بعد تكرر العمليات الإرهابية ضد عناصر الأمن والجيش في سيناء، ظهرت الحاجة الملحة إلى الاعتماد وبشكل أساسي على أبناء القبائل، قصد إشراكهم في المعركة ضد الإرهاب نظرا إلى خبرتهم الواسعة في المنطقة. بدأت التحركات العملية بين أجهزة الأمن المصرية، والقبائل في سيناء، بعد حادث العريش يوم الجمعة الماضي، الذي تسبب في مذبحة غير مسبوقة. وأكد مصدر أمني ل “العرب اللندنية” أن الحكومة المصرية، تنوي مضاعفة الاهتمام بالدور الذي يقوم به شيوخ القبائل في سيناء، بعد تكرار الحوادث الإرهابية، واستغلال بعض الثغرات الاجتماعية، لتنفيذ عمليات عنف وإرهاب ضد الأمن.
وبدأت الدولة تفعيل السلاح القبلي في مرسى مطروح، منذ حوالي عام، بموجب اتفاق ضمني، يقوم على مساعدة قبائل مطروح في عملية سد المنافذ الحدودية التي تتسرب منها الأسلحة والمطلوبين أمنيا، بالإضافة إلى المخدرات، مقابل أن تتولى الدولة عدم ملاحقة أبناء القبائل الذين لم يثبت ارتكابهم جرائم إرهابية، وتحسين الخدمات في المنطقة، وقد ظهرت نتائج إيجابية كبيرة، تمثلت في السيطرة على الكثير من المداخل والمخارج في الصحراء الغربية، بفضل تعاون شيوخ القبائل هناك.
وكشف المصدر أن الحكومة المصرية عازمة على تفعيل هذا السلاح الاجتماعي في سيناء، لقطع أي إمدادات محلية للإرهابيين، عبر الأنفاق التي تربط رفح المصرية بالفلسطينية، ثم تأتي بعد ذلك الخطوات الأمنية العادية.
ويعتبر أهالي البدو (القبائل) في سيناء الأكثر دراية بطبيعة البيئة الصحراوية، ومداخل ومخارج الجبال التي يتسرب عبرها الإرهابيون لضرب الجيش والشرطة، لذلك أعلن أمس الأول، “المجلس القومي للقبائل المصرية” حالة الاستنفار، وغض الطرف على أي حساسيات سابقة، وبذل كل الجهد لوقف نزيف الدماء، والبحث عن الإرهابيين في جحورهم.
وأكد مصدر أمني آخر ل”العرب” أن فترة حكم الإخوان لمصر، مع أنها قصيرة ولم تتجاوز العام، إلا أنها ساعدت على دخول عناصر إرهابية إلى الأراضي المصرية من جهة الحدود الفلسطينية، على أمل تطبيق وهم ما يصفونه ب “الخلافة الإسلامية” وهو ما زاد الموقف صعوبة وتعقيدا في السيطرة على المخططات الإرهابية، حيث تسللت عناصر متشددة من قطاع غزة، بمساعدة بعض أبناء القبائل، مستفيدة من الحالة المادية المتردية لبعضهم في تسهيل التحرك والتستر بين الجبال، إضافة إلى ما توافر لدى الإرهابيين من معلومات دقيقة وسرية تخص الدولة المصرية، كانت قد سربتها قيادات إخوانية إليهم أثناء وجودها في الحكم، الأمر الذي أثبتته تحقيقات النيابة في قضية التخابر مع جهات خارجية، والتي يحاكم بموجبها الرئيس المعزول محمد مرسي وعدد من إخوانه.
وفي اجتماع مجلس القبائل العربية مع عدد من القيادات الأمنية، بعد حادث سيناء مباشرة، أكد عدد من شيوخ القبائل استعدادهم لمعاونة قوات الأمن في القضاء على الإرهاب.
وصرح الشيخ سعيد فريج، رئيس مجلس حكماء القبائل المصرية، ل “العرب”، أن الطريقة التي ينفذ بها الإرهابيون مخططاتهم تفرض على الجميع التزامات جديدة في التعامل، ومعاونة الدولة في القضاء على الإرهاب، مشيرا إلى أن سيناء باتت اليوم مسرحا للإرهاب، وأن منفذي تلك العمليات يحاولون المساس بهيبة الدولة.
ورغم محاولات الأمن المستمرة في القضاء على الإرهاب، إلا أن الوضع في سيناء يختلف تماما عن أي موقع آخر، فبالإضافة إلى طبيعتها الجغرافية الجبلية، تعد المنطقة الوحيدة التي يمكن أن تزج الدولة المصرية في أزمات، لأنها المنطقة الأقرب إلى إسرائيل. وقد أشار الشيخ فريج إلى ضرورة الاستعانة بشباب من أهالي سيناء، وتجنيدهم ضمن القوات المسلحة والشرطة، وهي خطوة يمكن أن تساهم بصورة كبيرة في نجاح عمليات التطهير التي تقوم بها الأجهزة الأمنية، خاصة وأن هؤلاء الشباب يحفظون الطبيعة الجغرافية للصحاري، ولديهم دراية كاملة بمداخل ومخارج كل قرية في سيناء.
الحكومة عازمة على تفعيل السلاح الاجتماعي لقطع أي إمدادات محلية للإرهابيين وتختلف الطبيعة القبلية في سيناء تماما عن الطبيعة الحضرية الموجودة في مناطق مصرية عدة، حيث يعرف كل فرد فيها الآخر، لذلك تثار بعض الشكوك حول تورط بعض أهالي سيناء في تسهيل دخول السلاح والإرهابيين، وهي شكوك رد عليها سعيد الخرافين، أحد شيوخ القبائل بسيناء، قائلا: “من المحتمل أن تحتضن بعض القبائل خائنا بين أفرادها دون علم باقي أفراد القبيلة، لكن المؤكد أن الإرهابيين يختبئون في المناطق الحضرية بسيناء وليس في المناطق الجبلية، حيث ينكشف أمرهم على الفور”.
الشيخ أحمد طرام، عضو المجلس الرئاسي للمجلس القومي للقبائل، قال ل”العرب” إن الفترة الحالية تعتبر الفرصة الأخيرة لمجلس القبائل، وعليهم استغلالها في توعية الأجيال المقبلة بأهمية المواطنة، وعدم الانجراف إلى أي إغراءات مادية من أي جهات خارجية لتجنيدهم وتحويلهم إلى إرهابيين، مؤكدا أن هذا ما تورط فيه بعض شباب مصر أثناء فترة حكم الإخوان.
الجماعات الإرهابية المسلحة استهدفت “أكمنة” تابعة لقوات الجيش والشرطة في سيناء، وهي الأكمنة التي يراها الشيخ حسن خلف، كبير مجاهدي سيناء الخطر الأكبر على قوات الأمن والأهالى معا، وأكد ل “العرب” أن العناصر الإرهابية بدأت تطور من أسلوبها في تنفيذ العمليات، لذلك علينا أن نواجهها بأكمنة متحركة وليست ثابتة، تعد صيدا سهلا للعناصر الإرهابية، كما أنها تعيق حركة الأهالي أنفسهم.
وحذر كبير مجاهدي سيناء من فكرة إخلاء سيناء، مؤكدا أن التكفيريين ليس لهم بيئة حاضنة على أرض سيناء، وأن الإخلاء سيزيد الأزمة تعقيدا، موضحا أن، قوات الجيش عليها ألا تكتفي بتنفيذ الضربة إلى الإرهابيين ثم العودة إلى الثكنات، بل يجب أن يكون هناك تمركز كبير لهذه القوات في سيناء، حتى يتم القضاء تماما على البؤر الإرهابية.