لاجدال اننا اصبحنا في حاجة ماسة الي تحليل وتفسير لوجود هذه الحالة الغريبة التي اصبحت سائدة في الشارع المصري والتي جعلت من اختلاق المشاكل وتعقيدها هواية لفئات كثيرة في المجتمع علي كل المستويات. لقد اصبحت نزعة الجنوح الي الاشتباك ظاهرة سلبية سندها التوتر في علاقات فئات المجتمع بعضها ببعض.. ان ما يثير الانتباه في هذا الوضع التمسك بالعناد الذي يُولد الرغبة في عدم تحقيق المصالحة وايجاد حلول لهذه المشاكل المثارة. ومن الملاحظ ان العصبية هي اهم ما تتسم به هذه الظاهرة التي بلغت مداها بتبادل الاتهامات واللجوء الي التهديدات والاعتصامات والاصرار علي تصعيد الخلافات والتوترات. اخر حلقات ما تموج به الساحة حاليا هذا الصدام الذي لا يستند الي اي مبررات تتوافق او تتفق مع العقل والمنطق والقيم التي يجب ان تكون سائدة ومستقرة بين طرفين يمسكان بأيديهما زمام تحقيق العدالة القضائية. واذا كان هذان الطرفان يمثلان ركيزتي اقرار العدالة المجتمعية فقد كان الاحري بهما ان يُخضعا علاقتهما وتعاملاتهما التي لا تنفصم بالقانون وللقيم الاخلاقية بعيدا عن اي ممارسات خارجة. في هذا الاطار . وباعتبارهما قدوة لباقي فئات المجتمع فقد كان عليهما اذا ما نشب خلاف بينهما العمل علي تصفيته وديا وعلي أساس عمق العلاقات بينهما واذا تعذر تحقيق هذا فإن عليهما الرجوع الي القانون والخضوع لكل ما يقضي به بعيدا عن وسائل الهياج والفئوية المقيتة التي تتنافي مع هذه المباديء. ان ما اعنيه بهذه الملاحظة يتعلق بتلك »الخناقة« الدائرة علي اشدها بين المحامين وأحدي أركان الهيئة القضائية نتيجة الاتهام الموجه الي محاميين في مدينة طنطا بالاعتداء علي احد رجال النيابة. كان طبيعيا ان يأخذ القانون مجراه في هذه الواقعة الخطيرة بعد استحالة التسوُية الودية لتبيان الحقيقة وكل الملابسات التي احاطت بهذا الاتهام وهذا امر ما كان يجب ان يؤدي الي غضب احد من طرفي هذه المنظومة القضائية. وبالطبع وامام هذا الوضع فإنه لم يكن امام النائب العام سوي اتخاذ الاجراء الواجب في مثل هذه الحالات ليس لان المعتدي عليه احد اعضاء الهيئة القضائية ولكن لان هناك اتهاما بالاعتداء سواء كان هذا المعتدي عليه رجل قضاء او شخص عادي يقوم بعمل عام. ولابد هنا ان اشير الي ان الواقعة ذاتها ما كان يجب اصلا السماح بحدوثها بحكم ان الخلاف بين الطرفين المتنازعين في هذه القضية ذات بعد اخلاقي قبل اي شيء . من هنا فقد كان من المفروض ان يكون تعاملهما مع الموقف قدوة لباقي فئات المجتمع وعلي اساس هذه المعايير وأن يوضع في الاعتبار ما قيل عن ان هناك وقائع سابقة متكررة لمثل هذا السلوك الذي يتنافي والعلاقات الابدية بين الهيئة القضائية ومهنة المحاماة. في هذا الاطار كان يجب عدم السماح باي حال من الاحوال الي ان يتطور الخلاف بينهماإلي ماوصل إليه. وبهذه المناسبة فإنني اتساءل إلا توجد مساحة من التعقل تسمح بتدخل حكماء المعسكرين لفض هذا الاشتباك الذي يهز اركان دعامتين اساسيتين للعدالة وهيبتها. من المؤكد ان الباب مفتوح تماما لهذه التدخلات خاصة ان الكثير من كبار وأبرز رجال المحاماة كانوا من رجال القضاء السابقين ،كما ان القانون يقضي ايضا شغل بعض المحامين لوظائف قضائية بشروط معينة. ان ما تتعرض له العلاقة بين القضاء والمحاماة امر لا يليق ابدا وبناء علي ذلك فإنه من الضروري سرعة انهاء هذا الذي يحدث سواء باحترام ما يقضي به القانون او من خلال وساطة الحكماء. اخيرا فإنه وعند تفسير وتحليل كل هذه الوقائع لابد أن ندرك انها ليست إلا امتداد لحالة التوتر وعدم الانضباط التي تسود المجتمع والتي كنا نرجو ونتمني ان ينأي عنها الذين بيدهم ضبط ايقاع العلاقات بين فئات هذا المجتمع واقرار الحق والعدالة.