دعوى عاجلة جديدة تطالب بوقف تنفيذ قرار جمهوري بشأن اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير    سعر الذهب اليوم الأحد 4 مايو 2025 في مصر.. استقرار بعد الانخفاض    مختص بالقوانين الاقتصادية: أي قانون يلغي عقود الإيجار القديمة خلال 5 سنوات "غير دستوري"    الأرصاد تكشف طقس الساعات المقبلة: أمطار وعودة الأجواء الباردة    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 148 مخالفة عدم غلق المحلات في مواعيدها    مينا مسعود يحضر العرض المسرحي في يوم وليلة ويشيد به    الإفتاء توضح: هذا هو التوقيت الصحيح لاحتساب منتصف الليل في مناسك الحج لضمان صحة الأعمال    عشان دعوتك تتقبل.. اعرف ساعة الاستجابة في يوم الجمعة    جيش الاحتلال الإسرائيلي يؤكد فشله في اعتراض صاروخ اليمن وسقوطه بمحيط مطار تل أبيب    شاهد عيان على جسارة شعب يصون مقدراته بالسلاح والتنمية.. قناة السويس فى حماية المصريين    مد فعاليات مبادرة كلنا واحد لمدة شهر اعتبارا 1 مايو    سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري الأحد 4-5- 2025    اللهم اجعله اختطافًا (خالدًا) وخطفة (سعد) على النقابة (2-3)    الكوابيس القديمة تعود بثياب جديدة! كيف صاغ ترامب ولايته الثانية على أنقاض الديمقراطية الأمريكية    هجوم كشمير أشعل الوضع الهند وباكستان الدولتان النوويتان صراع يتجه نحو نقطة الغليان    الوجهان اللذان يقفان وراء النظام العالمى المتغير هل ترامب هو جورباتشوف الجديد!    رئيس وزراء أستراليا المنتخب: الشعب صوت لصالح الوحدة بدلا من الانقسام    واصفًا الإمارات ب"الدويلة" الراعية للفوضى والمرتزقة"…التلفزيون الجزائري : "عيال زايد" أدوات رخيصة بيد الصهيونية العالمية يسوّقون الخراب    بغير أن تُسيل دمًا    درس هوليوودي في الإدارة الكروية    تمثال ل«صلاح» في ليفربول!!    وجه رسالة قوية لنتنياهو.. القسام تنشر فيديو لأسير إسرائيلي يكشف تعرضه للقصف مرتين    رابطة الأندية تعلن عقوبات الجولة الثالثة من مرحلة حسم الدوري    عاجل.. الزمالك يرفض عقوبات رابطة الأندية    لجنة حكماء لإنقاذ مهنة الحكيم    من لايك على «فيسبوك» ل«قرار مصيرى».. ال SNA بصمة رقمية تنتهك خصوصيتنا «المكشوفة»    إحالة الفنانة رندا البحيري للمحاكمة بتهمة السب والتشهير ب طليقها    بسبب وجبة «لبن رايب».. إصابة جدة وأحفادها ال 3 بحالة تسمم في الأقصر    والدتها سلمته للشرطة.. ضبط مُسن تحرش بفتاة 9 سنوات من ذوي الهمم داخل قطار «أشمون - رمسيس»    روز اليوسف تنشر فصولًا من «دعاة عصر مبارك» ل«وائل لطفى» يوسف البدرى وزير الحسبة ! "الحلقة 3"    بعد ختام الدورة الحادية عشرة: مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير.. وشعار «النضال من أجل الاستمرار»    سرقوا رائحة النعناع الطازج    أهرامات العالم!    عبدالناصر حين يصبح «تريند»!    في ظل فضائح وكوارث حكومة الانقلاب .. مجند يحاول الانتحار فى معبد فيله احتجاجا على طقوس عبادة الشمس    الرئيس السيسى ينتصر لعمال مصر    أول مايو يخلد ذكرى «ضحايا ساحة هيماركيت» عيد العمال احتفاء عالمى بنضال الشقيانين    أثارت الجدل.. فتاة ترفع الأذان من مسجد قلعة صلاح الدين    كلام ترامب    وزير الصحة يوقع مذكرة تفاهم مع نظريه السعودي للتعاون في عدد من المجالات الصحية الهامة لمواطني البلدين    تصاعد جديد ضد قانون المسئولية الطبية ..صيدليات الجيزة تطالب بعدم مساءلة الصيدلي في حالة صرف دواء بديل    الأهلي سيتعاقد مع جوميز ويعلن في هذا التوقيت.. نجم الزمالك السابق يكشف    إنتر ميلان يواصل مطاردة نابولي بالفوز على فيرونا بالكالتشيو    كامل الوزير: هجمة من المصانع الصينية والتركية على مصر.. وإنشاء مدينتين للنسيج في الفيوم والمنيا    حقيقة خروج المتهم في قضية ياسين من السجن بسبب حالته الصحية    الفريق كامل الوزير: فروع بلبن مفتوحة وشغالة بكل الدول العربية إحنا في مصر هنقفلها    كامل الوزير: البنية التحتية شرايين حياة الدولة.. والناس فهمت أهمية استثمار 2 تريليون جنيه    50 موسيقيًا يجتمعون في احتفالية اليوم العالمي للجاز على مسرح تياترو    كامل الوزير: 80% من مشروعات البنية التحتية انتهت.. والعالم كله ينظر لنا الآن    حزب الله يدين الاعتداء الإسرائيلي على سوريا    الشرطة الألمانية تلاحق مشاركي حفل زفاف رقصوا على الطريق السريع بتهمة تعطيل السير    الأوقاف تحذر من وهم أمان السجائر الإلكترونية: سُمّ مغلف بنكهة مانجا    " قلب سليم " ..شعر / منصور عياد    «إدمان السوشيال ميديا .. آفة العصر».. الأوقاف تصدر العدد السابع من مجلة وقاية    مصرع شخص وإصابة 6 في انقلاب سيارة على الطريق الصحراوي بأسوان    تمهيدا للرحيل.. نجم الأهلي يفاجئ الإدارة برسالة حاسمة    فحص 700 حالة ضمن قافلتين طبيتين بمركزي الدلنجات وأبو المطامير في البحيرة    الصحة: العقبة الأكبر لمنظومة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة ضعف الوعي ونقص عدد المتبرعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الخمينى في القاهرة.. الصفقة الموعودة".. ننشر أسباب التقارب بين مصر وإيران
نشر في الموجز يوم 26 - 10 - 2016

تتزايد أهمية الحديث عن العلاقات المصرية الإيرانية وآليات التعامل معها خلال المرحلة الحالية لعدة اعتبارات، يتمثل الاعتبار الأول في أن إيران تعد قوة إقليمية رئيسية في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن تجالها، وينصرف الاعتبار الثاني بأن إيران بدت حريصة بعد اندلاع الثورات والاحتجاجات العربية في 2011، على الكشف عن نفوذها ودورها داخل العديد من دول المنطقة من خلال طرح تصورات أو مشروعات إقليمية تعكس المجال الحيوي لإيران في المنطقة، أما الاعتبار الثالث فيتعلق بالجهود التي تبذلها مصر لاستعادة دورها كقوة إقليمية رئيسية في المنطقة، والذى تراجع خلال العقود الماضية لاعتبارات داخلية وخارجية.
في هذا السياق، تم تخصيص العدد الجديد من دورية "بدائل " لتقديم معالجة مختلفة لعلاقات مصر مع إيران وذلك في محاولة لتحديد قضايا الخلاف والتوافق بين القاهرة وطهران خلال المرحلة الحالية، وكيفية تأثير نمط العلاقات الحالي على المصالح الإستراتيجية للدولة، والمسارات المتاحة لتنشيط هذه العلاقات بما يخدم المصالح المصرية.
ولا تقتصر أهمية هذه العلاقات وفق ما تشير إليه الدكتورة إيمان رجب الخبير في مركز الأهرام، ورئيس تحرير دورية "بدائل" في مقدمة العدد التي تحمل عنوان: " القضية "المؤجلة"؟ تزايد أهمية إعادة التفكير في "المسألة" الإيرانية"، في الحاجة الملحة للتعامل مع "المسألة" الإيرانية بدلا من كونها قضية مؤجلة إلى قضية وتسمح لها باستئناف مسار ما مع إيران يحقق المصالح المصرية.
كما تثير الدكتورة إيمان الدوافع وراء أهمية إعادة التفكير في المسالة الإيرانية، حيث يرتبط أحد هذه الدوافع بحصول إيران على الشرعية الدولية كقوة إقليمية بعد التوصل للاتفاق الخاص ببرنامجها النووي مع الدول الغربية، حيث لم تعد من دول محور «الشر»، أو دولة «معزولة» أو «محاصرة»، بل غدت دولة تمثل «حليف» أو «صديق» محتمل لكثيرين، بما في ذلك الدول التي تحتفظ مصر بعلاقات إستراتيجية معهم مثل الولايات المتحدة وبعض الدول العربية.
وينصرف الدافع الثاني إلى أن عدم اتخاذ مصر قرار التعامل مع إيران لن يسهم في تفعيل الدور المصري، سواء بصورة فردية أو جماعية، في أي من القضايا التي تهدد المصالح المصرية، أو التي قد تفتح مجال ما لنفوذ مصري محتمل كما هو الوضع بالنسبة للصراع في سوريا.
وينصرف الدافع الثالث إلى أهمية تحديد تأثير العلاقات مع إيران أياً كان نمطها على المصالح الإستراتيجية للدولة المصرية.
كما تثير المقدمة عدة تساؤلات حول هل تعد إيران مصدراً لتهديد تلك المصالح؟ وما هو نطاق ومستوى ذلك التهديد؟ وهل هو تهديد فعلي أم متصور؟ وما هي مساحات التقاطع والخلاف بين مصر وإيران فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية الرئيسية؟ وكيف يؤثر ذلك على المصالح المصرية؟
وقد أعد الدراسة الرئيسية في هذا العدد محمد عباس ناجي، رئيس تحرير دورية مختارات إيرانية، وتحمل عنوان " The Iranian Issue: نحو مقاربة مصرية جديدة للعلاقات مع إيران" ويقدم فيها قضايا الخلاف والتوافق بين مصر وإيران، إضافة إلى استعراض المواقف المصرية تجاه إيران على المستويين الرسمي وغير الرسمي، وكذلك تقديم مداخل جديدة لتنشيط العلاقات المصرية مع إيران.
قضايا الخلاف
تتسم تفاعلات العلاقة بين مصر وإيران بالتنافس المستمر، وذلك لعدة أسباب.. يتمثل الأول منها في القدرات التي تمتلكها كلتا الدولتين والتي جعلت منهما قوتين إقليميتين رئيسيتين في منطقة الشرق الأوسط، والثاني يكمن في اختلاف اتجاهات السياسة الخارجية وتباين أنماط التحالفات الإقليمية والدولية، الأمر الذي جعل التنافس على الدور الإقليمي هو المحور الأساسي الذي حكم مسار العلاقات بين مصر وإيران خلال الفترة الماضية، حيث مثل اختلاف الحليف الدولي باستمرار أحد أهم أسباب التوتر والصراع بين مصر وإيران، حيث بدا ذلك جلياً قبل ثورة 1952، عندما كانت بريطانيا هي الحليف الأساسي لكلتا الدولتين، اتسع نطاق التوافق والتقارب إلى
حدوث مصاهرة عائلية بين الأسرتين الملكيتين في القاهرة وطهران.
وفي بداية ثورة يوليو 1952 عندما اختلف الحليف الدولي، حيث كانت مصر حليفًا للدول الاشتراكية فيما كانت إيران حليفًا للدول الغربية، تصاعدت حدة التوتر مجددًا لدرجة وصلت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، وللمفارقة، أنه عندما أجرت الدولتان تحولات جذرية في سياستهما الخارجية، تجاه الحلفاء الدوليين أدى ذلك إلى النتيجة نفسها، ففي السبعينيات تحولت مصر إلى حليف للدول الغربية لاسيما الولايات المتحدة بعد اتفاقية السلام مع إسرائيل 1979، وفي الوقت نفسه تحولت إيران بعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية من حليف للدول الغربية إلى مصدر تهديد لمصالح تلك الدول في المنطقة الأمر الذي فرض تأثيراته المباشرة على العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران، ومنذ تلك اللحظة بدا أن التنافس والتوتر هو السمة المستقرة للعلاقات بين مصر وإيران، في ظل السياسة الخارجية التي تبنتها الدولتان والتحالفات الإقليمية والدولية التي ارتبطا بها.
وينصرف السبب الثالث لقضايا الخلاف إلى الاتهامات المصرية لإيران بالتدخل في الشئون المصرية، إذا ركزت مصر في بعض الفترات على قضية شارع خالد الإسلامبولى، بالإضافة إلى العناصر المصرية المطلوبة من قبل أجهزة الأمن المصرية والتي انتقلت إلى إيران عقب اندلاع ثورة 25 يناير 2011، واتضح هذا المتغير في مرحلة ما بعد 25 يناير 2011، من خلال سعى إيران إلى التدخل في الأحداث واعتبار الثورة المصرية استلهاماً لنموذج الثورة الإسلامية الإيرانية، كما حاولت إيران التدخل مرة أخرى في الشئون المصرية مع اندلاع ثورة 30 يونيو 2013، من خلال الإنذار الذى وجهته القوات المسلحة، ومختلف الأطراف السياسية بضرورة التوصل إلى حلول للازمة السياسية في غضون 48 ساعة، كما أن إيران نفسها بدأت في مطالبة مصر بعدم التدخل في شئونها الداخلية على خلفية مشاركة برلمانيين مصريين في المؤتمر الذى عقدته المعارضة الإيرانية في باريس، حيث اعتبرت ذلك تدخلاً في شئونها الداخلية.
السبب الرابع في قضايا الخلاف بين الدولتين يتمثل في رفض مصر إضفاء الطابع الطائفي على الصراعات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، حيث تحرص على ضرورة حصر هذه الصراعات في إطار سياسي وتفريغها من مضمونها الأيديولوجي، وهو ما يتباين مع توجهات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه القضايا الإقليمية المختلفة، حيث اعتمدت تلك السياسة على دعم الأنظمة والتنظيمات الشيعية في المنطقة على غرار نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وحزب الله اللبناني، والمليشيات الشيعية الموجودة في العراق، وتنظيم أنصار الله الحوثي في اليمن.
قضايا التوافق
وبالرغم من شدة التنافس الإقليمي الذي اتسمت بيه العلاقات بين مصر وإيران، ألا انه لا ينفى في الوقت ذاته أن ثمة ملفات إقليمية ربما تحظى بنوع من التوافق النسبي في الأهداف العامة كما هو الحال بالنسبة للحل السياسي للازمة السورية، حيث تتبنى مصر وإيران تسوية الأزمة السورية سياسيا حتى وان كان ذلك لا يعكس توافق في أهداف ومصالح الدولتين، إذا أن مصر تبدو حريصة على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومؤسسات الدولة السورية وهو ما لم يتحقق ألا من خلال الوصول إلى تسوية سياسية للازمة السورية، أما ايران تتبنى تسوية الأزمة السورية سياسياً في ضوء حماية مصالحها ونفوذها داخل سوريا وهو احتمال لا يبدو مضمونا في حال تسوية الأزمة من خلال الخيار العسكري.
وتنصرف القضية الثانية من قضايا التوافق إلى الدعوة المصرية الإيرانية بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، حيث تقدمت الدولتان في أغسطس 1974، بمبادرة إلى منظمة الأمم المتحدة بشأن إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وان توجه ضد مخاطر امتلاك الأسلحة النووية دون أن تعرقل استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية وفى هذا الإطار، فان مصر كانت دائما تحاول استثمار التطورات التي تشهدها الساحة الإقليمية خصوصا في مرحلة ما بعد الوصول للاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1، حيث سارعت مصر إلى التأكيد على أن تقييمها للاتفاق سوف يرتبط بمتغيرين أولهما مدى قدرت الاتفاق على جعل الشرق الأوسط خالي من أسلحة الدمار الشامل، والثاني مدى تأثيره في تغير السياسة الإيرانية إزاء قضايا المنطقة.
مواقف مصر تجاه إيران
يمكن تقسيم المواقف المصرية تجاه إيران إلى مواقف رسمية تصدر عن بعض مؤسسات الدولة مثل مؤسسة الرئاسة ووزارة الخارجية والأزهر الشريف، ومواقف غير رسمية تصدر عن وسائل الأعلام والقوى المجتمعية المختلفة، وهو ما يمكن تناوله على أكثر من مستوى.
على المستوى الرسمي يمكن القول إن محاور الخلاف بين مصر وإيران انعكست في المواقف الرسمية المصرية تجاه إيران والتي ركزت على وضع أمن الخليج ضمن أولويات السياسة الخارجية المصرية وتأكيد وقوف مصر إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي ضد أية تهديدات خارجية.
وعلى المستوى غير الرسمي يمكن التركيز على تناول وسائل الإعلام وبعض القوى السياسية للعلاقات مع إيران، حيث يمكن القول في البداية إن تلك الجهات لا تتبنى رؤية مستقرة وواضحة المعالم تجاه إيران، أو إزاء قضايا السياسة الخارجية بصفة عامة، بما يعني أن تناولها لقضية العلاقات بين مصر وإيران، أو للسياسة الخارجية الإيرانية تحكمها اعتبارات أخرى.
"تنشيط" العلاقات
من مجمل ما سبق يمكن طرح مجموعة المداخل المتعلقة بالتعامل مع إيران خلال المرحلة المقبلة، حيث إن هذه الآليات يمكن أن تساعد في تعزيز الجهود التي تبذلها مصر لدعم دورها الإقليمي والتحول إلى طرف رئيسي في الجهود المبذولة للوصول إلى تسويات سياسية للأزمات الإقليمية المختلفة، وتتمثل المداخل المقترحة في أكثر من جانب منها فتح قنوات تواصل مع إيران وذلك في ضوء اعتبارين رئيسيين: يتمثل أولهما، في أن القوى الدولية تسعى في الفترة الحالية إلى تحسين علاقاتها مع إيران وتتجه إلى الانخراط في حوارات نووية وإقليمية معها، لاسيما في ظل السياسة الجديدة التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية وتسعى من خلالها إلى الانسحاب من الأزمات الإقليمية بالمنطقة لصالح تشجيع القوى الإقليمية الرئيسية، ومن بينها إيران والسعودية، على الانخراط في مفاوضات ثنائية وجماعية قد تمهد المجال أمام الوصول إلى تسويات سياسية لتلك الأزمات.
ويتعلق ثانيهما، بأن إيران تحولت إلى رقم مهم في معظم الملفات الإقليمية إن لم يكن مجملها. ففي سوريا باتت إيران طرفًا رئيسيًّا في الصراع المسلح منذ اندلاعه في مارس 2011، وفي العراق، تصاعد نفوذ إيران بشكل واضح داخل مراكز صنع القرار في بغداد، من خلال تمكين حلفائها من القوى السياسية الشيعية من السيطرة على السلطة وإضعاف خصومها السياسيين، وفي لبنان، تمارس إيران دورًا بارزًا على الساحة الداخلية من خلال علاقاتها القوية مع "حزب الله" اللبناني، بشكل أدى في النهاية إلى تحول إيران لطرف رئيسي في التفاعلات السياسية الداخلية في لبنان، وفي اليمن، تسعى إيران إلى توسيع نطاق نفوذها فيما يمكن تسميته ب"الحديقة الخلفية" للسعودية وبالقرب من خطوط المواصلات العالمية في باب المندب والبحر الأحمر امتدادًا لقناة السويس، وذلك عبر تأسيس علاقات قوية مع حركة "أنصار الله" الحوثية منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي وحتى الآن.
كذلك لا يمكن تجاهل نفوذ إيران لدى المنظمات الفلسطينية، حيث تؤسس إيران علاقات قوية مع كل من حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" الفلسطينيتين، كما تشير اتجاهات عديدة إلى اتجاهها نحو تشكيل تنظيم شيعي يسمى ب"حركة الصابرين" داخل قطاع غزة، يكون أكثر ولاءً لها، خاصة بعد اتساع نطاق الخلافات مع الحركتين، بسبب دعم الأولى لقوى المعارضة ضد النظام السوري وفتحها قنوات تواصل مع قوى إقليمية عديدة على غرار السعودية إلى جانب قطر وتركيا، وحرص الثانية على عدم تأييد موقف إيران من عملية "عاصفة الحزم" التي يقودها التحالف العربي في اليمن ضد حركة الحوثيين.
وهنا، فإن فتح قنوات تواصل مع إيران يمكن أن يساعد مصر على استثمار محاور التوافق المشتركة، خاصة فيما يتعلق بإضفاء مزيد من الأهمية والزخم على دعوة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، لاسيما بعد الوصول للاتفاق النووي بين إيران ومجموعة "5+1"، فضلًا عن التأكيد على ضرورة الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية باعتبار أن ذلك يمكن أن يجنب المنطقة عواقب وخيمة قد تنتج عن تسوية الأزمة عسكريًّا.
لكن فتح قنوات تواصل مع إيران، الذي لا يعني في الوقت ذاته استعادة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية بين الطرفين، ويمكن أن يتم بناء على مجموعة من المحددات التي تحكم التفاعلات بين الطرفين، وتتمثل فيما يلي، أولها عدم التدخل في الشئون الداخلية، ويكتسب هذا المحدد أهمية خاصة، نظرًا لأن التدخل في الشئون الداخلية يمثل آلية مستقرة اعتادت إيران على استخدامها في تفاعلاتها مع التطورات في المنطقة، توازن المصالح وتعني في المقام الأول أن مصر قوة إقليمية رئيسية في المنطقة وأن التطورات الداخلية التي تشهدها منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011 لا تعني السماح لإيران بمحاولة فرض نفوذها داخل مصر عن طريق استخدام آليات مختلفة أيديولوجية وثقافية وغيرها، إضفاء طابع سياسي على التفاعلات بين مصر وإيران وتتزايد أهمية هذا المحدد في ضوء تصاعد حدة الصراعات الإقليمية التي اتخذت طابعًا طائفيًّا في سوريا والعراق ولبنان واليمن، تفعيل آلية المسار الثاني Track Two وتكتسب هذه الآلية تحديدًا أهمية خاصة، لاعتبارات عديدة. يتمثل أولها في أنها يمكن أن تساعد في مناقشة الخلافات العالقة بين الدولتين، والتي لا تبدو ثانوية ولا يمكن تسويتها بسهولة. وفي هذا السياق، يمكن أن تمارس مؤسسات مثل المراكز البحثية والأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني دورًا بارزًا من خلال مشاركة خبراء ومتخصصين في المجالات المختلفة في ورش عمل يتم تنظيمها لمناقشة القضايا الخلافية المتعددة بين الطرفين.
ويرتبط ثانيها، بأن مثل النوعية من النقاشات تتسم بدرجة أقل من الحساسية، لأن المشاركين فيها لا يتعرضون لضغوط سياسية على نحو ما يحدث في المفاوضات أو المباحثات الرسمية، بشكل يمكن أن يساعد في توسيع إطار النقاش أو طرح أفكار وخيارات متعددة للتعامل مع القضايا المختلفة.
وينصرف ثالثها، إلى أن هذه الآلية أثبتت قدرتها على تحقيق نتائج مهمة، على غرار ما حدث في المفاوضات السرية التي أجريت بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في سلطنة عمان، والتي مهدت المجال أمام مواصلة المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني والتي انتهت بالوصول للاتفاق النووي بين إيران ومجموعة "5+1".
التعاون الاقتصادي
يعد رفع مستوى التعاون الاقتصادي بين مصر وإيران آلية يمكن استخدامها لتنشيط العلاقات بين البلدين لاعتبارين. يتمثل أولهما في سعي مصر إلى توسيع نطاق شركائها الاقتصاديين من المنطقة والعالم، في إطار الجهود الحثيثة التي تبذلها من أجل التعامل مع المشكلات الاقتصادية المختلفة التي تواجهها. وبالتالي قد يمثل رفع معدل التبادل التجاري مع إيران آلية مهمة في هذا الإطار. وتشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن حجم التبادل التجاري بين مصر وإيران يصل إلى حوالي 41 مليون دولار في عام 2015، حيث تصل قيمة الواردات المصرية من إيران نحو 37 مليون دولار، فيما تبلغ قيمة الصادرات نحو 4 مليون دولار.
وينصرف ثانيهما، إلى رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران في 16 يناير 2016، بعد الوصول للاتفاق النووي، واتجاه الأخيرة إلى إعادة الاندماج مرة أخرى في الاقتصاد العالمي، من خلال العمل على زيادة معدلات التبادل التجاري مع بعض دول المنطقة والعالم، وفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية، وغيرها من الإجراءات.
دور الوسيط
ربما تكون مصر هي الدولة الأكثر قدرة على ممارسة هذا الدور، نظرًا للإمكانيات الدبلوماسية والإستراتيجية التي تحظى بها، والتي يمكن أن تساعدها على لعب دور الموازن الإقليمي بين الطرفين، بشكل يمكن أن يساعد في تهيئة المجال أمام تقليص حدة الخلافات والصراعات بين بعض دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، انطلاقًا من التزامات مصر الخاصة بأمن الخليج العربي الذي لا ينفصل عن الأمن القومي المصري.
ومن دون شك، فإن السعي إلى ممارسة هذا الدور المحتمل لا يبدو مهمة سهلة، في ظل الاعتراضات المحتملة التي يمكن أن تبديها بعض الأطراف، فضلًا عن حرص إيران دائمًا على التعامل مع دول المجلس بشكل فردي وليس في إطار جماعي، لكن التحولات التي تشهدها المنطقة خلال الفترة الأخيرة ربما توفر فرصًا، ولو كانت محدودة، لتفعيل هذا الدور.
العمل العربي المشترك
تبدي مصر اهتمامًا خاصًا بالعمل العربي الجماعي، الذي يمكن أن يكون أحد المتغيرات التي قد تساعد في تغيير سياسات إيران إزاء الدول العربية، وبالتالي فإن رفع مستوى العمل العربي الجماعي، خاصة من خلال اتخاذ خطوات إجرائية في اتجاه تشكيل القوة العربية المشتركة التي اقترحتها مصر خلال القمة العربية في شرم الشيخ في مارس 2015، ربما يكون له تأثير بارز في هذا السياق.
ومن دون شك، فإن تشكيل هذه القوة، التي لن تكون موجهة لأي دولة، ربما يعزز من فرص الوصول إلى توافقات مصرية عربية حول مواجهة التحديات المشتركة، وبلورة مواقف منسقة في التعامل مع دول الجوار، لاسيما إيران، بشكل يمكن أن يساعد في ضبط تفاعلات الأخيرة تجاه الدول العربية، وتغيير الآليات التي تستخدمها في هذا السياق.
ويبقى التساؤل.. هل يمكن أن تشهد الفترة المقبلة عودة العلاقات الدبلوماسية بين "القاهرة" و"طهران" ورفعها لدرجة السفراء أو تنظيم زيارات على مستوى القيادات العليا للبلدين؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.