د. أحمد نوار تمثال النيل نحته السجيني في خامة الحجر الصناعي.. أبعاده 8*05*001 سنتيمتر، وتم سبكه أخيرا من خامة البرونز، يندرج هذا العمل الفني المليء بالرموز تحت ما يسمي بالنحت البارز الذي تميز به وبرع في جمالياته امتدادا لفن النحت البارز في المعابد والمقابر المصرية القديمة، وتمكن السجيني من فهم عميق لهذه النوعية من وسائل التعبير واستطاع ببلاغة تحقيق أبعاد وعمق داخل هذا المسطح ببراعة واتزان كامل بين القدرة علي اظهار نسب التشريح للجسد البشري والحيوان.. وهذا احدي ميزات السجيني، فمهارته في الرسم عمقت قدرته علي التشكيل البنائي.. واقدامه علي تحقيق أقصي درجات الإحساس بأبعاد الكتلة وهذا قد تجلي في النحت البارز لتمثال النيل، وقد جمع السجيني من خلال رموزه حضارة نهر النيل التي أبدعها وشيدها الإنسان المصري علي ضفتيه فنشاهد الحكمة والخير والأهرامات والمواكب الشراعية والنخيل والأسماك والمدينة والمعابد.. ومياه النيل تتموج وتنساب في كل مكان في أفقية موسيقية تعزف لحن الحياة، والإنسان المصري المبدع صانع هذه الحضارة يمتد جسده علي سطح النيل يدفعه إلي أعلي والأمام في تطلع للمستقبل تاركا يده اليسري ممتدة أفقيا تحمي مصر الحضارة وساقه اليسري تمتد إلي أعلي بقوة والساق اليمني في عمق النيل ويظهر القدم في أقصي يمين العمل الفني كأنه يستمد منه الحياة، وذراعه اليمني متكئا علي حضارة وادي النيل ممسكا بيده الخير من ثروات النهر، والتأمل في تنظيم وتشكيل هذا العمل الفني من الناحية التعبيرية يتضح لنا قوة وانطلاق الجسد وسط حالة من الهدوء والاستقرار ورومانسية العناصر الأخري التي تتحرك بنعومة وثبات في نفس الوقت، هذه المنظومة المتباينة أحدثت حالة من الاندهاش الجميل الذي يفرض علي المشاهد ان يستدعي طاقته الخيالية ويستجمع قدرته علي الاستيعاب ومحاولة تحريك الثابت أو تثبيت المتحرك، وهنا تكمن فكرة الفنان الرائع جمال السجيني وتجاوزه حدود الأفكار التقليدية المتعارف عليها، وبذكاء المثال المبدع الأصيل استطاع تجاوز منهجية معالجة النحت البارز في الفن المصري القديم، ويفاجيء السجيني المشاهد بلمسة طاقة ناعمة حساسة لأشرعة مصفوفة المواكب العلوية، وتماس لمسة نهاية الأشرعة بالذراع الممتدة الحامية للحضارة تأتي بحركة مائلة كأنها تدفع الجسد للأمام.. لمسة مشحونة بالمشاعر والطاقة الإنسانية، منحوتات السجيني تحمل طاقة جاذبة للتأمل والتعمق والحوار الذهني والبصري، ومن خلال متابعتي وبحثي في أعمال السجيني أكتشف في كل مرة أبعادا جمالية جديدة، وعمقا تعبيريا جديدا، وباختزال هذه المنظومة المتراكمة من الرموز والدلالات نجد ما يدفعنا إلي المزيد من التأمل والبحث والدراسة عن رؤية السجيني »وهندسته البنائية« للكتلة التي تتنامي وفق مضمون فكرته ودلالتها والتي تفجر عند الفنان علاقات وصياغات فنية مباشرة ومحددة، وغيرها غير مباشرة تأتي من المخزون في اللا وعي، هل قصد السجيني بمثلث الساقين واتصالهم بمركز الجسد الذي يرتفع في حركة حانية إلي أعلي بنهر النيل والدلتا والخير الوفير الذي يملأ هذا المثلث الأخضر؟ استطيع من خلال علمي المتواضع ان أصدق علي ان هندسة بناء تمثال النيل تتطابق مع هندسة سريان النيل في قلب مصر. »وللحديث بقية«