تصوير: أحمد دريم "الكحرتة والسلخانة والمشاهرة والخضة" ... ربما تكون كلمات مقتضبة للغاية ولكنها تمثل معتقدات خرافية تتبعها السيدات وتؤمن بها إيمان كامل من أجل الإنجاب، وبرغم من تقدم الوسائل العلمية والطبية في عصرنا الحالى إلا أنه لا تزال فئة لا بأس بها خاصة في الأرياف تمارس تلك المعتقدات إلى الآن،فواحدة تخطو الدماء وأخرى تلقى نفسها من أعلى الجبال وغيرها من الوصفات التي رصدتها "ولاد البلد". الكحرتة في يوم عاصف ملييء بالأتربة توجهنا إلى قرية القصير بمركز القوصية فى أسيوط، لرصد عادة تلجأ إليها السيدات من أجل الاعتقاد في قدرتها على الإنجاب وهى "الكحرتة"، فبعد استقلال أكثر من وسيلة مواصلات للوصول إلى ذلك المكان الذي نقصده. منذ الوهلة الأولى يخطر ببالك أن ما تشاهده ما هو إلا وسيلة انتحارية للتخلص من الحياة، فإذا بسيدة تصعد إلى جبل رملي مرتفع للغاية، وتغطي وجهها بشال ثم تكتف يدها وتضعها وراء رأسها وتتمدد على حافة هذا الجبل، وتلقى بنفسها من فوقه حتى "تتدحرج" إلى أسفله وحين تصل إلى نهايته، لم يكن بأيدينا سواء الترحم عليها ولكنها في الواقع هي لا تزال حيّة وبل تقف لتكرر المشهد عدة مرات بكل عزيمة وإصرار. ترافق السيدة في هذه اللحظة فتاة صغيرة تدعى "نورة"، لا يتعدى عمرها ال15عامًا، تصف لنا ما تفعله تلك السيدة قائلة: "تطلع الست على الجبال وتتكحرت ولما توصل فى نهايته تقوم وتدفن فلوس فضه في الرمل وتطلع تانى وتكرر أكثر من مرة، ولو تعبت ورجعت بتبطل وبعدها تقوم بزيارة مقام أم عسكر وتطوفه من 3 إلى 5 مرات أي عدد فردى، وتُنذر نذرًا لو حملت تقوم بزيارة المقام مرة أخرى وتجيب الحلاوة"، موضحة أن يوم الجمعة هو اليوم الوحيد الذي تذهب فيه السيدات مبكرا لفعل هذه العادة، "يوم الجمعة بتيجى ستات كثيرة من الساعة 8الصبح وأنا بساعدهم علشان ربنا يعطيها". "أم عسكر" في وسط المقابر يوجد غرفة صغيرة يتوسطها ضريح وفى سقفها حبال معلق بها عدد كبير من "الشال حريمى"، وفي جانبها تجلس سيدة عجوز فى العقد السادس من عمرها، لتعرفنا بنفسها بأنها وديدة، "نقيبة المكان" أي من تقوم بالخدمة عليه وهى ترث ذلك عن آباءها وأجدادها، موضحة أن "الشال" نذر من السيدات للمكان "الستات اللى بتيجى للكحرته لازم تزور الضريح، وتخطى على عقد المشاهرة 7مرات، ومن بعدها تعود مرة أخرى لتوفى النذر بعد أن يحدث لها الحمل". الجاموسة أثناء تصورينا لهذا المكان رأينا أحد الأهالي- رفض ذكر اسمه- يصطحب معه جاموسة ويطوف بها حول المقابر والمقام قائلا: "جاى أزّور الجاموسة المقابر ومقام أم عسكر لأنها وضعت ولكن لم تدر لبنًا". الساقية المندورة المقابر مكان له حرمته يقصده الناس لدفن مواتهم ولكن هناك من يذهب إليها من أجل معتقد خلق روح لا لدفن الجسد، ففي المدافن القديمة بمدينة أسيوط، ومابين الأموات والمقابر تمشى السيدة بخطوات ثابتة إلى أن تصل لبئر يصل عمقه إلى 300متر تقريبا يسمى ب"الساقية المندورة"، لتقف أمامه وتنظر لأسفل لمدة طويلة قائلة عبارة "ياساقية يامندورة هاتلى ولد جميل الصورة". تقول نعمة محمد، 26 سنة، متزوجة ولديها 3أبناء، بعد زواجها بأكثر من شهر لم يحدث لها حمل فقرر أهل زوجها الذهاب بها إلى المقابر قائلة "روحت الساقية وأخدت 7طوبات من الأرض ورمتهم وبصيت فيها حوالي 5 دقايق وفضلت أقول مع كل طوبة برميها ياساقية يامندورة هاتلى ولد جميل الصورة، ولما دوخت من المنظر بعدت عنها"، مشيرة إلى أنها قامت بعد ذلك بالمتابعة مع طبيب ورزقها الله بأطفالها الثلاث. السلخانة بقلب لا يشعر بالخوف ونفس لا تعرف الاشمئزاز تدخل السيدة إلى السلخانة ذلك المكان الذي يفترض أنه مخصص لذبح المواشى، حيث الروائح الكريهة والدماء السائلة على الأرض ومعدات الذبح، تقوم السيدة بالتجول على اعتقاد أن السلخانة تحمل بداخلها الطب والدواء. توضح عزة قطب، 27عاما، متزوجة، ولديها ولد، أنها منذ أن فقدت ابنتها المولودة من حوالى ثلاث سنوات ونصف، وهى تمارس عادات كثيرة لكى تحمل، كان أولها الذهاب للسلخانة "روحت مع عمتى وهى امرأة كبيرة فى السن إلى السلخانة ودخلت ولفيت جواها وخطيت على مجرى الدم سبع مرات، ثم خرجت من باب آخر بخلاف الذي دخلت منه"، مضيفة أنها قامت أيضا بزيارة أحد الشيوخ الذي قام بإعطائها حجاب لتحمله معاها دائما، وأيضا طلب منها قطعة قماش بيضاء وقام بلف داخلها حجارة لتخطى عليه سبع مرات، موضحة أنها لا تزال لم تحمل حتى الآن. عظمة ميت تشرح أم خالد على، ربة منزل، 45 عاما، طريقة "الخضة" بأنها عادة تستعمل للمرأة التي تتأخر في الإنجاب لكى يحدث لها خوف شديد وفزع فتحمل، وهى تشمل وسائل عديدة. أولها عظام الميت: وهى أن تقوم السيدة بالذهاب إلى المقابر وأن يؤتى لها "التربى" بعظمة ميت ليلقيها في وجهها أو تخطوها سبع مرات، وأيضا الفزع من الميت: وهي أن تشاهد السيدة شخص ميت لتفزع، وهناك أيضا الطفل الميت: وهو أن تقوم المرأة التى أجهضت طفل برش ملح عليه ووضعه في قماشه بيضاء وتحتفظ بيه، وفى حاله تأخرها عن الإنجاب تقوم بالاستحمام فوقه. الشق والمشاهرة توضح أم خالد أن "الشق" هي عادة أخرى تستخدمها السيدات لكي تحمل وهى تعنى أن تقوم بالسفر إلى بلد بعيدة باستخدام القطر أو البحر أكثر من مرة، مضيفة أن هناك أيضا "المشاهرة" قائلة: "المشاهرة دى يعنى أن ست متزوجة أو واضعة طفل جديد قامت بزيارة سيدة فمنعت عندها الحمل أن يحدث مرة أخرى"، موضحة أن الحل يكمن فى أن تقوم السيدة التي زارت الأخرى بجراحتها فى يدها ثم تأخذ قطنه مليئة بالدم الجرح وتقوم بالاستحمام عليها، "بكدة تفك كبستها وتحمل"- على حد قولها. وهناك أيضا عقد المشاهرة وهى قطع من الخردة والقواقع والصدف تأتى من السعودية تخطى عليه السيدة "العاقر" 7مرات. أضرار جسيمة تقول الدكتورة شهيرة توفيق، طبيبة نساء وتوليد، إن أي عادات تمارسها السيدات من أجل الإنجاب لا علاقة لها بالطب ولا تودى بالنفع بشيئ، بل منها ما يضر بصحة السيدة ويسبب لها مضاعفات جسدية، موضحة أن الأسباب الطبية لمنع الإنجاب كثيرة منها اضطراب الهرمونات الخاصة بالحمل والمشاكل المتعلقة بالغدة النكافية فى المخ والتي تؤثر على عمل المبيضين شهريا، واضطراب الغدة الدراقية، والالتهابات الناتجة عن الأمراض المنقولة عن طريق الجنس وغيره. وتوضح توفيق أن العلاج يتمثل في تشخيص الحالة من قبل طبيب مختص ليحدد أسباب عدم الإنجاب ومن ثم تحديد العلاج، فلا يوجد حالة مشابهة للأخرى ولا يوجد حالة لا علاج لها. الطب النفسى توضح ندى مجدى، أخصائية نفسية، أن السيدات تلجا لمثل هذه العادات للتخلص من الضغط النفسى الممارس عليها من أفراد أسرتها وأسرة زوجها والتى تبدأ فى أن تعيب فى قدرتها على الإنجاب وبالتالي تستجيب السيدة لمثل هذه العادات لتبرير نفسها من أى عيب، موضحة أن للجانب الثقافى والتوعوي دوره الهام لأن أغلب من يلجأ إلى مثل هذه العادات ينقصه قلة التعليم والخبرة. توضح مجدى أنه نظرا لتهيئة نفسية المرأة لشعور الأمومة من خلال هذه العادة التى تمارسها فهى تربط الحمل الذى قد يحدث بعدها بها، ولكنه هو أحساس وهمي ناتج من عقلها الباطن ليس الإ. ضعف الإيمان يقول الشيخ عادل عمار، مفتش متابعة بمديرية أوقاف أسيوط، إن المعتقدات التي تلجأ لممارستها بعض النساء من أجل الإنجاب ليس لها أي أساس من الصحة ولا علاقة لها بالدين خاصة وأن بعضها فرعونى و متوارث من عصور الجاهلية، ويضيف أنه في المقام الأول علينا معرفة أنه من أساسيات العقيدة هى الإيمان بالقضاء والقدر في كل شيئ يحدث سواء خير أو شر أو ذرية، ولكن إذا ضعف الإيمان بالقدر يتم اللجوء للخرافات التي حذرنا منها النبى عليه الصلاة والسلام في أكثر من حديث نبوي. ويوضح عمار أنه حينما رأى عمرو الفاروق انشغال الناس بالتبرك بشجرة عن ذكر الله عزوجل فأمر بقطعها، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام فيما معناه "قل لا أملك لنفسى ضرًا ولا نفعًا"، و"اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيئ لم ينفعوك إلا بشيئ قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيئ لم يضروك بشيئ إلا قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف"، فيما نعيشه من رزق سواء أكان وظيفة أو شهادة علمية أو ذرية قُدر لنا قبل خروجنا من بطن أمهاتنا.