في زمن فات، كان مرض الحاكم سراً من أسرار الدولة، محظور الحديث عنه أو مجرد الاشارة إليه، ولان مثل تلك »الأسرار« يصعب كتمانها أو التعتيم عليها حتي في المجتمعات المنغلقة، كانت الشائعات تدور في البلاد وتتضخم وهي تنتقل من فم إلي فم وتثير البلبلة بين الناس. ولعل السر في ذلك أن بعض الحكام كان يري في مرضه ولو كان بسيطا، شأناً شخصياً يتعلق به ولا يخص المواطنين، فهم في اعتقاده يجب ان يروه في منزلة فوق البشرية، لا كإنسان يمشي بين الناس، ينام ويستيقظ، يأكل ويشرب، يحزن ويفرح، يمرض ويشفي بإذن الله وبعلاج الطبيب أو مبضع الجراح! غير انه للمرة الثانية في غضون 6 سنوات، صدر بيان رسمي مصري وقرار جمهوري يغايران عرف التعتيم الذي درجت عليه العهود السابقة في شأن حق الشعب في المعرفة، ويؤكدان ان نظام الحكم في مصر صار أكثر نضجاً واعتناقاً للمباديء الديمقراطية وعلي رأسها مكاشفة الشعب بحقائق الأمور وصون الدستور واحترام مواده. ففي يوم الخميس الماضي، صدر بيان رسمي مصري يعلن أن الرئيس حسني مبارك الذي كان يقوم بزيارة عمل إلي المانيا، سوف يتوجه إلي مستشفي مدينة هايدلبرج الالمانية لاجراء فحوص علي الحويصلة المرارية، التي يشكو من آلامها المتكررة بين حين وآخر. وصباح يوم أمس.. توجه الرئيس مبارك إلي المستشفي لاجراء الفحوص الطبية اللازمة، ثم أصدر في المساء قراراً جمهورياً باسناد اختصاصات رئيس الجمهورية إلي د. أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء لحين عودته إلي مباشرة عمله، إعمالاً للمادة »28« من الدستور التي تقضي بأن ينيب رئيس الجمهورية نائبه أو رئيس مجلس الوزراء - في حالة عدم وجود نائب للرئيس- في القيام باختصاصات رئيس الجمهورية إذا حال مانع مؤقت دون قيامه بها. وبرغم الشفافية الرسمية في الاعلان عن الحالة الصحية للرئيس مبارك منذ اللحظة الأولي، وبرغم اننا شاهدنا الرئيس مبارك علي شاشات التليفزيون يدخل الي المستشفي علي قدميه دون ان تبدو عليه آثار اعياء، ورغم ان آلام المرارة من المتاعب الصحية التي يسهل التعامل معها وازالة أسبابها، فلقد عمت الشارع المصري مشاعر قلق، لها بالقطع ما يبررها. فالرئيس مبارك لدي الغالبية الكاسحة من أبناء مصر، ليس مجرد رئيس، انما هو أب يضفي علي أسرته وابنائه الشعور بالأمان والاستقرار، ويحظي بينهم بالحب لشخصه والاحترام لعطائه وتضحياته من أجلهم، ومن ثم لابد أن يجزعوا له إذا اصابه مرض ولو كان مجرد نزلة برد. ولعل ما يزيد من مشاعر التقدير والعرفان لهذا الرجل العظيم، ان آلام المرارة التي كانت تنتابه خلال الأسابيع الماضية، لم تثنه عن الطواف بمحافظات مصر ومدنها وقراها، يلتقي بأبنائها، ويفتتح مشروعاتها الجديدة، ويشد علي أيادي بنائيها. قلوبنا تبتهل إلي الله أن يعيد إلينا الرئيس والاب حسني مبارك سالماً معافاً إلي أرض الوطن في أسرع وقت، وان يبقيه لنا صمام أمان لهذا البلد.