أبعد من الخوف، لا يعلن الملحد عن نفسه، ثمة أحاديث وتساؤلات تكشف عن فكره عندما يلقيها عليك. ولأن البسطاء دائماً ليس بإمكانهم سوي تراكم الدهشات حين يصدمون بأي ملحد، يلجأ الأخير إلي البحث عن إجابات قد ترضي عقله، وتهدئ من شكه. يدخل في البداية إلي عالم المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، يطرح سؤاله العام: "أي الكتب تنصحونني بقراءتها؟".. ليكتشف أنه لا يوجد كتاب بعينه، يسِّهل عليه الطريق الذي سلكه، لا يوجد مثلاً كتاب بعنوان: 10 خطوات لكي تكون ملحداً، أو دليلك الوحيد للإلحاد، أو أي من العناوين المباشرة التي ترد علي تساؤلاته كافة. ومع الوقت يصل إلي حقيقة، أن الكتب التي تتناول أفكاراً تصل بالإنسان إلي الإلحاد، ليس من السهل توافرها في المكتبات، إما لأن بعضها لا يتم طباعته، أو بسبب صعوبة دخولها إلي مصر. أغلب هذه الكتب ترفضها الدولة، التي تسعي إلي الحد من الإلحاد، ويتم منعها بمجرد مرورها علي هيئة الرقابة علي المطبوعات، خصوصا الكتب التي يثار حولها جدل، أو المفكرين الذين يتناولون موضوعات جريئة، تهدم المعتقدات الدينية .. بعض من المكتبات المصرية غير المعروفة لدي الكثيرين، التي قد تكون مهتمة بشأن الملحدين، تسعي إلي الحصول علي هذه الكتب، وتعرضها بطريقة غير مُلفتة لأنظار عموم القراء، خصوصاً أن أي صاحب مكتبة لديه مهارة معرفة اتجاهات من يتردد عليه. كما أن الملحدين ينصحون بعضهم بالذهاب إلي المكتبات التي توفر احتياجاتهم الفكرية. يقول الملحد عماد السمباوي ل "آخر ساعة": إنهم يعلمون أن الكتب الشيوعية والعلمانية والتنويرية والإلحادية من الصعب وجودها في أي مكتبة، بل يعرف أن هناك ما لا يُطبع. لكنه يحاول التردد علي المكتبات التي تجمع الطبعات القديمة، فيجد - علي سبيل المثال - ضالته في الحصول علي الكتب الشيوعية في إحدي مكتبات وسط القاهرة، وفي سور الأزبكية بمنطقة العتبة. يضيف: "أعتقد أن الكتب التي يتم منعها تحمل كل الإجابات علي أسئلة الملحدين، لذلك نطلب من الدولة مناقشتها.. لا حجبها، خصوصاً أن الأمر لا يتوقف حيال ذلك، بل يتم مطاردة من يقتنيها. وأغلب من يجازف بطباعتها يحمل فكراً إلحادياً من الأساس، ما يجعله مستعداً لأي نتيجة". مشيراً إلي أن التكنولوجيا سهلت علي الملحدين تبادل الكتب إلكترونيا بصيغة ال pdfوالتي من السهل رفعها علي أي موقع، بالتالي يسهل تصويرها أو طبعها. من ضمن هذه الكتب الإلكترونية التي سجلت أعلي نسبة تحميل "وهم الإله" للبريطاني ريتشارد دوكنز، وكتابا "عدو المسيح" و"هكذا تكلم زرادشت" للفيلسوف الألماني فريدريش نيتشه، و"عالم تسكنه الشياطين" للأمريكي كارل ساجان، و"أديان العرب وخرافاتهم" لرجل الدين المسيحي أنستاس ماري الكرملي، ومقال "لماذا أنا ملحد" للأديب المصري إسماعيل أدهم، و"يكذبون كي يروا الإله جميلا" للسعودي عبدالله القصيمي، و"آيات شيطانية" للبريطاني الهندي سلمان رشدي، و"وهم الإعجاز العلمي" للمصري خالد منتصر، و"حروب دولة الرسول" للمصري سيد القمني، وكتب الفيزيائي البريطاني ستيفن هوكينج الذي ساهم في صياغة نظرية الانفجار الكبير عن نشوء الكون. يقول محمود مدبولي، صاحب ومدير عام مكتبة مدبولي، لدينا رقابة ذاتية تحكمنا في اختيار الموضوعات، وبسبب ذلك خسرت شحنة من الكتب التي كانت ستدر علي ربحاً هائلاً في الأيام الماضية نظراً لتعارضها مع الدين. يقول محمد أبو المجد، أمين عام النشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة: "ليس هناك منع أو مصادرة، أو أي شيء من هذه المفاهيم، بل يمتاز السوق الثقافي بقبوله للتعددية والتنوع، لكن هناك مؤلفين يسعون إلي إحداث بلبلة حول كتبهم، هؤلاء لا يأتون بأعمالهم إلي الهيئة لأنهم يعلمون جيداً أنها سيتم رفضها، أما بالنسبة للروايات التي قد تحتوي نصوصاً عن الله والأنبياء والديانات، فيتم التعامل معها بمعايير مختلفة، لأنها إبداع فني ناتج عن خبرات إنسانية متعددة"رفض أي كتاب كونه يتناول موضوعاً مثيراً، قد يتسبب في حالة من التحفظ بين المثقفين، وقد يأتي بنتيجة مضادة مع القراء، لأن هناك قاعدة تقول "الممنوع مرغوب". لذلك يري الشاعر سمير درويش، رئيس تحرير مجلة الثقافة الجديدة ، أن فكرة منع الكتب هي الحل الأسهل والأقرب لذهن الذين لا يريدون أن يفكروا، خاصة في الكتب التي تناقش الموضوعات الدينية؛ لأن التعصب الديني يخلق تيارًا معاديًّا يتخطي معاداة الأفكار والأشخاص إلي معاداة الأديان نفسها.