يُطلق بعض الباحثين في العلاقات الدولية مصطلح "أيام الحمائم" على الفترات التي تشهد هدوءًا نسبيًا أو تواصلاً دبلوماسيًا خلف الكواليس بين أطراف متصارعة، رغم تصاعد الأحداث علنًا. ووفقًا للدكتور عبد الوهاب المسيري المفكر وأستاذ علم الاجتماع، في كتابه "الحمائم والصقور والنعام"، فإن مصطلح "الحمائم والصقور" مكون من شقين أولهما "الحمائم" وهي تعكس ما يُعرف بسياسة ضبط النفس الاستراتيجي والاعتدال، على عكس الشق الثاني للمصطلح وهو وصف "الصقور" الذي يشير إلى التشدُّد واستخدام القوة. وقبل أن تتوقف الحرب بين إيران وإسرائيل بشكل مفاجئ، كانت الأوضاع في الإقليم تنذر بانفجار واسع، وشهدت المنطقة حالة من التوتر الشديد، رافقها تبادل مكثف للضربات والتصريحات النارية، إلا أن هناك ثمة أمور ما كانت تدور خلف الكواليس، لتخفيف التصعيد أو ربما للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار. وخلال الأيام الخمسة الأخيرة التي سبقت إعلان وقف إطلاق النار، جرت تحركات غير معلنة تُرجمت لاحقًا على أنها قد تكون مؤشرات واضحة على أن نهاية الحرب قد كُتبت قبل إطلاق الصاروخ الأخير، ويُعزز ذلك ما أشار إليه عدد من الخبراء حول وجود تنسيق مسبق بين طهرانوواشنطن. وفي هذا السياق، نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن 3 مسؤولين إيرانيين، الاثنين، أن إيران نسّقت هجماتها على قاعدة العديد الأمريكية في قطر مع مسؤولين قطريين، موضحة أن طهران قدمت "إشعارًا مسبقًا" لتقليل حجم الخسائر المحتملة. وأوضح المسؤولون أن "إيران كانت بحاجة، من الناحية الرمزية، إلى الرد على الولاياتالمتحدة"، لكنها حرصت في الوقت نفسه على تنفيذ الضربة بطريقة تمنح جميع الأطراف فرصة لتجنّب التصعيد. وفي إطار ذلك نرصد في السطور التالية أبرز ما دار في الأيام الخمس الأخيرة من حرب إسرائيل وإيران، وذلك قبل أن يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقف إطلاق النار بين البلدين. قاعدة العديد شبه خالية في الأيام الخمسة التي سبقت التهدئة وبالتحديد يوم الخميس 19 يونيو، كشفت صور الأقمار الصناعية عن سحب عشرات الطائرات العسكرية الأمريكية من مدرج قاعدة العديد الجوية في قطر، بين 5 و19 يونيو 2025، فالقاعدة، التي تعد من أبرز المواقع العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، ظهرت شبه خالية، إذ لم يتبقَّ فيها سوى 3طائرات نقل، من أصل نحو 40. وتأكيداً لتلك الصور، أعلنت وزارة الخارجية القطرية لاحقاً في بيان صدر الاثنين لإدانة الهجمات الإيرانية على القاعدة الأمريكية الموجودة على أراضيها، أن القاعدة "كانت قد أُخليت مسبقًا ضمن الإجراءات الأمنية والاحترازية المعتمدة، في ظل التوترات المتصاعدة في المنطقة"، مضيفة أنه "تم اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان سلامة العاملين في القاعدة، من القوات المسلحة القطرية والقوات الصديقة وغيرهم". اليورانيوم المخصب يُنقل لمواقع بعيدة بالتوازي مع هذه التطورات، التقطت أقمار صناعية تابعة لشركة "ماكسار تكنولوجيز" الأميركية نشاطًا غير معتاد قرب منشأة فوردو النووية الإيرانية، الحركة الكثيفة للشاحنات والمركبات، التي رُصدت يومي الخميس والجمعة، كشفت عن استعداد إيراني لنقل مواد حساسة. وفي سياق ذلك، أكد مصدر إيراني لوكالة "رويترز" أن اليورانيوم المخصب بنسبة 60% قد تم نقله بالفعل من المنشأة، كما تم تقليص عدد العاملين فيها، تحسبًا لهجوم متوقع. أمريكا تضرب فوردو وفي فجر الأحد، نفذ الجيش الأميركي هجومًا جويًا استهدف منشآت نووية إيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان، في عملية وُصفت بأنها "واسعة ودقيقة"، إذ صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدها بأن الهجوم تم بنجاح وأن "جميع الطائرات عادت بسلام"، موجهًا التحية للقوات المسلحة. رغم حجم العملية، أكدت طهران لاحقًا أن المنشآت النووية لم تتعرض لأضرار كبيرة، ولم ينتج عن العملية أى إشعاع، فيما أوضحت المملكة العربية السعودية ودول الخليج أنه لم يتم رصد أي تلوث إشعاعي في أجوائها. إيران تقصف قاعدة "العديد" رد طهران لم يتأخر، مساء الإثنين 23 يونيو، أعلنت إيران تنفيذ عملية "بشائر الفتح"، عبر إطلاق صواريخ باليستية قصيرة ومتوسطة المدى على قاعدة العديد الجوية في قطر، ووصفتها بأنها "مركز القيادة المركزية الأميركية في المنطقة". ورغم حدة التصريحات الإيرانية، إلا أن المعلومات المسرّبة من واشنطن أكدت أن البيت الأبيض كان على علم مسبق بالهجوم، ما يفسر خلو القاعدة من الطائرات والجنود. وعلى إثر ذلك الهجوم الذي استهدف القاعدة الأمريكيةبقطر، جاء رد الخارجية القطرية واضحًا: "ندين بشدة الهجوم الإيراني على قاعدة العديد، ونعتبره انتهاكًا صارخًا لسيادتنا"، مع التأكيد أن القاعدة كانت قد أُخليت مسبقًا وأن سلامة الأفراد تم تأمينها. إعلان بإنهاء الحرب عقب الهجوم الإيراني على القاعدة، مساء الإثنين، نشر ترامب تغريدة على منصة "تروث سوشيال" قال فيها: "رد إيران ضعيف للغاية، أسقطنا 13 من أصل 14 صاروخًا، وشكرًا لإيران على إبلاغنا مسبقًا... لم يُصب أحد، ونأمل في سلام دائم". ومع انتهاء اليوم نفسه (الإثنين) وبالتزامن مع أولى ساعات يوم الثلاثاء، أعلن ترامب رسميًا وقف إطلاق النار الكامل بين إيران وإسرائيل، موضحًا أن التنفيذ سيتم على مرحلتين، تبدأ بإيران ثم إسرائيل خلال 12 ساعة، يعقبها إعلان نهائي بإنهاء الحرب. ما بين النار والحمائم وتعليقا على ذلك يشير محمود جابر المتخصص في الشأن الإيراني أن اللافت في الأمر أن كل ما جرى خلال الأيام الخمسة لم يكن تصعيدًا تقليديًا بقدر ما كان عملية ضبط محسوبة للغضب والردع السياسي. وأشار جابر في تصريحات ل"مصراوي"، أن إيران ردّت دون أن تتجاوز "الخطوط الحمراء"، وأمريكا ضربت دون نية في إشعال نزاع شامل قد يجرها إلى حرب طويلة. هكذا كانت قصة الأيام الخمس الأخيرة التي سبقت وقف إطلاق النار وانتهاء الحرب رسميا، بداية من تحركات لإخلاء قاعدة العديد إلى تغريدة ترامب بعد القصف الإيراني على القاعدة: "شكرًا لإيران على إبلاغنا مسبقًا".