كشف الكاتب الصحفي هشام أصلان، في مقال نشره بموقع "ضفة ثالثة"، أن تجربة الاعتقال كانت حجر الأساس في تشكّل المشروع الأدبي للروائي الكبير صنع الله إبراهيم، واصفًا إياها ب"الجامعة القاسية" التي صقلت شخصيته الأدبية وشكّلت وعيه الإنساني والثقافي. ونقل أصلان عن صنع الله قوله: "السجن هو جامعتي، ففيه عايشت القهر والموت، وتعلمت الكثير عن عالم الإنسان"، وهي الجملة التي رأى الكاتب أنها تصلح مدخلًا مكثفًا لفهم عالم صاحب "تلك الرائحة"، وتقدّم تمهيدًا لقراءة كتابه الأبرز عن هذه المرحلة "يوميات الواحات"، الذي يوثق تفاصيل اعتقاله السياسي في ستينيات القرن الماضي. وذكر أصلان، أنه في عام 1964، وبالتزامن مع زيارة الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف لمصر لحضور تحويل مجرى نهر النيل، أفرجت السلطات عن عدد من المعتقلين السياسيين، من بينهم صنع الله إبراهيم، بعد خمس سنوات من السجن كانت كفيلة بتحويله إلى كاتب. وخلال سنوات الاعتقال، وجد إبراهيم نفسه وسط مجموعة من أبرز المثقفين المصريين مثل فؤاد حداد، محمود أمين العالم، ومحمد عمارة، وهي صحبة أدبية وثقافية أثرت تجربته بشكل بالغ. ووفقًا للمقال، فقد مارس النزلاء في معتقل الواحات أنشطة ثقافية وتنظيمية جعلت من السجن فضاءً موازياً للحياة الثقافية في الخارج، وصولًا إلى استخدام ورق لفّ السجائر في الكتابة، والالتفاف لقراءة "ثلاثية نجيب محفوظ" التي كانت بمثابة مورد ثقافي مشترك داخل الزنزانة. كما تطرق المقال إلى حادثة استشهاد شهدي عطية أثناء التحقيق، والتي شهدها صنع الله إبراهيم وطلب منه الإدلاء بشهادة زور، ما ترك أثرًا نفسيًا بالغًا عليه ودفعه لاحقًا إلى التأمل في معنى الكرامة الإنسانية وحق الإنسان في الحياة، وهي أسئلة ظلت حاضرة في أعماله لاحقًا. وعن بداياته الأدبية، أوضح أصلان أن صنع الله خرج من المعتقل ليبدأ كتابة روايته الأولى "تلك الرائحة"، التي عرضها على يوسف إدريس فوجد فيها مشروعًا واعدًا. وقد صدرت الرواية عام 1966، قبل عام من نكسة يونيو، وأثارت وقتها جدلًا واسعًا بسبب لغتها المباشرة ونظرتها الناقدة للواقع. وبينما احتفى بها يوسف إدريس، رفضها يحيى حقي بشدة. ورأى أصلان أن "تلك الرائحة" كانت إعلانًا عن جيل أدبي جديد تجاوز الشكل البلزاكي في السرد، متأثرًا بأفكار همنجواي وواقعية ما بعد الحرب، وهو الجيل الذي تنبّأ بهزيمة يونيو قبل وقوعها، وحمل همّ التغيير في ظل التحولات السياسية والثقافية والاجتماعية. واختتم أصلان مقاله بالإشارة إلى أن أعمال صنع الله اللاحقة ظلت مشغولة بفكرة الرفض والمقاومة، مؤكدًا أن "تلك الرائحة" لم تكن فقط علامة أدبية فارقة، بل وثيقة روائية كشفت جانبًا خفيًا من تاريخ القمع السياسي في مصر، قبل أن تصادر الرواية وتُنشر لاحقًا بنصّها الكامل في الثمانينيات.