علاقة وطيدة تربط ثورتي25 يناير و23 يوليو, وتصلهما بثورة9 مارس(1919) أيضا, كلها حلقات في ثورة المصريين الوطنية الديمقراطية, التي تعود أصولها الي الثورة العرابية, ولذلك لا يمكن ان تؤدي ثورة25 يناير الي قطيعة مع ثورة23 يوليو إلا إذا اختزلنا الأخيرة في نظامها السياسي ، الذي لم يكن فريدا من نوعه في وقتها, ولكنه صار معيبا وحاجزا للتقدم بعدها بدءا من سبعينيات القرن الماضي. كانت ثورة 23 يوليو1952 محاولة لإكمال مهام التحرر الوطني الديمقراطي, التي انفجرت ثورة9 مارس1919 من أجلها( الاستقلال والدستور) وحققت جزءا منها, وأضافت ثورة1952 إلي هذه المهام مهام أخري تتعلق بالتحرر الاجتماعي, وأعطتها أولوية الي جانب قضايا التحرر الوطني وعلي حساب المسألة الديمقراطية التي تبنت رؤية لها مغايرة لثورة1919 ومختلفة عما ترمي إليه ثورة2011 التي وضعت الحرية في مقدمة أهدافها باعتبارها ثورة ديمقراطية في المقام الأول. ومع ذلك تظل العلاقة بين ثورتي25 يناير و23 يوليو وثيقة لأن الخط الأساسي في تاريخ مصر الحديث هو خط الثورة الوطنية الديمقراطية المتعاقبة حلقاتها منذ مطلع ثمانينات القرن التاسع عشر عندما حمل ضباط مصريون هموم شعبهم وآمالهم علي أكتافهم. لم تنقطع العلاقة بين شعب مصر وجيشها منذ تلك اللحظة, اختلف المؤرخون في رواية تفاصيل الثورة العرابية وشكك بعضهم في أهم أحداثها, دون أن يؤدي ذلك الي نزع معناها النبيل من الوجدان المصري علي مدي نحو130 عاما توطدت خلالها علاقة غير عادية بين شعب وجيش جمعهما الحلم بمصر حرة عادلة كريمة. ولم يكن موقف جيش مصر تجاه ثورة شبابها إلا امتدادا لهذه العلاقة, فقد احتضن الجيش ثورة الشعب ووفر لها الحماية وأيد مطالبها المشروعة, مثلما ساند الشعب حركة الجيش في23 يوليو1952 وحولها الي ثورة بإرادته الحرة ووعيه التاريخي الذي اقترن بفطرة سليمة ، غير أن الخطي تعثرت مثلما حدث في صورة أخري بعد ثورة 9 مارس. كما زادت الأخطاء عن حدها, مما أدي الي ثورة مضادة قوضت بعض ما أنجزه نضال المصريين منذ1919 وأعاقت انجاز باقي المهام التي سعي اليها هذا النضال. هدف واحد من بين أهداف ثورة1952 لم تستطع الثورة المضادة مسخه, وهو بناء جيش وطني, فالاستعمال الذي قضت ثورة1919 علي جزء منه, وأكملت ثورة1952 مهمة التحرر منه, تسلل مجددا عبر إسرائيل التي تعامل معها النظام السابق, كما تعاطي مع الولاياتالمتحدة, كما لو أنه يحكم دولة منقولة سيادتها بسبب حاجته إليهما لتمرير مشروع توريث الحكم. وبعد أن ضربت ثورة1952 الإقطاع الزراعي, تنامي في السنوات العشر الأخيرة بصفة خاصة إقطاع عقاري أشد خطرا, فقد أقطع النظام السابق مساحات شاسعة من أرض مصر المملوكة لشعبها الي عدد ممن صاروا جزءا من تركيبته التي تبلورت في تلك الفترة عبر زواج حرام بين السلطة والثروة. وإذا كان الاقطاعان الزراعي والعقاري, قاما في منتصف القرن التاسع عشر ونهاية القرن العشرين علي قاعدة أن من لا يملك أقطع من لا يستحق, فقد كان بعض الاقطاع الزراعي في قلب الحركة الوطنية الديمقراطية التي قادها ملاك كبار, فضلا عن أن الصناعة المصرية ولدت من رحمه. أما الإقطاع العقاري الراهن فهو جزء لا يتجزأ من الثورة المضادة لنضال المصريين الوطني الديمقراطي الممتد علي مدي أكثر من قرن وربع القرن عبر حلقات ثورية متعاقبة. وقل أكثر من ذلك عن هدف سيطرة رأس المال علي الحكم, فقد صارت هذه السيطرة في العقدين الأخيرين أقوي وأشد سطوة مما كانت عليه قبل ثورة 1952، أما هدفا تحقيق الديمقراطية السليمة والعدالة الاجتماعية, فقد كان أولهما مؤجلا لم تضعه قيادة ثورة1952 علي جدول أعمالها, بينما قضت الثورة المضادة بسهولة تامة علي ما أنجزته تحقيقا للهدف الثاني. ولذلك كله, تواجه ثورة25 يناير تحديات كبري في سبيل إكمال مهام النضال الوطني الديمقراطي التي لم تنجز ثورتا9 مارس و23 يوليو منها الا القليل في المحصلة النهائية, فالثورات الثلاث, وليس فقط ثورتا2011 و1952, معالم رئيسية في تاريخ هذا النضال الذي يسكن لبعض الوقت, ولكنه لايلبث أن يتدفق في صورة حلقات تسلم كل منها للأخرى. فتاريخ نضال المصريين هو حركة متدفقة يرتبط فيها الحاضر بالماضي تأثيرا وتأثرا, ولذلك كان طبيعيا أن تبني ثورة1919 علي ميراث الثورة العرابية, وأن تتبني ثورة1952 ما كافحت من أجله الحركة الوطنية الديمقراطية خلال الفترة التي أعلنتها ثورة1919, فالمبادئ العامة التي أعلنتها ثورة1952 فور قيامها لم تكن في مجملها إلا بلورة لما طرحته الحركة الوطنية الديمقراطية من مطالب, والأهداف التي تبنتها ثورة2011 لم تكن في محصلتها الا صياغة جديدة للمبادئ التي استقتها ثورة1952 من نضال المصريين قبلها, وليس هذا كله الا تعبيرا عن الخط العام لنضال المصريين منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ولذلك يخطئ الآن من يصنع تناقضا بين ثورتي25 يناير و23 يوليو, مثلما أخطأ من فصلوا بين ثورتي1919 و1952 سواء من أهالوا التراب علي الأولي وحاولوا إسقاطها من التاريخ أو من ناصبوا الثانية العداء واعتبروها انقلابا عسكريا لاغتصاب السلطة وليست حلقة من حلقات نضال المصريين من أجل التحرر. والحال أن الثورات الثلاث تمثل حلقات متصلة وليست منفصلة, ولا يمكن فهم تاريخ النضال الوطني الديمقراطي في بلادنا بدون الربط بينها, كما يتعذر التطلع إلي مستقبل الوطني والديمقراطية بدون الإطلاق منها كلها باعتبارها حلقات تربط بينها عروة وثقي, بالرغم من اختلاف أولوية كل منها, وهي القضية الوطنية في ثورة1919, والمسألة الاجتماعية في ثورة1952 والتحول الديمقراطي في ثورة.2011 وفي ميزان التاريخ, تعتبر ثورة25 يناير هي محصلة ثورتي23 يوليو و9 مارس اللتين لم تحقق أي منهما أهدافها كاملة, ولذلك كانت مصر في أشد الحاجة الي ثورة25 يناير لإكمال مهام الحلقتين اللتين سبقتاها في مسار الثورة الوطنية الديمقراطية. ولا يحسبن أحد أن انجاز هذه المهام سيكون سهلا, غير أنه في دروس ثورتي 1919 و1952 ما يمكن أن يفيد في تحصين ثورة2011 وتدعيم قدرتها علي إنجاز مهامها بأمل أن تكون هي آخر حلقات الثورة الوطنية الديمقراطية في بلادنا.