" ثغرة الدفرسوار ".. منذ انتهاء حرب أكتوبر تعمدت الإدارة السياسية في البلاد التعتيم على ثغرة الدفرسوار، والاكتفاء بروايات عن المقاومة الشعبية، وعدم السماح بسرد التفاصيل الحقيقية، حول تدخل الإدارة السياسية في القيادة العسكرية للجيش، والذي نتج عنه "الثغرة"، لتُقدَم مدينة السويس "كبش فداء" لهذا الفشل السياسي، والذي لولا العناية الإلهية والمقاومة الشعبية وصمود أهالي مدينة السويس ما اكتمل نصر أكتوبر. ظلت " الثغرة " حقلاً من حقول الألغام، التي تحيط بتاريخ حرب أكتوبر، لا يجوز الاقتراب منه أو حتى مجرد السؤال عنه، وكأنها "جريمة" الكل يريد التنصل منها " .. بهذه الكلمات بدأ "حسين العشي " المؤرخ والباحث في تاريخ مدن القناة وسيناء حواره مع " البديل " حول معركة الدفرسوار، وفشل الآلة العسكرية الإسرائيلية في احتلال مدينة السويس. في إطار الاحتفالات التي تعيشها محافظة " السويس " الباسلة، – والتي بدأتها منذ أيام مضت- ، بالذكرى الواحد والأربعين بعيدها القومي وبانتصار المحافظة بفضل الله وأبنائها، على جنود العدو الإسرائيلي، ومنعهم من احتلال المحافظة، وتكبيدهم خسائر فادحة، وردهم إلى الجانب الآخر من القناة، يقول "العشي" : " الهجوم الإسرائيلي على الإسماعيليةوالسويس من خلال موقعة " الثغرة " كان من أغبى القرارات التي اتخذتها الإدارة الإسرائيلية حينها ، حيث أنه لولا التدخل الأمريكي في الحرب، والتي كانت تدعم وتساند قوات الاحتلال، وإصرارها على توقف اطلاق النيران والأعمال القتالية ، خوفاً منها علي ما تبقي من الجيش الإسرائيلي، ومحاولة تفادي خسائر أخرى، سواء في الأرواح أو الإمكانيات، والتي كلفتها الكثير من الأموال، حيث طالبت الولاياتالمتحدةالأمريكية – وقتها – بضرورة التزام كلا الجانبين بقرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة رقم " 338 " ، والذي يلزم بوقف إطلاق النار، ابتداءً من 22 أكتوبر، ولكن قوات العدو لم تلتزم به، حيث كانت القوات المصرية – وقتها – قادرة على تصفية القوات الإسرائيلية تماماً داخل تلك " الثغرة " . ويتذكر " العشي " تلك الواقعة، ويبدأ في سرد أحداثها ل " البديل " قائلاً : " الثغرة " أو " ثغرة الدفرسوار " المصطلح الذي أطلق على حادثة كادت أن تطفئ شعلة الانتصار الذي حققه الجيش المصري في نصر أكتوبر العظيم، فهي الحادثة التي أدت لتعقيد مسار الأحداث في حرب أكتوبر، لولا بطولات الجيش وأبناء المقاومة الشعبية بمحافظة " السويس " الباسلة، حيث كانت في نهاية الحرب يوم " الرابع والعشرين " من أكتوبر، وذلك عندما تمكن جيش العدو من محاصرة الجيش الثالث الميداني من خلال نقطة عرفت " بثغرة الدفرسوار " ، والتي كانت تقع بين الجيشين الثاني والثالث الميداني امتدادًا بالضفة الشرقية لقناة السويس . ويكمل " العشي " حديثه ويقول : " وقعت " الثغرة " نتيجة سحب قوات من الجيش وهما الفرقتين " الرابعة والواحد والعشرين " وتم دفعهما شرقًا نحو المضائق ، وتلك الفرقتين كانتا موكلاً إليهما تأمين مؤخرة الجيش المصري من ناحية الضفة الغربية لقناة السويس، وصد الهجوم عنها، إذا ما حدث اختراق للأنساق الأولى، وبالفعل وبناءً على تعليمات من الرئيس الراحل " أنور السادات " تم سحب الفرقتين في صباح يوم 14 أكتوبر 73 ، وكانت هناك ثلاث ثغرات تتضمنهم خطة العبور المسماة ب " المآذن العالية " ، ومن بينها ثغرة " الدفرسوار " التي حدث عندها الاختراق ، وبالفعل بدأت قوات العدو تتحرك نحو " الثغرة " ، بعد أن تم اكتشافها من قبل طائرة استطلاع أمريكية ، لم تستطع الدفاعات الجوية المصرية إسقاطها بسبب سرعتها التي بلغت ثلاث مرات سرعة الصوت وارتفاعها الشاهق ، حيث اكتشفت الطائرة وجود ثغرة بين الجيش الثالث في السويس والجيش الثاني في الإسماعيلية، وبالفعل قامت القوات باختراقها عند منطقة تسمى " الدفراسوار " في مساء يوم 23 أكتوبر 73 " . ويستطرد "العشي " حديثه قائلاً : " وقتها طالب الفريق " سعد الدين الشاذلي " رئيس أركان حرب القوات المسلحة، أن يتم سحب " الفرقة الرابعة واللواء 25 المدرع " من نطاق الجيش الثالث ودفعهما لتصفية الثغرة في بداياتها، ولكن الرئيس السادات عارض الفكرة بشدة، مما أدى إلى زيادة تدفق القوات الإسرائيلية، وتطور الموقف سريعًا، إلى أن تم تطويق الجيش الثالث بالكامل في السويس، وبفضل قوات الجيش التي كانت متواجدة بالسويس والذين سالت دمائهم الطاهرة لتروي أرضها، بالإضافة إلي الدور العظيم الذي لعبه أبناء المقاومة الشعبية بالسويس، الذين اثبتوا شجاعتهم وبطولتهم أمام دبابات وطائرات العدو الإسرائيلي ، التي حاولت أن تقتحم المدينة في ذلك اليوم، حيث قام أبطال المقاومة الشعبية بإحراق الدبابات ومواجهة العدو بالأسلحة الخفيفة ومنعهم من الدخول إلى المدينة، لتكتمل بأيديهم فرحة النصر، ويرسمون بطولات شعب لم يفرق بين مدني وجندي بل تعاونا في صد محاولات احتلال المدينة، ويظل ذلك اليوم محفورًا في ذاكرة المصريين بأكملهم، ليحكي الشعب المصري في كل بقاع الجمهورية بطولة شعب السويس، والذي دائمًا يضرب أروع الأمثال في التضحية والبداية، حيث البداية في نصر أكتوبر من خلال الأبطال الذين شاركوا في حرب الاستنزاف، وأوقعوا بالعدو خسائر فادحة، أنهكته وأدت إلى النصر في النهاية، والبداية في انطلاق شرارة ثورة " 25 يناير " وسقوط أول شهيد بأرض السويس، الثورة التي عبرت عن إرادة شعب استطاع أن يغيّر، ويثور على ظلم استمر لثلاثين عامًا، هذا كما سيظل يوم " 24 أكتوبر " يوماً لا يُنسى في التاريخ الإسرائيلي، حيث مازال الشعب والحكومة تتذكره حتى هذه الأيام، حيث يقف الطلاب وقفات تسمى " هيوم كبوت " أشبه بالحداد على ضحايا جنودهم، في ذكرى ذلك اليوم من كل عام " . ويقول " العشي " في نهاية حديثه، إنه نتيجة لتلك البطولات التي قدمها أبطال المقاومة الشعبية بالسويس بالتعاون مع قوات الجيش، حيث حاصرت المقاومة الشعبية المساندة لقوات الجيش، قوات العدو من جهة وقوات التصفية المصرية من الجهة الأخرى، والتي لم يتبق إليها سوى محاولة إيجاد ثغرة والهروب إلى محافظة الإسماعيلية، ولكن المحاولة باءت بالفشل أيضًا نتيجة تصدي القوات لها، فلم تجد قوات العدو فرصة أمامها سوى الالتزام بقرار مجلس الأمن رقم " 338 " بوقف إطلاق النار، والذي صدر ابتداء من 22 أكتوبر ولكن قوات العدو كانت لم تلتزم به بعد ، ونجحت القوات المصرية في إنهاء خطر الثغرة بعد تكبيد جيش الاحتلال الإسرائيلي خسائر فادحة، وانتهاء الحرب الفعلية لتبدأ الحرب الإستراتجية للسلام، ليقدم بذلك أبناء وأبطال السويس أروع نموذج في الشجاعة والتضحية من أجل الوطن، والذي يجب أن يُدرّس في كتب التاريخ ،وتتناقلها الأجيال جيلًا تلو الأخر، فكل تحية وامتنان وتقدير مني لكل أبناء السويس الكرام " .