الثورات الوطنية.. توحد الامم.. وتشحذ الهمم لخوض معارك التحول والانتقال من نظام سياسي فاسد.. لنظام يواكب الزمن.. ويحقق العدالة الاجتماعية والمساواة.. وهي سمات.. لم تحققها الحالة الثورية المجيدة التي اندلعت في 25 يناير 2011 واصبح الوطن كله مرفوعا من الخدمة! فالحشود المليونية.. باتت أشبه بالتجارب النووية.. التي تستهدف استعراض القوة.. والثورة علي البطش.. علي نحو ما شهدناه بعد الحرب العالمية الثانية.. عندما بدأ السباق لاجراء التجارب النووية.. من باب استعراض القوي وامتلاك القدرة علي الردع.. كي تصبح الدولة قوة عظمي.. وتنضم لعضوية نادي الكبار. ويصبح قادتها من الزعماء الذين يشار لهم بالبنان.. ولم تكن التجارب النووية.. تهدف لاستخدام هذا السلاح وقت اللزوم.. وانما كانت وسيلة لابلاغ العالم.. بأن الدولة صاحبة التجربة.. قوة عظمي.. ولم تكن امريكا بحاجة لاستخدام السلاح النووي في هيروشيما وناجازاكي في اليابان للانتصار في الحرب التي كانت قد حققت فيها الانتصار بالفعل، وانما استخدمته لتعلن للعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.. انها القوة العظمي الكبري في العصر الجديد. الآن.. تستخدم كل اطراف الصراع في مصر.. سلاح المليونيات.. للتعبير عن القوة والقدرة علي الحشد.. حتي لو ادي ذلك لتمزيق قوانا المجتمعية.. وان نفقد المليارات في ساعات العمل الضائعة في كل يوم.. وان نتقهقر.. ولا نتقدم... والمليونيات باتت أشبه بالاستفتاء حول شعبية الطرف صاحب الدعوة ووصوله للجماهير الغفيرة من ابناء الأمة.. وكان الزعيم النازي ادولف هتلر يكثر من عرض قراراته وتصرفاته علي الشعب من باب الاستفتاء.. وكان يعرف مقدما ان الشعب سيوافق عليها.. ولكنه كان يهدف من وراء ذلك إلي ان يظهر للعالم الخارجي وللشعب الألماني أن الشعب يؤيده في سياسته.. وانه الزعيم بلا منازع! فالزعيم هتلر.. كان يطلب من الشعب ان يدلي برأيه في الدستور وهو واضعه.. وهو المخطط له.. وهو صانعه.. ولم تكن انظار الشعب تتجه نحو مواد الدستور او تفاصيل محتواه وانما كانت تتجه لشخص الزعيم.. وكان الاهتمام في الواقع بشخصية الزعيم.. اكبر من الاهتمام بالتفاصيل المعقدة.. وكان هتلر يهدف في وراء الاستفتاءات التي يقوم بها ان يظهر للشعب الألماني وللعالم الخارجي ان الموافقة علي الدستور تعني الثقة في شخصية الزعيم »الفوهرر« اي في شخصه.. وبمعني اخر ان هتلر لم يكن في واقع الامر يطلب من الشعب ابداء رأيه في موضوع معين.. وانما لاعلان الثقة في الزعيم.. المحبوب. ونذكر في هذا السياق ان نابليون بونابرت استخدم هذا الاسلوب.. عندما كان يعرض قراراته الغامضة المعقدة غير المفهومة علي الشعب.. وكان الشعب يصوت بالموافقة عليه لانه كان يري.. في ذلك النص الغامض.. شخصية نابليون الذي كان موضع محبة الشعب وتقديره. ويري اساتذة العلوم السياسية.. انه لا يجوز الادعاء بأن الاستفتاء صحيح.. اذا لم تتوافر للشعب حرياته الاساسية كالحرية الشخصية وحرية الصحافة.. وحرية الاعلام بصفة عامة.. وغيرها من الحريات التي تتعين ان تكون مكفولة للجميع؟؟؟. يضاف الي هذه الشروط.. حالتنا في مصر.. حيث يكثر عدد الاميين.. وبالتالي فإن الاستفتاءات لا يمكن ان تعبر تعبيرا حقيقيا عن رأي الشعب.. ويقال في هذا الصدد انه يتعين قصر حق الاشتراك في الاستفتاء علي المتعلمين.. او علي الاقل معرفة القراءة والكتابة.. كي لا يضطر المواطن الامي للاستعانة بمساعدات خارجية.. عند الادلاء بصوته وفق مبدأ »لا حرية.. بلا سرية«.. ويري علماء الاجتماع.. ان التجارب اثبتت ان المواطن الامي.. الذي لا يعرف القراءة والكتابة.. هو أكثر الناس خوفا من الحكومة.. وان نظام الاستفتاء لا يصلح الاخذ به في بلد كمصر.. حديث العهد بالديمقراطية علاوة علي انتشار الامية علي نطاق واسع.. بين أعداد غفيرة من ابناء الشعب.. واتوقف هنا عن الكلام.. لأضيف العامل الاهم وهو اننا شعب متدين بطبعه، وكان نابليون بونابرت سباقا في استخدام هذه الحقيقة عندما اعلن اسلامه فور وصوله لمصر علي رأس الحملة الفرنسية.. وجاء في المنشور الذي وزعه علي الشعب المصري: بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له شريك في الملك.. من ممثل الجمهورية الفرنسية التي اساس حكمها الحرية والاخاء والمساواة.. القائد الكبير امير الجيوش الفرنسية بونابرت الي اهالي الديار المصرية كافة.. سلام عليكم.. لقد قيل لكم، ايها المصريون، انني نزلت ببلادكم لافسد عليكم دينكم.. وهو بهتان مبين.. فلا تصدقوه.. وقولوا لمن يزعمون ذلك انني انما قدمت بلدكم لاستخلص لكم حقكم من ايدي الظالمين.. وانني اطهر عقيدة من المماليك.. اعبد الله تعالي واحترم نبيه الكريم وقرآنه العظيم.. واعتقد ان الناس سواسية عند الله.. لا فضل بعضهم علي بعض إلا بالعقل والفضائل والعرفان. ومضي منشور نابليون يقول: خبروني بالله عن الميزة التي تفرد بها المماليك عن بقية الناس حتي اختصوا بملك مصر وحدهم.. ونعموا دون سائر الخلق بمحاسنها من الجواري المغنيات والخيل المسومة والقصور العالية.. فأين هم من كتاب الله الذي ابد عليهم امتلاكها. حاشا لله رب العالمين.. وبعونه تعالي لن يمنع بعد اليوم احد من المصريين من التمتع بالمناصب السامية والمراتب العالية.. لان أولي الامر فيكم سيختارون من طبقة العلماء اهل الفضل.. وبذلك ينصلح حال الامة. هكذا قال نابليون بونابرت عندما اعلن إسلامه حال وصوله لمصر.. ادراكا منه لمكانة الدين في قلوب شعبنا العظيم. خلاصة الكلام اننا نمر بمرحلة فاصلة في تاريخنا الطويل تقتضي وحدة الصف والتوقف عن التلويح بالمليونيات.. والاستفادة من تجاربنا السابقة.. وان نشمر عن سواعدنا ونبدأ معارك التحول وتحقيق العدالة الاجتماعية.. ونزع عن الوطن لافتة: مرفوع.. من الخدمة!