رفض الرئاسة لتمرير القانون يعيد هيبة الدولة لأنه لا يتفق مع الصالح العام ويشوبه عدم الدستورية لابد من طرح القانون لمناقشة مجتمعية مع المتخصصين.. بعض الأجهزة شريك أساسى فى المخالفات فى أول رد فعل على رفض الرئاسة لقانون التصالح مع مخالفات البناء، وصف الدكتور محمد عوض، رئيس لجنة الحفاظ على التراث المعمارى بالإسكندرية تلك الخطوة بأنها «بداية لاسترجاع هيبة الدولة». وكان عوض حذر فى تصريحات عبر «الشروق» من أن القانون «يعد واقعا أليما يسمح باهدار قانون البناء، والتصالح مع الفاسدين من المخالفين والمتواطئين معهم من الادارات المحلية، ويعتبراهدارا لحقوق المواطنين فى الحياه الكريمة والآمنة والتى يكفلها الدستور.. وهو ما يتحدث عنه بإسهاب من خلال هذا الحوار. * كيف استقبلت رد رئاسة الجمهورية بعدم موافقتها على قانون التصالح؟ بالطبع أنا سعيد جدا بتلك الخطوة، ولكن الرأى العام بحاجة لمعرفة ملابسات الرفض، وهل الأمر متعلق بتأجيل الموافقة على القانون فى الوقت الحالى، أم هى مسألة مبدأ فى التعامل مع المخالفين؟.. وبأى حال من الأحوال، رفض القانون من قبل الرئاسة، يعد بمثابة خطوة صحيحة نحو استعادة هيبة الدولة ويعطينا مزيدا من الوقت للمطالبة بإلغائه أو تعديله. * من وجهة نظرك ما هى الدوافع الحقيقية من وراء رفض الرئاسة للقانون؟ الأمر بالتأكيد يتعلق بنتائجه الحتمية والسلبية على واقع المدن المصرية ومن ثم فإنه لايتفق مع الصالح العام، ومخالف للدستور، وسبق وأن أكدت عبر صفحات «الشروق» على أن القانون سيتيح جمع الأموال من تحصيل بعض الغرامات من المخالفات وليس من جميع المخالفات، كما أن المسألة الأخطر تتعلق بنص القانون، والذى سيتيح غلق ملفات الفساد الخاصة بهذه المخالفات فى أجهزة الدولة واداراتها المحلية، فضلا عن علامات الاستفهام المتعلقة بكيفية تطبيق القانون فهل كان المقصود تحصيل الغرامات من المخالفين فى العشوائيات التى تمت وتتم على أراضى الدولة والاراضى الزراعية وبعض أراضى الأملاك الخاصة المحيطة بالمدن تحت سمع وبصر وزارات الاسكان والتخطيط العمرانى والمحافظات وأجهزتها المحلية ولمدة تجاوزت الثلاثة عقود؟ وهل هؤلاء المواطنون البسطاء هم الذين سيتقدمون بطلبات المصالحة؟ وهل لهؤلاء القدرة على سداد حتى رسوم المخالفات ورسوم قيمة التصالح عن المخالفات؟ وهل لهم القدرة على اثبات سلامة مبانيهم فى غياب أى مستندات ورسومات ومواصفات والاشراف الهندسى على البناء؟ وهل للأجهزة واللجان المقترحة فى القانون القدرة على بحث سلامة كل هذه العقارات فى العشوائيات؟. * هل ترى أن القانون سيفشل فى تحديد هوية المخالف؟ بالطبع هناك إشكالية كبيرة فى تحديد هوية المخالف ودوافع التصالح بعد أن اصبح الأمر واقعا مريرا، وأيضا بسبب تخاذل أجهزة الدولة فى ايقاف مثل هذه التعديات ومحاسبة المتسببين والمتواطئين معهم. فمعظم هذه المخالفات تتعلق بشركات المقاولات، والتنمية العقارية، والتى تكررت مخالفاتهم بهدم الفيلات والعقارات محدودة الارتفاعات لبناء أبراج سكنية بالمخالفة لقانون البناء والتخطيط العمرانى وكذلك التنسيق الحضارى. * لماذا من وجهة نظرك لا يتم الإمساك بتلك الشركات المخالفة؟ هذه الشركات تتخفى تحت مظلة قانون اتحادات الملاك، فهى أمام القانون ليست المتسببة فى المخالفة بل اتحادات الملاك، وهى ايضا ليس لها مصلحة من التصالح بعد أن أتمت البناء، وحصلت على اضعاف استثماراتها ولم تحصل منها الدولة أى ضرائب تتناسب مع عائد استثماراتها، واذا افترضنا أن هناك من يرغب فى التصالح، ويتم الكشف عن المستور فهل يمكن الكشف عن هوية الكحول؟ والمقاول الذى يتخفى خلفه والمهندس المصمم والذى تقدم بالرسومات المخالفة للقوانين وعليها أختام واعتمادات نقابة المهندسين؟ ثم المهندس الذى قام بعمل اختبارات التربة والأساسات وباشر عمل اختبارات الخرسانة أثناء التنفيذ حتى يمكننا التأكد من سلامة الانشاء، فهل هؤلاء هم الذين سيتقدمون للمصالحة؟ وهل يكفل القانون الجديد محاسبتهم ؟ أما عن المفسدين فى الأرض الذين أعطوا تصاريح ورخص البناء للكحول وتواطئوا مع المقاولين وشركات التنمية العقارية وسمحوا بدخول المرافق من كهرباء ومياه صرف صحى وغاز للعقارات المخالفة وحرروا محاضر مخالفات وهمية لحفظها فى الأدراج، فهل هم فى محل المحاسبة فى القانون الجديد؟ بالقطع لا. بل إن المشرع أجاز غلق كل هذه المخالفات والغاء جميع القضايا المتعلقة بهذه المخالفات فهل هذا دستورى؟ * ما هى أبرز تحفظاتك فى قانون التصالح؟ ومن المفارقات فى صياغة القانون أن المشرع «أجاز»، أجاز لمن؟ هل هى للجان المصالحة المشكلة؟ ولماذا لم يستخدم تعبير «يتم» التصالح فيما عدا ذلك أو تلك؟ فهل لفظ أجاز يعطى الأجهزة التنفيذية حرية تطبيق أو عدم تطبيق التصالح؟ وماهو معيار هذه الاجازة؟ وكيفية الرقابة على صحة تطبيقها ؟ كما خلا القانون من أى اشارة إلى المبانى التراثية والمناطق ذات القيمة المتميزة فهل سيسمح القانون بهدم المبانى التراثية واهدار القيم الحضرية فى المناطق المتميزة مثل القاهرة التاريخية والمعادى ومصرالجديدة ومثيلاتها فى الاسكندرية فى مناطق الحى الاوروبى والمدينة التركية ؟ ولم يشمل القانون أيضا ما يخص حماية المناطق المفتوحة والمحميات الطبيعية فهل سيتم التصالح مع من يبنى فى حرم الشواطئ والبحيرات والحدائق العامة؟ ويبدو أن هذا القانون لم يعرض على الجهاز القومى للتنسيق الحضارى لابداء الرأى، فهل يستدعى أن يشمل عدم التصالح بندا خاصا بالمبانى التراثية والمناطق المتميزة . * ماذا عن الناحية القانونية والدستورية لمشروع قانون التصالح ؟ القانون المقترح يتعارض مع المبادئ الدستورية فى نصوص المواد (33، 34) الصادر سنة 2014، والتى تحمى الملكية الخاصة والعامة والتعاونية وتنص المادة رقم ( 46 ) من الدستور أيضا على: «لكل شخص الحق فى بيئة صحية سليمة، وحمايتها واجب وطنى. وتلتزم الدولة باتخاذ التدابيراللازمة للحفاظ عليها، وعدم الاضرار بها، والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية بما يكفل تحقيق التنمية المستدامة، وضمان حقوق الأجيال القادمة فيها»، والذى نراه فى مشروع القانون الجديد أنه أهدر حرمة الملكية العامة والخاصة أيضا وجعلها مستباحة، فالتصالح على تخريب البنية التحتية والمرافق العامة سيجعلنا نقف أمام كارثة حقيقية فى بضع سنين لا أكثر من انهيار هذه البنية والتى ستتحمل ضغوطا جديدة فوق طاقتها الاستيعابية. وفى نهاية المطاف اذا تحقق تحصيل بعض هذه الغرامات، فمن الذى سيعوض الملكيات الخاصة من الأضرار التى لحقت أو ستلحق للمتضررين من اختلال المرافق والبنية التحتية، والحرمان من الرؤى والمطلات، والتمتع بالشمس والتهوية، وهى أبسط الحقوق العامة والتى يكفلها الدستور والقانون، أليس من المتوقع أن يبدأ المتضررون بالقاء المسئولية على الحكومة ومقاضاة الدولة التى تفرط فى حقوقهم الدستورية؟ وتتفاوض وتتصالح عنهم. هل ترى أن الدولة ومؤسساتها شريك فيما يحدث؟ بعض أجهزة الدولة هى أيضا شريك أساسى وطرف فاعل ورئيسى فيما يحدث من مخالفات فى البناء، ولن يكتمل العدل من القانون حتى يحاسب كل من أخطأ وتجاوز القانون، ويتم تعويض المواطنين عما فقد من حق وما يعانونه من أضرار . وأخيرا يجب أن يعاد النظر فى مشروع هذا القانون المعيب والذى تشوبه عدم الدستورية واعادة طرحه لمناقشة مجتمعية ومع المتخصصين لتعديله وتصويبه أو الغاؤه إذا لزم الأمر.