هناك من الأسرار الكثير، منها ما هو شخصي ومنها ما هو عام، بعضها له بعد سياسي والآخر له بعد إنساني، ولكن حاليًا لم تعد هناك أية أسرار؟!، قديما قالوا «السر في بير» ولكن هذه الأيام جميع الآبار هي ملك الدولة وملك لوزارة الموارد وليست علي المشاع كما كانت في السابق، والأسرار لم تصبح بنفس الثقل والقوة والمتانة كما عهدناها من قبل، والعولمة التي أدت إلي أن السر أصبح في خبر كان وأخواتها ويعرفه القاصي والداني ويتكلم به صاحبه وصاحب صاحبه حتي في الموالد وفي الفضائيات جميعها وفي التوك شو ولم تعد هناك أسرار بل شائعات تحوم في أفق كل المجالس ويتمنطق بها من لا أسرار له، فتصبح من فضائح التاريخ المعاصر بين الأمم والشعوب والقبائل وفي الأزقة والحواري والنوادي والمصالح الحكومية. أيضًا قالوا سابقا أن السر إذا خرج من فم صاحبه شاع وحقوق النشر ليست محفوظة لأحد، ويظل يتأرجح السر بين الحقيقة وبين الإشاعة ويصدر عنه ألف طبعة وطبعة بروايات مختلفة ومنقحة ولها المذكرات التفسيرية كذلك، ولا أدعي معرفة الأسرار ولكنها مطروحة علي الملأ يعرفها الجميع!! أول وأهم هذه الأسرار هو علاقة الدين بالسياسة؟!، ليس سرا أن أهل الدين يبغون ويرتضون ويأملون أن يكونوا من أهل الدنيا، أما أهل الآخرة فهذا شأن آخر، يرغب أهل الدين في التمسك بتلابيب الحكم وأصحاب السلطة في الكنيسة في العصور السابقة وكلنا نعرف ما فعله راسبوتين في الأسرة الحاكمة في روسيا وما فعله الباباوات في رجال الحكم في إيطاليا وفي انجلترا بل وكل أوروبا، وعلي غرار ذلك ما حدث بين أهل السنة والشيعة منذ موقعة كربلاء وحتي موقعة بغداد في العصر الحديث، وعلاقة الإخوان المسلمين بالحكم في مصر ومنها علاقة حماس بالقضية الفلسطينية وجميع علاقات ما ينتسب للإسلام في كل البلاد التي لها علاقة بالإسلام من قريب أو بعيد، كل الغليان والفوران بين أدعياء الإسلام والسياسة هو بهدف السلطة وقلبها والاستحواذ عليها سواء في الصومال أو الفلبين، ولو نظرنا لما فعله الإخوان في مصر من عداوة مستمرة بينهم وبين من بيده السلطة في عهد الملكية أو الجمهورية الأولي أو الثانية أو الثالثة ما هو إلا محاولات لقلب نظام الحكم وأن الإسلام هو الحل، الوطن المصري لا مجال فيه للمضاربة بالدين علي حساب المواطنة، والجدير بالذكر أن تشابك القضية ومصالح المهتمين بها لهو أقوي دليل علي خلط السياسة بالدين ومزج القضية الفلسطينية بالإسلام السياسي والتطرف بل وبدعة الإرهاب بالسلاح وبالثقافة وبالسياسة وبكل وسيلة ممكنة، وما حدث في قطاع غزة يفسر كثيرًا من الأمور، فلقد تمكنت الحكومة المقالة بالقبض بيد من حديد علي الحكم بمنطق عصفور في اليد خير من عشرة علي الشجرة العربية الإسلامية وفي سبيل هذا لا مانع من مقاطعة الاتفاقات والمعاهدات ولو كانت تحت أستار الكعبة ولتذهب كل الآيات والأحاديث والأعراف وكل القيم العربية إلي مكان ناء ويكفينا ما يحدث في أرض العراق والصراع الدائر بين كل الأطراف وفي أفغانستان وباكستان أيضًا. ثاني هذه الأسرار هو موقف الرأسمالية الوطنية من التنمية وبالطبع لا أمل في تلك الرأسمالية مطلقا حيث إنها حديثة عهد بالوطنية فهي من نوع آخر يختلف عن طلعت حرب وعن عبود وعن يس وعن سيد جلال، كلهم تحكمهم المعايير الدولية في الاستثمار من حيث إن المال لا وطن له وأن التوكيلات أفضل من الصناعات وأن الاستيراد أربح من العمل والإنتاج، الشيبسي أفضل من القمح، والبور جر أحسن من الفول والمستورد أجدع من المحلي وأوروبا لا مثيل لها سوي الولايات في كل الصناعات وكم قلت من قبل فليحيا كل ما هو مستورد!! ثالث تلك الأسرار هو بقاء مجانية التعليم والتي ستظل حبرًا علي ورق وستبقي مقولة في الهواء الطلق لا أساس لها من الصحة والتعليم العام له رسوم دراسية سنوية ومثلها رسوم للامتحان ويعفي منها اليتامي وذوو الحاجة ولكن هناك كل مستلزمات التعليم وأهمها الكتب الخاصة التي لها مافيا معروفة تتقاسم إيراداتها مع عصابات الوزارة ثم الدروس الخصوصية والتي تتراوح ميزانيتها بين عدة مليارات تفوق اعتمادات الميزانية المخصصة للتعليم، سيبقي هذا التعليم مجانيا في مناقشات الحزب الحاكم ومجلس الوزراء وموضع طعن للمعارض تمامًا كما هو الحال في التأمين الصحي في مدينة الأشباح والقري المظلمة، وليس سرا أن يحاول الجميع تطوير التعليم لعل وعسي!! رابع تلك الأسرار رفع الحد الأدني للأجور ولو بحكم المحكمة الدولية والمحكمة الدستورية وجميع المحاكم في العالم، فهي لن ترتفع ولن تنخفض أيضًا ولكن من الجائز في المقابل أن ترتفع الأسعار حيث إنها ليست في حاجة إلي اعتمادات وزارة المالية ولا موافقات لجان المجلسين. خامس تلك الأسرار هو القضاء علي البطالة فهي معضلة محلية عالمية دولية مثلها مثل مشكلة السحابة البركانية وأنفلونزا الخنازير، البطالة لها علاقة بالموازنة العامة للدولة ولها علاقة أخري بمعدل الزيادة السكانية وكذلك بمعدلات الادخار والفائض ولها علاقة بارتفاع معدلات التضخم والدين العام والخاص، كل فرصة عمل في حاجة إلي عشرة آلاف دولار كي تبدأ أكلها وهذا المبلغ ليس في حوزة الأهل ولا الدولة وربما كان في مقدور أهل الكتاب الأخضر أو ذوي الشيكات السياحية أو دول الأوبك. سادس تلك الأسرار نزاهة الانتخابات والتي سوف تجري في المستقبل القريب حتي لا نري ما يحدث حاليًا علي رصيف المجلس.