ومعاييرها الخاصة التي من خلالها توضع اللافتة علي الأعمال الساخنة، في الوقت الذي لا توضع فيه علي الأكثر سخونة وإثارة. الغالبية اتهمت المجتمع الذي تبدلت حاله بأنه السبب، ومنهم الناقدة ماجدة خيرالله التي وصفته بالمتشدد ظاهريا، والبعض اتهم السينما بأنها تجاوزت كل الخطوط الحمراء، في حين لم يجب أحد عن السؤال المطروح بشدة الآن ألا وهو: من المسئول عن وضع لافتة " للكبار فقط" ؟ فكثير من الأفلام في السابق كانت تمتاز بالجرأة وربما السخونة وعرضت دون هذه اللافتة مثل نساء محرمات، السراب، حمام الملاطيلي، وخمسة باب وأفلام أخري أقل منها إثارة علي كل المستويات جاءت رافعة هذا الشعار مثل " لا أنام " الذي يعرضه التليفزيون مئات المرات رغم أنه كان أول فيلم تم عرضه للكبار فقط وكذلك فيلم "حادث النصف متر" الذي كان أقل جرأة بكثير من فيلم مثل " أين عقلي" الذي عرض عرضاً عاماً رغم أن الفيلمين يتناولان موضوعاً واحداً يتعلق بعذرية الفتاة ونظرة الرجل الشرقي لها. في البداية يري هاني جرجس فوزي مخرج فيلم " أحاسيس" أن أفلاماً عديدة بالسوق خرجت دون وضع لافتة للكبار فقط مع أن محتواها مملوء بأشياء تفوق من وجهة نظره المشاهد والأفكار الموجودة بفيلمه أحاسيس. ويضيف: وافقت بإرادتي علي وضع شعار للكبار فقط الذي رأت الرقابة وضعه بدلاً من حذف مشاهد من الفيلم تخل بالسياق الدرامي للفكرة والأحداث. وأري أن مبدأ الحذف لبعض المشاهد أو تمريرها هي مسألة تخضع للذوق الشخصي والتقييم المباشر المسئول عنه الرقيب.. فمثلاً قال لي د . سيد خطاب رئيس الرقابة الحالي إن فيلم أحاسيس يعالج مشاكل حساسة تخص المتزوجين فما فائدة أن يراه الصغار دون المتزوجين؟! فاقتنعت برأيه ووافقت علي نزوله للكبار فقط.. رغم أن هذه اللافتة الآن أصبحت تشكل خسارة في شباك الإيرادات عكس ما كان يعتقد أنها وسيلة للدعاية المجانية.. ولا أري معياراً ثابتاً يحكم مسألة وضع لافتة للكبار فقط من عدمها وفي أحيان كثيرة تأتي بقرار من الرقيب الذي يفضل الابتعاد عن الهجوم الإعلامي والذي يكون الجمهور قد شحن به الإعلام والصحافة من مجرد نزول إعلانات الفيلم والحكم عليه قبل مشاهدته.. فيفضل الرقيب أن يريح نفسه من هذا كله بوضع هذه اللافتة. ويقول الناقد الكبير علي أبو شادي الرئيس السابق للرقابة علي المصنفات الفنية: المنتج السينمائي في الأساس هو الذي يحدد للرقيب ما يجوز وما لا يجوز.. وما يحذف أو يترك.. وما إذا كان الفيلم يصلح للجميع أم لفئة عمرية معينة. فهناك أعمال من الصعوبة أن تمر وذلك وفقاً للقانون الذي يضع محاذير معروفة علي بعض المواد الجنسية والدينية والسياسية وإن كان معظم ما نواجهه ونضطر لحذفه أو لوضع هذه اللافتة بسببه فيكون أغلبه لأبعاد جنسية. ومما لاشك فيه أنه علي جانب آخر.. للمجتمع دور في هذه المسألة.. فإذا كانت مساحة الحرية في زمن سابق كانت تمثل 7 أو 8 علي عشرة أصبحت الآن تمثل 3 أو 4 علي عشرة فقط وما كان يقبل في السابق أصبح غير مقبول حالياً وهي مشكلة مجتمع أصبح يميل للتشدد والتدين الشكلي والذي قد يصل إذا استمر الأمر كذلك لرفض أعمال بأكملها وليس مجرد بعض مشاهد أو نزول فيلم حاملاً لافتة للكبار فقط. لذا فنحن أمام ظروف تجعل مساحة الحرية تتقلص وسقف الرقابة ينخفض ليس سقف الابداع فقط.. فالمجتمع أصبح أقوي من الرقابة متوهماً بذلك أنه يحافظ علي الأخلاق وما هي إلا دعاوي أخلاقية مزيفة. ويقول د. مدكور ثابت الرئيس الأسبق للرقابة : الأصل في هذا الموضوع يعود لدواع قانونية واجتماعية ملزمة أيضاً فقد تجد الرقابة أعمالاً تحتوي علي أشياء لايجب أن يشاهدها الجميع من كل الأعمار وهناك تصنيف بعض الأعمال علي أنها للكبار فقط وهي لافتة تسترشد بها العائلات حينما تتوجه لمشاهدة فيلم معين ومن حقها أن تعرف مؤشراً لمحتواها ويكون لها حق الاختيار فالهدف في الأساس هدف إرشادي وفي رأيي أن المجتمع في حاجة إلي من يرشده إلي مثل هذه التوجهات التربوية تجاه أبناء الأسرة وغياب هذه اللافتة من علي بعض الأعمال التي تستوجب وضعها يعتبر نقصاً شديداً وعودتها شيء محمود جداً وأنا معه في تحديد وضع هذه اللافتة من عدمه بل أكثر من ذلك هو من حقه علينا وضع هذه اللافتة من أجل الصالح العام. ويري الناقد الفني طارق الشناوي أننا لا نملك معايير ثابتة تحدد أسباب وضع هذه اللافتة أو عدم وضعها حتي علي مستوي مشاهد العري والمشاهد الساخنة فهناك أفلام تنزل للسوق وبها هذه المشاهد دون أدني تدخل رقابي وأحياناً نجد العكس وهذا يدل علي غياب المعيار ورغم وجود معايير قانونية مفترض أنها ثابتة فإن الاشكالية تأتي من أن من يطبق القانون هو الذي يفسر القانون وهنا تصبح المسألة شخصية ونسبية ففي التفسير دائماً هناك مجال للرأي الشخصي وهناك بالطبع دور كبير للمجتمع الذي يفرض أحكاماً أخلاقية طالبت حتي بعض الصحفيين والنقاد في رؤيتهم وتحليلهم للأفلام ويقال إن الفيلم الذي ليست به أي كلمة قبيحة أو مشهد خارج هو فيلم جيد مع أن المنطق الفني يقضي بالحكم علي الفن كفن وأنه إذا كان المشهد مبرراً في إطار الدراما وله منطق سينمائي فهو مشهد ضروري إذن. لكن بالفعل أصبحنا الآن أمام قوة اجتماعية لا يمكن إغفال دورها الذي تمارسه بشكل أو بآخر من وجود الرقابة علي هذه الأفلام والتي تؤثر السلامة أمام أسلحة الضغط الاجتماعي التي تفرض نفسها.. والرقابة علي الجانب الآخر تستجيب لهذه الضغوط. وتقول الناقدة الفنية ماجدة خير الله : المجتمع أصبح متشددًا أكثر من اللازم فحتي إذا كانت بعض الأفلام تحتوي علي ما نسميه "جنون" فهذا ليس جديداً.. أما النظرة إليه فهي التي اختلفت.. فقد كنا ونحن في المرحلة الثانوية نخرج من المدرسة وبجوارنا مدارس بنين.. وكان أفيش فيلم "شهر عسل بدون إزعاج" لناهد شريف وقد بدت في الصورة بظهر عار تماماً وبطول عمارة.. ولم يلتفت أحد لهذا المشهد بعين الانتقاد علي الإطلاق وكذلك إعلان فيلم " الثلاثة يحبونها " لسعاد حسني وهي ترتدي مايوه.. ولم يكن هذا يثير أي ضجة أو أي شيء كما يحدث الآن لما هو أقل من هذا. الآن مثلاً أصبحنا نري ظاهرة غريبة.. عندما ينزل أفيش لفيلم معين علي سبيل المثال "سهر الليالي" والأربع فتيات بطلات الفيلم واللاتي كن يرتدين ملابس سهرة عارية تجد اليوم التالي من يقوم بتشويه الصور بلون أسود! هذه دلالات علي التغير الاجتماعي الذي حدث، في الوقت الذي أصبحت فيه الرقابة مجرد وظيفة.. لا تريد توجيه اللوم إليها في إطار التراجع وعدم الموضوعية وعدم المسئولية في الحكم علي الأعمال أساساً.. ووجود أبواب خلفية تقوم بدور الرقابة مثل مجلس الشعب والأزهر والكنيسة والمحامين.. إلخ. كل هؤلاء بدورهم يشكلون قوة ضغط علي الرقابة التي لا ترغب في أن تكون "ملطشة" لأحد، في العالم كله يتم تصنيف الفيلم إلي مراحل عمرية ويكتب الفيلم هذا للأعمار من كذا إلي كذا.. وأنت حر تدخل أو لا تدخل علي مسئولية نفسك لكن لا نمنع أحداً من الدخول مادام يعلم ويرغب بكامل إرادته.. فالغرض ليس المنع وإنما التحذير.. إنما نحن لدينا خلط في كل شيء.. حتي في الحكم علي العمل ومخرجه الذي يحق له أن يفعل ما يشاء ومن لا يرغب في المشاهدة فهو حر وما يحدث أن الرقابة تفضل وضع هذه اللافتة لكي تريح وتستريح. أما التفسير الاجتماعي والنفسي فيتحدث عنه د. محمد سيد خليل أستاذ علم النفس الاجتماعي بكلية الآداب جامعة عين شمس قائلاً: أولاً.. السينما تتجاوز غالبًا كل الخطوط الحمراء، وهناك أعمالاً شديدة الهبوط والتدني وأعمالاً عديدة تقدم دون محتوي أو فكرة أو قيمة ويبقي الاستسهال في الجذب عن طريق اللعب علي الغرائز وما هو أسوأ من العري أيضاً أن نجد أفلاماً تهدر قيمة الإنسان وتهينه وتقدمه في صورة متدنية لا تتناسب أبداً مع سمو قيمة الإنسان. وعلي الجانب الآخر نجد فقراً في لغة الحوار الدقيق والموضوعي بين كل التيارات الدينية والفكرية وعدم القدرة علي التفكير بشكل سليم وبالتالي فالجمهور أصبح غير قادر علي التعامل مع ألوان الرأي المختلفة فلاذ كل فرد بموقفه الشخصي، معتقدًا أنه الصواب الوحيد. هذه السطحية في التفكير أدت لوجود نزعات العنف والتطرف وربما التعصب وعدم الحكم السليم علي الأشياء.. كل هذه الأشياء بالضرورة تصب من الناحية الاجتماعية في بوتقة الرقابة وقراراتها حيال رؤيتها للأفلام المقدمة بها خاصة إذا كان القائمون عليها لا يملكون شجاعة أدبية وفكرية كافية للمواجهة والتصدي لهذه التيارات وإتاحة الفرصة للمقلدين الحقيقيين للمواجهة.. الأمر بالتالي يتماشي مع أن السائد أفضل من المواجهة والصدام.. فيضعون لافتة للكبار فقط للابتعاد عن أي خطر أو تهديد في أمور هي في الأصل لا فيها خطر ولا تهديد.