يلعب الإعلام دورًا أساسيًا فى تشكيل الرأى العام، هذه بديهية لا تحتاج إلى مناقشة لكن الإعلام فى دول العالم الثالث لا تقف واجباته عند حدود تشكيل الرأى العام سياسيًا وإنما تتعداه إلى وظائف أعمق هى تثقيف المواطن والارتقاء بوعيه وذوقه وحسه الإنسانى والقومى والابتعاد عن سفاسف الأمور والاهتمام بمعانيها، ذلك لأن إنسان العالم الثالث قد عانى من التهميش والاستبعاد والاستعلاء قرونًا طويلة. وعلى ذلك فإن هناك مدرستين فى الإعلام، المدرسة الأولى التى تبحث عن الانتشار وتحقيق الشهرة ولو جاءت إلى الحديث فى توافه الأمور، أو الميل إلى الوعظ والإرشاد وفبركة المعجزات والخوارق لجذب القراء، وهذا يؤدى إلى حشو أدمغة المواطنين بالتفاهة وبالشائعات المغرضة، وذلك يشكل وعيًا زائفًا وإعلامًا فاسدًا قصير النظر وقصير الأجل وعديم المعنى. أما المدرسة الثانية فهى التى تهتم بالبناء العقلى للمواطن وتدريبه على فرز الغث من السمين والقدرة على التمييز وما هو حقيقى مع تقديم المعلومة الصحيحة والفكرة المتألقة والثقافة الرفيعة. فأما المدرسة الأولى فهى التى تهتم بالربح على حساب الواجب الوطنى الذى هو منوط برسالة الإعلام، وتلك مدرسة واسعة الانتشار غزيرة الإنتاج. أما المدرسة الثانية فإنها لا تعادى الربح ولكنها لا تبتذل رسالتها من أجل هذا الهدف. كثرت القنوات الفضائية وقل تأثيرها وتعددت الإذاعات وخفت برامجها وزادت أسماء الصحف وانخفضت أرقام التوزيع فى أغلبها.. وسط هذا المناخ الإعلامى جاءت دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى بضرورة النهوض بالإعلام وإسناد المواقع الإعلامية المهمة إلى المحترفين وإفساح المجال أمام قدرات مصر الناعمة لكى تعبر عن نفسها وتمكن من يستحق من مكانه.. ذلك توجه يجب أن يأخذ طريقه إلى التطبيق ولابد لكى نستعيد مكانتنا فى الريادة الإعلامية، لقد مررنا بتجربة مريرة تخلت عنها الدولة عن مسئولياتها فى الإشراف والتنظيم، وها نحن نشهد رئيس الجمهورية وهو يوجه بضرورة النهوض بالإعلام المصرى وأول خطوة فى استعادة مكانتنا هى إعادة هيكلة الجهاز الإعلامى من إذاعة وتليفزيون وصحافة لكى نضع المسئولية فى يد من يستطيع تحملها ومن يمتلك القدرة والكفاءة.