كلماته تتقطر ألما وحزنا علي ما وصل إليه حال محبوبته «عروس البحر».. الإسكندرية الرابضة علي رمال حوض البحر المتوسط والتي كانت تنظر في دلال وزهو الي دول الحوض تتباهي بحضارتها وجمالها، أصبحت الآن في غيمة وأهلها في غيبة بعد أن فقدت هويتها وأصبحت مدينة منكوبة نتيجة الإهمال المتعمد تارة واللامبالاة تارة أخري، وما خفي كان أعظم. بهذه الكلمات بدأنا الحوار مع الدكتور محمد عوض استاذ الهندسة المعمارية بجامعة الإسكندرية ورئيس لجنة الحفاظ علي التراث بالإسكندرية، والذي أصبح يحمل لقب «فارس» بعد تكريمه الأسبوع الماضي بالجمهورية اليونانية وتقليده وسام الاستحقاق من الدرجة الاولي بلقب فارس كما منح لقب سفيرا للحضترة الهلنستية ، وقد حصل علي أوسمه من فرنسا وإيطاليا فكان التكريم لاستاذ مصري عاشق للتراث العمراني والثقافي دافعا لإجراء حوار نتعرف من خلاله علي هوية الإسكندرية وتراثها المعماري الذي يعد ثروة تاريخية وأسباب التدهور الذي تعاني منه الآن عروس البحر وأسئلة كثيرة بلا أجوبة ترهق المواطن المصري، وإلي نص الحوار. لقب فارس نتعرف أولا عن التكريم ودوافعه بالجمهورية اليونانية؟ جاء هذا التكريم بسبب اهتمام الغرب بما تم من توثيق للتراث المعماري لمدينه الاسكندرية ويرجع الاهتمام بالاسكندرية بالذات لانها كانت رمزا للتعددية والكوزموبوليتانية في العالم القديم والحديث فقد قال عنها نابليون "إذا كان لابد ان تكون هناك عاصمة للعالم فيجب أن تكون الإسكندرية".. فهي كانت مركزا للعلم والثقافة والفنون بسبب مكتبتها ومتاحفها في العصور للهلنستية.. كما ولدت في الإسكندرية الفلسفة الأفلاطونية الحديثة، حيث امتزجت الفلسفة اليونانية بالفلسفة المصرية القديمة، وفي العصور البيزنطية كانت الإسكندرية مهدا للمسيحية الشرقية ومركزا للزرثوذكسية في مصر وسائر الدول الإفريقية، وبرزت المدينةة في العصور الإسلامية وانفردت كمركزا للصوفية الإسلامية، ثم جاءت تجربة الإسكندرية الكوزموبوليتانية، وهي الحضارة التي تعد نموذجا لمجتمع التعددية. في غيمة: كيف تري الإسكندرية الآن؟ بسرعة يجيب، هنا استعير كلمات الكاتب السكندري إبراهيم عبدالمجيد، الإسكندرية في غيمة وأهلها في غيبة، لقد أصيبت المدينة بالشيخوخة نتيجة الاهمال والقبح العمراني وتدهور بيئتها الطبيعية، لقد شوهت ميادينها وحدائقها وبصفة عامة أصابها حالة من التخلف والتراجع الحضاري. مدينه بلا هوية وفي رأيك ما الأسباب التي أدت إلي تدهور عروس البحر؟ تتعدد الاسباب والنتيجة مؤسفة وأولها علي الإطلاق فقدان المدينة للهوية، وهذا أمر لا يمكن استرجاعه، لذلك فأنا أطلق صيحة إنذار وتحذير من استمرار التدهور العمراني بالمدينة الذي نتج عن عدم الاستجابة لمواجهة المشاكل وفي مقدمتها الانفجار السكاني الذي يؤدي بالتبعية إلي زيادة الكثافات والأعباء علي البنية الأساسية، أما السبب الثاني فيكمن في عدم توجيه العمران في مناطق جديدة تسمح باستيعاب الزيادة السكانية، وتقلل من الازدحام بالمدينة، حيث نجد بعض المناطق تعاني من معدلات كثافة سكانية وبنائية تجاوزت الحدود والمعدلات العالمية. ويضيف: أعتقد أن المخططات الاستراتيجية لا تكفي لتطوير وتنمية المدينه، وأن غياب المخططات الإقليمية والمحلية نتيجة تقاعس أجهزة المحافظة هي السبب الرئيسي في التدهور الذي نلمسه من الناحية التخطيطية، بالإضافة إلي عدم قدرة الادارات المعنية للتخطيط وتوفير الخدمات المطلوبة للامتدادات العمرانية والتنظيم المعماري بالمدينة. إهدار وتشويه للتراث وتناول الدكتور محمد عوض أمر آخر غاية في الخطورة، حيث يؤكد أن هناك العديد من المشاكل الكبري تبرز علي الساحة السكندرية تتعلق بإدارة العمران ومنها مشكلة البناء المخالف وإهدار المباني التراثية وتشويها والتعدي علي المناطق ذات القيمة المتميزة. ومن خلال قراءة متأنية في الاوراق الرسمية والاحصائيات نجد بأن الإسكندرية كانت تضم بين جنباتها عام 2007 نحو 1135مبني تراثيا و63 منطقة تراثية، و43 شارع حفاظ، و134 أثر، و33 عمل فني بالمناطق الحضارية والميادين، كما تم تسجيل سبع مساجد تراثية.. هذه الثروة التراثية التاريخية الرائعة امتدت اليها يد التخريب عقب أحداث يناير 2011، والنتيجة المؤسفة إننا فقدنا 35 مبني أثريا، و7 مبان تم تشويها وتخريبها مثل حمام الشيخ بمنطقة المنشية، كما خرجت 80 مبني من التراث المتمثل في الفيلات ذات القيمة التراثية والطرز المعماريةالمتميزة، منهم 10 مبان تراثية مسجلة بالمجلد تم هدمهم وحل محلهم غابات أسمنتية شاهقة، إلي جانب هدم العديد من الفيلات غير المدرجة في قوائم الحفاظ، وقد استبدلت هي الأخري بأبراج سكنية مخيفة تجاوزت ادوارها عن حدود المسموح به بنائيا وفقا للقوانين، هذا بخلاف 40 مبني صدر بشأنها أحكام قضائية من القضاء الإداري بإخراجهم من مجلد التراث، ومن المنتظر أن تصدر قرارات هدم لتلك المباني، وللعلم هذه الظاهرة تتفرد بها الاسكندرية دون سائر محافظات الجمهورية. وأقاطعه بسؤالي.. وأين تمكن المشكله؟ تكمن المشكلة في عدم تطبيق قوانين الحفاظ علي المواطن المخالف، فمن غير المعقول عدم تقديم اي مواطن مخالف حتي الآن الي جهات التحقيق لتطبيق القانون، رغم تجاوز عددهم الي الالاف من المخالفين. كما يستمر التشويه بالمناطق التراثية وعدم الالتزام بالاشتراطات البنائية لحماية هذه المناطق طبقا للقانون 144لسنة 2006 ولائحته التنفيذية والارشادات واللوائح الخاصة بالتنسيق الحضاري. وهنا اؤكد أن التغاضي عن تنظيم العمران وتطبيق القانون ومحاسبة المخالفين والمتواطئين معهم من الردارات المعنية بالإدارة المحلية، ساعد بل شجع علي تفاقم ظاهرة البناء المخالف وتشويه المناطق التراثية. خطر داهم هل ما زال الخطر يهدد المناطق التراثية بالإسكندرية؟ للآسف ما زالت هناك محاولات مستمرة من بعض أجهزة المحافظة في اهدار المناطق التراثية وعدم تطبيق الاشتراطات الخاصة بها، حيث نفاجأ بإصدار تراخيص بناء بالمناطق التراثية صادرة من الإدارات الهندسيه بالأحياء والمركز الذكي مخالفة لاشتراطات التنسيق الحضاري. وفي هذا الصدد نسوق المشكله المثارة حالا بالمدينة والخاصة بمنطقة رشدي، حيث هناك محاولات مستميتة لتطبيق خطوط تنظيم بزيادة عرض الشارع من 15 مترا إلي 30 مترا، مما سيترتب عليه تدمير المنطقة التراثية وما يتبعها من فيلات وحدائق، وفي نفس الوقت حصول البعض علي تراخيص بناء باقصي ارتفاع لإقامة غابات اسمنتية سكنية بالمخالفة لاشتراطات وتوجيهات التنسيق الحضاري، وهذا ما يؤكده رأي اللجنة الفنية للحفاظ علي التراث المعماري والتي أتولي رئاستها. جريمة بلا رادع تتفرد الاسكندرية دون سائر المحافظات بكم كبير ومخيف من المباني العشوائية.. ما رأيك وما تأثيرها علي الهوية السكندرية؟ برهه من الصمت ويقول.. إن مشكلة البناء المخالف العشوائي لا تجد رادع لإيقافها لتقاعس وتواطؤ الإدارات المحلية بالأحياء المختلفة عن تنفيذ القانون، مما أدي إلي العجز عن حصرها، وبالنسبة للإحصائيات والبيانات التي تعلن من وقت لاخر عن عدد العقارات المخالفة فهي غير دقيقة ومضللة. وعن الإجراءات الواجب اتخاذها حيال المخالفين لشروط اليناء، يطالب أولا بتطبيق القانون وتوقيع عقوبات فعلية صارمة عليهم وامتناع أجهزة الدولة عن توصيل كافة المرافق للعقارات المخالفة خاصة عدادات المياه والكهرباء، والأهم ضرورة التحرك السريع لوقف أعمال البناء المخالف التي تتم حاليا بصورة مخيفة والتي تعد كوارث تحت التشطيب، وفي هذا الحالة نقول إن المواطن يقوم بشراء الموت بتحويشة العمر . لا لقانون التصالح أعلن رئيس مجلس الوزاء عن مقترح لقانون التصالح مع مخالفات البناء.. تري هل سيحد من تلك الظاهرة السلبيه أم سيساعد علي تفاقمها؟ بخبرة استاذ الهندسة المعمارية يقول.. أنا أري أن هذا القانون غير دستوري لأن المخالف المتعمد المخالفة لا يجب التصالح معه، إلي جانب أنه سيجلب العديد من المشكلات عند تطبيقه فمعظم المباني المخالفة من عقارات وأراضي غير مسجلة وتتم بواسطة اشخاص غير معلومين للجهات الرسمية، ولايوجد لها ملفات ورسومات هندسية وتم تنفيذها في غياب اشراف الدوله عليها فمن سيحاسب؟.. هنا ستوقع عقوبه الغرامة علي الشاغلين وهذا معناه أن القانون يعاقب البرئ الذي لم يرتكب الجرم. وفي حالة شركات التنمية العقارية فإن هذه الشركات تتحايل وتتخفي تحت شعار اتحادات الملاك الوهمية، وهنا أيضا ستقع المسئولية الجنائية علي الشاغلين، وهنا يطرح سؤال هام كيف سمح لهذا الكم الضخم من العقارات المخالفة أن تقام وأن يتم توصيل المرافق لها تحت سمع وبصر السادة المسئولين؟ وفي نهاية الحوار يطالب الدكتور محمد عوض بإنشاء جهاز إنقاذ وإسعاف متخصص مدعم بإمكانات وتقنيات عالية من أجل مواجهة الكوارث التي ستحدث مستقبلا وهذا أمر متوقع لا محالة.