هل يحلم البشر بملاذات آمنة في الفضاء؟ وإلا فلماذا يتم التخطيط -بحماس شديد- لمهام فضائية تبحث عن كواكب تشبه الأرض خارج المجموعة الشمسية؟ وإذا كان ارتياد القمر بات حلما قديما، فإن الدور قد حل علي المريخ، في ظل برامج فضائية لم تترك قريبا أو بعيدا في الكون الفسيح، إلا وتطلعت لاستكشافه، بينما لم تفلح جهود الإنسان في مواجهة الكثير من المشاكل التي تنغص حياته علي الأرض! الكوكب الأحمر -إذن- المحطة القادمة التي تتسابق القوي الفضائية الكبري لبلوغها في المستقبل المنظور. غير ان ثمة مفارقة مثيرة تحكم السباق، فروسيا تحاول الفوز بضربة البداية، واعادة عقارب الساعة إلي الوراء، عبر التذكير بما شهدته ستينيات القرن الماضي، حين تفوقت أكثر من مرة علي أمريكا في الصراع علي غزو الفضاء، والوصول للقمر، وربما لم تنس موسكو ان غريمتها استطاعت في النهاية ان تكون صاحبة أول قدم بشرية تطأ سطح القمر، فهل يخطط الروس لرد اللطمة التاريخية عبر أول رحلة مأهولة للمريخ؟ مؤشرات عديدة تشي بما يدور في اذهان الروس علي عدة مستويات، بداية من أرقي دوائر صناعة القرار السياسي، مرورا بالقائمين علي برنامج الفضاء والصناعات ذات الصلة، وانتهاء بعملية اعداد الكوادر المؤهلة لتنفيذ المهمة الصعبة المحفوفة بصعوبات هذا النوع من الريادة الخطرة! الروس يتطلعون إلي اطلاق مهام فضائية جديدة مصممة لغزو المريخ، ولا يخفون حماسهم لأن يتحول حلم الوصول للكوكب الاحمر إلي حقيقة خلال سنوات قليلة. ورغم الخبرات المتراكمة خلال نصف قرن من ارتياد الإنسان للفضاء، فإن المهمة المرتقبة تحفها مصاعب جمة، يتحمل القدر الأكبر من المخاطرة فيها أول رائد فضاء، يكون قدره ان يقضي نحو عام ونصف العام في رحلتي الذهاب والعودة، والمكوث علي سطح المريخ لانجاز كل التكليفات المناطة إليه. وبالفعل فإن فريقا من المتطوعين الروس يواصلون التدريبات الشاقة لوضعهم في أجواء المهمة، ومع ان البرنامج الفضائي الأمريكي يواجه تحديات عدة، إلا ان ذلك لم يحل دون إعلان واشنطن عن نواياها استئناف برنامج لاستكشاف المريخ، غير ان كشف الروس عن طموحاتهم، ربما يدفع المنافس التقليدي لهم إلي تدشين مرحلة جديدة- نوعيا- من المنافسة علي المريخ، وبالمقابل احتمال تأجيل واشنطن ازاحة الستار عن نواياها الحقيقية إلي »الوقت المناسب«، وقد تفضل المباغتة بخطوة عملية تقطع بها الطريق علي الروس، فهل يتكرر »السيناريو القمري« مرة أخري عند استهداف المريخ؟ الخطوة التمهيدية للبرنامج الروسي سوف تتم عبر الاقتراب من الكوكب الأحمر إلي أقصي درجة ممكنة لاستكشاف القمر فوبوس، ويعول العلماء الروس الكثير علي هذه المهمة، ليس فقط بالعودة بعينات من تربة القمر، أو إجراء التجارب علي سطحه، ولكن أيضا من خلال عمليات المسح للفضاء المحيط ب »فوبوس«. وربما يكون الأكثر عمقا في المهمة، ومن ثم الأهم في سياق مزيد من الاستكشاف، تمهيدا لشد الرحال إلي المريخ، إنما يتمثل في الاحاطة عن قرب شديد بأجواء المريخ، والتحقق من وجود غاز الميثان في غلافه الجوي، وكذا دراسة غلاف الذرات المحيط بالكوكب الأحمر. أما الأكثر اثارة، فيتعلق بوجود مجموعة من الكائنات الحية الدقيقة علي متن المحطة، يتم وضعها تحت الملاحظة لتحديد الآثار الناجمة عن الرحلة عليها. يبقي سؤال: هل يفتح الصراع الروسي/الأمريكي شهية الأوروبيين والصينيين لمزاحمة الغريمين في السيادة علي الفضاء، كما يحدث علي كوكب الأرض؟!