حيثيات «الإدارية العليا» لإلغاء الانتخابات بدائرة الدقي    وزيرتا التنمية المحلية والتضامن ومحافظ الغربية يتفقدون محطة طنطا لإنتاج البيض    تعرف على مشروع تطوير منظومة الصرف الصحي بمدينة دهب بتكلفة 400 مليون جنيه    نائب محافظ الجيزة وسكرتير عام المحافظة يتابعان تنفيذ الخطة الاستثمارية وملف تقنين أراضي الدولة    إما الاستسلام أو الاعتقال.. حماس تكشف سبب رفضها لمقترحات الاحتلال حول التعامل مع عناصر المقاومة في أنفاق رفح    الجامعة العربية تحتفى باليوم العالمى للتضامن مع الشعب الفلسطينى    شبكة بي بي سي: هل بدأ ليفربول حياة جديدة بدون محمد صلاح؟    إبراهيم حسن يكشف برنامج إعداد منتخب مصر لأمم أفريقيا 2025    وادى دجلة يواجه الطلائع ومودرن سبورت وديا خلال التوقف الدولى    الأهلي أمام اختبار صعب.. تفاصيل مصير أليو ديانج قبل الانتقالات الشتوية    أحمد موسى: حماية الطفل المصري يحمي مستقبل مصر    حكم قضائي يلزم محافظة الجيزة بالموافقة على استكمال مشروع سكني بالدقي    خطوات تسجيل البيانات في استمارة الصف الثالث الإعدادي والأوراق المطلوبة    الثقافة تُكرم خالد جلال في احتفالية بالمسرح القومي بحضور نجوم الفن.. الأربعاء    مبادرة تستحق الاهتمام    مدير وحدة الدراسات بالمتحدة: إلغاء انتخابات النواب في 30 دائرة سابقة تاريخية    انطلاق فعاليات «المواجهة والتجوال» في الشرقية وكفر الشيخ والغربية غدًا    جامعة دمنهور تطلق مبادرة "جيل بلا تبغ" لتعزيز الوعي الصحي ومكافحة التدخين    أسباب زيادة دهون البطن أسرع من باقى الجسم    مصطفى محمد بديلا في تشكيل نانت لمواجهة ليون في الدوري الفرنسي    رئيس الوزراء يبحث مع "أنجلوجولد أشانتي" خطط زيادة إنتاج منجم السكري ودعم قطاع الذهب    هل تجوز الصدقة على الأقارب غير المقتدرين؟.. أمين الفتوى يجيب    "وزير الصحة" يرفض بشكل قاطع فرض رسوم كشف على مرضى نفقة الدولة والتأمين بمستشفى جوستاف روسي مصر    محافظ جنوب سيناء يشيد بنجاح بطولة أفريقيا المفتوحة للبليارد الصيني    أمينة الفتوى: الوظيفة التي تشترط خلع الحجاب ليست باب رزق    وزير العدل يعتمد حركة ترقيات كُبرى    «بيت جن» المقاومة عنوان الوطنية    بعد تجارب التشغيل التجريبي.. موعد تشغيل مونوريل العاصمة الإدارية    عبد المعز: الإيمان الحقّ حين يتحوّل من أُمنيات إلى أفعال    استعدادًا لمواجهة أخرى مع إسرائيل.. إيران تتجه لشراء مقاتلات وصواريخ متطورة    دور الجامعات في القضاء على العنف الرقمي.. ندوة بكلية علوم الرياضة بالمنصورة    الإحصاء: 3.1% زيادة في عدد حالات الطلاق عام 2024    الصحة العالمية: تطعيم الأنفلونزا يمنع شدة المرض ودخول المستشفى    الرئيس السيسي يوجه بالعمل على زيادة الاستثمارات الخاصة لدفع النمو والتنمية    وزير التعليم يفاجئ مدارس دمياط ويشيد بانضباطها    من أول يناير 2026.. رفع الحدين الأدنى والأقصى لأجر الاشتراك التأميني | إنفوجراف    وزير الخارجية يسلم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى نظيره الباكستاني    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لتطوير المناطق المحيطة بهضبة الأهرامات    إعلان الكشوف الأولية لمرشحي نقابة المحامين بشمال القليوبية    موعد شهر رمضان 2026 فلكيًا.. 80 يومًا تفصلنا عن أول أيامه    وزير الثقافة يهنئ الكاتبة سلوى بكر لحصولها على جائزة البريكس الأدبية    رئيس جامعة القاهرة يستقبل وفد جودة التعليم لاعتماد المعهد القومي للأورام    الإسماعيلية تستضيف بطولة الرماية للجامعات    وزير الإسكان يتابع تجهيزات واستعدادات فصل الشتاء والتعامل مع الأمطار بالمدن الجديدة    دانيلو: عمتي توفت ليلة نهائي كوبا ليبرتادوريس.. وكنت ألعب بمساعدة من الله    ضبط 846 مخالفة مرورية بأسوان خلال حملات أسبوع    تيسير للمواطنين كبار السن والمرضى.. الجوازات والهجرة تسرع إنهاء الإجراءات    مصطفى غريب: كنت بسرق القصب وابن الأبلة شهرتى فى المدرسة    شرارة الحرب فى الكاريبى.. أمريكا اللاتينية بين مطرقة واشنطن وسندان فنزويلا    صندوق التنمية الحضرية : جراج متعدد الطوابق لخدمة زوار القاهرة التاريخية    وزير الخارجية يلتقي أعضاء الجالية المصرية بإسلام آباد    صراع الصدارة يشتعل.. روما يختبر قوته أمام نابولي بالدوري الإيطالي    إطلاق قافلة زاد العزة ال83 إلى غزة بنحو 10 آلاف و500 طن مساعدات إنسانية    اتحاد الأطباء العرب يكشف تفاصيل دعم الأطفال ذوي الإعاقة    تعليم القاهرة تعلن خطة شاملة لحماية الطلاب من فيروسات الشتاء.. وتشدد على إجراءات وقائية صارمة    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 30نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا.... اعرف مواعيد صلاتك بدقه    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للتدريب المشترك « ميدوزا - 14»    مركز المناخ يعلن بدء الشتاء.. الليلة الماضية تسجل أدنى حرارة منذ الموسم الماضى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الباز يكتب : الملحدون فى مصر
نشر في الفجر يوم 01 - 09 - 2014

■ لا توجد إحصائية دقيقة عن عدد الملحدين فى مصر.. والوحيدة المتداولة تقول إنهم 2 مليون.. والسؤال: إذا كنا لا نعرف عدد المسيحيين بدقة فهل سنعرف عدد الملحدين؟

مارس 2014

مدير أمن الإسكندرية اللواء أمين عز الدين يعلن عن تشكيله فريقًا من الضباط المتخصصين لضبط مجموعة من شباب الإسكندرية الذين يروجون لأفكار الإلحاد، على أن يتم تقنين الإجراءات القانونية للقبض عليهم.

أغلب الظن أن تصريح مدير الأمن كان انفعاليا ابن لحظته، فقد أدلى به وهو يجرى مداخلة تليفزيونية مع إحدى القنوات الفضائية، كان مذيعها قد تشنج وسأله عن رأيه فيمن يروجون للإلحاد ويسخرون من نبى الرحمة ويتهكمون على المولى عز وجل، فوجد أمين نفسه وجها لوجه أمام موقف لابد أن يزايد فيه وعليه، فليس معقولا أن يكون المذيع أكثر غيرة منه على دينه.

ما يؤكد أن التصريح كان انفعاليا أن شيئا مما قاله أمين عز الدين لم يحدث لا فى الإسكندرية ولا فى غيرها، رغم تمدد ظاهرة الإلحاد «بعض من يحاربونها من مشايخ الأزهر يطلقون عليها بالمناسبة ملة الإلحاد» فى كل محافظات مصر دون استثناء، ثم إن عبدالمنعم فضح الموقف القانونى من الإلحاد، فهو طبقا للقانون المصرى لا يشكل جريمة على الإطلاق، ولذلك أعلن أنه سيتم العمل على تقنين الإجراءات القانونية للقبض على من يروجون للأفكار الإلحادية، فهو لا يمتلك لا قانونًا ولا أداة تمكنه من تطبيق ما يريده.

أغسطس 2014

السيسى فى اجتماع مع رؤساء تحرير الصحف، يأتى على سيرة الإلحاد والمحلدين عرضا، كان يشير إلى أن بعض التنظيمات والحركات والتيارات الإسلامية المتطرفة تقدم نموذجا للمسلمين يسىء فى حقيقته للدين الإسلامى ويقوض الإسلام كعقيدة ويدفع بعض الشباب للإلحاد.

أعطى الرئيس إشارة إلى أن ملف الإلحاد المتخم بالأوراق المتضاربة والمتناقضة لفت انتباهه، وهو ما يؤكد أن الظاهرة لا يمكن تجاهلها، ليس على المستوى الأمنى كما يحلو لبعض من لا يعجبهم ما يقوم به الملحدون ويقدمونه من خطاب يعبر عن أفكارهم وما يعتقدون أنه صواب، ولكن على المستوى الفكرى، خاصة أن السيسى فى خطاب سابق له أكد احترامه الشديد لحرية المعتقد والاعتقاد، وهو ما جعل خصومه يروجون إلى أنه يدعو للإلحاد من خلال تبنيه الدعوة إلى حرية العقيدة «وهو هجوم يخرج من أرضية العداء للسيسى والصيد له فى الماء العكر وليس أكثر من ذلك».

دعك من خصوم السيسى، وتأمل قليلا ما قاله، إنه هنا يقدم رأيا قاطعا فى سبب انتشار الإلحاد بين الشباب، فمن وجهة نظره - كما يبدو من ظاهر قوله - أن التنظيمات والجماعات المتطرفة التى تقدم نموذجا للإسلام يقوم على العنف والقتل والتخريب يدفع الشباب دفعا إلى اعتناق الأفكار الإلحادية.

لا يعلن السيسى بشهادته تلك موافقته على حرية الإلحاد فى مصر، لكنه يواصل حربه ضد الإرهاب متكئا على الملحدين، إنه يقدم تفسيرا لما جرى ولا يعنى التفسير أنه تبرير أبدا، ولذلك كان الأب رفيق جريش راعى كنيسة القديس كيرلس للروم الكاثوليك عندما وصف ما قاله السيسى بأنه رد اعتبار للملحدين، فرئيس الدولة فى الغالب ليس مشغولا إلا بجحافل الإرهاب التى أفسدت كل شىء.. ولم يسلم منها حتى الإسلام نفسه.

يقف السيسى بكلامه عن الإلحاد والملحدين فى صف طويل ينتمى إليه علماء أزهر وسلفيون وأساتذة متخصصون فى علم النفس والاجتماع ومفكرون وصحفيون، يتعاملون مع الإلحاد على أنه مرض.. أو على الأقل رد فعل على حدث عابر وليس أصيلا، فإذا زال هذا الحدث العابر زال الإلحاد وانتهت الأزمة إلى الأبد.

لكن هل ما يذهب إليه السيسى ومن يرون رأيه على صواب؟

والإجابة الواضحة المباشرة: ليسوا على صواب على الإطلاق، فهم جميعا يلتفون حول الظاهرة دون الدخول فى قلب المشكلة، ولذلك ينتشر الإلحاد أكثر، ويضم إلى صفوفه كل يوم شبابًا، خاصة أن شبكات التواصل الاجتماعى أنهت أى وكل رقابة يمكن أن يفرضها المجتمع على أى فكرة أو رأى.

هل يحتاج الأمر منا إلى أن نقترب أكثر من الملحدين فى مصر؟

بالطبع، فبدون ذلك لا يمكننا أن نفهم ما حدث.

فى العام 2009 أجرى معهد جالوب الأمريكى استطلاعا هدف من خلاله إلى معرفة أكثر الشعوب تدينا فى العالم، وكانت النتيجة التى اعتبرها البعض طبيعية أن مصر جاءت فى المركز الأول، فنسبة التدين فى مصر وصلت إلى 100 بالمائة، وهى النتيجة التى أسعدت الكثيرين، بل تم الاحتفاء بها إعلاميا وقتها بشكل مبالغ فيه.

تابعت هذه النتيجة بسخرية شديدة، فقبل شهور قليلة من إعلان نتيجة الاستطلاع كان يجلس فى مكتبى مجموعة من الشباب الذين أعلنوا بشكل واضح أنهم ملحدون، حملوا لى وقتها أفلامًا تسجيلية وكتبًا ودراسات كان أهمها من وجهة نظرهم كتاب «وهم الإله» لريتشارد دوكنز، الذى يعتبرونه نبى الإلحاد الجديد «بالمناسبة صدر له كتاب عن مكتبة الأسرة فى نفس العام تقريبا هو الانتخاب الطبيعى».

قالوا لى إنهم كثيرون جدا، بدأوا يستخدمون فيسبوك وتويتر للتعبير عن أفكارهم لكن تحت أسماء حركية، فهم لا يستطيعون أن يواجهوا المجتمع الذى لا يسمح بالاختلاف ولا يحبذ أى تجاوز فى حق مقدساته الدينية.

وجود هؤلاء الذين قالوا إنهم كثيرون جدا هو ما أثار السخرية من نتيجة استطلاع معهد جالوب الأمريكى.. لكن هذه السخرية زالت تماما، لأن نفس المعهد أجرى نفس الاستطلاع مرة أخرى فى العام 2012، لتأتى النتيجة مفاجئة هذه المرة، فقد وصلت نسبة التدين فى مصر إلى 77 بالمائة.

ما الذى حدث خلال هذه الأعوام الأربعة؟

ما جرى فعليا أن هناك من أفصح عن معتقده بصراحة دون خوف، بل بدأت البرامج الفضائية العامة تستقبل من تقول عنهم أنهم ملحدون، صحيح أن تجارب استضافة المحلدين حتى الآن مخجلة، منها ما انتهى بطرد الضيف «فى قناة المحور وفعلت ذلك ريهام السهلى»، ومنها ما كان أشبه بالمحاكمة الساذجة «فى قناة النهار وفعلت ذلك ريهام سعيد».. لكن فى النهاية ربح الملحدون، فقد كسر الإعلام أمامهم جدار عزلتهم، وخرج من يقول فى وجه الناس أنا ملحد، بصرف النظر عن الطريقة التى يتم التعامل معه بها.. لقد أكسبهم الإعلام شرعية الظهور وعرض أفكارهم حتى ولو استنكرها بعد ذلك.

هذا الإعلان بهذا الوضوح، وهذه المواجهة بهذه الحدة كان وراءها حدث أكبر.

لابد أن نعود الآن فورا إلى 11 فبراير 2011، اليوم الذى تم فيه خلع حسنى مبارك، فى ميدان التحرير بعد أن استمع الثوار إلى بيان عمر سليمان الذى أعلن من خلاله مبارك تخليه عن سلطته، وقف صفوت حجازى الذى كان يلقبه الجميع وقتها ب «أسد الميدان».. ليهتف: الله وحده أسقط النظام.

بسرعة خاطفة حاصرت مجموعة من الشباب صفوت حجازى، أحدهم وضع يده على فمه ليمنعه من الهتاف، وعلت أصواتهم بهتاف: الشعب وحده أسقط النظام.

كانت هذه معركة بين الله والشعب، انتصر فيها الشعب على هامش جملة قالها أحد الشباب لصفوت حجازى دون أن ينتبه هو إلى مدلولها، ولم يتوقف أحد عندها بعد ذلك، قال له: أين كان الله طوال ثلاثين عاما وحسنى مبارك يمارس كل هذا الفساد والاستبداد؟ لكن الشعب فى 18 يومًا فقط أنهى حكمه.

هل يمكن أن نصف هذه اللحظة بأنها كانت لحظة غرور، امتلاء بالقوة.. سمها ما شئت، لكنها كانت لحظة وضع فيها جيل جديد فى مصر تأسيسا لفكرته التى سيتعامل بها مع كل الكبار بأنه الأكبر منهم والأبقى والأقدر على أن يفعل أى شىء.

ما جرى فى ميدان التحرير تتويجا لحدث ضخم، جرى قبل ذلك فى أمريكا بعد أن هدم تنظيم القاعدة برجى مركز التجارة العالمى على رأس من فيهما، وبلغ عدد الضحايا ما يقرب من 5 آلاف.

تأمل الأمريكان اللحظة وكانت النتيجة أنه لو كان إله المسلمين حقًا، فلا يمكن أن يعترفوا به أو يؤمنوا بوجوده لأنه فى هذه اللحظة يكون إلها قاتلا، يأمر أتباعه بقتل المسالمين الأبرياء دون سبب، ولو كان إله المسيحيين واليهود حقًا، فلا يجب أن يؤمنون به أيضا، لأنه تخلى عمن يؤمنون به، وتركهم ليتحولوا إلى أشلاء على يد متطرفين مجانين.. وعليه فهو أيضا هنا لا يستحق العبادة.

قد تكون هذه فى النهاية ملامح لما يعتبره البعض ظاهرة، هناك اختلاف كبير فى التعامل معها، لكنها حاضرة ومؤثرة وأصبحت مزعجة، صحيح أنه لا توجد إحصائية واحدة معتمدة تقول لنا ما هو عدد الملحدين فى مصر، اللهم إلا إحصائية منسوبة إلى مؤسسة «بورسن مارستلير» الأمريكية، تقول إن نسبة الملحدين فى مصر وصلت إلى 3 بالمائة، وهو ما يعنى أن لدينا 2 مليون ملحد.

الرقم يدخل مرحلة الشك بالطبع، إذ لم تفصح المؤسسة الأمريكية عن إجراءات دراستها لتصل إلى هذه النسبة، ثم إننا وحتى الآن لا نعرف عدد المسيحيين فى مصر، وهى ديانة معترف بها، ويمارس أهلها طقوسها بحرية، حيث هناك خلاف حاد، مصادر فى الدولة تؤكد أن الأقباط لا يزيدون بأى حال من الأحوال على 5 ملايين، وقيادات كنسية تجزم بأن الأقباط يتجاوز عددهم ال15 مليونًا.. وهو ما يحدث أيضا بالنسبة للملحدين، فعلى صفحاتهم الكثيرة على فيسبوك يمكن أن تصادف من يقول لك إنه فى كل بيت مصرى يوجد ملحد، ويمكن أن تجد من يتواضع ويقول إنهم تجاوزوا الثمانية ملايين.

الرقم ليس المشكلة الآن، فلن نصل إليه أبدا، فى ظل حالة الرفض الكاملة من قبل المجتمع للملحدين ولما يروجونه من أفكار، لكن المهم هو التعامل مع الإلحاد والملحدين من قبل مؤسسات الدولة الرسمية ومن علماء الدين ورجاله.

مؤسسة الأزهر التى ينظر لها الكثيرون على أنها حامية للإسلام تواصل جهودها للوقوف أمام ظاهرة الإلحاد من خلال إصدار عدة كتيبات، لعل أهمها كان كتاب «وهم الإلحاد».. وهو كتيب صغير مأخوذ من دراسة كبيرة أصدرها الدكتور عمرو شريف بعنوان «خرافة الإلحاد».. وعندما تتصفح الكتيب ستصاب بصدمة، لأن أسلوب العرض والتعامل مع فكرة الإلحاد كمرض تسيطر على كل ما كتبه شريف، وهو ما يدعوك إلى القول أن الكتاب يمكن ان يساعد على انتشار الإلحاد وليس معالجته.

محاولات مؤسسة الأزهر البائسة للتصدى لظاهرة الإلحاد يمكن أن تحترمها فى النهاية، على اعتبار أن من يقومون بها يبذلون من الجهد ما يعتقدون أنه صحيح تماما، لكن المشكلة أن الدكتور أحمد الطيب وهو الرجل العاقل الحكيم، تخلى عن كل وأى منطق فى حديثه عن الإلحاد.

ففى التصريح الوحيد له عن الإلحاد قال: إن الملحدين لا يملكون إلا السب والشتم والتطاول على الغير، وذلك لأنهم يأخذون من الهجوم وسيلة للدفاع عن أفكارهم وأنفسهم، فهم لا يستطيعون الصمود سواء علميا أو فلسفيا أو عقليا، فالملحدون– بالنسبة للطيب– ضد فطرة التفكير والمنطق التى وهبها الله للناس.

وحتى يخلع الدكتور الطيب يديه من أزمة الإلحاد فقد وصفها بالموضة غير القائمة على دراسة أو تفكير.

تعامل الطيب مع الإلحاد بتعال وتكبر قابله الملحدون بالسخرية الشديدة، ولا داعى للإشارة لما قالوه عنه لأنه فى النهاية يدخل فى مساحة التجاوز التى يعاقب عليها القانون.

الحديث وصل بنا إلى الأزهر وشيخه، فليس أقل من أن نثبت ما يؤكده عدد غير قليل من الملحدين، فمشكلتهم ليست مع رجال الدين كما يدعى البعض، ولا مع الخطاب الدينى الذى يراه البعض متخلفا ومتهافتا، ولا مع المناهج التى يرفض رجال الأزهر إعادة النظر فيها، ولكن مشكلتهم مع الدين نفسه، فمناقشات الملحدين عبر صفحاتهم ومنتدياتهم وجلساتهم تتجاوز كل ذلك وتصل إلى أصل الأديان وفلسفتها، وهنا تحديدا تكمن المشكلة التى أغفلها السيسى وأغفلها كذلك كل من تحدثوا عن الإلحاد والملحدين.. فالأزمة بالنسبة للملحدين فى العمود الفقرى للدين، وليست فى الدين نفسه.

على نفس الخط من التعامل السطحى مع ظاهرة الإلحاد، جاء ما فعله الحبيب على الجفرى الداعية اليمنى الشهير فى برنامجه «لحظة سكون» الذى ناقش فيه ظاهرة الإلحاد ورد على شبهات الملحدين عبر محاوره خيرى رمضان.

قد تستحق التجربة الإشادة من زاوية واحدة، وهى أننا أمام عالم دين – أيا كان توجهه – يجلس أمام الملحدين ليستمع منهم، دون أن يهاجمهم أو ينتقص من قدرهم أو يسفه آراءهم، لكن ما جرى بالفعل أن الجفرى ورغم أدائه الراقى هذا، إلا أنه مارس شكلا من أشكال النصب الدينى التام، لقد جرهم إلى مساحته، أفسح لهم مساحة ليقولوا ما يريدون، ثم هدم الفكرة تماما بنفس المنطق الذى يتحدث به عتاة المتطرفين عن الإلحاد.

الجفرى كما غيره ليس مقتنعا بأنه من حق أحدهم أن يلحد، أن يختار الفكرة الفلسفية التى يرتاح بها وإليها فى حياته، يوهم من يجلس إليهم من المحلدين– استضاف عددا كبيرا منهم فى بيته بمنطقة الأزهر والتقط إلى جوارهم صورا كثيرة كانت حديث صفحات الملحدين بين مؤيد ومعارض – إنه يؤمن بحريتهم فى العقيدة، وذلك تمهيدا لأن ينقض عليهم لينهى أسطورة ما يعتقدون أنه صواب، لقد كان تاجرا حتى النهاية، استضاف الملحدين ليتاجر بهم أمام مشاهديه، ثم ليعلن فى النهاية أنه انتصر عليهم بالضربة القاضية، رغم أنه فعليا لم يحرك داخلهم ساكنا، ولم يسكن متحركا.

إننا أمام ظاهرة ملتبسة جدا، ليست جديدة على الإطلاق، التعبير عنها فى مصر الآن هو الجديد، كان الملحدون يعتصمون بالصمت لا يعلنون عن هويتهم، لكنهم الآن يعلنون ذلك دون حرج، بل بدءوا يواجهون المجتمع، ويطالبون بحقوقهم، بطاقة شخصية بدون خانة ديانة، زواج مدنى، الظهور فى الإعلام لشرح أفكارهم للعامة.. وغير هذا الكثير مما لن يقبله المجتمع أو يتساهل معه، لأن المجتمع لن يفرط فى اعتقاده بأن ما يؤمن به «مسلمون ومسيحيون» هو الصحيح، حتى لو اضطره الأمر إلى أن يقتل الملحدين فى الشوارع.

هل هذه أزمة مغلقة؟

بالطبع لا.. لكن مطلوب منا ألا نغلقها نحن، ألا نكتفى بالنظر إليها على أنها مرض أو رد فعل من أصحابها على أزمة عاطفية أو عائلية، فنحن أمام نمط فكرى وفلسفى يجر إليه الكثيرين، كل الفارق أنه خرج من السر إلى العلن، قد تأخذ الفكرة وقتها ثم تنتهى، لكن حتى تنتهى لا يجب أن يتعامل المجتمع بعنف مع من يعتنقون الأفكار الإلحادية.. فالله هو الذى سيحاسب الجميع.. وسنقف أمامه جميعا يوم القيامة، ليفصل بيننا، ويومها سنعرف أينا كان على حق وأينا كان على باطل.

أعرف أن هذا الطرح خطأ.. فطالما قلت إننا سنقف أمام الله يوم القيامة فأنا بذلك أحكم بأن ما أعتقده هو الصحيح دون النظر إلى ما يعتقده الملحدون.. لكن ليس على إلا أن أقول ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.