*طباعة الكتب تحت «بير سلم» فى شارع الجيش.. والبيع من مخازن سرية فى رمسيس وروكسى *تجار يهربون النسخ الممنوعة من السودان وماليزيا.. والأسعار تبدأ من 80 جنيهًا وتصل إلى 150 *إخفاء النسخ المستوردة داخل شحنات الأوراق القديمة.. والحجة عند المصادرة «إعادة التدوير» فجأة، أصبح «الألحاد» واحدة من أشهر الكلمات التى يبحث عنها المصريون على «جوجل» فى 2014، وضيفًا دائمًا على شاشات القنوات الفضائية، وواحدة من أكثر الكلمات إثارة للجدل على مواقع التواصل الاجتماعى وبرامج «التوك شو»، بين مدافع عنه باعتباره إحدى صور حرية الاعتقاد المكفولة فى الدستور، وبين مهاجم عليه باعتباره «يخالف ثوابت وقيم المجتمع»، لذلك شغل الإعلان عن إغلاق حى عابدين لمقهى فى شارع الفلكى معروف باسم «قهوة الملحدين»، وسائل الإعلام ورواد «فيسبوك» و«تويتر» على مدار الأسابيع الماضية. «الصباح» بدأت رحلة لاكتشاف بيزنس تجارة كتب الملحدين، التى غزت أرصفة القاهرة، خلال الأشهر الماضية، والتى تأتى من عدة مطابع «بير سلم» فى شارع الجيش الممتد بين ميدانى العتبة والعباسية، ويتراوح سعر الكتاب الواحد ما بين 80 و150 جنيهًا، بسبب وجود مخاطرة فى طباعته وحيازته، نظرًا لكونه يتضمن مواد «ممنوعة» ومجرمة فى عدة قوانين. ورغم سهولة الحصول على الكتب الخاصة بالإلحاد عبر عدة مواقع إلكترونية، بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعى، إلا أن السوق السرية لتلك الكتب مازالت رائجة، خاصة فى شارع الألفى بوسط القاهرة، وميدان روكسى فى مصر الجديدة، والذى يوجد فيه مكتبة داخل بدروم أحد العقارات، تشتهر ببيع الكتب الممنوعة فى مصر، من الإلحاد إلى تراث الشيعة، بالإضافة إلى العديد من كتب التيارات الإسلامية المتطرفة الأخرى، ونفس الأمر فى إحدى مكتبات ميدان رمسيس، الواقعة خلف مسجد الفتح، والتى يوجد فيها مخزن خاص بالكتب الممنوعة. والتقت «الصباح» أحمد جلال عنتر، صاحب إحدى المطابع فى شارع محمد على بمنطقة العتبة، الذى نفى أن يكون سبق له طباعة أى كتب خاصة بالإلحاد، مؤكدًا «نحن لا نتداول هذه الكتب الممنوعة، فالإلحاد بالنسبة لنا مثل المخدرات، ومعظم هذه الكتب تدخل مصر عن طريق التهريب، وسط شحنات ورسائل خاصة بالكتب والصحف قديمة، ويتم دس أى كتب ممنوعة بينها»، وأشار إلى أن «السودان وماليزيا هما أكبر مصادر لجلب تلك الكتب المهربة». وأوضح أن «الحجة التى يستعملها المستوردون فى حالة مصادرة الكتب، هى أنها الغرض من الاستيراد هو إعادة تصنيع الأوراق، وفى حالة عدم مصادرة تلك الكتب، فإن عددًا كبيرًا من كبار التجار يلتقطونها من ميناء بورسعيد بأسعار زهيدة، ثم يعيدون بيعها إلى باعة الكتب المنتشرين على الأرصفة، ويحصلون فى المقابل على أرباح كبيرة، نتيجة بيعها بأسعار مرتفعة»، خاصة مع زيادة الطلب عليها فى الفترة الأخيرة، بعد الضجة الإعلامية المثارة حولها. وخلال الجولة، اعترف لنا إسماعيل الأسيوطى، وهو بائع كتب يفترش أحد أرصفة شارع طلعت حرب، بأن الكثير من بائعى الكتب لديهم نسخ من معظم الكتب الممنوعة، إلا أنهم لا يظهرونها على «الفرشة»، إلا للمشترى الذى يثقون فيه، خوفًا من تعرضهم لكمين من جانب الأجهزة الرقابية والفنية، معتبرًا أن ارتفاع أسعار هذه الكتب فى السوق يغرى الكثير من الباعة بالتجارة فيها، «فالأمر بالنسبة لهم مجرد ربح، دون أن يلقى أى منهم بالًا لما تحتويه من أفكار». ومن جهتها، كشفت مصادر رفيعة المستوى فى وزارة الثقافة ل«الصباح»، عن ضبط نحو 20 ألف كتاب ممنوع من النشر، لتحريضه على الإلحاد، خلال العام الماضى، موضحًا أن الكتب تم ضبطها بمعرفة هيئة الموانئ ومفتشى الجمارك، وأضاف «يلجأ المهربون إلى وضع هذه الكتب وسط الأوراق القديمة، التى يتم استيرادها من الخارج، ونعتبر أن مصادرة تلك الكتب هو التصرف الأمثل، لأنها قنبلة موقوتة داخل البلاد، لذلك يجب دومًا منعها من الوصول إلى القراء». وفى ردها على سؤال حول دور وزارة الثقافة فى الرقابة انتشار تلك الكتب، أكدت أن «كل المطابع التى تعيد طابعة هذه الكتب، تقوم بذلك دون تصريح، ومعظمها يعمل تحت بير السلم، وبالتالى لن تستطيع الوزارة منعها بشكل تام»، معتبرًا أن «المطلوب هو تكثيف الحملات الأمنية على هذه المطابع، وضبط المخالفين، وتشديد الرقابة على العناوين التى يتم عرضها على الأرصفة». أما الأستاذ فى جامعة الأزهر، الدكتور محمود عبد العزيز، فيقول إن «الأزهر وضع الكتب التى تروج للإلحاد على قائمة الأعمال الممنوع تداولها قطعيًا داخل مصر، باعتبارها تدعو إلى الكفر فى بلاد المسلمين»، مضيفًا أن «الدولة لا تعترف بالإلحاد فى أوراقها الرسمية، ويجب على كل مواطن أن يحدد ديانته فى البطاقة الشخصية، كما أن الأزهر لا يعترف بهذه الأفكار الضالة، ويعتبر معتنقها كافرًا، وخارج عن العقيدة، فهذه الأفكار الظلامية لا تنتشر إلا تحت ستر الظلام، ولذلك يحصل الملحدون على كتبهم مهربة، لأنهم يخشون نور الحقيقة، كما أن هذه الكتب لا تحوى أى فكر أو معنى، وإنما تقوم على تحريف التاريخ والإسلام». تواصلت «الصباح» مع أحد الملحدين العرب، عبر موقع «فيسبوك»، واسمه ثروت حسين، الذى أكد أن «الحكومات لن تستطيع مصادر الفكر، فالقراءة متاحة للجميع، وفقًا للدستور، وهى أحد الحقوق، طالما لا تضر بالأمن القومى»، مضيفًا أن أبرز الكتب التى أثرت فى أفكاره، ودفعته إلى الإلحاد، قراءة كتاب «لماذا أنا ملحد»، للمؤلف إسماعيل أدهم، والصادر فى عام 1937، وهو كاتب مصرى ولد فى الإسكندرية، وتعلم فيها ثم حصل على الدكتوراه فى العلوم من جامعة موسكو. ومن بين الكتب التى أثرت فى حسين، على حد قوله، كتاب «ملحدون محدثون ومعاصرون»، للمفكر وأستاذ الأدب الإنجليزى، الدكتور رمسيس عوض، وكتاب «الإلحاد يتحدى»، للدكتور سامح سلامة، وهو مجموعة من المقالات التى تم جمعها فى كتاب واحد، اعتبارًا من 2009، وأوضح « اتجهت إلى الكتب المترجمة، التى كان أبرزها وهم الإله، لعالم البيولوجيا البريطانى ريتشارد دوكينز. وفى تصريحاته، اعترف حسين بأن هذه الكتب حولت مواقفه الفكرية إلى النقيض، موضحًا «بعدما كنت متدينًا، زرعت فى هذه الكتب بذور الشك، حتى وصلت فى النهاية إلى الإلحاد»، وفى رده على سؤال عما إذا كان يقرأ الكتب الدينية التى ترد على كتب الملحدين، قال إنه لم يعد يهتم بما يقوله «كهنة الأديان»، على حد تعبيره. وأكد أنه لن يضيع وقته فى قراءة «أفكار المتدينين»، لأن أمامه عشرات الكتب الأهم التى يسعى لقراءتها، منها «تاريخ الإلحاد فى الإسلام»، للدكتور عبد الرحمن بدوى، ورواية «آيات شيطانية» للروائى البريطانى ذو الأصل الهندى، سلمان رشدى، والتى أثارت جدلًا واسعًا فى ثمانينيات القرن الماضى، ودفعت المرشد الأعلى للثورة الإيرانية وقتها، آية الله الخومينى، يصدر فتوى بإهدار دمه، بالإضافة إلى كتاب «دين ضد الدين»، للمفكر الإيرانى على شريعتى، و«نقد الخطاب الدينى» للدكتور نصر حامد أبو زيد، و«الحكمة بين الإله والسلطان» للباحث السورى فى مقارنة الأديان، نزار يوسف. وأشار حسين إلى صعوبة الحصول على تلك الطرق، لكنه أشار إلى أن «الحصول عليها ليس مستحيلًا، ففى بعض الحالات نلجأ إلى الإنترنت، خاصة المواقع المعروفة بتداول تلك الكتب، مثل موقع مكتبة الإلحاد، وموقع الملحدون العرب، وهناك بعض المكتبات تبيع تلك الكتب للجمهور». وكشف أدمن أحد تجمعات الملحدين على موقع فيسبوك، بعدما تواصلت معه «الصباح»، عن تولى فتاة كويتية تدعى فاطمة الجهراء، مسئولية المنسق العام لتجمع الملحدين العرب، موضحًا أنها بدأت فى إجراء اتصالات لعقد اجتماع عام للملحدين العرب مع بداية العام الجديد، وأشار إلى أنها بدأت حياتها كداعية إسلامية، قبل أن تدشن أول كيان للملحدين العرب من البحرين، باسم «العقلانيون»، مما أثار غضب المجتمع الكويتى ضدها، لتضطر إلى الهروب إلى لندن، بعد صدور أمر باعتقالها». وعن علاقتها بالملحدين فى مصر، أوضح الأدمن، الذى تحفظ على ذكر اسمه، أنه «سبق للجهراء أن حضرت إلى مصر فى منتصف العام الماضى، ونظمت العديد من الاجتماعات على مدار شهر كامل، أقامت خلاله فى فندق جراند حياة»، مشيرًا إلى وجود قنوات اتصال دائمة بينها وبين عدد كبير من الملحدين المصريين، كما ترتب لزيارة قريبة لمصر، على حد قوله. قال الكاتب والمؤرخ حلمى النمنم رئيس دار الكتب والوثائق القومية إنه لا توجد فى الأساس كتب خاصة بالإلحاد، فكل ما يقال حول الكتب التى تدفع الشباب لتبنى هذا الفكر هى فى المعظم مقالات صحفية، فعلى سبيل المثال كتاب «لماذا أنا ملحد؟ » كان مقالاً قديماً فى إحدى الصحف، وتم الرد عليه بمقال آخر كان عنوانه «لماذا أنا مؤمن؟ .» منوهاً إلى أن كل تلك الكتب لا تتعدى نقداً للخطاب الدينى، فكتاب «الوجود والعدم »للدكتور مصطفى محمود كتبه خال رحلة برنامجه العلم والإيمان، لكن الكثيرين من الشباب الذين يعتبرون تلك الكتب أنها للتشجيع على الإلحاد هم محدودو الثقافة فقط.