الإنجاب من القيم الأساسية في مجتمعاتنا، وتسعى إليه المرأة بدأب حتي يتصدر اهتماماتها، ليعزز مكانتها في الأسرة وحياتها الزوجية. وأغلب المجتمعات الريفية تقيس مكانة المرأة بقدرتها علي الإنجاب، وتصبح العاقر بنظرهم غير جديرة بالحياة الزوجية مهما كانت مميزاتها، فالجمال والنسب والأخلاق الكريمة والمال لاتشفع لها في حال عدم الإنجاب، وغالبا ما ينتهي الأمر بالطلاق أو على الأقل اقتران زوجها بأخرى مما يُعقِّد حياتها، لذا تحرص الزوجات اللاتي تأخرن في الإنجاب إلي الممارسات الشعبية. فمنهن من يذهبن إلى المدافن (الجبانة) لتلف حول القبور، أو تخطو على الخشبة التي يحملون عليها الأموات عدة مرات، أو تتم دحرجتها من فوق بعض الأماكن المبروكة، أو تمر في حقل باذنجان أسود وقت الغروب، أو اللجوء إلى السحر لفك العمل المتسبب في عدم إنجابها، وما إلي ذلك من هذه الطقوس: الدحرجة (الكحريته) وتتم الدحرجة بصعود المرأة إلى أماكن يقال أن لها قدسية معينة مثل جبل دير الأنبا شنودة (الدير الأبيض) في سوهاج، أو ضريح الشيخ إسماعيل في الصوامعة شرق، وهناك تُلف المرأة بملاءة وهي واقفة، ويربط رأسها ورجليها بحيث لا تري شيئًا، وتساعدها سيدة مختصة بهذه الممارسة في النوم علي الرمال، وتبدأ الدحرجة من أعلي الجبل إلي أسفله، وإذا توقفت تدفعها السيدة برفق حتي تصل إلي الأسفل، وقد يساعد المرأة أهلها وأقاربها، وبعدها يفكُّون الملاءة عنها. وتذهب المسلمات والمسيحيات من دون تفرقة إلي دير القديس وضريح الولى طلبا للإنجاب، ويتساوي اعتقادهن في الاثنين، والثابت لديهن أن أمنياتهن لا تتحقق إلا في الأماكن المقدسة، ويعلل البعض الأمر بالخضَّة التي تنتاب المرأة من خطورة الدحرجة، وأن الخوف يؤدي لسرعة تدفق الدم في الجسم ما يدفع الرحم للتمدد فيحدث الحمل. ويري البعض أن الأمر لا يتعدي الإيحاء، وأن اعتقاد الإنسان فى الشئ بصدق يُحققه. وعند رؤيتي للمرأة المتدحرجة كانت أشبه بإنسان تم تكفينه حيث ربطوا رأسها ورجليها بملاءة تغطي جسمها كله، وكأنها تقوم بدور تمثيلي للموت، أو تموت بالفعل كي تنبعث منه امرأة جديدة، تماما مثل فكرة البعث لدي قدماء المصريون، حيث كانوا يؤمنون بالبعث بعد الموت، أو «قيامة أوزوريس» و«ميلاد حورس» بعد «موت أوزوريس»، فإيزيس هي التي جمعت أشلاء زوجها المتوفي ودفنت الجثة كاملة، وحلقت على هيئة طائر واقتربت من سيدها المتوفي واحتضنته وأسدلت عليه فيئاً بريشها، ونسيماً بجناحيها، فبعثت الحياة في قلبه الساكن، حتى استطاع أن يضع فيها نطفته، ومنها كان ابنها حورس. وهولاء السيدات الباحثات عن الإنجاب يمثلن ايزيس، فقد تبنى العادة على معتقد، ويُنسى المُعتقد عبر التاريخ لكن تبقى العادة من دون أن يدري من يمارسوها بحقيقتها التاريخية.