الحاضر في ذاكرته ووجدانه مشحون بالسعادة والفرحة بشباب بلده الذي جعل الصعب سهلاً، والمستحيل ممكناً.. وهو يتغلب علي مرارة وانكسارات الماضي بمذاق الانتصارات لهذا الحاضر.. أما المستقبل فهو يراه واعداً بالنماء والعطاء.. حافلاً بالعدالة طارداً للرشوة والمحسوبية طالما حرص الشباب علي نجاح ثورتهم وحمايتها من أي انتكاسة. إنه محمد فايق وزير الإعلام الأسبق وصاحب الكثير من المهام السياسية في عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، والذي قال أن ثروة عبدالناصر حتي وفاته لم تزد عن مائتي جنيه!.. وأن مليارات الجنيهات المنهوبة أدت إلي إفقار الشعب واستردادها كفيل بإعادة النشاط للاقتصاد المصري.. وعلق فايق أمالا عريضة علي ثورة 52 يناير مشيرا إلي أنها ستحقق الديمقراطية التي لم تحققها ثورة 32 يوليو 2591.. كما ستعيد لمصر مكانتها الاقليمية والدولية التي تراجعت خلال السنوات الأخيرة. .. بل ستؤدي إلي خلاص المصريين من جحيم »الدولة البوليسية«.. وأوضح وزير الاعلام الأسبق أن نظام مبارك سقط منذ أن أعطي لنجله جمال تفويضا غير مكتوب بإدارة شئون البلاد بما أدي لانتشار الفساد واستحوذ 01٪ فقط من السكان علي ثروات مصر.. وقال محمد فايق الكثير.. والكثير في هذا الحوار ل»الأخبار« وإلي التفاصيل.. قبل أن نطرح عليه أسئلتنا قال وفرحة النصر تغمر وجهه: »من فضلكم، دعوني أذكركم بكلمات الاعجاب والاشادة لزعماء العالم بثورة الشباب المصري.. منهم الرئيس الأمريكي الذي قال أن شباب الثورة سوف يلهمون العالم.. ويجب أن نعلم أولادنا الثورة المصرية.. أما رئيس وزراء النرويج فقال: من اليوم، كلنا مصريون!.. بينما قال رئيس وزراء النمسا أن الشعب المصري أعظم شعوب العالم ويستحق جائزة نوبل.. شبابية.. شعبية سألناه: ماذا يميز الثورة من وجهة نظرك.. وما أوجه التشابه بينها وبين ثورة 32 يوليو 2591؟ - طبعاً هي ثورة بيضاء.. أشعلها الشباب الواعي الذي يمثل مختلف فئات المجتمع.. والرائع أن كل طوائف الشعب بالقاهرة والمحافظات التفت حول شبابها من الثوار وتلاحمت معهم، وقد انعكس ذلك في أمواج البشر الهادرة التي شهدتها الساحات والميادين.. وثورة 52 يناير تتشابه مع ثورة يوليو في أن كليهما انطلقت للقضاء علي الظلم والفساد والرشوة والمحسوبية.. أما الاختلاف بين الثورتين فهو واضح.. ثورة 52 يناير أطلقها الثوار الشباب وباركها والتف حولها الشعب.. أما ثورة يوليو فقد قاد حركتها ضباط الجيش وأيدهم بعد ذلك الشعب.. وبالنسبة لدور الجيش في ثورة يناير 1102 فهو دور الداعم المساند لها.. وعموما فالثورتان تكملان بعضهما البعض، خاصة وأن ثورة 52 يناير مطلوب منها تحقيق الديمقراطية التي لم تحققها ثورة يوليو 2591. الحزب والدولة البوليسية يتساءل محمد فايق: ماذا تنتظر من مجتمع 04٪ من سكانه تحت خط الفقر.. ونسبة كبيرة من الباقين يعانون الفقر.. مجتمع 01٪ من سكانه يستحوذون علي معظم ثروات البلاد.. ماذا كان ينتظر نظام الحكم من هؤلاء؟ والإصلاح الاقتصادي إياه؟ - يجيب بأسي: لم يكن إصلاحاً.. إنما سلب الكثير من الفقراء لزيادة فقرهم، ومنح المزيد للأثرياء لمضاعفة ثرواتهم.. فثورة يوليو 2591 عملت علي تقريب الفوارق بين الطبقات.. وحاليا انتهت الطبقة الوسطي وأصبحنا أمام طبقة أكثر ثراءً وأخري أكثر فقراً.. عملت ثورة يوليو أيضا لصالح البسطاء.. الفلاح الأجير جعلته مالكا للأرض وحاربت الإقطاع وحكومة الحزب الوطني جاءت بالاقطاعيين الجدد.. كل واحد منهم يصول ويجول في آلاف الأفدنة بينما تم حرمان الفلاح المحترف من تملك الأرض وزراعتها وتم طرده إما إلي البطالة وإما إلي أنشطة أخري. كررت اسم الحزب الوطني أكثر من مرة؟ - نعم، لأنه لم يكن- ولاحظ استخدام فعل الماضي.. لم يكن حزبا بالمعني السياسي لأنه لم يشتغل بالسياسة.. إنما بأعمال التجارة والسمسرة.. حزب يحرس ويحمي اعضاؤه نظام أمني مريب.. أمن يحمي النظام وحاشيته بدلا من حماية الشعب.. بل يستخدم ضده أساليب القمع والتنكيل إرضاءً للاقطاعيين الجدد. هل معني ذلك أن مصر قبل 52 يناير 1102 كانت دولة بوليسية؟ - نعم »دولة بوليسية بامتياز«.. والواقع يشهد بذلك!.. ولذلك فالمفروض فتح ملفات كل أعضاء ذلك الحزب والتفتيش في كل دفاتره وإعادة ممتلكاته إلي المال العام لأنه ساهم كثيرا في افساد الحياة السياسية خاصة وأنه تبين أنه كان يملك مصر كلها! بداية السقوط من وجهة نظرك، ماهي العوامل التي أدت لسقوط النظام؟ - كثيرة ومتعددة.. لكن أهمها يتمثل في اهتزاز النظام منذ أن أعطي مبارك تفويضا- غير مكتوب- لنجله جمال بحكم البلاد.. واختمار الفكرة الشيطانية للتوريث.. واعتبار الحزب الوطني مركز السلطة وليس الحكومة.. ومثلما كانت »الخاصة الملكية« قبل ثورة يوليو تمتلك آلاف الأفدنة والقصور، أصبح اعضاء الحزب الوطني يملكون عشرات الآلاف من الأفدنة والقصور والمنتجعات في كل ربوع البلاد.. وجاءت الانتخابات البرلمانية الأخيرة لتزيد من الاحتقان في الشارع أيضا.. فقد كانت مزورة وشهدت أعمال العنف والبلطجة.. وتجلت قسوة وجبروت جهاز الأمن فيها.ولا ننسي سياسة الخصخصة التي ثبت انحرافها ودفع الفقراء ثمن سلبياتها فالشركات بيعت بسعر بخس ووصل الأمر أن ثمن بيع بعض الشركات كان يعادل إيراد سنة واحدة.. كما ان عقود البيع لم تحدد ضمانات للحفاظ علي العمالة.. فتم تسريح العمال وزادت البطالة.. وكانت خطيئة الحكومة أنها باعت مواقع الانتاج الاستراتيجية وسلمت مهمة الانتاج كلها للقطاع الخاص الذي بالغ في اشعال الأسعار في غياب القانون الذي يؤدي لانضباط السوق. ثروات مصر المنهوبة كما يراها محمد فايق وزير الاعلام الأسبق، تم استقطاعها من قوت الشعب، واغتصابها من المال العام.. هذه المليارات يجب استردادها لأن إعادتها للدولة كفيل بانقاذ الاقتصاد المصري من عثرته.. ثم يأخذ نفسا عميقا وهو يتذكر ليقول: »هل يعلم هؤلاء كم كانت ثروة جمال عبدالناصر؟ لقد عاش فقيرا، ومات فقيرا.. وثروته عند وفاته لم تزد عن مائتي جنيه«!.. يعني ثروة عضو مجلس شعب ممن دخلوا البرلمان بالتزوير والتي جمعها من الصفقات المشبوهة والإتاوات، هذه الثروة تزيد ملايين المرات عن ثروة الزعيم الراحل! هل تري أن الثورة اكملت مسيرتها؟ - لا طبعا.. هناك العديد من الأهداف لابد من تحقيقها.. فالتعامل مع الدستور يجب أن يكون خطوة علي طريق تغييره كاملا.. وهو تغيير نأمل أن يؤدي إلي جمهورية برلمانية.. إلي أي مدي تخشي علي الثورة من الانتكاسة - لا قدر الله-؟ - أي ثورة لها أعداء.. وأعداء ثورة الشباب هم المتربحون والمنتفعون من النظام السابق.. مجرمو بلطجة الانتخابات ومجرمو موقعة »البغل والجمل«.. لكن رغم ما يقال ويتردد فإنني لا أخاف علي الثورة.. لأن ثوارها أصحاب إرادة وعزيمة ووطنية.. يكفي أنهم واجهوا الرصاص الحي بصدورهم.. وأنهم فتحوا الطريق لانقاذ مصر من الحزب الوطني الذي ظل مالكا لثرواتها لسنوات طويلة.. ولأن.. وهذا هو الأهم.. الشعب أصبح »هو السيد«.. هؤلاء الثوار قادرون علي خلق حياة سياسية تحظي بأحزاب حقيقية بدلا من الحزب الهزيل الذي احتكر المال والسلطة وأجاد لعبة التجارة والسوق دون ممارسة لعبة السياسة التي تخدم الوطن.. قادرون علي تحقيق ديمقراطية يكون فيها رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بالانتخاب.. والمحافظون ورؤساء الجامعات ورؤساء مجالس الإدارة وتحرير الصحف بالانتخاب أيضا. دور مصر الريادي كنت مديراً لمكتب الرئيس الراحل عبدالناصر للشئون الأفريقية.. ومستشار الرئيس للشئون الأفريقية والآسيوية.. ثم وزيرا للارشاد القومي، فوزير دولة للشئون الخارجية ثم وزيرا للاعلام.. من واقع تجاربك السياسية والدبلوماسية بكل تلك المهام حدثنا عن دور مصر الريادي؟ - كانت مصر مؤثرة في الأحداث الاقليمية والدولية.. وكنت ألمس قيمة وهيبة مصر داخل الأممالمتحدة.. علي المستوي العربي كانت مصر نقطة انطلاق المد الثوري.. وعلي الجانب الأفريقي جعلنا القاهرة مركزا لمساعدة حركات التحرر هناك.. وكنت اذهب خصيصا إلي الأممالمتحدة للدفاع عن القضايا الافريقية.. بجانب مساعدة هذه البلاد في التعليم والصحة وإنشاء البنية الأساسية، بجانب المساعدات الاقتصادية والتي شملت تقديم القروض لمعظم هذه الدول.. وبعد حصولها علي الاستقلال كسبت مصر من التعامل مع أسواقها.. ويكفي أنه اثناء حرب 7691 قامت كل الدول الافريقية بقطع علاقاتها مع إسرائيل. والآن؟ - الوضع اختلف كثيرا.. كنا نخاطب القارة السمراء من خلال برنامج »صوت أفريقيا من القاهرة« وكان يذاع ب 52 لغة ولهجة أفريقية.. ذلك البرنامج انتهي تماما في عهد أنس الفقي.. حتي لغة التخاطب عبر الأثير منعوها. والنتيجة؟ - احتلت إسرائيل مساحة العلاقات التي كنا نشغلها في أفريقيا.. والمشكلة المثارة حول مياه النيل مع دول الحوض خير دليل علي ذلك. وهل سنظل هكذا؟ - قطعا لا.. ثورة الشباب فتحت أبواب التغيير.. كسرت الملل، وقهرت اليأس.. ومن خلال تداعياتها سيعود دور مصر الريادي عربيا وافريقيا كما ستعود إليها مكانتها الدولية. هل لديك أقوال أخري؟ - أناشد جهات التحقيق ضرورة السرعة في المحاكمات لتعود الأموال المنهوبة إلي الشعب.. وحتي يتأكد المواطن المصري أن مصر اليوم وغدا أفضل منها قبل 52 يناير بكثير.