حلم قديم للإنسان في غزو الفضاء، أصبح تحقيقه مسألة وقت غير بعيد. إنسان فوق سطح الكوكب الأحمر. حتي الآن، فان الرحلات المأهولة لم تتجاوز القمر، لكن ثمة طموحات تتجاوزه إلي ما هو أبعد بكثير، غير أن الخطوة الأولي في هذا الاتجاه تستهدف المريخ. وإذا كان هناك من شكك في حقيقة هبوط الإنسان علي القمر، فإن ذلك لم يثن مخططي برامج استكشاف الفضاء علي مواصلة السعي لكسر كل حواجز الخيال، وتحويل الأحلام إلي واقع، ويبدو أن المريخ محطتهم القادمة، كخطوة علي طريق طويل، بل ربما بلا نهاية إلي قلب الفضاء. إعلان الولاياتالمتحدة عن بدء برنامج فضائي جديد، هدفه استكشاف المريخ، وامكانات ومكونات الحياة علي سطح الكوكب، الذي خلب بلونه الأحمر خيال العلماء، تماما كما داعب بهاء القمر - عن بعد- خيال الشعراء، يأتي هذا الاعلان ليدشن فصلا جديدا من علاقة معقدة بين الإنسان والفضاء الفسيح الذي يحيطه. وفي وقت تصور فيه البعض - داخل وخارج أمريكا- أن دولتهم التي لاتزال تمثل القوة العظمي الوحيدة - حتي الآن علي الأقل- علي وشك أن تفقد ريادتها الفضائية، يتم الكشف عن ملامح جولة جديدة من غزو المريخ. ولعل أهم هذه الملامح يتجلي في الاستغناء عن خدمات العربات التي تعمل بالطاقة الشمسية، وسبق اطلاقها نحو المريخ، لصالح جيل جديد من المركبات يعتمد علي الوقود النووي في مهمته المريخية. المغامرة الجديدة تعتمد في انجازها علي عربة آلية جوالة - هي بمثابة مختبر علمي- تستطيع تسلق جبل يرتفع ما يقرب من خمسة كيلو مترات، ورغم هذا الارتفاع الذي يبدو هائلا فإنه لا يعدو كونه جبلا منخفضا قياسا علي ما حوله، وهو بالمناسبة قريب من خط استواء المريخ. وإذا كانت الاستعدادات النهائية، واللمسات الأخيرة، قد قاربت علي الإنجاز، فإن الرحلة سوف تستغرق نحو تسعة شهور، لتهبط العربة في أغسطس 2102 بالقرب من مقصدها، ثم لتنطلق نحو القيام بالمهام المكلفة بها، والتي تستغرق نحو عامين. ولأن هاجس الإنسان الذي يحرك كل تطلعاته للفضاء منذ اخترع تليسكوباته البدائية، وما تلاها من دراسات وأبحاث، حتي إطلق أولي رحلاته غير المأهولة، عبر ذلك كله كان هاجسه البحث عن الحياة في مكان ما من الفضاء الذي يحيطه، وكان »التفتيش« عن أرض أخري، أو كواكب شبيهة بالأرض التي عاش فوقها حلما لم يبرح خيال وجهود القائمين علي تخطيط وتطوير كل المشروعات الفضائية. ودائما كانت الإشارة التي تدفع الإنسان لمزيد من الفضول للبحث عن الحياة، ولو في صورتها البدائية ، تتمثل في وجود المياه، من ثم فإن المهمة المريخية المرتقبة معنية- بشكل أساسي- بالتدقيق في وجود طبقات الطين، ومركبات الكبريت التي تؤشر لوجود المياه، ومن هنا فإن احتمالات توفير مقومات الحياة لبعض الكائنات تصبح فرضية يمكن اختبار صحتها، والعمل علي التأكد من صوابها. في يوليو 9691 وطأت قدما رائد الفضاء الأمريكي ارمسترونج سطح القمر، فمن يكون - إذن - »أرمسترونج المريخ« الذي يسقط بعض المخاوف، ويعمق كثيرا من آمال البشرية بعيدا عن الأرض؟!