الحديث عن الملحدين الآن يحمل بعدا جديدا يؤكد قاعدة أن التطرف لا يولد إلا التطرف، فممارسات الإسلاميين منذ صعودهم تزيد الإلحاد خاصة بعد ما تردد حول موافقة الأزهر على فيلم اسمه الملحد، وبالتالى فهناك تساؤل لماذا يتجه البعض للإلحاد فى مجتمع يوصف بأنه متدين، بل تسيطر عليه قوى الإسلام السياسى الآن؟ وأيا ما كانت الإجابة، واختلاف وصفها على أنها «مجرد حالة» ك«عبدة الشيطان» أو الإيموز، فقد كان من الضرورى مواجهة بعض الملحدين المصريين الذين تشابه كلام الكثير منهم فى دوافعهم للإلحاد ورؤيتهم للمجتمع والدين وغيرها من الأمور الشائكة. وبالطبع لا يزالون يخشون من المجتمع ففضلوا الإشارة لهم بحروف فقط، فقال لنا م.س: أنا فى الرابعة والعشرين من عمرى، تخرجت فى كلية التجارة والدى متوفٍ منذ أكثر من 10 أعوام، والبداية مع الإلحاد كانت من خلال دروس دينية أسمعها على youtube، حيث إننى كنت ملتزما، ومطلقا للحيتى، ولكنى بعد نقاش مع زملاء فى الجامعة تحولت إلى الإلحاد، ولا أعرف حتى الآن من على صواب، ومن على خطأ، كنت مشتتا فلا تتعجب إذا قلت لك أن أصدقائى القدامى، يمارس بعضهم نوعا من الإرهاب، وتأتى لى رسائل تهديد بالقتل إذا أعلنت عن إلحادى صراحة، وقالوا إن هذا هو الحد فى الإسلام لمن ارتد، ولكنى أومن أن لكم دينكم ولى دين.. أنا حافظ لسور من القرآن، ولكنى أفكر فيما حولى وفى الخلق، ولا أجد إجابة لأسئلة كثيرة، فأنا شاب عادى مثلى الكثير فى البيوت المصرية، والإلحاد لا يرتبط بالحالة الاقتصادية، وأتمنى أن يأتى اليوم لأمارس حياتى بشكل طبيعى كإنسان ملحد يؤمن بالعلم والثقافة والأخلاق، بدلا من التخفى وراء اسم مستعار على صفحات الفيس بوك والتويتر والانضمام لمجموعات وصفحات مغلقة وسرية.
ملحد والحمد لله - اسم حركى لأحد الملحدين - تحدث معنا من خلال إحدى المدونات التابعة لهم، فقال: إحنا عددنا فى مصر كبير وإن كنا لا نستطيع الاعتراف بذلك أمام أى شخص، وحتى أمام عائلاتنا، وليست لنا مطالب سياسية، سوى شطب خانة الديانة، وعدم التمييز، ففى معظم دول العالم تستطيع أن تقول إنك غير مؤمن بأى دين، بدون أن تكون هناك أى تضييقات، بعكس الحال فى مصر، ونحن نتواصل مع بعضنا، وفى يوم من الأيام سنخرج إلى العلن، وسيكون العالم وقتها مضطرا للتعايش معنا.. وأضاف: نحن لا نختلف عن أى شاب عادى فى أى شىء، فقد نزلنا إلى ميدان التحرير، وشاركنا فى الثورة، وناضلنا ضد نظام مبارك، أملا فى التخلص منه، وأملا فى الإعلان عن أنفسنا بحرية ولكن صدمنا بظهور السلفيين والإخوان الذين هم أشد خطرا علينا من الملاحقة الأمنية وأمن الدولة، نتيجة تطرفهم الدينى.
ومن بين جميع المستترين والمستخدمين لأسماء مستعارة عبر النت ظهر لنا أحد الذين أعلنوا عن إلحادهم بشكل علنى، من خلال صفحته على الfacebook، وهو «ملحد مصرى»، وله العديد من الفيديوهات المتداولة على موقع الyoutube تشرح فى أجزاء منها: لماذا ألحد؟ كما يعلن على صفحته أنه يناقش التابوهات الدينية بلا خوف، وكذلك جرائم الشيوخ والجماعات التكفيرية والتى أضرت بمصر على حد قوله، منتقدا - فى الوقت نفسه - الأديان، ومحاولا رصد آيات لنقدها.
وتتعدد الصفحات التى تدعو للإلحاد، فعلى مستوى الدول العربية هناك، «ملحدو الجزائر» و«ملحدو سوريا» و«ملحدو الأردن» و«ملحدو فلسطين»، بجانب «ملحدين مصريين» وهى الصفحة الأشهر وتتضمن العديد من الكتابات عن الإلحاد ونقد الأديان، والحديث عن أوضاع وحقوق الملحدين فى مصر بعد ثورة 25 يناير.. وهناك أيضا صفحات «ملحدون بلا حدود»، «جماعة الإخوان الملحدون»، و«مجموعة اللادينيين» التى تهدف لشرح الإلحاد والدعوة له وترفع شعار «أنت ملحد.. إذن أنت وحيد.. فانضم إلينا»، وهناك شبكة «الملحدون المصريون» وهى مغلقة وأعضاؤها 500 عضو، وهناك ملحدون ضد الأديان.
وتحليلا لهذه الحالة، قالت لنا د.نادية رضوان أستاذ علم الاجتماع بجامعة قناة السويس: من الصعب جدا الحكم على ما بداخل البشر، فعلاقة الإنسان بربه علاقة خاصة جدا، ولقد قابلت بشكل شخصى المئات ما بداخلهم على عكس ما بخارجهم، ونحن فى مجتمع شرقى، شديد الاستغراق فى التدين بدون نقاش، وللأسف بمنتهى السهولة والبساطة يمكن تكفيرك لمجرد أنك تناقش أو تحلل الدين بصورة مغايرة عما هو معتاد، فالغيبيات مطلقة لا يمكن إخضاعها لمعايير علمية، وبالتالى إن حاول أحد إعمال عقله فى هذه الأمور خاصة مع أشخاص فعلى الفور سيصطدم بتهمة التكفير، بالتالى الوصول لحالة الإلحاد مثل ارتكاب جريمة، لا أحد يستطيع أن يصرح بها مهما كانت الأسباب، وهناك من كانت عنده الشجاعة للتصريح مثل د.مصطفى محمود فى فترة من الفترات، وأعلم أن هناك بالتأكيد أشخاصاً على شاكلته فى الكثير من المجالات، لكنه لا يمتلك نفس الشجاعة، حتى لا يكون فريسة للآخرين.
وتضيف د. نادية رضوان: فى دول شمال أوروبا كالدنمارك والسويد هناك الكثير من الأشخاص الذين قابلتهم لا دين لهم، بل إننى حينما زرت الكنائس وجدت أن المترددين عليها قلة من العجائز، فالكنائس أصبحت شبه خالية من البشر، رغم أن الله أمرنا بإعمال العقل، وأى عقائد أيا كانت تحض على القيم الإيجابية لأنها دستور حياة فببساطة كل شخص ورؤيته، إننا مجتمع شديد التطرف فهذا يدفع بالمزيد حتى وإن كان من المعتدلين للهروب من هذا الطريق، خاصة أن من يعتبر نفسه وصيا على الآخر كل حديثه يكون مأخوذا من الدين دون تحليل وإعمال عقله فيه!
وكان غريبا أن تحمل هذه الحالة بعدا آخر بظهور أول مجلة إلحادية وهو شىء صادم بالفعل، فالأمر لم يعد مجرد مجموعات من الشباب، لا تؤمن بالأديان، وإنما تطور إلى صدور مجلة ناطقة باسمهم، تعبر عن أفكارهم، تدعو لاعتناق أيديولوجياتهم المشبوهة.
المجلة الإلكترونية رئيس تحريرها السورى أيمن جوجل الذى حاورناه فى كل تفاصيل هذه الحالة التى وصفها بالتحررية، وقال: هناك من يدعى أننا نمول من الخارج ونهدف لنشر الإلحاد فى الدول العربية، فأرد: لو كنا كذلك لما وصلت أنظمة دينية إلى سدة الحكم فى الدول العربية التى لم يكن التدين قد تمكن منها بشكل كامل، فأسطوانة الجهات الخارجية أصبحت مشروخة ومهترئة، ونحن نشاهد اليوم من دعم ويدعم من الجهات الخارجية - ومن بينها الأنظمة الدينية فى الدول العربية - وذلك سواء من بلاد الرمال أو من بلاد العم سام، المبارك للأنظمة الشمولية، المختلفة، الجديدة - القديمة» فى المنطقة العربية. ∎ هل ترى أن الملحدين كُثُر لدرجة تتطلب إصدار مجلة ناطقة باسمهم؟ - الملحدون موجودون.. فى كل مكان.. وهم كثر، لكن بنفس الوقت خائفون، ولذلك لن ترى تجمعات كبيرة للملحدين لأسباب يعرفها الكل، فكل من بدل دينه قتلوه. ∎ ما هو عدد المشتركين بها عربيا وبمصر بالأخص؟ - عدد النسخ الشهرية التى تحمل من الINternet فى حدود 5000تزيد أو تنقص، وهناك 150 نسخة ترسل عن طريق الE-mail، وكمية معقولة من النسخ توزع مباشرة إلى أشخاص مهتمين، وللأمانة ال30٪ من قراء المجلة هم من مصر، وهناك 1300 مشترك فى صفحة المجلة على الFacebook، وهناك أيضا 500 من الدخول الشهرية على مدونة المجلة.
بمناسبة ثورات الربيع العربى.. ماذا تتوقع لمستقبل الملحدين بعد حدوث الثورات؟ - لن يتغير الكثير، فبعد قدوم الأنظمة الإسلامية فهى ليست بأفضل حال من الأنظمة البائدة القديمة، فالمد الدينى أمر مقلق، ليس لى فقط، بل لكل من يحترم الحريات وحقوق الإنسان، فالأنظمة الدينية المجربة منذ مئات السنين لم تجلب - فى رأيى- غير الحقد والكراهية والقتل وفساد الأخلاق لكل الشعوب التى حلت بها، فعلى سبيل المثال أقل دولة فيها جرائم سرقة فى العالم ليست السعودية التى تقطع يد السارق، ولا أفغانستان أو السودان، بل هى السويد صاحبة أعلى نسبة سكان من الملحدين فى العالم، فهم 90٪ بالتالى الدول التى لم تسمح للقوانين الدينية أن تتحكم بها هى فى مصاف الأسعد والأغنى والأكثر تحضرا وعلما.. أما الثورات العربية فبدأت بكلمة «حرية» وانتهت ب«مالا يخالف شرع الله»!
وعن أسباب الاتجاه للإلحاد يقول د.سالم عبدالجليل وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة سابقا: الجهل المتفشى فى قطاعات واسعة من الشباب حتى تحسب أنهم يعانون من أمية دينية بأمور دينهم عامة وهذه الأمية هى السبب الرئيسى فى تحول كثير من الشباب إلى الإلحاد والكثير منهم إلى الإرهاب والتطرف فكلاهما سببه الجهل، أما السبب الثانى فهو سهولة التواصل بين الشباب على الفيس بوك ووسائل التواصل التكنولوجى مع غيره من الشباب الآخرين دون معرفة عقيدتهم وهو ما يجرهم جرا إلى طريق الإلحاد.
وأكمل عبدالجليل: المسئول عما وصلنا له الآن هو الأزهر ثم التعليم ثم دور الأسرة الذى يكاد يكون اختفى على الأطفال ومن ثم الشباب، وقال إن فيلما «كالملحد» تمت إجازته من الأزهر لأنه يعرض حياة ملحد وكيف وصل إلى الإلحاد وفى النهاية يعود إلى طريق الإيمان الصحيح.