نائب الرئيس الجامبي يفتتح المركز الطبي المصري في " بانجول" (فيديو)    محافظ القليوبية يشارك في احتفال الرقابة الإدارية باليوم العالمي لمكافحة الفساد بجامعة بنها    جامعة العاصمة: تغيير اسم الجامعة لن يؤثر على ترتيبنا بالتصنيفات الدولية    القومي للمرأة ينظم ندوة توعوية بحي شبرا لمناهضة العنف ضد المرأة    أبو المكارم: قطاع الكيماويات يستهدف 9.5 مليار دولار صادرات في 2025    ارتفاع طفيف بأسعار الذهب اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر2025    بشهادة فيتش.. كيف عززت مصر جاذبيتها الاستثمارية رغم التحديات العالمية؟    ترامب يصعّد ضد أوروبا: قارة تتدهور يقودها ضعفاء.. فكيف ردت بروكسل؟    تركيا تدين اقتحام إسرائيل لمقر أونروا في القدس الشرقية    بالصف الثاني.. الأردن تتقدم على مصر بثنائية في الشوط الأول    مسار يكتسح البنك الأهلي بثمانية أهداف نظيفة في دوري الكرة النسائية    قبل صدام محتمل مع بيراميدز.. فليبي لويس: هدفنا لقب الإنتركونتيننتال    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زميله وتقطيع جثته بمنشار كهربائي في الإسماعيلية ل 20 يناير    تأييد حكم السجن 3 سنوات لسكرتير نيابة بورسعيد بتهمة تسريب حرز قضية سفاح النساء    10 سنوات مشدد لبائع خضروات وعامل.. إدانة بتجارة المخدرات وحيازة سلاح ناري بشبرا الخيمة    كوارث يومية فى زمن الانقلاب… ارتباك حركة القطارات وزحام بالمحطات وشلل مرورى بطريق الصف وحادث مروع على كوبري الدقي    الأوبرا تحتفي بفيروز عل المسرح الكبير    "مصر للصوت والضوء" تضيء واجهة معبد الكرنك احتفالًا بالعيد القومي لمحافظة الأقصر    الأوبرا القطرية تتجمل بأنغام مصرية في انطلاق مهرجان الأوبرا العربية    استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم لليوم الرابع في العصامة الجديدة    محافظ المنوفية: استحداث وحدة لجراحات القلب والصدر بمستشفى صدر منوف    قوات الدفاع الشعبي والعسكري تنظم زيارة لمستشفى أبو الريش للأطفال    مدير المستشفى المصري في جامبيا: مركز بانجول الطبي يضم أحدث الأجهزة العالمية    قوات الدفاع الشعبي تنظم زيارة لطلبة جامعة القاهرة والمدارس العسكرية لمستشفى أبو الريش للأطفال    شباب الشيوخ توسع نطاق اختصاصات نقابة المهن الرياضية    اليابان: تقييم حجم الأضرار الناجمة عن زلزال بقوة 5ر7 أدى لإصابة 34 شخصا    شتيجن يعود لقائمة برشلونة ضد فرانكفورت في دوري أبطال أوروبا    لليوم الخامس.. فرق البحث تنهى تمشيط مصرف الزوامل للبحث عن التمساح    لا كرامة لأحد فى زمن الانقلاب.. الاعتداءات على المعلمين تفضح انهيار المنظومة التعليمية    وفاة شخص صدمته سيارة بصحراوي سمالوط في المنيا    الاتحاد الأوروبى يطالب بتهدئة فورية بين كمبوديا وتايلاند والعودة للمفاوضات    القاهرة الإخبارية: قافلة زاد العزة ال90 تحمل أكثر من 8000 طن مساعدات لغزة    بدء تفعيل رحلات الأتوبيس الطائر بتعليم قنا    نيللي كريم: مبقتش أعمل بطولات وخلاص عشان أثبت إني ممثلة كبيرة    كامل الوزير: توطين صناعة السيارات محور رئيسي في خطة النهوض الاقتصادي    متحدث «الأوقاف»: مصر قرأت القرآن بميزة «التمصير والحب» لهذا صارت دولة التلاوة    غدًا.. فصل الكهرباء عن قريتي كوم الحجنة وحلمي حسين وتوابعهما ببيلا في كفر الشيخ    وزارة الرياضة توضح تفاصيل إصابة لاعب أثناء مباراة الدرجة الرابعة بمغاغة    الأعلى للإعلام يستدعى المسئول عن حساب الناقد خالد طلعت بعد شكوى الزمالك    ليوناردو دي كابريو يهاجم تقنيات الذكاء الاصطناعي: تفتقد للإنسانية وكثيرون سيخسرون وظائفهم    المشاط تتسلم جائزة «القيادة الدولية» من معهد شوازيل    الدفاع الروسية تعلن السيطرة على بلدة "أوستابيفسكي" في منطقة دنيبروبتروفسك الأوكرانية    جامعة قناة السويس تقدّم خدمات علاجية وتوعوية ل711 مواطنًا خلال قافلة طبية بحي الأربعين    صلاح وسلوت.. مدرب ليفربول: أنا مش ضعيف وقلتله أنت مش هتسافر معانا.. فيديو    مراسلة قطاع الأخبار بالرياض: الأعداد تتزايد على لجان الانتخاب في السعودية    وزارة الاستثمار تبحث فرض إجراءات وقائية على واردات البيليت    قرار عاجل لمواجهة أزمة الكلاب الضالة في القاهرة    رنا سماحة تُحذر: «الجواز مش عبودية وإذلال.. والأهل لهم دور في حماية بناتهم»    حزب الاتحاد: لقاء الرئيس السيسي مع حفتر يؤكد حرص مصر على استقرار ليبيا    مدبولي يتفقد مشروع رفع كفاءة مركز تكنولوجيا دباغة الجلود بمدينة الروبيكي    رياضة النواب تهنئ وزير الشباب بفوزه برئاسة لجنة التربية البدنية باليونسكو    فحص 7.4 مليون تلميذ ضمن مبادرة الكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم»    غدا.. بدء عرض فيلم الست بسينما الشعب في 9 محافظات بأسعار مخفضة    رئيس اللجنة القضائية: تسجيل عمومية الزمالك يتم بتنظيم كامل    وزير الثقافة يلتقي نظيره الأذربيجاني لبحث آليات تعزيز التعاون بين البلدين    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ماذا تعمل ?!    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    هل يجوز إعطاء المتطوعين لدى الجمعيات الخيرية وجبات غذائية من أموال الصدقات أوالزكاة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خمسون سنة فضاء.. وسياسة
نشر في نهضة مصر يوم 09 - 12 - 2007

منذ زمن بعيد، كانت أخبار الفضاء وأحداثه المثيرة تثير اهتمامي بدرجة كبيرة، فلم أتوقف عن متابعة ما يجري في هذا المجال من اكتشافات، وكنت أري في الفضاء الطريق الآخر لمستقبل البشرية المشغولة علي الأرض بشقائها اليومي وصراعاتها الصغيرة والكبيرة. لقد أصبح الفضاء في المستقبل مرادفا للبحار والمحيطات
في الماضي وما نتج عن اقتحام دروبها الموحشة من اكتشافات جغرافية جديدة، وإثبات لكروية الأرض، والتعرف علي مجالاتها الحيوية من مياه وإنسان وكائنات حيوانية ونباتية وفوقهم غلاف جوي حاضن لمعجزة الحياة والعقل. ومنذ قرون بعيدة طرحت المجموعات البشرية علي نفسها سؤالا: هل نحن وحدنا في هذا الكوكب؟ ومع دخول عصر الفضاء تحول السؤال إلي: هل نحن وحدنا في هذا الكون؟ وإذا كنّا وحدنا في هذا الكون فما المصير لو اختفت الحياة علي الأرض بسبب كارثة آتية من داخلها أو خارجها؟
يحتفل العالم هذا العام بمرور خمسين عاما علي صعود الإنسان إلي الفضاء، ليس بنفسه ولكن بإرسال أول قمر صغير من صنعه إلي مدار حول الأرض ليدور حولها في 96 دقيقة فقط. تحقق هذا الإنجاز علي يد الاتحاد السوفيتي في 4 أكتوبر 1957 عندما فاجأت موسكو العالم بإطلاق القمر الصناعي "سبوتنيك" ووضعه في مدار قريب من الأرض. ولم يحمل القمر الصغير في داخله إلا جهاز إرسال بدائي يُصدر نبضات متتالية (بيب..بيب) فيتلقاها مُستقبل علي الأرض فيطمئن العلماء أن القمر مازال يدور في مداره هناك. وبعد أن خرجت الولايات المتحدة من صدمة "سبوتنيك" سارعت بإطلاق قمرها الصناعي الأول "إكسيبلورر" في 31 ديسمبر 1958، ولم ينتظر الاتحاد السوفيتي طويلا فبادر بإطلاق أول رائد فضاء (جاجارين) داخل كبسولة إلي مدار حول الأرض في 12 إبريل 1961؛ وردت أمريكا بالمثل لكن إنجازها الأكبر كان في إرسال أول إنسان إلي القمر (نيل أرمسترونج) وهبوطه عليه في 20 يوليو 1969 وعودته سالما إلي الأرض وهو إنجاز لم يتكرر لدولة أخري حتي الآن.
بعد نصف قرن من "سبوتنيك"، يُمكن القول أن الإنسان قد شيد لنفسه بنية تحتية (أو فوقية إذا جاز التعبير) في الفضاء، مُكونة من منظومة هائلة من الأقمار الصناعية التي تدور في مدارات مختلفة حول الأرض وعددها الآن يصل إلي حوالي 560 قمرا عاملا يتحملون حاليا مسئولية إدارة معظم العمليات الحيوية علي وجه الأرض مثل أقمار الاتصالات، والملاحة، والاستشعار عن بعد، والتنبؤ بالطقس، والاستطلاع والتجسس، والإنذار المبكر وكثيرا من التطبيقات الأخري الضرورية. وهناك أقمار لا تنظر إلي الأرض بل تحملق في الفضاء الشاسع لرصد إشعاعاته وتصوير ما يحدث فيه من عمليات كونية. وربما كان من أهم الإنجازات الكبري إطلاق مراصد فضائية تدور حول الأرض، ومن خلالها حدث انقلاب حقيقي في علم الفلك، واكتشاف كواكب خارج المجموعة الشمسية لأول مرة، كما تم رصد ميلاد النجوم وموتها، والثقوب السوداء، وغيرها من الظواهر الكونية التي لم تكن معروفة من قبل، وظهرت مع هذه الاكتشافات نظريات عن بداية الكون مثل نظرية "الانفجار العظيم".
للسفر إلي الفضاء بعيدا عن الأرض كان ولابد من قهر الجاذبية الأرضية، وهي المرادف الفضائي للعواصف والأمواج في حالة البحار والمحيطات. وبدون المحركات الصاروخية العملاقة ذات القدرة الهائلة لم يكن ممكنا قهر الجاذبية والدوران حول الأرض، والانطلاق صوب القمر، أو السفر إلي كواكب المجموعة الشمسية الأخري. وفي الخمسينيات كانت الصواريخ العابرة للقارات بمحركاتها الضخمة مجالا للتنافس بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، ومع مزيد من تطوير لهذه المحركات أصبح ممكنا توفير القوة المطلوبة للوصول إلي مدار حول الأرض وهو ما تحقق لأول مرة في حالة "سبوتنيك".
كان للاتحاد السوفيتي السبق في إطلاق محطات فضائية تدور حول الأرض. وتختلف المحطات الفضائية عن الأقمار الصناعية في أنها تسمح بإقامة البشر داخلها للقيام بأبحاث علمية في ظروف انعدام الجاذبية، وكان من أشهرها المحطة الفضائية "مير" التي استقبلت روادا من معظم دول العالم. أُطلقت "مير" في 20 فبراير 1986 في عصر الرئيس ميخائيل جورباتشوف وسط شعارات "البريسترويكا" وإعادة البناء. وعندما انهار البناء السوفيتي ومعه جورباتشوف بقيت "مير" كوكبا في السماء ورمزا باقيا من رموز الدولة السوفيتية التي اختفت رموزها علي الأرض واحدا بعد الآخر.
وعندما يأتي ذكر المحطة الفضائية "مير"، وانهيار الاتحاد السوفيتي، يتذكر الناس رائد الفضاء السوفيتي "سيرجي كريكاليف" من أبناء "لينينجراد" والذي صعد إلي "مير" في مايو 1991 وعاد إلي الأرض بعد ذلك في مارس 1992 ليجد دولته وقد تغير اسمها إلي "روسيا الاتحادية" واسم مدينته وقد تغير إلي "سان بطرسبرج". وخلال حياة "مير" دارت حول الأرض 87600 مرة، وأُجري داخلها 16500 تجربة، وساعدت في تطوير 600 من التكنولوجيات الصناعية، وتدرب داخلها 104 من الرواد حقق بعضهم أرقاما قياسية في البقاء داخل المحطة لم تتحطم حتي الآن. وعندما أصاب مير الوهن بعد عمل شاق لسنين طويلة تقرر التخلص منها، وفي فجر الثالث والعشرين من مايو 2001 بدأ العد التنازلي لإسقاطها، فأشعلت المحطة الأرضية محركا صاروخيا صغيرا متصلا بها، فأخرجها عن مدارها، وتركها تهوي صوب الأرض، وتحترق وتتحول إلي شظايا ورماد تنتشر فوق مياه المحيط الواسع.
اختارت الولايات المتحدة مسارا آخر بعيدا عن المحطات الفضائية، فطورت مكوك الفضاء العملاق ليكون قادرا علي رفع حمولة قد تصل إلي ثلاثين طنا تعادل 4-5 مرات حمولة صواريخ الإطلاق التقليدية، لكن الأهم أنه متعدد الرحلات - ذهاب وإيابا - مقارنة بالصاروخ الذي لا يُستخدم إلا مرة واحدة. وتكفل المكوك بإضفاء لمسة تراجيدية علي رحلات الفضاء، فتعرضت بعض رحلاته أكثر من مرة لكوارث احترق فيها الرواد جميعا. وفي النهاية تضافر العمل الجماعي علي المستوي الدولي في بناء محطة فضائية دولية جديدة شارك في بنائها الولايات المتحدة وروسيا واليابان وإيطاليا والعديد من الدول الأوروبية والآسيوية. وبرغم غياب أنبائها عن الصفحات الأولي للصحف، إلا أنها تُمثل بقعة سلام وتعاون غالية علي حافة المجال البشري، حيث يتم علي متنها من خلال الأبحاث التي لا تتوقف رسم خارطة طريق لمستقبل الإنسان علي الأرض، ومصيره في هذا الكون الواسع.
ومع التطور، أصبح العمل في الفضاء مجالا مفتوحا للتعاون الدولي والاستثمار فيه، وصارت له قواعد وقوانين، ولا تستطيع دولة أو شركة الآن إطلاق جسم إلي الفضاء ووضعه في مدار حول الأرض إلا من خلال هيئات دولية تُنظم هذا الحق وتضع له قواعد للأمان والجودة. ولم يعد هناك من شك في حتمية مشاركة جميع العاملين في المجال عند وضع استراتيجية للفضاء في المستقبل. وهذا ما حدث بالفعل، فبمناسبة مرور نصف قرن علي عصر الفضاء، شاركت 14 مؤسسة فضائية وطنية في وضع استراتيجية عالمية للفضاء لخمسين سنة القادمة. وبجانب وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، شارك في هذه المهمة وكالات فضاء من إيطاليا وبريطانيا وفرنسا والصين وكندا وأستراليا وألمانيا والاتحاد الأوروبي والهند واليابان وكوريا الجنوبية وأوكرانيا وروسيا.
وأهم ما تضمنته الاستراتيجية الجديدة، العودة مرة أخري إلي القمر، وإرسال إنسان إلي المريخ في رحلة دولية مشتركة. وفي ظل التعاون الدولي تحاول أن تحقق تحولا نوعيا في عملية استكشاف القمر والمريخ، فمن مجرد زيارات سريعة ثم العودة إلي الأرض - وقد أصبح ذلك ممكنا بدرجة كبيرة - إلي التخطيط علي المدي البعيد للبقاء هناك والعيش لفترات طويلة. ويتطلب تحقيق هذا الهدف الطموح المرور بمراحل أخري متدرجة، منها تطوير مركبات فضائية آمنة واقتصادية للسفر إلي المكان المقصود والعودة منه إلي الأرض، واستكمال المعرفة الكاملة بخصائص هذا المكان والمختلف تماما في طبيعته عن الأرض، ثم تعلم كيفية حماية الوجود البشري من المخاطر المحيطة به علي القمر أو المريخ، إلي تجربة العيش والتأقلم مع تلك البيئة الجديدة لفترات طويلة، وفي النهاية البقاء هناك واستعماره بصورة دائمة.
وقد تبدو أهداف هذه الاستراتيجية مثل الأحلام المستحيلة، لكن ما تحقق في الخمسين عاما الماضية يتفوق علي المعجزات وتبدو بجانبه قصص الخيال العلمي ساذجة وشاحبة. وأتصور أن التعاون الدولي في مجال الفضاء علي مدي القرن الحالي سوف يُضاعف من النتائج، ويقلل من الأعباء، ويوسع الرؤية، ويهدي السعي في الفضاء إلي آفاق جديدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.