يعتبر القانون هو الحكم الوحيد الذى يحكم بين الناس فى اى مشكلة يحدث فيها تعارض مابين طرفين، فالقانون وحده هو المنصف وهو من يعطى كل ذى حق حقه اذا اغتصب منه أو تغول عليه طرف آخر، وبالتالى فإن الاحتكام للقانون هو الأساس الذى تقوم عليه الدول المتحضرة، والتى تحفظ للناس حقوقها وتعاقب المخطئ على الفور، هذه المقدمة أعتقد انها هامة قبل الدخول فى موضوعنا، وهو المخالفات فى البناء التى حولت أحياء ومدن مصر الهامة الى كتل خرسانية عشوائية، تفتقد لأى معايير أو ضوابط قانونية، ولا يحكمها الا «هوى المقاول». فى أعقاب ثورة 25 يناير 2011 استشرت فى كل المدن ظاهرة البناء المخالف، وعانت العاصمة، قبل العشوائيات والقرى من هذه الظاهرة التى تغولت وتوغلت لتقضى على البقية الباقية من التناسق المعمارى والحضاري، وكلنا بالطبع شاهد فوضى البناء فى أحياء ومدن بعينها اعتمادا على فساد المحليات، فالاسكندرية التى كانت تباهى بجمال مظهرها وطابعها المعمارى كل دول حوض البحر المتوسط، تحولت بين عشية وضحاها الى نموذج صارخ لمخالفات البناء، وتم هدم الفيلات القديمة، وبناء ابراج شاهقة الارتفاع مكانها، وكان برج الازاريطة الذى مال على البرج المجاور له هو خير دليل على الحال «المائل» الذى وصل اليه واقع الادارات الهندسية التى تمنح التراخيص. ثلاثة أطراف تشاركت فى استشراء ظاهرة مخالفات البناء هم المقاول والادارة الهندسية والمواطن الذى اشترى وحدة سكنية فى بناء مخالف طمعا فى سعر أقل ومساحة أكبر، وهؤلاء الثلاثة، لا يجب أن يفتلوا بجرمهم، بحجة جلب موارد للدولة والحفاظ على الاستقرار الاجتماعى وخلافه من مبررات تساق من قبيل اصحاب «الهوى والمصلحة». قبل أيام قال المهندس معتز محمود رئيس لجنة الاسكان بمجلس النواب، أن اللجنة وافقت على قانون التصالح فى مخالفات البناء بشكل نهائي، وسيناقش خلال الجلسة العامة عقب الانتهاء من اقرار الموازنة العامة للدولة. وتابع رئيس لجنة الاسكان قائلا: إنه من الصعوبة بما كان ان تقوم الدولة بازالة الاف المخالفات التى ظهرت عقب الانفلات الامنى الذى صاحب ثورة 25 يناير، لذا كان من اللازم ان يصدر تشريع مؤقت يحل هذا الامر ثم يعاقب من يخالف بعد ذلك وتتم ازالة المخالفة فورا. بالطبع فان المنطق الذى يحكم الامور، يبدو أنه منطق «البزنس» وليس الحفاظ على هيبة الدولة، لأن عقل «المشرع» لاينصرف الى معاقبة المخطئ، ولكنه ينصرف الى جمع حصيلة من الغرامات وكفي، ثم التصالح مع من تجاوز فى حق الدولة ولم يحترم قوانينها، وكأنها «خناقة» فى حارة، أنتهت بتطيب الخواطر ومعاتبة المخطئ. لم يراع المتحمسون لهذا القانون كثيرا من الاعتبارات لعل أهمها هو حق المواطن الملتزم بالقانون، والذى احترم ضوابط البناء ودفع ثمنا لوحدته السكنية أضعاف الثمن البخس الذى دفعه المخالف، وكأننا دائما مانخرج ألسنتنا لأصحاب الضمائر.. ونقول لهم «موتوا بحسن ظنكم.. فى دولة تكافئ المخالف».