ترامب يوجه تحذيرا جديدا إلى مادورو    أسعار اللحوم والأسماك والخضروات والدواجن اليوم الثلاثاء 23 ديسمبر    لتفادي الغرامة والحبس.. طريقة التصالح في جرائم سرقة التيار بقانون الكهرباء    إدارة ترامب توقع اتفاقيات صحية مع 9 دول أفريقية    المخرجة إنعام محمد علي تكشف كواليس زواج أم كلثوم والجدل حول تدخينها    أليك بالدوين في عين العاصفة مجددًا... قضية Rust تعود وتثير قلقًا واسعًا على حالته النفسية    كسر الرقم التاريخي السابق، سعر الذهب يصل إلى مستوى قياسي جديد    عمر مرموش يؤكد: فوز منتخب الفراعنة على زيمبابوي أهم من أي إنجاز فردي    أحمد التهامي يحتفل بفوز منتخب الفراعنة ويُوجه رسالة ل محمد صلاح    ارتفاع صاروخي لأسعار النفط مع تصاعد التوترات الجيوسياسية    الرئيس الفنزويلي: الطاقة يجب ألا تتحول إلى سلاح حرب    "بسبب غاز السخان" النيابة تحقق في وفاة عروسين    أمم أفريقيا 2025| بهذه الطريقة احتفل محمد صلاح ومرموش بالفوز على زيمبابوي    اليوم، بدء إعادة جثامين 14 مصريا ضحايا غرق مركب هجرة غير شرعية باليونان    إلهام شاهين تتصدر جوجل وتخطف قلوب جمهورها برسائل إنسانية وصور عفوية    زينة منصور تدخل سباق رمضان بدور مفصلي في «بيبو»... أمومة على حافة التشويق    أجواء شديدة البرودة والصغرى 12 درجة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم    بعد ارتدائها البدلة الحمراء.. محامي ضحية ابنتها ببورسعيد يكشف موعد تنفيذ حكم الإعدام في المتهمة (خاص)    استشاري تغذية علاجية بالفيوم ل"أهل مصر": دودة الطماطم خطر صحي وآفة زراعية.. ولا علاقة لها بالقيمة الغذائية    حين تضطر أم لعرض أطفالها للتنازل: ماذا فعلت سياسات السيسي بالمصريين؟    بيسكوف: لا أعرف ما الذي قصده فانس بكلمة "اختراق" في مفاوضات أوكرانيا    مواطن يستغيث من رفض المستشفي الجامعي طفل حرارته عاليه دون شهادة ميلاده بالمنوفية    مشروع قومى للغة العربية    نقابة أطباء الأسنان: أعداد الخريجين ارتفعت من 45 إلى 115 ألفا في 12 عاما فقط    «المستشفيات التعليمية» تعلن نجاح معهد الرمد والسمع في الحصول على اعتماد «جهار»    رئيس هيئة المستشفيات التعليمية يُكرّم مساعد وزير الصحة للمبادرات الرئاسية    استكمال الاختبار التجريبي لطلاب الصف الأول الثانوي على منصة كيريو في محافظات الجمهورية يوم 23 ديسمبر    المؤبد والمشدد 15 سنة ل 16 متهماً ب «خلية الهيكل الإدارى بالهرم»    أمم إفريقيا - مؤتمر حسام حسن: كنت أحمل هم الجماهير في مصر.. وصلاح يصنع الفارق    أمم أفريقيا 2025| وائل القباني: منتخب الفراعنة قدم أداء جيدًا.. وهناك عيب وحيد    حسام حسن: حدث ما توقعته «صعبنا الأمور على أنفسنا أمام زيمبابوي»    بالصور.. مدير محطة حدائق الأهرام بالخط الرابع للمترو: إنجاز 95% من الأعمال المدنية    بالانتشار الميداني والربط الرقمي.. بورسعيد تنجح في إدارة انتخابات النواب    فرقة سوهاج للفنون الشعبية تختتم فعاليات اليوم الثالث للمهرجان القومي للتحطيب بالأقصر    استغاثة عاجلة إلى محافظ جنوب سيناء والنائب العام    شعبة الاتصالات: أسعار الهواتف سترتفع مطلع العام المقبل بسبب عجز الرامات    مصرع شخص صدمته سيارة نقل أثناء استقلاله دراجة نارية فى المنوفية    حماية القلب وتعزيز المناعة.. فوائد تناول السبانخ    ما هي أسباب عدم قبول طلب اللجوء إلى مصر؟.. القانون يجيب    القانون يضع ضوابط تقديم طلب اللجوء إلى مصر.. تفاصيل    ليفربول يحتفل بأول أهداف محمد صلاح مع منتخب مصر فى كأس أمم أفريقيا    القصة الكاملة لمفاوضات برشلونة مع الأهلي لضم حمزة عبد الكريم    ليفربول يعلن نجاح جراحة ألكسندر إيزاك وتوقعات بغيابه 4 أشهر    وزير الدفاع الإيطالي: روما مستمرة في دعم استقرار لبنان وتعزيز قدرات جيشه    فرحة أبناء قرية محمد صلاح بهدف التعادل لمنتخبنا الوطني.. فيديو    بعد 5 أيام من الزفاف.. مصرع عروسين اختناقًا بالغاز في حدائق أكتوبر    فولر ينصح شتيجن بمغادرة برشلونة حفاظا على فرصه في مونديال 2026    هيئة الدواء: متابعة يومية لتوافر أدوية نزلات البرد والإنفلونزا خلال موسم الشتاء    ستار بوست| أحمد الفيشاوى ينهار.. ومريم سعيد صالح تتعرض لوعكة صحية    «الشيوخ» يدعم الشباب |الموافقة نهائيًا على تعديلات «نقابة المهن الرياضية»    فضل صيام شهر رجب وأثره الروحي في تهيئة النفس لشهر رمضان    رمضان عبدالمعز: دعوة المظلوم لا تُرد    ميرال الطحاوي تفوز بجائزة سرد الذهب فرع السرود الشعبية    "يتمتع بخصوصية مميزة".. أزهري يكشف فضل شهر رجب(فيديو)    برلمانية الشيوخ ب"الجبهة الوطنية" تؤكد أهمية الترابط بين لجان الحزب والأعضاء    جامعة قناة السويس تعتلي قمة الجامعات المصرية في التحول الرقمي لعام 2025    قصة قصيرة ..بدران والهلباوى ..بقلم ..القاص : على صلاح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسرار اختفاء الموتى من مقابر الصعيد
نشر في الصباح يوم 25 - 07 - 2017

سيدات تخرجن الجثث من مقابر أسيوط لتخطيها 7 مرات أملًا فى الحمل بعد سنوات من العقم
«عقيمات» أسيوط يروين حكايات استخراج الجثث للحمل فى منتصف الليل
آمنة: «خطيت فوق جثتين 7 مرات ورزقت بولدين بعد أسابيع قليلة
«محررة الصباح» تتقمص دور عاقر.. وتخطو فوق جثة رضيع 7 مرات مقابل 200 جنيه
«المشهورة والشق والخضة».. أشهر طرق الحمل لدى نساء الصعيد
اتجه «حسين محمد» إلى واحدة من مقابر قرية «سراوة» بمركز منفلوط التابع لمحافظة أسيوط، ودلف إلى حديقة المقبرة لاستخراج عظام إحدى الجثث، فانهالت المقبرة فوق رأسه وسقط مغشيًا عليه، تروى زوجته أنه ظل أكثر من 5 ساعات داخل المقبرة لا يعلم أحد عنه شيئًا، إلى أن رآه واحد من أهالى القرية وأخرجه وعاد به إلى منزله، أراد الشاب الثلاثينى مساعدة شقيقته وسلفتها لتأخر إنجابهن، من خلال إحضار عظام جثة لكى يخطين فوقها، وكان لديه يقين شديد إنهم إذا فعلوا ذلك سيحدث حمل على الفور، لكنه لم يعلم أن شهامته ستكون سببًا فى إصابته بالعجز والبكم طوال حياته، فعاش بعاهة وأخته مازالت عقيمة حتى اليوم.
رغم تقدم الأبحاث الطبية وظهور العديد من العقاقير التى تعالج العقم مازال هناك نساء يستخدمن طرقًا غير مشروعة لتحقيق أحلامهن معتقدين أن هذا الحل الأمثل الذى يجب أن يلجأن إليه، تكشف «الصباح» فى هذا التحقيق الذى استغرق شهرين لتنفيذه حكايات لعادة سيئة فى الصعيد، يلجأ إليها السيدات أملاً فى الإنجاب، رغم إنها قد تصيبهن بأضرار كبيرة، وكذلك تورطهن فى إثارة بعض الأسر الذى يتم استخراج جثث زويهم ما يؤدى فى بعض الأحيان للثأر ممن قام بذلك، وذلك فى ظل غياب تام لوزارتى الثقافة باعتبارها الجهة المسئولة عن نشر الوعى بين المواطنين، وإرشادهم طوال الوقت، وكذلك وزارة الداخلية لعدم تسجيل محاضر لمن يقوم بذلك الفعل.
وفى استبيان أجريناه على عينة عشوائية فى محافظة «أسيوط» وجدنا أن هذه العادة تنتشر فى القرى أكثر من المدن، حيث تبين وجود 9 سيدات من 20 سيدة يفعلن هذه العادة.
ظل حلم «الأمومة» يراود الكثيرات من نساء الصعيد، بطلت طفل صغير ينير الكون أمامهن ويخرجهن من ذلك الكهف المظلم الذى عاشوا فيه، يداعبونه ليلاً ونهارًا، ويتطلعن إلى وجهه الملائكى بين الحين والآخر فينسون هموم الحياة، وحين يكبر يكون لهن السند والعون والأمان بعد الزوج، تردد هؤلاء النساء على الأطباء مرارًا وتكرارًا أملاً فى الحمل، خوفًا من أن يطلقهن أزواجهن بسبب حلم أزواجهن فى الإنجاب، أو فى حالات أخرى يتزوج رجالهن عليهن خوفًا من أن يتزوجوا بغيرهن ممن سينجبوا لهم الأولاد ويرفعون بهم رؤوسهم أمام عائلاتهم التى لا تحكمهم سوى الأعراف والتقاليد، وأن من لا ينجب لديهم يعد «مفضوحًا»، لكن النتيجة كانت سلبية دائمًا، فلم يجدن بديلاً سوى السير على درب أجدادهن وتطبيق ما ورثوه عنهم من عادات وتقاليد تجسدت فى رحلة رعب يقضوها مع الموتى فى قبورهم.
«آمنة. م» تقيم بقرية «درنكة» بمحافظة أسيوط، لديها 4 أولاد، أكبرهم لم يتجاوز ال29 عامًا، تتذكر اليوم الذى ذهبت فيه إلى المقبرة برفقة زوجها منذ 30 عامًا كى تخطو فوق جثة، اصطحبت حماتها برفقتها بينما تولى زوجها مهمة إخراج عظام الميت من المقبرة، تقول: «خطيت عليها 7 مرات ومكنتش خايفة، كنت مبسوطة عشان هخلف وهبقى أمًا زى جيرانى»، انتهت المرأة الخمسينية من عملها على أرض المقبرة ثم رفعت كفيها إلى السماء ودعت الله أن تُنجب ومضت.
عادت «آمنة» إلى منزلها وبعد مرور بضعة أسابيع علمت بحملها: «كنت فرحانة ومش مصدقة إنى حامل، وربنا رزقنى بولد ودلوقتى عنده 29 سنة، ولما اتأخرت تانى فى الحمل روحت المقبرة مع جوزى وخطيت تانى وخلفت الواد التانى».
يقول الدكتور «محمد رياض» أستاذ علم النفس بجامعة أسيوط إن هذه الأمور خرافية لا أساس لها من الصحة، مؤكدًا أن الجهل وعدم إيمان المجتمع بالطب هو الذى يدفع بعض الأفراد لاتباع هذه العادات الخرافية والانسياق وراءها، لافتًا أن حمل السيدات اللاتى دخلن المقبرة حدث من قبيل الصدفة: «مثل اللى راح يصطاد فى مكان ذهب من قبل غيره فظهر له سمك فذهب هو الآخر نفس المكان ظننًا منه أن هذا المكان هو مكان صحيح لصيد».
وأضاف ل«الصباح» أن ضغط المجتمع هو السبب الرئيسى فى لجوء السيدات لتلك العادات وتصديقها: «بمعنى إذا تأخرت الزوجة فى الإنجاب يسألوها هل حامل، طب روحتى لدكتور، طيب مخلفتيش ليه؟» كل هذه الأساليب تشكل عامل ضغط كبير على هؤلاء النساء، وتجبرهن على القيام بأى شىء وإن كان خطأ خوفًا من كلام الناس، موضحًا أن حالة التوتر الشديدة التى يعيش فيها الزوجان بسبب تأخر الإنجاب تجبرهما على ذلك: «الزوجة بتظن أنها لو اتأخرت فى الخلفة جوزها هيتجوز عليها وده بيخليها تعمل أى حاجة عشان تخلف بأسرع طريقة».
«المشهورة والشق والخضة» الأشياء التى تدفع سيدات الصعيد للذهاب إلى المقابر ظنًا منهن أن الحمل سيحدث بمجرد الخطو فوق جثث الموتى، وبحسب تفسيراتهم ومعتقداتهم فإن «المشهورة» تُعنى حبس الدم والعقم، وتحدث فى ثلاث حالات أولها عقب جماع الزوجين ليلة الزفاف، عندما تلتقى العروس بحماتها أو امرأة أخرى فى فترة الحيض دون طهارة، أما الحالة الثانية تتعلق بختان الإناث، فمن الخطأ أن يتم الختان لأكثر من فتاة فى آن واحد، والثالثة أن يكون الختان فى آخر الشهر وليس فى بدايته، أما «الشق» يُعنى الخطوة التى تخطوها المرأة فوق الجثة، و«الخضة» هى مرحلة لابد أن تمر بها المرأة التى حدثت لها «المشهورة» كى تنجب حيث يذهبون بها إلى مقبرة أو جبل أو أى مكان يسبب لها خضة أو ذعر.
أما «عبلة محمود» 60 عامًا، كانت تذهب قبل كل ولادة إلى المقابر، تؤكد أنها ذهبت أكثر من 20 مرة بعد ترددها على الأطباء بلا جدوى، تقول: «الدكتور قال مفيش مانع للحمل وبرضو مفيش حمل حصل، روحت الجبانة وخطيت 7مرات رايح جاى على جثة ميت ورجعت وأنا بخطى دعيت ربنا يتقبل وأخلف وشرط إن يكون فى يوم جمعة»، وتتابع عبلة أنها اصطحبت زوجة ابنها إلى المقبرة مرات أخرى لكى تساعدها فى الإنجاب بعد أن تخطو فوق جثة: «وهى بتخطى على العظم اتكسر تحت رجليها فاتفزعت ورجعت حملت على طول، ولما دخلت البيت خطيت 7 مرات على سلسلة ذهب على شكل سمكة عشان لو حصلت ليها مشهورة تروح عنها وعن أهل البيت».
يقول الدكتور «إيهاب محمد حمدى» رئيس قسم النساء والتوليد بمستشفى أسيوط الجامعى أن هذه الأمور ساذجة، والخطو فوق الجثث بغرض الخضة ليس له سند أو دليل علاجى فى كتب الطب، وحالات الحمل التى حدثت ما هى إلا مجرد صدف، مؤكدًا أن إثبات أن الخضة وإخراج الجثة قد يسبب حملًا غير لائق أخلاقيًا ويحتاج إلى بحث طبى طويل.
لم يتوقف الأمر على الخطو فوق جثث الأموات لحدوث الحمل، حيث أكدت «عفاف محمد»، صاحبة ال35عامًا أنها ذهبت لزيارة المقابر فقط، بعد تأخر حملها وحين عادت إلى المنزل فوجئت بحملها، تقول: «روحت للدكاترة كتير وفيش نتيجة، ولما أهل جوزى لحوا عليا اضطريت أروح المقابر، بس خوفت ومستحملتش المنظر، زرت المقابر بس ومشيت ولما رجعت حملت على طول، ومن وقتها بنتبارك بيها» إلى أن صارت المقابر الملاذ الأول لنساء الصعيد حين يصابون بعلة، وتضيف: «لو حد تعبان بيروح يزور المقابر ويخف على طول، ابنى طلع فى وشه بقع ولما روحت بيه للدكتور مخفش، زار المقابر ورجعنا بعدها بيوم بقى زى الفل».
* متى يُسمح بإخراج جثث الموتى من المقابر؟
- حددت دار الإفتاء المصرية حالات إخراج الموتى من قبورهم وهى وقت حدوث السيول، وهذا ما أكده الدكتور مختار إبراهيم عميد كلية أصول الدين والدعوة الإسلامية فرع أسيوط بجامعة الأزهر، وأن تلك المعتقدات ليس لها صلة بكتاب الله والسنة المطهرة، وهى تخالف تعاليم الإسلام السمح وقول الله عز وجل «ألم نجعل الأرض كفاتًا أحيائًا وأمواتًا» ولا تحترم الموتى، قائلاً: «إذا دفن الإنسان يصير القبر وقفًا عليه ليوم القيامة بمعنى أنه لا يجوز للإنسان أن يتعدى عليه».
تقمصت «محررة الصباح» فى زى امرأة عاقر واتجهت إلى مقابر المسلمين فى «منفلوط» اتفقت مع الخفير «محمد محسن» اسم مستعار على إخراج جثة متوفى مقابل دفع 200 جنيه، ورغم صعوبة فتح أبواب مقابر المسلمين كونها من الطبقة الخرسانية أو الحديد وتُغلق بواسطة أهل المتوفى، لكن الخفير أكد وجود مقابر مهجورة مبنية من الطوب اللبن ولا يسأل أهل الميت عنها ولا يأتون لزيارتها، اصطحب الخفير «المحررة» داخل المقابر واتجه إلى مقبرة تحتوى جثة رضيع وفتحها، وخطت فوقها 7 مرات وطلب منها وهبة قدرها 200 جنيه.
لم يختلف الأمر كثيرًا فى مقابر الأقباط بقرية «درنكة» بمحافظة أسيوط حيث سمح الخفير «أبانوب سعيد» اسم مستعار للمحررة بالدخول برفقة الحارس المسئول عن تأمين البوابة كونه على دراية كاملة بالقبور التى يخرجون منها الجثث وفتح الباب الحديدى لأحد المقابر واصطحب المحررة داخل القبر، جثث ملقاة فى كل زاوية وصناديق مكسورة وظلام دامس تقطعه فتحة صغيرة يخرج منها شعاع نور، وظهرت جثة طفل صغير مغطاة بقماشة بيضاء، خطت عليها المحررة 7 مرات كما أمرها «أبانوب» إضافة إلى بعض جماجم الموتى، ثم أصدر صوتًا كى يثير خوف المحررة وقرب جثة الطفل إلى وجهها وزال القماشة البيضاء عنها إضافة إلى بعض عظام الموتى، وبالفعل تملكها الخوف وسرعان ما خرجت من القبر، أوصد الخفير الباب جيدًا وكأن أحد لم يفتحها من قبل ثم إعطائها كوبًا من الماء كى تذهب الخضة عنها ويهدئ من روعها ودعا الله أن يرزقها بطفل وقال لها: «ماتنسيش الحلاوة لما البشرة تيجى وتحملى».
أكد «أبانوب» أن السيدات اللاتى يأتين إلى المقبرة مسلمات ومسيحيات، قائلاً: «أصحاب المقابر لو عرفوا مش هيعترضوا، أنا بقالى 30 سنة بحرس المقابر ورد علينا ستات كتير أوى منهم اللى خلفت ومنهم اللى منعرفش حاجة عنها واللى بتحمل بتيجى تبشرنى ومعاها الحلاوة»، مشيرًا إلى أن المرأة لا تأتى بمفردها فلابد من مجيئ زوجها أو أحد من أفراد أسرتها: «لازم تكون طاهرة من الحيض وتخطى 3 أو 5 أو 7 مرات لأن المشهورة بتتفك بعد عدد فردى ولازم حد يعمل صوت من وراها عشان تتخض وبعد ما تخلص بتشرب مياه عشان نهديها».
من جانبها، تقول الدكتورة إيمان عباس، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة أسيوط، إن تلك العادات بقايا رواسب ثقافية من المجتمع الشعبى، موضحة أن «كلها عادات قديمة ومتوارثة - ما أنزل الله بها من سلطان - ويلجأ إليها الفرد عندما ييأس من الذهاب لطبيب».
وأضافت الدكتورة إيمان، أن الوضع المادى لبعض الأسر المصرية والصعيدية على وجه الخصوص قد يكون سببًا من أسباب لجوء السيدة لإجراء تلك العادات فى المقابر، مشيرة إلى أن الذهاب لطبيب وإجراء بعض الفحوصات قد يكلف بعض الأسر، ما يدفعهم للاستسهال والرضوخ للموروثات المجانية وذلك باللجوء للمقابر وإخراج الجثة بتكلفة بسيطة عن طريق دفع نحو 100 جنيه للحارس، وأردفت بأنه على الرغم من وجود أسر على قدر من العلم والمال إلا أنها ثقافة شعبية متوارثة لدى البعض وخاصة السيدات لاسيما عندما تعلم أنها تأخرت فى الإنجاب وغيرها أنجبت، تبحث على أى طريقة لتنجب سواء هذه عادة خاطئة أو صحيحة، قائلة: «فالرغبة لدى السيدة تدفعها للجوء لتلك العادات وإخراج الجثة من القبر، لكن ذلك قد يشكل خطرًا كبيرًا على من يفعل ذلك، ومن الممكن أن يصيبه بصدمة عصبية ونفسية نتيجة لذلك».
وفى مايو من العام 2015، انتحر «سيد.س» موظف فى منتصف العقد الرابع من عمره مستخدمًا سلاح نارى، لمروره بحالة نفسية سيئة لعدم قدرته على الإنجاب بقرية درنكة التابعة لمركز أسيوط. حيث تلقى مأمور مركز شرطة أسيوط بلاغًا من (م.م.ش-45عامًا-مبيض)، ومقيم بقرية درنكة، يفيد بانتحار شقيقه (ص.م.ش-47عامًا-موظف بالشركة المصرية للاتصالات). وبانتقال ضباط المباحث والفحص تبين وجود الجثة ملقاة على الأرض بمنزله ومصاب بطلق رش خرطوش وبجواره سلاح نارى عبارة عن فرد خرطوش، وبسؤال زوجته أقرت بأنه يمر بحالة نفسية سيئة لعدم قدرته على الإنجاب وأحدث إصابة نفسه التى أودت بحياته بسلاح نارى، ولم يتهم أو يشتبه فى وفاته جنائيًا، وتم تحرير محضر رقمه 2204 إدارى بتاريخ 4/5/2015.
حفلت قصة «محمد غمامة» صاحب ال34 عامًا، بتفاصيل مريبة جعلتها تختلف كثيرًا عن القصص الماضية، يعمل الرجل الثلاثينى نجار مسلح وتزوج منذ 8 سنوات، بدأت مأساته بعد عام من زواجه ودخل فى صراع طويل مع زوجته والمحيطين به بسبب تأخر الإنجاب، يقول: «أهلى وأهلها كل شوية يسألونا مفيش حاجة جاية فى السكة، ولما لقيت صحابى اتجوزوا بعدى حسيت إنى عاجز عن الخلفة، صحابى نصحونى أروح للدكتور أنا ومراتى، وكشفنا وخدنا علاج لمدة سنة ومحصلش حمل، غيرنا الدكتور وصرفنا كتير وروحنا ولا لعشرين دكتور واللى يقول دوالى ودهون وعملنا تحاليل وكله من دون نتيجة».
وازداد الأمر سوءًا حين تزوج الأخ الأصغر ل «محمد» وأنجب: «أكتر حاجة كانت قهرانى إنى ربيت ولاد أخواتى وكانوا بيقولولى بابا وأنا لسه مخلفتش»، إضافة إلى بكاء زوجته المستمر ورغبتها فى الانفصال عنه ليتزوج لكنه رفض، كل هذا ضاعف معاناته وجعله يستجيب لنصيحة أصدقائه بالذهاب إلى المقابر: «ملقتش حلًا غير ده لأن العلاج كان تقيل عليا ومفعوله صعب وشغلى صعب ومحتاج صحة»، اتجه الرجل الثلاثينى إلى المقابر وسرعان ما تراجع عن فكرة إدخال زوجته للمقبرة: «قلبها ضعيف وخوفت يحصلها حاجة، خدتها معايا على الموتوسيكل ووقفت أصلح المكنة عند المقابر وقولتلها هجيب حاجة ورجعت خضيتها بس محصلش حاجة».
محاولات عديدة قام بها «محمد» كى يخض زوجته لكنها باءت بالفشل، إلى أن اهتدى إلى حل آخر وهو إحضار جثة لزوجته فى المنزل: «كلمت صحابى وسألتهم ممكن نجيب الجثة البيت، فقالوا ينفع وخدونى لخفير بعد الظهر لقيته مجهزلى جمجمة متوفى خدتها فى كيس حطيتها تحت السرير من العصر لحد تانى يوم، ومراتى شافتها وهى بتنضف البيت واتفزعت جامد وأغم عليها، والحمد لله ربنا عوضنا وخلفنا بعد 3 سنين ونص عذاب».
تقول الدكتورة «فوزية أبوالنجا» رئيس إقليم وسط الصعيد الثقافى، إن هذه العادات مرتبطة بالجهل والتخلف والفقر، وتوضح حاجتنا الضرورية لخطاب دينى مختلف، موضحة أن المجتمع فى حالة انحطاط ثقافى وفكرى ومادى: «لو المجتمع كان فى حالة وعى ثقافى وفكرى كان هيظهر عليه، وهيطفو على سطح القيمة الثقافية، ودرجة الرقى الفكرى».
ولفتت أبوالنجا إلى ضرورة تصدى وزارة الثقافة لهذه المعتقدات ومحاربتها من خلال توعية عمومية للمواطنين بما يتوافق مع تعاليم الدين السمح والقيم الأخلاقية من خلال ندوات مباشرة للقراء فى المدن، وغير المباشرة عن طريق عروض فنية ومسرحية فى قصور الثقافة.
«عنتيلة المقابر» الاسم الذى يُطلق على «أم أيمن» صاحبة ال60عامًا، اشتهرت بين سكان القرية بأخذ السيدات إلى المقابر ومساعدتهن كى يخطين فوق الجثث، وتروى قصتها منذ زواجها قائلة: «أول لما عرفت إنى مش هخلف روحت على المقبرة وخطيت زى ما سمعت من جدتى، وخلفت 3 عيال وجوزتهم وروحت بستاتهم الترب عشان يخطون وخلفوا كلهن».
تؤكد المرأة الستينية أن فكرة جلب الضرة سيطرت على عقلها وجعلتها تسارع بالذهاب إلى المقابر كى تحمل: «لو الست فى الفلاحين جالها ضرة بتبقى عيبة، وطول ما هى مش بتخلف بتعيش وسط أهل جوزها خدامة وأنا خوفت أكون واحدة زيهم، وأى ست كنت بنصحها تروح لإنى عارفة إحساسها وكنت بزعل لما حد يطلق بسبب الخلفة، كنت بدلهم على طريق المقابر وأول ما نقرب من الجثة أخليها تخطى 7 مرات».
المادة 160 من قانون العقوبات، تعاقب نابش القبر بغرامة مالية لا تقل عن 100 جنيه ولا تزيد على 500 جنيه، وهذا ما أكده «عبد الفتاح همام» المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة: «دى عقوبة غير رادعة وتوضح مدى القصور القانونى فى التعامل مع إشكالية نبش القبور سواء بسرقة أشياء الموتى أو إخراج أجسادهم»، لافتًا إلى ضرورة رفع حد العقوبة وتشديدها للحد من هذه الظاهرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.