تعرف على موعد صرف المعاشات بالزيادة الجديدة    ترامب يشن هجومًا على القضاء الإسرائيلي لمحاكمته نتنياهو    تشريع جديد يُنصف العامل.. كيف يؤمن القانون الجديد حقوق العمال؟    21 طالبًا مصريًا في برنامج التدريب الصيفي بجامعة لويفيل الأمريكية    راغب علامة يكسر الرقم القياسي في "منصة النهضة" ب150 ألف متفرج بمهرجان "موازين"    الدولار ب49.85 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الخميس 26-5-2025    وفد برلماني من لجنة الإدارة المحلية يتفقد شركة الإسكندرية لتوزيع الكهرباء    نشرة التوك شو| حقيقة "الطرد الإجباري" في قانون الإيجار القديم.. والحكومة تحسم الجدل بشأن تخفيف الأحمال    محافظ المنيا يشهد احتفال الأوقاف بالعام الهجري الجديد - صور    بينهم إصابات خطيرة.. 3 شهداء و7 مصابين برصاص الاحتلال في الضفة الغربية    نتنياهو يُصدر أمرًا بالتدخل عسكريًا لمنع نجاح عشائر غزة في تأمين المساعدات    5 أيام حمائم.. كيف انتهت حرب إيران وإسرائيل ب"شكرًا لحسن تعاونكم معنا"؟    "صن داونز الأعلى".. كم حصدت الأندية الأفريقية من بطولة كأس العالم للأندية؟    بعد إعلان رحيله.. ماذا قدم حمزة المثلوثي مع الزمالك خلال 5 سنوات؟    الأسرة كلها فارقت الحياة.. أب يلحق بزوجته وطفلتيه إثر حادث أليم بالمنيا- صور    مها الصغير تتهم أحمد السقا بالتعدي عليها داخل كمبوند في أكتوبر    إصابة 10 أشخاص في حادث على طريق 36 الحربي بالإسماعيلية    تعرف على قرار النيابة العامة بعد سقوط "مسئول حكومي" من الطابق السادس    إحالة أوراق 4 متهمين للمفتي لقتلهم تاجر بغرض السرقة    أحمد حسام ميدو في قسم شرطة النزهة.. ما القصة؟    محمد رمضان: "رفضت عرض في الدراما من أسبوع ب 200 مليون جنيه"    التشكيل الرسمي لقمة الإنتر ضد ريفر بليت فى كأس العالم للأندية    مؤتمر إنزاجي: سنحاول استغلال الفرص أمام باتشوكا.. وهذا موقف ميتروفيتش    يورو تحت 21 عاما - من أجل اللقب الرابع.. ألمانيا تضرب موعدا مع إنجلترا في النهائي    رويترز: الدفاع الجوي الروسي يدمر طائرتين مسيرتين كانتا في طريقهما إلى موسكو    شديد الحرارة وتصل 41 درجة.. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم الخميس    «نقل الكهرباء» توقع عقدًا جديدًا لإنشاء خط هوائي مزدوج الدائرة    إليسا تهنئ نادر عبدالله بعد تكريمه من «ساسيم»: «مبروك من نص قلبي»    بمناسبة العام الهجري الجديد.. دروس وعبر من الهجرة النبوية    تمريض حاضر وطبيب غائب.. رئيس الوحدة المحلية لنجع حمادي يفاجئ وحدة الحلفاية الصحية بزيارة ليلية (صور)    قافلة طبية لعلاج المواطنين بقرية السمطا في قنا.. وندوات إرشاية لتحذير المواطنين من خطر الإدمان    مينا مسعود يزور مستشفى 57357 لدعم الأطفال مرضى السرطان (صور)    إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تُلزم بإضافة تحذير عن خطر نادر للقلب بسبب لقاحات كورونا    صحة مطروح تنظم احتفالية كبرى بمناسبة اليوم العالمي للتبرع بالدم    رئيس كهرباء البحيرة يوجه بتأمين التغذية الكهربائية للقرى السياحية بمنطقة الضبعة    الزمالك يستقر على قائمته الأولى قبل إرسالها لاتحاد الكرة    وزير الرياضة يهنئ أبطال السلاح بعد التتويج ب 6 ميداليات أفريقية    مصطفى نجم: الزمالك على الطريق الصحيح    حضور جماهيرى كبير.. ويل سميث لأول مرة فى مهرجان موازين بالمغرب (صور)    «كوتش جوه الملعب».. ميدو يتغنى بصفقة الأهلي الجديدة    مع إشراقات العام الهجري الجديد.. تعرف على أجمل الأدعية وأفضلها    3 أيام متتالية.. موعد إجازة ثورة 30 يونيو 2025 للقطاع العام والخاص بعد ترحيلها رسميًا    الدفاعات الإيرانية تسقط طائرة مسيّرة مجهولة قرب الحدود مع العراق    صوت بلغاريا مع أنطاكية.. البطريرك دانيال يندد بالعنف ويدعو إلى حماية المسيحيين    «الشؤون العربية والخارجية» بنقابة الصحفيين تعقد أول اجتماعاتها وتضع خطة عمل للفترة المقبلة    محافظ قنا يتفقد مشروع تطوير ميدان المحطة.. ويؤكد: نسعى لمدينة خضراء صديقة للبيئة    هذا ما يحبه الرجال..3 أشياء تفعلها النساء الجذابات بشكل منتظم    4 أبراج «عارفين كويس همّ بيعملوا إيه».. غامضون لا يحتاجون إلى نصيحة وقراراتهم غالبًا صائبة    إصابة 11 شخص من كلب ضال فى الغربية    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. قفزة بأسعار الذهب اليوم الخميس بالصاغة محليًا وعالميًا    مع حلول العام الهجري الجديد 1447ه.. متى يبدأ رمضان 2026 فلكيًا؟    دار الإفتاء تعلن اليوم الخميس هو أول أيام شهر المحرّم وبداية العام الهجري الجديد 1447    دعاء العام الهجري الجديد 1447ه مستجاب.. ردده الآن لزيادة الرزق وتحقيق الأمنيات    شيخ الأزهر يهنئ الرئيس السيسي والأمتين الإسلامية والعربية بالعام الهجري الجديد    إيران تفتح المجال الجوي للنصف الشرقي من البلاد للرحلات الداخلية والدولية    بلاغ رسمي ضد أحمد السقا.. طليقته تتهمه بالاعتداء عليها وسبّها أمام السكان    جمال الكشكي: سياسة مصر تدعم الاستقرار وتدعو دائما لاحترام سيادة الدول    ممر شرفي من المعتمرين استعدادا لدخول كسوة الكعبة الجديدة (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الباز يكتب : الملحدون فى مصر
نشر في الفجر يوم 01 - 09 - 2014

■ لا توجد إحصائية دقيقة عن عدد الملحدين فى مصر.. والوحيدة المتداولة تقول إنهم 2 مليون.. والسؤال: إذا كنا لا نعرف عدد المسيحيين بدقة فهل سنعرف عدد الملحدين؟

مارس 2014

مدير أمن الإسكندرية اللواء أمين عز الدين يعلن عن تشكيله فريقًا من الضباط المتخصصين لضبط مجموعة من شباب الإسكندرية الذين يروجون لأفكار الإلحاد، على أن يتم تقنين الإجراءات القانونية للقبض عليهم.

أغلب الظن أن تصريح مدير الأمن كان انفعاليا ابن لحظته، فقد أدلى به وهو يجرى مداخلة تليفزيونية مع إحدى القنوات الفضائية، كان مذيعها قد تشنج وسأله عن رأيه فيمن يروجون للإلحاد ويسخرون من نبى الرحمة ويتهكمون على المولى عز وجل، فوجد أمين نفسه وجها لوجه أمام موقف لابد أن يزايد فيه وعليه، فليس معقولا أن يكون المذيع أكثر غيرة منه على دينه.

ما يؤكد أن التصريح كان انفعاليا أن شيئا مما قاله أمين عز الدين لم يحدث لا فى الإسكندرية ولا فى غيرها، رغم تمدد ظاهرة الإلحاد «بعض من يحاربونها من مشايخ الأزهر يطلقون عليها بالمناسبة ملة الإلحاد» فى كل محافظات مصر دون استثناء، ثم إن عبدالمنعم فضح الموقف القانونى من الإلحاد، فهو طبقا للقانون المصرى لا يشكل جريمة على الإطلاق، ولذلك أعلن أنه سيتم العمل على تقنين الإجراءات القانونية للقبض على من يروجون للأفكار الإلحادية، فهو لا يمتلك لا قانونًا ولا أداة تمكنه من تطبيق ما يريده.

أغسطس 2014

السيسى فى اجتماع مع رؤساء تحرير الصحف، يأتى على سيرة الإلحاد والمحلدين عرضا، كان يشير إلى أن بعض التنظيمات والحركات والتيارات الإسلامية المتطرفة تقدم نموذجا للمسلمين يسىء فى حقيقته للدين الإسلامى ويقوض الإسلام كعقيدة ويدفع بعض الشباب للإلحاد.

أعطى الرئيس إشارة إلى أن ملف الإلحاد المتخم بالأوراق المتضاربة والمتناقضة لفت انتباهه، وهو ما يؤكد أن الظاهرة لا يمكن تجاهلها، ليس على المستوى الأمنى كما يحلو لبعض من لا يعجبهم ما يقوم به الملحدون ويقدمونه من خطاب يعبر عن أفكارهم وما يعتقدون أنه صواب، ولكن على المستوى الفكرى، خاصة أن السيسى فى خطاب سابق له أكد احترامه الشديد لحرية المعتقد والاعتقاد، وهو ما جعل خصومه يروجون إلى أنه يدعو للإلحاد من خلال تبنيه الدعوة إلى حرية العقيدة «وهو هجوم يخرج من أرضية العداء للسيسى والصيد له فى الماء العكر وليس أكثر من ذلك».

دعك من خصوم السيسى، وتأمل قليلا ما قاله، إنه هنا يقدم رأيا قاطعا فى سبب انتشار الإلحاد بين الشباب، فمن وجهة نظره - كما يبدو من ظاهر قوله - أن التنظيمات والجماعات المتطرفة التى تقدم نموذجا للإسلام يقوم على العنف والقتل والتخريب يدفع الشباب دفعا إلى اعتناق الأفكار الإلحادية.

لا يعلن السيسى بشهادته تلك موافقته على حرية الإلحاد فى مصر، لكنه يواصل حربه ضد الإرهاب متكئا على الملحدين، إنه يقدم تفسيرا لما جرى ولا يعنى التفسير أنه تبرير أبدا، ولذلك كان الأب رفيق جريش راعى كنيسة القديس كيرلس للروم الكاثوليك عندما وصف ما قاله السيسى بأنه رد اعتبار للملحدين، فرئيس الدولة فى الغالب ليس مشغولا إلا بجحافل الإرهاب التى أفسدت كل شىء.. ولم يسلم منها حتى الإسلام نفسه.

يقف السيسى بكلامه عن الإلحاد والملحدين فى صف طويل ينتمى إليه علماء أزهر وسلفيون وأساتذة متخصصون فى علم النفس والاجتماع ومفكرون وصحفيون، يتعاملون مع الإلحاد على أنه مرض.. أو على الأقل رد فعل على حدث عابر وليس أصيلا، فإذا زال هذا الحدث العابر زال الإلحاد وانتهت الأزمة إلى الأبد.

لكن هل ما يذهب إليه السيسى ومن يرون رأيه على صواب؟

والإجابة الواضحة المباشرة: ليسوا على صواب على الإطلاق، فهم جميعا يلتفون حول الظاهرة دون الدخول فى قلب المشكلة، ولذلك ينتشر الإلحاد أكثر، ويضم إلى صفوفه كل يوم شبابًا، خاصة أن شبكات التواصل الاجتماعى أنهت أى وكل رقابة يمكن أن يفرضها المجتمع على أى فكرة أو رأى.

هل يحتاج الأمر منا إلى أن نقترب أكثر من الملحدين فى مصر؟

بالطبع، فبدون ذلك لا يمكننا أن نفهم ما حدث.

فى العام 2009 أجرى معهد جالوب الأمريكى استطلاعا هدف من خلاله إلى معرفة أكثر الشعوب تدينا فى العالم، وكانت النتيجة التى اعتبرها البعض طبيعية أن مصر جاءت فى المركز الأول، فنسبة التدين فى مصر وصلت إلى 100 بالمائة، وهى النتيجة التى أسعدت الكثيرين، بل تم الاحتفاء بها إعلاميا وقتها بشكل مبالغ فيه.

تابعت هذه النتيجة بسخرية شديدة، فقبل شهور قليلة من إعلان نتيجة الاستطلاع كان يجلس فى مكتبى مجموعة من الشباب الذين أعلنوا بشكل واضح أنهم ملحدون، حملوا لى وقتها أفلامًا تسجيلية وكتبًا ودراسات كان أهمها من وجهة نظرهم كتاب «وهم الإله» لريتشارد دوكنز، الذى يعتبرونه نبى الإلحاد الجديد «بالمناسبة صدر له كتاب عن مكتبة الأسرة فى نفس العام تقريبا هو الانتخاب الطبيعى».

قالوا لى إنهم كثيرون جدا، بدأوا يستخدمون فيسبوك وتويتر للتعبير عن أفكارهم لكن تحت أسماء حركية، فهم لا يستطيعون أن يواجهوا المجتمع الذى لا يسمح بالاختلاف ولا يحبذ أى تجاوز فى حق مقدساته الدينية.

وجود هؤلاء الذين قالوا إنهم كثيرون جدا هو ما أثار السخرية من نتيجة استطلاع معهد جالوب الأمريكى.. لكن هذه السخرية زالت تماما، لأن نفس المعهد أجرى نفس الاستطلاع مرة أخرى فى العام 2012، لتأتى النتيجة مفاجئة هذه المرة، فقد وصلت نسبة التدين فى مصر إلى 77 بالمائة.

ما الذى حدث خلال هذه الأعوام الأربعة؟

ما جرى فعليا أن هناك من أفصح عن معتقده بصراحة دون خوف، بل بدأت البرامج الفضائية العامة تستقبل من تقول عنهم أنهم ملحدون، صحيح أن تجارب استضافة المحلدين حتى الآن مخجلة، منها ما انتهى بطرد الضيف «فى قناة المحور وفعلت ذلك ريهام السهلى»، ومنها ما كان أشبه بالمحاكمة الساذجة «فى قناة النهار وفعلت ذلك ريهام سعيد».. لكن فى النهاية ربح الملحدون، فقد كسر الإعلام أمامهم جدار عزلتهم، وخرج من يقول فى وجه الناس أنا ملحد، بصرف النظر عن الطريقة التى يتم التعامل معه بها.. لقد أكسبهم الإعلام شرعية الظهور وعرض أفكارهم حتى ولو استنكرها بعد ذلك.

هذا الإعلان بهذا الوضوح، وهذه المواجهة بهذه الحدة كان وراءها حدث أكبر.

لابد أن نعود الآن فورا إلى 11 فبراير 2011، اليوم الذى تم فيه خلع حسنى مبارك، فى ميدان التحرير بعد أن استمع الثوار إلى بيان عمر سليمان الذى أعلن من خلاله مبارك تخليه عن سلطته، وقف صفوت حجازى الذى كان يلقبه الجميع وقتها ب «أسد الميدان».. ليهتف: الله وحده أسقط النظام.

بسرعة خاطفة حاصرت مجموعة من الشباب صفوت حجازى، أحدهم وضع يده على فمه ليمنعه من الهتاف، وعلت أصواتهم بهتاف: الشعب وحده أسقط النظام.

كانت هذه معركة بين الله والشعب، انتصر فيها الشعب على هامش جملة قالها أحد الشباب لصفوت حجازى دون أن ينتبه هو إلى مدلولها، ولم يتوقف أحد عندها بعد ذلك، قال له: أين كان الله طوال ثلاثين عاما وحسنى مبارك يمارس كل هذا الفساد والاستبداد؟ لكن الشعب فى 18 يومًا فقط أنهى حكمه.

هل يمكن أن نصف هذه اللحظة بأنها كانت لحظة غرور، امتلاء بالقوة.. سمها ما شئت، لكنها كانت لحظة وضع فيها جيل جديد فى مصر تأسيسا لفكرته التى سيتعامل بها مع كل الكبار بأنه الأكبر منهم والأبقى والأقدر على أن يفعل أى شىء.

ما جرى فى ميدان التحرير تتويجا لحدث ضخم، جرى قبل ذلك فى أمريكا بعد أن هدم تنظيم القاعدة برجى مركز التجارة العالمى على رأس من فيهما، وبلغ عدد الضحايا ما يقرب من 5 آلاف.

تأمل الأمريكان اللحظة وكانت النتيجة أنه لو كان إله المسلمين حقًا، فلا يمكن أن يعترفوا به أو يؤمنوا بوجوده لأنه فى هذه اللحظة يكون إلها قاتلا، يأمر أتباعه بقتل المسالمين الأبرياء دون سبب، ولو كان إله المسيحيين واليهود حقًا، فلا يجب أن يؤمنون به أيضا، لأنه تخلى عمن يؤمنون به، وتركهم ليتحولوا إلى أشلاء على يد متطرفين مجانين.. وعليه فهو أيضا هنا لا يستحق العبادة.

قد تكون هذه فى النهاية ملامح لما يعتبره البعض ظاهرة، هناك اختلاف كبير فى التعامل معها، لكنها حاضرة ومؤثرة وأصبحت مزعجة، صحيح أنه لا توجد إحصائية واحدة معتمدة تقول لنا ما هو عدد الملحدين فى مصر، اللهم إلا إحصائية منسوبة إلى مؤسسة «بورسن مارستلير» الأمريكية، تقول إن نسبة الملحدين فى مصر وصلت إلى 3 بالمائة، وهو ما يعنى أن لدينا 2 مليون ملحد.

الرقم يدخل مرحلة الشك بالطبع، إذ لم تفصح المؤسسة الأمريكية عن إجراءات دراستها لتصل إلى هذه النسبة، ثم إننا وحتى الآن لا نعرف عدد المسيحيين فى مصر، وهى ديانة معترف بها، ويمارس أهلها طقوسها بحرية، حيث هناك خلاف حاد، مصادر فى الدولة تؤكد أن الأقباط لا يزيدون بأى حال من الأحوال على 5 ملايين، وقيادات كنسية تجزم بأن الأقباط يتجاوز عددهم ال15 مليونًا.. وهو ما يحدث أيضا بالنسبة للملحدين، فعلى صفحاتهم الكثيرة على فيسبوك يمكن أن تصادف من يقول لك إنه فى كل بيت مصرى يوجد ملحد، ويمكن أن تجد من يتواضع ويقول إنهم تجاوزوا الثمانية ملايين.

الرقم ليس المشكلة الآن، فلن نصل إليه أبدا، فى ظل حالة الرفض الكاملة من قبل المجتمع للملحدين ولما يروجونه من أفكار، لكن المهم هو التعامل مع الإلحاد والملحدين من قبل مؤسسات الدولة الرسمية ومن علماء الدين ورجاله.

مؤسسة الأزهر التى ينظر لها الكثيرون على أنها حامية للإسلام تواصل جهودها للوقوف أمام ظاهرة الإلحاد من خلال إصدار عدة كتيبات، لعل أهمها كان كتاب «وهم الإلحاد».. وهو كتيب صغير مأخوذ من دراسة كبيرة أصدرها الدكتور عمرو شريف بعنوان «خرافة الإلحاد».. وعندما تتصفح الكتيب ستصاب بصدمة، لأن أسلوب العرض والتعامل مع فكرة الإلحاد كمرض تسيطر على كل ما كتبه شريف، وهو ما يدعوك إلى القول أن الكتاب يمكن ان يساعد على انتشار الإلحاد وليس معالجته.

محاولات مؤسسة الأزهر البائسة للتصدى لظاهرة الإلحاد يمكن أن تحترمها فى النهاية، على اعتبار أن من يقومون بها يبذلون من الجهد ما يعتقدون أنه صحيح تماما، لكن المشكلة أن الدكتور أحمد الطيب وهو الرجل العاقل الحكيم، تخلى عن كل وأى منطق فى حديثه عن الإلحاد.

ففى التصريح الوحيد له عن الإلحاد قال: إن الملحدين لا يملكون إلا السب والشتم والتطاول على الغير، وذلك لأنهم يأخذون من الهجوم وسيلة للدفاع عن أفكارهم وأنفسهم، فهم لا يستطيعون الصمود سواء علميا أو فلسفيا أو عقليا، فالملحدون– بالنسبة للطيب– ضد فطرة التفكير والمنطق التى وهبها الله للناس.

وحتى يخلع الدكتور الطيب يديه من أزمة الإلحاد فقد وصفها بالموضة غير القائمة على دراسة أو تفكير.

تعامل الطيب مع الإلحاد بتعال وتكبر قابله الملحدون بالسخرية الشديدة، ولا داعى للإشارة لما قالوه عنه لأنه فى النهاية يدخل فى مساحة التجاوز التى يعاقب عليها القانون.

الحديث وصل بنا إلى الأزهر وشيخه، فليس أقل من أن نثبت ما يؤكده عدد غير قليل من الملحدين، فمشكلتهم ليست مع رجال الدين كما يدعى البعض، ولا مع الخطاب الدينى الذى يراه البعض متخلفا ومتهافتا، ولا مع المناهج التى يرفض رجال الأزهر إعادة النظر فيها، ولكن مشكلتهم مع الدين نفسه، فمناقشات الملحدين عبر صفحاتهم ومنتدياتهم وجلساتهم تتجاوز كل ذلك وتصل إلى أصل الأديان وفلسفتها، وهنا تحديدا تكمن المشكلة التى أغفلها السيسى وأغفلها كذلك كل من تحدثوا عن الإلحاد والملحدين.. فالأزمة بالنسبة للملحدين فى العمود الفقرى للدين، وليست فى الدين نفسه.

على نفس الخط من التعامل السطحى مع ظاهرة الإلحاد، جاء ما فعله الحبيب على الجفرى الداعية اليمنى الشهير فى برنامجه «لحظة سكون» الذى ناقش فيه ظاهرة الإلحاد ورد على شبهات الملحدين عبر محاوره خيرى رمضان.

قد تستحق التجربة الإشادة من زاوية واحدة، وهى أننا أمام عالم دين – أيا كان توجهه – يجلس أمام الملحدين ليستمع منهم، دون أن يهاجمهم أو ينتقص من قدرهم أو يسفه آراءهم، لكن ما جرى بالفعل أن الجفرى ورغم أدائه الراقى هذا، إلا أنه مارس شكلا من أشكال النصب الدينى التام، لقد جرهم إلى مساحته، أفسح لهم مساحة ليقولوا ما يريدون، ثم هدم الفكرة تماما بنفس المنطق الذى يتحدث به عتاة المتطرفين عن الإلحاد.

الجفرى كما غيره ليس مقتنعا بأنه من حق أحدهم أن يلحد، أن يختار الفكرة الفلسفية التى يرتاح بها وإليها فى حياته، يوهم من يجلس إليهم من المحلدين– استضاف عددا كبيرا منهم فى بيته بمنطقة الأزهر والتقط إلى جوارهم صورا كثيرة كانت حديث صفحات الملحدين بين مؤيد ومعارض – إنه يؤمن بحريتهم فى العقيدة، وذلك تمهيدا لأن ينقض عليهم لينهى أسطورة ما يعتقدون أنه صواب، لقد كان تاجرا حتى النهاية، استضاف الملحدين ليتاجر بهم أمام مشاهديه، ثم ليعلن فى النهاية أنه انتصر عليهم بالضربة القاضية، رغم أنه فعليا لم يحرك داخلهم ساكنا، ولم يسكن متحركا.

إننا أمام ظاهرة ملتبسة جدا، ليست جديدة على الإطلاق، التعبير عنها فى مصر الآن هو الجديد، كان الملحدون يعتصمون بالصمت لا يعلنون عن هويتهم، لكنهم الآن يعلنون ذلك دون حرج، بل بدءوا يواجهون المجتمع، ويطالبون بحقوقهم، بطاقة شخصية بدون خانة ديانة، زواج مدنى، الظهور فى الإعلام لشرح أفكارهم للعامة.. وغير هذا الكثير مما لن يقبله المجتمع أو يتساهل معه، لأن المجتمع لن يفرط فى اعتقاده بأن ما يؤمن به «مسلمون ومسيحيون» هو الصحيح، حتى لو اضطره الأمر إلى أن يقتل الملحدين فى الشوارع.

هل هذه أزمة مغلقة؟

بالطبع لا.. لكن مطلوب منا ألا نغلقها نحن، ألا نكتفى بالنظر إليها على أنها مرض أو رد فعل من أصحابها على أزمة عاطفية أو عائلية، فنحن أمام نمط فكرى وفلسفى يجر إليه الكثيرين، كل الفارق أنه خرج من السر إلى العلن، قد تأخذ الفكرة وقتها ثم تنتهى، لكن حتى تنتهى لا يجب أن يتعامل المجتمع بعنف مع من يعتنقون الأفكار الإلحادية.. فالله هو الذى سيحاسب الجميع.. وسنقف أمامه جميعا يوم القيامة، ليفصل بيننا، ويومها سنعرف أينا كان على حق وأينا كان على باطل.

أعرف أن هذا الطرح خطأ.. فطالما قلت إننا سنقف أمام الله يوم القيامة فأنا بذلك أحكم بأن ما أعتقده هو الصحيح دون النظر إلى ما يعتقده الملحدون.. لكن ليس على إلا أن أقول ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.