سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المؤرخ الكبير د.صلاح الدسوقي يفتح ملف »ثورات مصر« : المصريون لم يتعلموا من دروس التاريخ! عمر مگرم أهدي السلطة لمحمد علي.. لأن المصريين فقدوا الثقة في حگم أنفسهم
يوما بعد يوم تزداد الحاجة إلي العودة إلي الماضي من أجل استشراف المستقبل، فتاريخ الثورات المصرية حافل بالإنجازات وعامر بالأخطاء، لذلك في إعادة قراءة أسباب كل ثورة في تاريخ مصر الحديث وما آلت إليه يمكن أن يكون رافدا مهما للحفاظ علي ثورة 25 يناير، والحفاظ علي مكتسباتها. المؤرخ الكبير د. صلاح الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان يفتح ملف الثورات المصرية ويحللها في إسقاط واضح علي الحاضر. في البداية، ما أسباب قيام ثورتي المصريين ضد الحملة الفرنسية؟ في عام 1799 قامت ثورة القاهرة الأولي ضد الحملة الفرنسية، والطريف أن شرارتها لم تكن من البسطاء، بل كانت من التجار الأغنياء بعد أن فرض عليهم نابليون ضرائب باهظة بعد قطع الإمدادات عنه، ثم تحرك المصريون للانضمام لهذه الثورة مدفوعين بالشعور الوطني فجاءت القيادة من الازهر ضد المحتل الأجنبي، فالثورة بدأت طبقية، وانتهت وطنية. أما بالنسبة لثورة القاهرة الثانية 1800 فقد كانت بدايتها أيضا اقتصادية عندما طلب كليبر من حي بولاق تسليم تاجر اسمه مصطفي البشتيلي وإلا قصف الحي، والغريب أن أهل بولاق قاموا بتسليمه في برميل للفرنسيين! نادت ثورة عرابي بالاستقلال.. لكنها انتهت بالاحتلال الأجنبي.. كيف؟ بدأت الثورة عام 1881 بمطالب فئوية من الجيش، وهؤلاء الضباط خريجو مدرسة الضباط التي أسسها محمد سعيد باشا عم الخديو اسماعيل وكان يدخلها ابناء الصفوة في المجتمع التي اصبحت الكلية الحربية، وأحمد عرابي كان والده عمدة، وكانت مطالبهم الأولي ترقية العسكري المصري إلي ضابط ثم ترقيته للمناصب القيادية، كذلك منحهم أجازة مدفوعة الأجر، وأن يدفع في القطار "نصف تذكرة"! أما ما ربط ثورة عرابي بالحياة المدنية أنه كانت هناك جماعات مدنية تتحدث عن الاستقلال الوطني كأحد توابع إنشاء مجلس شوري النواب، وهنا اتحد رفض الاحتلال الاجنبي مع المطالب الفئوية للضباط، حتي فشلت الثورة بالتدخل البريطاني. هناك سؤال يشغل بال الكثيرين، لماذا لم يتول عمر مكرم حكم مصر، رغم أنه قائد الثورة التي جاءت بحكم محمد علي؟ في عام 1805 حدث هياج شديد من المصريين ضد السلطة الحاكمة، قادها الشيخ عمر مكرم وهو من علماء الأزهر، وبالفعل قام عمر مكرم بعرض الحكم علي (محمد علي) لأنه كان في الأصل تاجرا، وليس عسكريا محترفا في جيوش الأتراك التي كان يكرهها المصريون، والتفت علي مبارك لملحوظة أن عمر مكرم لم يتول الحكم بنفسه وكتب ذلك في كتاب صغير في سبعينيات القرن الماضي، بعنوان"نخبة الفكر في تدبير نيل مصر" وكان تفسيره أنه منذ ان انتهي حكم الفراعنة، فقد المصريون الثقة في أنفسهم، وفقدوا الثقة في قدرتهم علي ان يتولوا الحكم بأنفسهم، فالحكم لم يعد مهمتهم ولا مهنتهم، وللتأكيد علي هذه الفكرة، فإن المصريين انحصرت علاقتهم بالسطة في توديع محتل، واستقبال محتل جديد، من البطالمة للرومان للمماليك، لكنهم لم يخرجوا اي محتل بأنفسهم، ومن هذا ظهرت الأمثال الشعبية التي تؤكد أن الحاكم يرحل والشعب هو الباقي مثل "ما يحكمش"! وبالتالي فإن عمر مكرم لم يتول الحكم بنفسه، لكنه عقد أول وصاية علي الحكم، وتم توقيع عهد مع محمد علي في المحكمة الشرعية في بيت القاضي، بمقتضاه يتولي حكم مصر مقابل أن يسير فيهم بالمعروف ولا يقرر شيئا إلا بالرجوع إليهم، لكنه بعد ذلك انقلب عليهم كما نعرف ونفي عمر مكرم ودبر مذبحة المماليك وانفرد بالحكم. هل حققت ثورة 1919 أهدافها، خاصة في الديمقراطية والحكم؟ خلال ثورتي 1919 و1952 وتحديدا منذ وضع الدستور وإجراء الانتخابات عام 1924 تغيرت 35 حكومة! وكانت شروط الترشح تحول دون وصول أي قوي سياسية للحكم غير طبقة الأغنياء، فقد كانت (ديمقارطية زائفة) ولك أن تعلم أن الذي يرشح نفسه لمجلس الشيوخ الذي يراجع القوانين يجب أن يكون ممن يدفعون ضرائب علي أطيان زراعية تقدر ب 150 جنيها في السنة، أي أنه يمتلك 300 فدان علي الأقل! كما أن المرشح يجب أن يدفع 150 جنيها تأمينا لا يرد له إلا إذا حصل علي 5٪ من الاصوات، علما بأن سعر الفدان وقتها كان 50 قرشا! فهذا برلمان طبقي أصدر التشريعات لصالح الأغنياء، فمثلا سنة 1944 أصدرت حكومة الوفد قانونا بعقد العمل اليومي، أي أنه حتي هذا التاريخ لم يكن هناك قانون للعمال، فإذا كنت تعمل في شركة بكلمة أو الاجر باليومية وسيستثني هذا القانون عمال الخدمات والمحلات التجارية وعمال المراكب وعمال الزراعة! أي استثني القانون كل العمال تقريبا حتي لا يضار الملاك وأصحاب المصانع! حتي عندما اعدوا دستور 1923 تم رفض اقتراح بحق العمال في تكوين نقابات. والخلاصة أنه لو كانت مصر قبل 1952 تطبق نظاما رأسماليا حقيقيا يتم فيه السماح بتكوين نقابات تدافع عن مصالح العمال، وتتوازن العلاقة مع الملاط ما وقعت ثورة يوليو. البعض يعيب علي ثورة يوليو الاهتمام بالبعد الاجتماعي علي حساب الحريات والحياة الديمقراطية؟ الديموقراطية في اصلها حكم أصحاب المصالح وليس الشعب وهنا الأزمة في الترجمة.. ففي أصلها عند اليونان كانت تنطبق علي كل من له اب وأم أثنين ويملك، اما الاغراب فهم المهاجرون والعبيد والمرأة فلم يكن لهم الحق في التصويت، حتي الان اعضاء الكونجرس ومجالس العموم اغنياء، وعليه فإن هدف "إقامة حياة ديموقراطية سليمة" تحقق، بمعني أن الثورة أقامت ديموقراطية مختلفة عما كان قائما قبل الثورة. هل كانت هناك "ثورة مضادة" لثورة يوليو كما يحدث الآن ضد ثورة يناير؟ نعم.. كل ثورة تقابلها ثورة مضادة، لكنها تختلف في الدرجة وليست في النوع، ففي ثورة عرابي أصدر المشايخ فتوي شرعية للخديو توفيق بأن عرابي "عاصي علي ولي الامر"، وفي ثورة 1919 تجمع كبار الملاك بقيادة عدلي يكن، وأسسوا حزب الاحرار الدستوريين، وكان الوفد يطلق عليهم "برادع الانجليز"، أما في ثورة يوليو فقد كانت هناك قوي عديدة مضادة للثورة مثل طبقة الأغنياء والوفد الإخوان المسلمين. كيف يمكن أن نتعلم اليوم من دروس التاريخ؟ للأسف نحن لم نتعلم من دروس التاريخ، فنخب المثقفين جزء منها مع السلطة يضفون المشروعية علي القرارات وينالون الرضا، وجزء آخر يعيش في الهامش فتفرض عليه سياج من الصمت، وهناك المتلونون ولهم اشباههم في التاريخ مثل كريم ثابت الذي كان السكرتير الصحفي للملك فاروق ثم كتب مذكرات تدينه بعد ثورة يوليو! كذلك، فان الانقسامية التي عليها الحركة الوطنية تضر بالثورة وهي في صالح الثورة المضادة، كذلك مرض التكالب علي السلطة، واحدي مشكلات ثورة 25 يناير انها بلا تنظيم وبلا قائد، وحتي يحافظ الشعب علي ثورته، فلابد من تحقيق المطالب التي خرجت من اجلها بلا تهاون. كذلك لابد من تطبيق (محكمة الغدر) اليوم للتخلص ممن أفسدوا الحياة السياسية في مصر، وهو المطلب الذي تكاد تكون قد اجمعت عليه القوي الوطنية، رغم انهم كانوا يعيبون علي عبد الناصر تطبيقه، عندما عاقب ب (العزل السياسي) كل من تعامل مع الاستعمار والملك ضد إرادة الشعب، وإعادة تطبيق محكمة الغدر اليوم أراها ضرورة ملحة، فالمحاكمات السياسية مبررة تاريخيا، فالثورة عمل استثنائي في تاريخ الشعوب وبالتالي يحتاج الي اجراءات استثنائية.