*مجلة «الملحدين العرب» تطبع فى الإسكندرية وتوزع شهريًا منذ عامين فى غياب أجهزة الرقابة.. وعدد الشهر الماضى ادعى أن المسيح انتحر! فى الفترة الأخيرة زاد انتشار ظاهرة «الإلحاد» فى عالمنا العربى عمومًا، وفى مصر خاصة بشكل أزعج الكثيرين.. عوامل كثيرة أدت إلى تفشى هذه الأفكار بين شبابنا، منها فشل أجهزة الدولة التثقيفية والتعليمية فى القيام بدورها، حتى أن وزارة الثقافة لم يعد أحد يشعر لها بأى تأثير بين الشباب، فضلًا عن تراجع شعبية الأزهر المؤسسة الدينية الرسمية، مما ترك فراغًا دينيًا كبيرًا استغلته الجماعات المتطرفة من جهة، والأفكار الملحدة من جهة أخرى. الملحدون العرب لهم وسائل إعلام خاصة ينشرون من خلالها أفكارهم، ويحاولون بواسطتها أن يصلوا لعقول أكبر عدد ممكن من الشباب، وسائل الإعلام هذه تتنوع بين مطبوعات ورقية ومجلات إليكتروينة وبرامج تليفزيونية وكتب صوتية وغيرها. أحد أهم وسائل الإعلام التى تنشر الفكر الإلحادى واللادينى فى العالم العربى هى مجلة «مجلة الملحدين العرب»، والقائمون على المجلة استغلوا حالة الانفلات والتراخى الأمنى التى شهدتها البلاد، متسلحين بشعارات الثورة والحرية التى تعجب الشباب، كل هذا فى غفلة من السلطات المصرية والجهات الرقابة رغم أن المجلة احتفلت بالفعل بعامها الثانى هذا الشهر، دون أى رقابة رسمية. المجلة التى يتم طباعتها فى الإسكندرية بحكم أنها تعد المحافظة الأكثر كثافة من حيث معتنقى فكر الإلحاد فى مصر، توزع نسخها بعيدًا عن باعة الجرائد التقليديين، حيث يتم توزيعها فى أماكن تجمعات الملحدين ونواديهم الثقافية فقط، وتخرج المطبوعة تحت اسم «مجلة الملحدين العرب». كما قلنا وصلت المجلة التى تعتبر لسان حال الملحدين إلى عامها الثانى، وإصدار هذا الشهر (نوفمبر) يحمل الرقم 24، وبتصفح العدد ستجده عددًا فلسفيًا فى مجمله، يتحدث عن خيارات الإنسان بين الحرية والحتمية، محاولًا إثبات أن من حق الإنسان أن يختار الأفعال التى يريدها طالما سيتحمل مسئوليتها، بعيدًا عن قواعد الأديان أو الأوامر الإلهية. أما العدد قبل الأخير (عدد شهر أكتوبر) فأغلب موضعاته تشن هجومًا ضاريًا على الدين المسيحى، ويتحدث عن أشهر القواعد الفكرية لمناظرة المسيحيين وتحويلهم إلى ملحدين، والألعاب الذهنية التى تستطيع بها أن تشكك المسيحى المتدين فى قواعد دينه، بل ويزعم العدد أن المسيح عيسى عليه السلام مات منتحرًا !!. علمت «الصباح» أن المجلة يقوم عليها مجموعة من الملحدين من عدد من الدول العربية أبرزها من العراق، وتمثل مساعدات منظمة اليونسيف أهم مصادر تمويل هذه المجلة، التى تعد لسان حال ملحدى الشرق الأوسط والوطن العربى. لا يقتصر الجهاز الإعلامى للملحدين على هذه المجلة وحدها فقط، بل إن لهم أيضا موقع إلكترونى معروف ينشر أفكارهم يحمل اسم «الملحدين العرب» يبث مواضيع يومية تتناول ما يهم اللادينيين وآخر أخبارهم، إلى جانب محطة راديو أون لاين وقناة «يوتيوب» لبث البرامج. وإذا حدث وشاهدت البرامج التى تبثها قناة الملحدين على موقع يوتيوب، ستجد أن أبرزهم برنامج «البط الأسود»، ويقدمه إسماعيل محمد «ملحد مصرى» من الإسكندرية، ومن أشهر ضيوف البرنامج من المصريين الملحد المصرى عبده يحيى، وأحمد حرقان الداعية السلفى السابق الذى تحول للإلحاد، وظهر فى أكثر من برنامج تليفزيونى مؤخرًا وأثار الكثير من الجدل، وأيضًا من ضمن الضيوف المعتادين أيمن رمزى وإيهاب عشبة، بالإضافة إلى ملحدين آخرين من الوطن العربى. وفى بعض الأحيان يستضيف البرنامج ملحدين من الولاياتالمتحدةالأمريكية. الأفكار التى تنشرها هذه البرامج لا تتناسب بالمرة مع مجتمعاتنا الشرقية، وأغلبها يدور حول تحطيم التابوهات وكسر القواعد، وتنشر برامج القناة ثقافة الاستهانة بالمحرمات وعدم احترام الكبير بين شباب الوطن العربى، كل ذلك عن طريق رسائل ومعلومات مغلوطة، وتهوين من خطورة ظواهر مثل المثلية الجنسية ومهاجمة الأديان السماوية وعدم احترام العادات والتقاليد. أحد ضيوف البرامج المتكررين هو «يوسف خلف»، وهو ملحد أردنى كان رجل دين وداعية إسلامى ثم تحول إلى ملحد يجاهر بأنه لا يؤمن بوجود أى إله فى الكون، ولا يعترف بصحة أى دين من الأديان السماوية أو غيرها، بالإضافة إلى أنه أصبح يجاهر بشذوذه الجنسى ولا يرى فى هذا شيئًا خاطئًا. المعلومات التى حصلنا عليها تفيد بأن «يوسف خلف» هو همزة الوصل بين الممولين وبين الجهاز الإعلامى للملحدين العرب فى الشرق الأوسط، حيث يعمل يوسف خلف ناشطًا فى مجال حقوق الإنسان والدفاع عن حقوق المثليين جنسيًا فى عدد من المنظمات الدولية، ويستطيع تدبير التمويل الذى يحتاجه الملحدون العرب عن طريق شبكة علاقاته الواسعة. الغريب أن خلف قد نشأ فى بيئة بدوية مغلقة وتربى فى أسرة متدينة وملتزمة بتعاليم الدين الإسلامى، وكان ترتيبه فى أسرته الرابع بعد ثلاث بنات وكان يعمل والده بالجيش الأردنى، ونشأ الفتى على حب الدين حتى أصبح داعية إسلاميًا. لكن مع تقدمه فى السن بدأت الميول الجنسية المثلية تظهر على يوسف خلف، وبدأ فى علاقة جنسية مع أحد الشاذين فى مجتمعه واسمه «فيصل»، وكان هذا هو المنعطف المهم فى حياته، والذى حوله من مسلم فى أسرة متدينة إلى ملحد، بعد أن لم يجد فى الدين الإسلامى كله من يحلل له علاقاته المحرمة التى ترفضها السليقة والفطرة السليمة. ويعترف خلف فى حلقات البرامج التى يظهر فيها على اليوتيوب بأن الدعاة فى قريته كانوا ينهرونه ويعنفونه عندما يلجأ إلى أحدهم ليستفتيه بطريقة غير مباشرة عن إباحة الشذوذ الجنسى، مما سبب له صراعًا داخليًا، وضاق ذرعًا بمجتمعه فتحول إلى الالحاد، ليتيح لنفسه ما منع الله ويحلل ما حرمه الإسلام، وتحول إلى ملحد رسميًا مع إشهاره مثليته الجنسية فى عام 1995. قصة أخرى يعرضها لنا برنامج البط الأسود، تخص مقدمه إسماعيل محمد، وتحكى تفاصيل تحوله إلى الإلحاد هو أيضا، خاصة أنه قد طالب لجنة الخمسين لتعديل الدستور بمراعاة حقوق الملحدين فى دستور مصر الجديد. نشأة «إسماعيل محمد» تختلف تمامًا عن نشأة «يوسف خلف»، فقد كانت طفولته بعيدًا عن التعمق فى الدين، وكان شابًا مستهترًا إلى حد ما، وتعرف على الفكر الإلحادى لأول مرة من خلال مدونة السكندرى كريم عامر ومدونة ألبير صابر، ومع الوقت بدأ الشاب يقتنع بهذه الأفكار، مما يؤكد خطورة الجهاز الإعلامى للملحدين على المجتمع، بعدها اتجه إسماعيل محمد لقراءة كتب العالم البيولوجى الملحد ريتشارد دوكينز، ومن ثم أعلن إلحاده فى 2011. المفارقة أن إسماعيل محمد عاش لفترة فى الأردن، حيث ولد إسماعيل محمد بالإسكندرية عام 1983 ثم غادر إلى الأردن وهو فى عمر ست سنوات، وظل هناك حتى عام 2001 عندما عاد إلى مصر بعد استكمال دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية فى الأردن، ثم استضاف يوسف خلف فى برنامجه «البط الأسود» فى 20 يوليو 2014 مقدما إياه على أنه «أعز أصدقائه». أما برنامج عقلانيون فيقدمه الملحد العراقى «بسام البغدادى» ويحكى فيه أطرف المواقف التى تواجه الملحدين فى العالم العربى، وحكى فى إحدى الحلقات عن تحول أحد المفكرين المصريين والمعروف بعلمانيته ويدعى «ا. ا»، وكان قد بنى مسجدًا قبل الإلحاد، فإذا به يعرض ذلك المسجد للبيع بعد أن أعلن إلحاده !!. أما إذا تجولت فى صفحات الموقع ودخلت إلى القسم الخاص بمكتبة قناة الملحدين العرب، فستجد عددًا كبيرًا من الكتب لأسماء معروفة، ففيها كتب لفرج فودة مثل «حتى لا يكون كلامًا» و«حوار حول العلمانية» وكتب للمفكر السعودى عبدالله القصيمى الذى ترك الفكر الوهابى، وأعلن أنه صار ملحدًا فى منتصف القرن الماضى، بالإضافة إلى كتب لريتشارد داوكنز ودايفيد باس وايريك فروم وجون كونز. من جهته فسر الملحد المصرى أحمد الحرقان اسم البرنامج الذى ظهر فيه على قناة الملحدين العرب «البط الأسود» بأن الاسم يرمز إلى أحاسيس الأقليات التى تعانى من الاضطهاد فى مجتمعاتها، معتبرًا أن ذلك الاسم مأخوذ من المثل المصرى « ولاد البطة السودة» الذى يعبر عن المظلومين أو المقهورين، وأضاف: «هذا البرنامج يقدم صورة صحيحة عن الملحدين العرب للمشاهدين فى جميع أنحاء العالم، بدلًا من وسائل الاعلام التقليدية التى تشوه صورتنا وتنقل عنا أخبارًا أغلبها كاذب». إذا حاولت أن تبحث عن إحصائية رسمية أو تقدير دقيق لأعداد الملحدين فى مصر أو أى بلد عربى فلن تجد شيئًا يذكر، حيث إن أغلب الأرقام تكون تقديرية أو وهمية حسب أهواء الطرف المعلن لهذه الأرقام. وتشير أقصى التقديرات إلى وجود 2 مليون ملحد فى مصر، وإن كانت إحصائية مبالغ فيها من وجهة نظر الكثيرين، بينما أظهرت دراسة لمعهد جالوب لاستطلاعات الرأى نتيجة غير متوقعة، حيث جاءت المملكة العربية السعودية فى المرتبة الأولى عربيًا من حيث عدد وجود الملحدين ب 260 ألف ملحد، وقالت الدراسة إن نسبة الإلحاد فى المجتمع العربى تتراوح ما بين 5 : 9 بالمئة. وأرجعت الدراسة زيادة نسبة الإلحاد فى المملكة السعودية إلى عدة عوامل، أبرزها التطبيق المتشدد لمبادئ الديانة الإسلامية فى المجتمع السعودى، والتربية الصارمة التى يتلقاها الأبناء داخل الأسر، مما يولد ردود فعل عكسية بدفعهم إلى الإلحاد عوضًا عن التدين المفرط.