نستدعي من الذاكرة تاريخ الأمة، تستوقفنا علامات دالة علي من أسهموا بفكرهم وإبداعهم في شتي مجالات الحياة السياسية والعلمية والإقتصادية والفنية والثقافية - في صناعة تاريخ وطن - فالمثال جمال السجيني واحد من أعلام صناعة التاريخ علي أرض الواقع - فكان محملاً بقدر كبير من المشاعر والحس الوطني غير المسبوق الذي يضعه في مصاف الإعلام والرموز النادرة، وامتلك السجيني قدرات هائلة مكنته من إحداث حالة متغيرة ونشطة في جسد الحركة الفنية المصرية بطاقة وحيوية، والتي نفتقدها الآن، وهذه القدرات تعد الركيزة المتينة والكامنة فيه كجين ينشط بشكل متواتر ومتصاعد محدثا علاقة متبادلة بين الروح والعقل، فقوام الموهبة المتفردة عند السجيني تعد ركنا أساسيا من أركان هذه القدرات، وثقافة السجيني مبنية علي ركائز تاريخية وحضارية، أما بنيته الوطنية فهي متغلغلة في روحه وكيانه، الحركة »دينامكية الذات الفنية« جعلته في حالة زهور وإبداع مستمر، وفي منزله بالزمالك كنت أجلس وأتأمل هذه الطاقة الهائلة المتحركة، وعندما كان يتحدث تتشكل كلماته من خلال نظراته الثاقبة كمنحوتات تملأ الفراغ الذي يحتوينا، يذكرني بصديقي الراحل »خوان أتشا« من كبار المؤرخين في أمريكا اللاتينية والعالم وهو مكسيكي.. عندما كان يتكلم تتحول المعاني إلي يقين دامغ في التاريخ، فالمثال السجيني يعد بصمة دامغة في ذاكرة الوطن الإبداعية، حارب بشدة من أجل تحقيق حلم كبير وهو إعتبار التمثال جزءاً لا يتجزأ من المدينة والتخطيط العمراني، وتمثال أمير الشعراء أحمد شوقي الذي يعانق عيون الآلاف يومياً »بحدائق فيلا بورجيزي بروما« ونسخة أخري تطل من حديقة بيته بالجيزة علي نيل مصر العظيم، والنسخة الثالثة تطل علي حديقة الأورمان، ويعد هذا التمثال وتمثال العبور الذي يتوسط أحد ميادين مدينة بني سويف هي آخر التماثيل الميدانية التي تمتلك مقومات التمثال الميداني، برع المثال السجيني في إبداعه المتفرد »النحت البارز« في حافة النحاس، كما برع في منحوتاته الثلاثية الأبعاد، وعندما نتأمل تاريخ ومسيرة السجيني.. تصحبنا الذاكرة البصرية والتاريخية إلي المرجعيات الفنية التي أسست ما يسمي بالهوية الذاتية.. فنكتشف عمق ثقافته وتأمله للفن المصري القديم وكذلك فن العمارة الإسلامية، والمدرسة الأوربية، مرجعيات شكلت رؤية السجيني الفنية، وبمهارة المفكر المبدع استطلاع بإعمال العقل علي استلهام بنية هذه الحزمة الحضارية كونها جزءا لا يتجزأ من مفهوم الكتلة في الفراغ، وهذه هي سمة الفنانين العظماء الذين يمتلكون الموهبة والقدرة الخلاقة لإضافة قيم جمالية جديدة للعائلة البشرية.