسك فى إيد أمه أو أبوه بابقى عاوز أعيط, بيصعب عليا نفسى أوى لما باشوفهم داخلين يشتروا هدوم لولادهم, ومرة كنت قاعد جنب محل عجل وسمعت الواد بيقول لأبوه عاوز عجلة فدخل أبوه اشتراهاله, قعدت أعيط كتير أوى, كان نفسى أبقى زى أى واحد عادى ليا أهل وأب أطلب منه حاجة.
- انت شايف الناس إزاى وتفتكر هما شايفينك إزاى وبيقولوا عليك إيه؟
- بيقولوا عننا ولاد شوارع, كلمة بتضايقنى أوى, وبحب الناس رغم إنى زعلان منهم عشان فيه منهم بيتعاملوا معايا وحش, بس باكره الإخوان.
- ليه, الإخوان برضه مصريين حتى ولو كان فيه منهم مجرمين؟
- باكرههم عشان بيقتلوا فى الناس اللى فى التحرير, مرة كنا نايمين ولقينا موتوسيكلات جت بسرعة وضربت خرطوش ونار على المعتصمين وعلينا, من يومين حاولوا يدخلوا الميدان هنا ويضربونا، بس احنا وقفنا لهم وقعدنا نضربهم ورجعناهم تانى, وبعدين هو انت مشفتيش دول ولعوا فى فيصل وقتلوا ناس هناك, أنا مش فاهم هو عاوزين إيه من الناس, مرسى ده كان فاشل ومعملش حاجة للبلد، هُمَّا يعنى لازم يفضل رئيس عشان يسكتوا, طب ما يمشى وييجى واحد تانى راجل كده زى عبد الناصر, ليه عبد الناصر ميرجعش يحكم مصر تانى دلوقتى, الناس بتحبه أوى؟
- بس عبد الناصر مات يا إسلام؟
- مات؟؟!!!! يا خسارة, ده كان راجل بجد بيحب الناس ويفكر فى الغلابة وبيديهم أراضى.
- الكلام ده سمعته فين؟
- فى الميدان, الناس هنا بيتكلموا عليه كتير أوى، عشان كده كنت فاكره لسه عايش وكنت عاوزه يحكم مصر.
- كنت فين يوم ما الإخوان حاولوا يدخلوا الميدان؟
- كنت واقف فى الصف الأول بدافع عن المعتصمين بالطوب, ما هو الطوب ده سلاح الثورة, كنت جنب عم عمرو, قعد يقول لى ارجع انت دول معاهم نار مقدرتش أسيبه, كنت أنا وواحد اسمه صعيدى, بس ضربوا عم عمرو بالنار والخرطوش, لقيته وقع على الأرض وجسمه بقى ينزف دم كتير, ضربوه بالنار فى بطنه والطلق خرج من ضهره وجسمه كان مليان خرطوش, قعدت أصرخ وأنادى عليه وقعدت أسحب جسمه عشان أجيبه جنب الحيط وحد يلحقه, بس مقدرتش, رجعت لورا لما لقيت الناس بترجع، رجعت معاهم خفت من ضرب النار, وبعدين الثوار جريوا تانى ورا الإخوان جريت معاهم وقدرنا ناخد منهم الخوذ اللى كانوا لابسينها, نفسى أسألهم بتضربونا ليه احنا كنا قاعدين فى حالنا وهما اللى جم علينا, عمل لهم إيه عم عمرو عشان يموتوه؟ عم عمرو كان صاحبى وكل ما أطلب منه حاجة يدينى, قتلوه, الثورة قامت عشان حسنى مبارك كان بياكل حق الغلابة, ومرسى أول حاجة قالها الدين وقعد يتكلم فى القرآن وفى الآخر طلع شيخ فنكوش, أنا زعلان أوى على عم عمرو.
«عمرو محمد سيد 21 سنة» استُشهد أثناء دفاعه عن ميدان التحريرحينما حاول الإخوان اقتحام الميدان منذ أيام»
فى خضم ما تمر به مصر من أحداث كبرى صاروا جنود حرب, ربما أجبرتهم ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية على أن يهربوا إلى الشوارع والميادين.. إلا أن جنديتهم فى تلك الميادين كانت باختيارهم بل إنها الشىء الوحيد الذى صار يمنحهم الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.