يبدو أن مشكلة الطلاق والزواج الثانى للأقباط هى «أم المشكلات» التى تواجه الكنيسة الأرثوذكسية حاليًا، فهذه المشكلة أدت الى انقسام حاد بين أبناء الطائفة الواحدة، فهناك فريق من المسيحيين غارق فى المشكلات الزوجية، ويرى أنه لا خلاص له إلا بالانفصال عن طريق الكنيسة، وهو يضغط بكل قوة من أجل الحصول على الطلاق، حتى ولو كان ضغطه هذا يتطلب تشويه قادة الكنيسة الذين يقفون أمام هذه الرغبات. أما الفريق الآخر فهو ينتقد هؤلاء الداعين إلى «الزواج الثانى»، ويعتبرهم السبب فى المشكلات التى يعانون منها؛ بسبب سوء الاختيار فى الزواج، ومن ثم يحملون الكنيسة مسئولية أخطائهم، وأتباع هذا الفريق يساندون القرارات التى تصدر عن قادة الكنيسة بشأن اتباع تعاليم الإنجيل وأهمها أنه «لا طلاق إلا لعلة الزنا». ويبدو أن الطريق ممتد بين هذين الفريقين للتبارى حول رأيهما، فمن الوقفات الاحتجاجية إلى تدشين صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى، مرورًا بطرق أبواب المحاكم، وانتهاءً باللجوء إلى تحرير استمارات والتوقيع عليها من اتباع كل فريق. فريق يجمع توقيعات للعودة إلى «لائحة 38» الخاصة بالأحوال الشخصية للأقباط، والفريق الآخر يتكون من بعض المجموعات القبطية التى تدشن حملة لجمع توقيعات من على استمارة تنص على الآتى: «نرفض تنظيم حملات جمع توقيعات تتدخل فى التشريع المسيحى، ولن يحكمنا إلا تعاليم كتابنا المقدس «فى مواجهة الحملات التى تقوم بملء استمارات للعودة للائحة 38 فى الأحوال الشخصية من بعض المجموعات التى تريد «تطويع الكنيسة حسب أهوائها». وتحتوى الاستمارة على أسباب بطلان «لائحة 38» الخاصة بتعدد أسباب الطلاق، حيث إنها لائحة مخالفة للتعليم المسيحى، ومخالفة لصريح نصوص الكتاب المقدس، خاصة أن الشريعة المسيحية بمختلف مصادرها أجمعت على قصر الطلاق على حالات معينة، وإصدار قرار التطليق بسبب علة الزنى أو تغيير الدين، مع التأكيد على عدم السماح للطرف المتحول دينيًا بإعادة الزواج من أجنبى حتى لو عاد وتاب، وتضيف الاستمارة «ونؤيد قرار المجمع المقدس ال114 والذى عقد فى 21/5/1945 برئاسة البابا مكاريوس الثالث، والذى قضى برفض لائحة 38 لخروجها عن أصل التشريع المسيحى، والتأكيد على أن الطلاق وقرار التطليق لعلة الزنى فقط، فضلا عن قرارى البابا يوساب وقرار البابا كيرلس والبابا شنودة بتحديد أسباب الطلاق لعلة الزنا وتغيير الدين، والتأكيد على شريعة الزوجة الواحدة، ومنع زواج الطرف المخطئ بعد التطليق». وتؤكد الاستمارة رفضها لأى محاولات «لإعادة إحياء لائحة الطلاق الفاسدة المسماة 38 سواء باسمها أو بأى اسم آخر يحتوى على إباحة التطليق بخلاف علتى الزنى وتغيير الدين كما نصت الشرائع المسيحية». ويقول مينا أسعد- مدرس اللاهوت الدفاعى ومؤسس جماعة «حماة الإيمان» التى شاركت فى تدشين هذه الاستمارات ل «الصباح»: إن استمارة التأكيد على رفض الطلاق إلا لعلة الزنى الغرض منها إسكات الأصوات المضللة التى تنادى بتعدد أسباب الطلاق، حتى إنهم تجاسروا بإطلاق استمارة مضللة لإعادة العمل بلائحة 38 علمًا بأن الإقبال على التوقيع على الاستمارة من الشباب الأرثوذكسى حتى هذه اللحظة مدهش جدا، وسنعلن الأرقام بالصور فور استلامنا الفعلى للاستمارات الموقعة من قبل الأقباط فى المحافظات الأخرى». ويضيف «أسعد»: «وقد راعينا أخذ رأى الكبار، وحرصنا على إرسال صورة من هذه الاستمارة إلى القيادات الكنسية، خاصة أنها (أى الاستمارة) تطرح مادة علمية فى الأساس للرد على كل مهاجم ومعترض بأسلوب علمى أكاديمى وليس مجرد كلام مرسل». ويؤكد مدرس اللاهوت أنه «لا يوجد دليل واحد على أن المسيحية تسمح بإعادة زواج المطلق المخطئ أو تعدد أسباب الطلاق بخلاف الزنا وتغيير الدين، وكل ما يتم تداوله من قبل المنادين بهذا الفكر هو تدليس علمى رددنا عليه كثيرًا بالدليل والبرهان». وفى المقابل يقول نادر الصيرفى، منسق «رابطة 38»: «شاركنا مع حملة (وطن بأسرة مستقرة) التى نظمتها منظمة (مصر أولا لحقوق الإنسان) وهى تضمن العديد من الحقوق التى من خلالها نحقق أسرة مستقرة، وقد أضفنا مطلبنا الأساسى وهو العودة للعمل بلائحة 38 فى الأحوال الشخصية للأقباط، وهى حملة تطوف كل المحافظات وتجمع توقيعات بعشرات الآلاف». وحول ظهور «استمارة مضادة» ترفض العمل بلائحة 38 يقول الصيرفى: «أنا سعيد بذلك، لأنه يوضح مدى الانقسام داخل الكنيسة والحرب الأهلية التى ستخوضها الكنيسة فى حالة عدم العودة للائحة 38، وتنفيذ البابا تواضروس لوعده بإقرار مبدأ التطليق، وأود أن أؤكد أننا غير مدفوعين من أساقفة». ويتساءل الصيرفى: كيف يريد البابا تواضروس إقرار التطليق، وهو يرى فى نفس الوقت أن «لائحة 38» خاطئة ومخالفة لنصوص الإنجيل، مع أنها مطبقة من القرن الرابع الميلادى؟ ومن جهة أخرى، يؤكد أشرف أنيس- مؤسس «مجموعة الحق فى الحياة»- رفضه تدخل الكنيسة فى الأمور المدنية للأحوال الشخصية، قائلاً: «نحن نرفض من ينادون بالعمل باللائحة 38، أو من يرفضها، فالكنيسة لها الحق فى أن تسير وفق تعاليمها القويمة» مشيرًا إلى أن «من يقومون بذلك هم يلعبون بالكنيسة، ويجعلونها تدخل فى متاهة». ويضيف أنيس «نحن نطالب بقانون مدنى للأحوال الشخصية، ولكن من يطالبون بعودة لائحة 38 مدفوعين من أساقفة داخل الكنيسة، ومن يطالبون بعدم تفعيل اللائحة مدفوعين من أساقفة آخرين، وبين هذا وذاك لن تُحل مشكلات المعلقين على أبواب المجلس الأكليريكى أبدًا».