بمجرد أن قتل المجرم القذافي إلا وانبرى عدد كبير من الكتاب بشن حرب شرسة ضد الشعب الليبي، بعد أن كانوا قد حاولوا كثيراً قبلها النيل من ثورة هذا الشعب الذي عانى الأمرين على يد جلادهم، حجتهم في هذا البعبع الذي رفعوه في كل مكان وهو خوفهم من أن تتحول ليبيا إلى عراق ثانية، وتحتل ليبيا وتستعمر من جديد، ولكن الأمر كان مختلفاً تماماً فالشعب الليبي قد حرر نفسه بنفسه من براثن هذا المجرم الذي يدعي أنه دولة عضو في الأممالمتحدة، بعد أن أخذ قرار بحماية المدنيين وفرض حظر جوي على سلاح القذافي، بينما في العراق فقد شنت أمريكا وبريطانيا هجوماً على البلد دون موافقة الأممالمتحدة، ولا عجب ما دام الجميع مقر وبمحض إرادته أنه عضو في هذا المجلس – وإن كنت لا أؤمن بكل هذا وإنما أتمنى لو أننا كنا جميعاً تحت دولة مسلمة واحدة نستظل بظلها، ونقيم العدل فينا– وقتل صدام حسين وهو ينطق بالشهادتين على يد المجوس والأمريكان وفي أقدس يوم للمسلمين، بينما قتل القذافي يوم خميس بعد أن وجد داخل مصرف صحي مختبئ به كجرذ حقير، ليكون يوم الجمعة الذي تلاه يوم عيد لليبيين ويوم تحرر من طغيان هذا المجرم، دون أن يكرمه الله بأن ينطق بشيء، سوى سؤاله: " من انتم؟!"، فالبون شاسع بين الموقفين والفرق كبير، والنهاية جد مختلفة. وما لفت انتباهي من هذه المقالات؛ مقالين واحد منهما حمل عنوان: " الثورة الليبية فقدت شرعيتها بسبب تصفيه دكتاتور ليبيا" للكاتب المغربي محمد شرقي، والآخر مقال الأستاذ عبد الباري عطوان الذي حمل عنوان " إعدام معمر القذافي" وتهجم فيه على همجية الثوار وطريقة قتلهم للقذافي والوحشية التي لا يليق أن يعامل بها أسير، فالأول فاجأني بمقاله الأخير ورايته قد تأثر بما ذهب إليه البعض من النفخ والتضخيم لحادثة قتل القذافي، بالرغم من مقالاته الطيبة قبلها، حتى وصل به الأمر إلى أن يؤكد أن الثورة الليبية قد فقدت كل شرعية جراء وحشيتها بقتل القذافي، والآخر لم يكن موقفه مستغرباً فما عرف عنه هو تقلبه من معسكر إلى آخر، حيث بدا أول ظهوره مدافعاً عن صدام حسين، ثم تحول بعد سقوطه للدفاع عن إيران ودول الصمود والمقاومة المزعومة عدوة صدام التاريخية، وأعجب ما جاء به أنه كان يترحم على صدام من على قناة المنار والعالم، ومع انطلاق الثورة السورية وحتى لا يفقد شعبيته، لتزايد النقمة الشعبية على نظام الأسد ونظام الآيات في إيران واشتراكهما في قتل الشعب الليبي، فقد قرر عطوان بأن يمسك العصا من منتصفها، فتحدث عن عدم شرعية مجازر النظام السوري وقتله لشعبه وأنه يجب أن يوقف هذا الإجرام فوراً، مع إصراره على التأكيد بأن هذه الأنظمة أنظمة مقاومة، والتي لم نر من مقاومتها إلا تصفية وتقتيل الشعب، وهو نفس ما ذهب إليه مع الثورة الليبية، حيث نشرت القدس العربي منذ أيام تقريراً مفاده أن أهل "بن سليم" يتمنون عودة القذافي وان الأوضاع أثناء الحكم السابق كانت أحسن بعشرات المرات مما هي عليه اليوم، والمعروف أن بني سليم آخر مدينة سقطت في طرابلس بعد دفاعها المستميت عن القذافي واغلب سكانها من أتباع النظام البائد، فماذا سيقولون غير هذا؟! وما المقصود بنشر هذا التقرير وبهذه اللحظات في الذات؟! ثم جاء مقتل القذافي ليكشف حقيقة موقفه وتحيزه لتلك الأنظمة التي تزعم المقاومة. والجامع بين هؤلاء الكتاب جميعا محاولة تشويه الثورة الليبية بعد أن عجزوا عن تأكيد ما ذهبوا إليه من أن ليبيا ستستعمر وتتحول إلى عراق جديد، فخابت مساعيهم، وقتل القذافي وأبنائه على يد الشعب الليبي، وبطريقة لا تشبه أبداً أي إجرام قام به هذا السفاح، فاستغلوا الفرصة من جديد للإيقاع بثورة الشعب الليبي بحجة دعوى الإنسانية والرحمة والرأفة، لا لشيء فعلوه أو قاموا به، ولو كان أحدهم فقد أباً أو ابناً وشوهت جثته أو أحرقت أو سلخت و اعتدي على عرضه و دمر منزله، أو سرقت زوجته أو ابنته، أو افسد عضوه التناسلي، أو كان واحداً من الخمسين ألفا الذين قتلوا على يد القذافي، لكان أحس بمعاناة المجروحين وصرخات المكلومين، وفي كل الشرائع والأعراف القاتل يقتل، ومن اظهر في الأرض الفساد يقتل أو يصلب أو تقطع يديه أو رجليه من خلاف، وقد فعلها رسول الله – صلى الله عليه وسلم– في جماعة قدموا عليه المدينة وهم مرضى فأرسلهم إلى الإبل لكي يستشفوا بها، وبعد أن شفاهم الله قتلوا راعي رسول الله– صلى الله عليه وسلم– فقام بقطع أيديهم وأرجلهم ورميهم في الصحراء، وعندما دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم– مكة فاتحاً عفا عن أهلها، إلا بضع أشخاص أمر رسول الله صحابته بأن يقتلوهم أينما وجدوا ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة، فقتل عبد الله بن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة فقتلوه، وأدرك الناس مقيس بن صبابة في السوق فقتلوه، فهل كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم– همجياً وبربرياً، كما زعم هؤلاء؟! والعفو في غير مكانه لا يليق، وهي واحدة من الأخطاء التي وقع بها المجاهد صلاح الدين – رحمه الله– وذلك عندما عفا عن ملوك الفرنجة جميعاً بعد أن أسرهم في معركة حطين، واعتبرها المؤرخون أخرت بقاء الصليبين في بلاد الإسلام قرناً من الزمن، إلا انه قتل "ارناط" ملك الكرك جزاءً لغدره ونقضه للمواثيق وقتل المسلمين والاعتداء على قوافلهم، فقتله وهو أسير، لا كما يزعم هؤلاء بأنه لا يجوز قتل الأسير، وإن قتل وقتل إلا بعد محاكمة وتسليم لمحكمة الجنايات الدولية لكي يحكم بحقه عشرات المؤبدات دون أن ينال الجزاء العادل؛ فكان هذا العفو في غير محله ومع أناس لا يستحقوه، فبعد أن أطلق سراحهم قاموا بإعادة ترتيب أنفسهم من جديد، واخذوا منه مدينة عكا بعد أن استردها منهم، واستمروا في قتاله هو وأبنائه إلى أن هيأ الله الأشرف خليل فاسترد منهم مدينة عكا آخر معاقلهم، وطردهم عن بلاد الإسلام قاطبة. وما فعله ثوار ليبيا كان هو الطريقة المثلى والشرعية والنبوية التي يجب أن تنزل بكل قاتل، فقتل بدون تعذيب أو سلخ أو تشويه أو حرق، وإنما رصاصة وجهت لرأسه جزاء ما أفسد وقتل، وإرهاباً لمن خلفه من الطغاة والمجرمين، الذين عندما امنوا العقاب كزين العابدين ومبارك تجرأ القذافي والأسد على التمادي والإسراف في القتل. وليس من مبرر لهؤلاء الذين هولوا الأحداث ونفخوا فيها، إلا أنهم يخافون أن تقام الحدود، فيقتص من القاتل، ويرجم الزاني المحصن، ويسال الموظف أنى لك هذا، ويحاسب المقصر إذا ما قصر، وإنما يريدون الأمور أن تبقى تدار بشكل همجي وبربري، يفعلون ما يريدون دون أن يحاسبهم احد، أو يوقف جريهم خلق شهواتهم موقف، فحملوا أقلامهم وعملوا على تشويه وتشريح الشعوب التي جرحت كرامتها، وانتهكت أعراضها، وقتلوا لان قالوا لفراعنتهم اصلحوا، وما دروا بأن الشعوب ما عادت تقبل بهؤلاء الذين يمسكون العصا من منتصفها، وأن هذه الشعوب قد سرت أيما سرور بمقتل هذا المجرم بعد أن لقي جزائه العادل، وزادهم هذا إصراراً ومضياً نحو هدفهم المنشود، وهذا ما لا يريده هؤلاء للشعوب بأن تحقق أحلامها، وإنما يريدون أن تحبط معنوياتها، ولكن هيهات هيهات، فإذا كانت الشعوب قد أزالت أنظمة وقهرتها، فلن تقول لهؤلاء المتباكين كذباً، إلا القصاص القصاص، والشعب يريد إعدام الرئيس.