يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21. اليوم الدولى للأسر، هو يوم تقيمه منظمة الأممالمتحدة سنوياً بتاريخ 15 مايو، ويعكس ذلك الأهمية التى يوليها المجتمع الدولى للأسر التى تشكل النواة الأساسية فى بناء المجتمعات والحضارات. الأسرة هى اللبنة الأساسية فى تكوين المجتمع، وتبنى على أساس ارتباطٍ بين ذكر وأنثى تحل له شرعاً، وذلك من خلال عقدٍ شرعيٍ بينهما، وهى بذلك التى يُناط بها مسئولية التربية للأولاد وتوجيههم لما فيه صلاحهم وإعدادهم لتحمل المهام والواجبات التى يكلفون بها فى مراحل حياتهم.
وتمتد الأسرة وتتصل بها علاقات قرابة متعددة، ولكل فردٍ من أفراد تلك المجموعة حقوقه، فإن مفهوم الأسرة يشمل الزوجين، وأولادهما من الذكور والاناث، وذلك هو المفهوم الذى يتوافق مع الإسلام، لما لهم فيه من حقوقٍ وواجباتٍ واهتمامٍ. تعتبر الأسرة المكون الفطرى الذى يشبع الحاجة الجنسية التى أودعها الله تعالى فى كل من الذكر والأنثى، ويكون ثمرتها نتاج الأولاد، ومن هنا تتحقق الغاية التى خلق الإنسان من أجلها، وهى إعمار الأرض واستمرار البقاء الإنسانى. الأسرة فى الإسلام: الأسرة فى الإسلام لها مكانتها، فهذه الأسرة المكونة من رجل وزوجة تقوم على المحبة والمودة، فالزواج فى الإسلام سكن للنفس، وتعايش بين الرجل والمرأة على المودة والرحمة: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم 21. موضوع الأسرة فى الإسلام يشكل لبنة أساسية فى المنهج الإلهي، وقد وجه الإسلام عنايته لتربية الأبناء أو تربية الأطفال، فالغاية من الزواج هى المحافظة على النوع الإنساني، بوجود عاطفة الأبوة والأمومة، ولذلك الله تعالى اقتضت حكمته أن يكون التناسل والتكاثر من ذكر وأنثى، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الروم 13. الشهوة حيادية: الإنسان أودعت فيه الشهوات، من أجل أن يرقى بها، هذه الشهوات حيادية، يمكن أن تفرغ فى قنوات كثيرة، ما من شهوة أودعها الله فى الإنسان إلا وجعل لها قناةً حلالاً تسرى خلالها: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) آل عمران 14. فالشهوة محببة إلى الإنسان، ولأن الإنسان مخير شهواته كلها حيادية، فعلاقة الرجل بالمرأة يمكن أن تفرغ هذه الشهوة بطرق كثيرة، ولكن الطريق الحلال الذى ارتضاه تعالى هو طريق الزواج، فلذلك ينبغى أن تهتم المجتمعات بالزواج أبلغ الاهتمام، وينبغى أن تعنى بالأسرة أبلغ العناية، فما من منهج إصلاحى أو اجتماعى إلا ويقوم على أساس العناية بالأسرة. العناية بالأطفال: الإسلام يعتنى بالطفل من يوم مولده، يرعاه ويخطط لمستقبله، لأن الأسرة فى الإسلام لها مكانتها، لهذا لا بد للإسلام من أن يصحح أول لبنة من لبناتها وهى الطفل. هذه هى الفطرة، فلأن الفطرة تقتضى أن نتزوج، وأن ننجب، وهذا هو الطريق الحلال الذى شرع لنا من خلال علاقة الرجل بالمرأة، ومن خلال هذه العلاقة يتم إنجاب الأولاد، فالطفل هو العنصر الأول فى بناء الأسرة، وهو الذى يسعد أهله أو يشقيهم. النهوض بالأسرة: الأسرة هى الخلية الأولى فى بناء المجتمع، فإذا تماسكت تماسك المجتمع، وإذا تفتتْ تفتتَت المجتمع، وقد يكون الأطفال هم من أسباب المودة والرحمة: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم 21. من الآيات أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، فجُعِلَ كل من الطرفين سكناً للآخر، من أجل أن يلتقيا، وأن يتحاببا، وأن يتعاونا، لِتسكنوا إليها، لو كانا متماثلين لما سكنا إلى بعضهما، وجعل بينكم مودة ورحمة، الشيء اللطيف فى هذه الآية أن المودة شيء والرحمة شيء آخر، المودة هى السلوك النابع من شعور هو الحب، السلوك بالابتسامة، الكلمة اللطيفة، الرفق، الهدية، الرحمة، نحن أحياناً لسبب قاهر يفتقر الزوج، أو يمرض، ولسبب آخر تمرض الزوجة، تنقطع المصلحة بينهما، فإذا انقطعت المصلحة بينهما، حلت الرحمة محل المودة، لذلك فى الإسلام الزواج يؤسس ليبقى. بمعنى أن كل طرفٍ يخاف الله فى الطرف الآخر، ويتقرب إلى الله بخدمة الطرف الآخر، فإذا كان الزواجٌ مبنياً على أن يكون الله بينهما، وأن كل طرف يسعى لخدمة الطرف الآخر، تقرباً إلى الله تعالى، ويخشى أن يظلم الطرف الآخر خوفاً من الله، فهذا الزواج وجد ليستمر، لذلك الطفل هو الثمرة التى ينبغى أن تكون، هو المودة والرحمة بين الزوجين. الأم والارتقاء بأبنائها: إذا بنى الزواج على طاعة الله، ووفق منهج الله، تولى الله التوفيق بين الزوجين، ولو افتقر إلى معظم مقومات نجاحه، أما إذا بنى الزواج على معصية الله، ولو توافرت له كل أسباب النجاح، يتولى الشيطان التفريق بينهما هذه واحدة، أما الشيء الثانى فهو أنه لابد من حسن اختيار الزوجة، لا بد من أن تكون من بيت علم، من بيت أخلاق، من بيت قيم، لها تربية عالية، تخشى الله، فيها حياء، تريد زوجاً مؤمناً يحفظ لها دينها، أما هذا التفلت وهذا الانحراف فهذا انعكاسه على الأسرة خطير. أما أولياء الفتيات أحياناً يأتيهم خاطب يرغبون بماله فيضحون بابنتهم، يقول عليه الصلاة والسلام: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه»، المأثورة ومن الأقوال: «زوج ابنتك للمؤمن، إن أحبها أكرمها، وإن لم يحبها لم يظلمها». إذاً نحن يجب أن نبدأ بتربية الصغار، فإذا ربيناهم تربية إسلامية كانوا كباراً، فحينما تخطب امرأة صالحةً، ودود ولود ستيرة عزيزة، هذه الصفات التى ذكرها النبى عليه الصلاة والسلام فى المرأة، وهذه لابد من أن تبدأ بسلسلة مبكرة فى التربية، فالإنسان كالوعاء ما يوضع فيه من فوهته العليا تأخذه من صنبوره الأسفل، كوعاء الماء، له فتحة فى الأعلى وله صنبور فى الأسفل، الذى تضعه فى فتحته العليا تأخذه من صنبوره الأسفل، فإذا غذيت الفتيات والشباب تغذيةً غير إسلامية، كالإباحية، والتفلت، والحرية غير المنضبطة، غذيت على طلب الشهوة والإلحاح عليها ولم تعبأ لا بزوج ولا بأولاد، هذه لن تكون امرأة صالحة، الدنيا كلها متاع، وخيرُ متاعها المرأة الصالحة التى إذا نَظَرْتَ إليها سرَّتْكَ، وإذا غِبْتَ عنها حفظتك، وإذا أمرتها أطاعتك. حماية الأسرة: يجب أن نوقف الغزو الثقافي، أن نصون أبناءنا من كل شيء يفسد أخلاقهم، فأنا أرى لا بد من أن يوجه الإعلام توجيهاً سليماً، لابد من أن تضبط المناهج، والأخلاق، وإلا يدفع الآباء ثمناً باهظاً حينما يرون أولادهم قد انحرفوا، هذا الذى نظرتم به حقيقى. القرآن الكريم جعل الأطفال بشرى: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى) مريم 7، وجعل الأطفال قرة عين: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) الفرقان 74، وجعل الأطفال زينة الحياة الدنيا: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) الكهف 46. الطفل فى بداياته لا بد من المتابعة، ففى البدايات يرى الطفل أمه وأباه مثلين كبيرين: «عن عبد اللَّه بن عامرٍ أنه قال: دعتنى أمى يومًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد فى بيتنا فقالت: ها تعال أعطيك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما أردت أن تعطيه؟ قالت: أعطيه تمرًا، فقال لها رسول الله صلى اللهم عليه وسلم: أما إنك لو لم تعطه شيئًا كتبت عليك كذبةٌ». فيكفى أن يكون الأب والأم مثلين كاملين، هذه أول مرحلة، وأقوى مرحلة فى تربية الأولاد، فالأب الذى يقول لابنه: قل لهذا الفلان الذى يطرق الباب ويسأل عنى إننى لست فى البيت، هذا كذب، المرأة التى تأخذ ابنتها لبيت الجيران وتقول لزوجها حينما يعود: لم أغادر البيت، هذه المرأة السيئة علمت ابنتها الكذب، وهذا الأب الذى يقول لابنه: قل لطارق الباب إنى لست هنا، هذا علمه الكذب، مع أنه يجب أن تكون مستقيماً أمام أبنائك. تربية الأبناء: تعتبر الأسرة المكان الأول لرعاية الأبناء، والاهتمام بهم وحسن توجيههم، وضبط سلوكياتهم وتشكيل قيمهم، بالإضافة إلى ضرورة إظهار مهارات الطفل وحسن استغلالها وتوجيهها. والأسرة لها الدور الأكبر فى الاهتمام بالأبناء ورعايتهم، لأنهم أمانة فى أعناقهم، وهم من عملهم الصالح الذى يتقربون فيه إلى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) التحريم 6. فى الأسرة يقوم الوالدان على تعزير السلوك الحسن والتنفير من السلوكيات القبيحة مع بيان قبحها للأبناء، فتتشكل مرجعية الأبناء فى الحكم على ما يقابلهم من مواقف مختلفة فى حياتهم، وتعد الأسرة الموجه الحقيقى لسلوكيات الأبناء، لا بد من إقناعهم، علموا ولا تعنفوا، فالتربية المثلى هى الإقناع لا التلقين.