من أمس 22 فبراير يحتفل المصريون والعالم سنويًا بتعامد الشمس في قدس الأقداس بمغبد أبو سمبل علي وجه الملك رمسيس الثاني أهم فراعين الدولة المصرية الحديثة الذي قاد الجيش المصري لمواجهة جيش الحيثيين القادمين من هضبة الأناضول التركية الآن في معركة 'قادش' السورية التاريخية الشهيرة. وتأتي المصادفة التاريخية الفريدة لتجديد الارتباط بين أمجاد الماضي وإنجازات الحاضر، وتأكيد التلازم بين الوحدة والنصر، حيث يتوافق هذا الاحتفال ب'يوم النصر' القديم مع احتفال المصريين والسوريين ب'يوم الوحدة' الحديث، في ذكري إعلان قيام 'الجمهورية العربية المتحدة' في 22 فبراير عام 8591 بين مصر وسوريا برئاسة الزعيم العربي جمال عبد الناصر الذي قدمها للعالم قائلًا: 'لقد قامت دولة كبري في هذا الشرق، ليست دخيلة فيه ولا غاصبة، ليست عادية عليه ولا مستعدية.. دولة تحمي ولا تهدد، تصون ولا تبدد، تقوي ولا تضعف، توحد ولا تفرق.. تشد أزر الشقيق، وترد كيد العدو، لا تتحزب ولا تتعصب، لا تنحرف ولا تنحاز.. تؤكد العدل، وتعزز السلام، وتوفر الرخاء لها ولمن حولها بقدر ما تتحمل وتطيق'. وبهذا الإعلان الخالد كُتِبَتْ شهادة ميلاد أول دولة وحدوية في تاريخ العرب الحديث، استجابة لإرادة شعبية غلابة، لتصحيح الأوضاع التي خلفها الاستعمار بخرائط تهشيم الأمة العربية في سايكس بيكو الأولي، ولايزال يواصلها الآن بسايكس بيكو الثانية، بالغزو المباشر وبالوقيعة بين الأشقاء، وداخل الأوطان العربية بالفتن المذهبية والعرقية والسياسية وبالإرهاب الإجرامي الذي يشكل أبرز أدواته تارة باسم الثورة وأخري باسم الجهاد، لهدم الدولة الوطنية ولمنع قيام الوحدة العربية. وبينما كانت تلك الخطوة الوحدوية، تمثل للشعب العربي الخطوة الاستراتيجية الأولي لتغيير المشهد العربي من التجزئة إلي الوحدة، ومن الضعف إلي القوة ومن التخلف إلي التقدم، ولإعادة تصحيح الخلل الواقع بالتجزئة علي الأرض العربية منذ خرائط التقسيم الاستعماري التي أ بقت كل جزء غير قادر وحده علي تحقيق أمنه أو بناء نهضته، يراد لهذه الخريطة العربية الآن أن تزداد تجزئة بخرائط صهيو أمريكية شرق أوسطية، وبربيع عربي كاذب لإعادة تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ! إن القيمة الأساسية لتلك الخطوة الوحدوية الاستراتيجية جاءت بتعبيرها عن إرادة شعبية لإزالة مخلفات الاستعمار، الذي لا يريد لهذه الأمة أن تستعيد ذاتها من جديد، فلا يريد لها وحدة ولا تقدمًا ولا حرية، بل أجزاء ضعيفة لفرض إرادته السياسية عليها، ولتمكين قاعدته الاستعمارية إسرائيل أن تكون الدولة الإقليمية الأقوي، كعصا غليظة يضرب بها أي محاولة لوحدة او تنمية وطنية. والقيمة الكبري للوحدة المصرية السورية هي ضرورتها الاستراتيجية الكبري للأمن القومي العربي، ويكفي ما ساد الدوائر الاستعمارية الغربية والصهيونية من صدمة عبر عنها الصهيوني 'بن جوريون' بقوله: 'هذه الوحدة وضعت إسرائيل بين الكماشة المصرية السورية'، ولذلك تآمروا علي فصلها، وضرورة الوحدة للأمن الوطني حيث حيث كانت مصر ولا تزال تشكل عمقًا استراتيجيًا لسوريا مثلما تشكل سوريا عمقًا استراتيجيًا لمصر، وتشكلان معًا جبهة الصد ضد العدوان الصهيوأمريكي. فقد خاض الجيشان معًا حرب يونية عام 76 وذاقًا معا ًمرارة الهزيمة العسكرية، مثلما خاضا معًا حرب أكتوبر عام 37 وذاقا معًا حلاوة النصر العسكري، ولأن تلك الحرب المنصورة تمت تحت علم دولة 'اتحاد الجمهوريات العربية' التي قامت في إبريل عام 17 بين مصر وسوريا وليبيا بهدف تحرير الأراضي العربية المحتلة بعد هزيمة يونية والتي ما كانت لتحدث لولا مؤامرة الانفصال التي قوضت دولة الوحدة الأولي، جري تفكيكها ويجري اليوم ضرب دولها الثلاث اليوم فرادي!. ولأن النصر لم يكن ليتحقق لولا مشاركة جيوش العراق والجزائر وليبيا والسودان واليمن لجيوش مصر وسوريا، ولولا مشاركة الإمارات والسعودية في عهد زايد وفيصل ودول الخليج بالنفط في المعركة، فلقد تقرر أمريكيا وغربيا الانتقام من هذه الجيوش والدول العربية التي شاركت في الحرب ضد إسرائيل، فخططت لذلك عام 74 عقب النصر العربي والهزيمة الإسرائيلية مباشرة! والهدف هو قلب المعادلات السياسية والعسكرية العربية الجديدة لصالح إسرائيل بتفكيك الجيوش ونشر الفوضي لتقسيم الدول، ومن هنا بدأت الحكاية بمشاهدها الكارثية الدامية في العراق وليبيا وسوريا واليمن والتي عشنا ونعيش شواهدها تحت وهم 'الربيع' علي مدي السنوات الأربع الماضية بسيناريوهات صهيوأمريكية واحدة وبأدوات إرهابية إسلاموية وثوروية واحدة! واليوم وقد استفاق الشعب العربي علي حقيقة المؤامرة الاستعمارية الإرهابية الصهيونية، وبعدما خرجت الملايين الشعبية المصرية في الثلاثين من يونية للتصدي للمؤامرة وإسقاط الحكم الإخواني الفاشي، وإيقاف قطار هدم الدول الوطنية بنظرية الفوضي الهدامة الأمريكية، تحركت مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتعاون مع الأشقاء العرب في الخليج والجزائر لوقف المؤامرة الإرهابية الدامية نفسها في ليبيا وسوريا أولًا، واليمن والعراق ثانيًا. وهنا لا بد من مراجعة الموقف العربي المتباين بدوافع مذهبية أو مصلحية أو برؤي قصيرة النظر تجاه الأزمات السورية والليبية واليمنية والعراقية، سعيًا لحشد القوي الوطنية لمواجهة الإرهاب أولًا وللحوار ثانيًا، لإعادة التوازن للوضع العربي، خصوصًا أنه بينما تجري محاولات الحل السياسي في سوريا تسارع أمريكا وتركيا لتأجيج الحلول العسكرية، وبينما يجري الحوار السياسي في ليبيا تسارع القوي الإرهابية بدعم قطري وتركي وأمريكي لإشعال الحرب الأهلية! وهنا لابد أيضًا من تصحيح مصر لموقف القطيعة السياسية بين القاهرة ودمشق حتي يمكن لها الإسهام مع كل الأطراف للوصول للحل السياسي الوطني، في اتجاه تأكيد وحدة واستقلال الوطن، وسلامة الدولة الوطنية، وتحقيق الإرادة الشعبية والوحدة الوطنية كشرط لا بديل عنه لتحقيق أي وحدة عربية، التي هي الحل الحقيقي والوحيد لكل الأزمات العربية.